هل مكث المسيح ثلاثة أيام وثلاث ليال في القبر؟ – إيهاب صادق
كيف ظل المسيح ثلاثة أيام وثلاث ليال في القبر؟
هل مكث المسيح ثلاثة أيام وثلاث ليال في القبر؟
النقاد للكتاب المقدس دائما ما يتناولون هذه الصعوبة الظاهرية والمتعلقة بتلك المدة التي مكثها المسيح في القبر اذ انه بحسب ما ورد في متى 12:40 سوف يمكث في قلب الأرض ثلاثة أيّام وثلاث ليال أي مدة مقدارها 72 ساعة.
دائما ما نحتاج في أسئلتنا الى مراعاة القرائن الأخرى التي تتعلق بذات الموضوع فكيف يمكن للمسيح أن يقول في مت 12: 40. مر 8:31 انه سيقوم بعد ثلاثة أيّام قاصداً بها 72 ساعة ثم يقول انه سيقوم في اليوم الثالث (متى 17:23. مرقس 9:31. لو 9: 22)؟! بولس أيضًا وبطرس ذكروا تعبير اليوم الثالث. كيف لا تحدث صدمة للمستمعين إذا افترضنا إن المسيح ناقض نفسه في الحديثين.
فالاستنتاج المنطقي هو أن ما يقوله المسيح في كلا من القرينتين هو متطابق وأنه تعبير معتاد على من يسمع فتعبير بعد ثلاثة أيّام وثلاث ليال في المفهوم العبري لا يتناقض مع القول اليوم الثالث.
مثالاً لهذا التطابق ورد في العهد القديم. ففي سفر استير الأصحاح الرابع نجد أن استير رتبت صوما لليهود الموجودين في شوشن في مقابل مشورة هامان التي أراد فيها إبادة اليهود قالت استير “وصوموا من جهتي ولا تأكلوا ولا تشربوا ثلاثة أيّام ليلاً ونهاراً” وواضح أن هذا التعبير هو ذاته المقابل للتعبير الوارد في العهد الجديد ثلاثة أيّام وثلاث ليال فالتعبير في النص العبري لإستير 4: 16
שלשת ימים לילה ויום
ثلاثة أيّام ليل ونهار
إلا أننا نجد بعد ذلك أنها دخلت للملك في اليوم الثالث (استير 5: 1). فواضح إذن أن التعبيرين “ثلاثة أيّام وثلاث ليال” متطابق مع تعبير اليوم الثالث لا في عدد الساعات ولكن في الأيّام التي يكون للحدث تاريخا خاص بها[1] بل أن قادة اليهود بسبب فهمهم الصحيح لكلمات المسيح أمروا بضبط القبر وقالوا لبيلاطس “يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المضل (لامسه ربنا يسوع المسيح كل الإكرام) قال وهو حي أني بعد ثلاثة أيّام أقوم. فمُر بضبط القبر إلى اليوم الثالث” (متى 27: 63-64).
هذا المفهوم الخاطئ بأن هناك تناقضاً في هذا التعبير ثلاثة أيّام وثلاث ليال مع المدة الحقيقية التي مكثها المسيح في القبر ربما نتج بسبب جهلنا بكيفية اعتبار اليهود لبداية اليوم ونهايته. فالجميع منا يفهم أن المسيح مات يوم الجمعة ودفن مساء الجمعة ثم مكث السبت كله وقام فجر الأحد وبذلك لا يكون هناك أبدًا أي إمكانية لوضع ثلاثة أيّام وثلاثة ليال كاملة بين هذه المدة ولكن الحقيقة هي أن اليوم العبري يبدأ من غروب الشمس وينتهي بغروب الشمس الآخر بعد 24 ساعة من بدايته وأي جزء من اليوم عند الإحصاء بالجملة يعتبر يوما كاملا.
الرابي (راباي) اليعازر بن عزريا (القرن الأول الميلادي) كتب له كلا من التلمود الأورشليمي والتلمود البابلي هذه المقولة “النهار والليل هما عبارة عن وقت (أي قسم من الوقت) والقسم من الوقت هو مثل الكل منه”[2]، فليس بالضرورة النهار والليل يشيران الى 24 ساعة. فكاتب المزمور الأول عندما قال “وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً” لم يكن يقصد بالطبع 24 ساعة حرفياً لأنه بكل تأكيد سيكون هناك انقطاع بسبب النوم.
ليس نموذج أستير 4: 16 فقط في الكتاب الذي يشير إلى هذا التعبير ولكن هناك عدة أمثلة أخرى. فيوسف في تكوين 42: 17 جمع أخوته الى حبس ثلاثة أيّام إلا أنه أخرجهم في اليوم الثالث. أيضًا مثال أخر مع يربعام في 2 أخ 10: 5 مع 10: 12. غالبا ما يكون الحل موجودا داخل صفحات الكتاب المقدس إلا أننا كثيرا ما نجد صعوبة في الوصول إليه. يمكننا أن نفهم إذن الأمر هكذا:
- الجمعة الساعة الثالثة بعد الظهر مات المسيح.
- الجمعة الساعة السادسة مساء بالنسبة لنا هي بداية يوم السبت عند اليهود.
- السبت لدينا الساعة السادسة مساء هو بداية يوم الأحد عند اليهود. والمسيح لا زال في باطن الأرض قاطعًا عددا ما من ساعات الأحد اليهودي حتى فجر الأحد لدينا.
تاريخ النور المقدس والرد على الأسئلة والتشكيكات المُثارة ضده | بيشوي مجدي
وبذلك يكون المسيح في باطن الأرض جزءا من يوم الجمعة اليهودي وكل السبت اليهودي وجزء من الأحد اليهودي ولا يكون غريبا إذن على المستمع اليهودي حين يُعبر عن هذه المدة بتعبير “ثلاثة أيّام وثلاث ليال”.
فقط لإعطاء مزيد من المعلومات عن وجهات النظر المختلفة نذكر أن بعض الدارسين راوا أن المسيح ظل في القبر ثلاثة أيام وثلاث ليال كاملة 72 ساعة ليحقق التشابه الكامل مع يونان (متى 12: 40)!! وجهة نظرهم هذه تقول أنه قد صلب يوم الأربعاء وقام صباح الأحد وهم يعضدون وجهه نظرهم هذه بما يحويه تعبير ثلاثة أيّام وثلاث ليال من معنى حرفي وأيضا على كون يوم الأربعاء لم تذكر له الأناجيل أي أحداث وثالثاً على أن الفصح هو يوم متغير وليس ثابت فهو ليس بالضرورة يوم السبت الذي يلي الجمعة ولكنه “سبت” من جهة كونه عيد يهودي، أي توقف.
على أننا نقول إن هذه النظرية لا يمكن الاعتماد عليها بسبب بسيط وهو قول المسيح الواضح أنه في اليوم الثالث سوف يقوم وليس بعد ثلاثة أيّام كاملة أي 72 ساعة حرفيا.
[1] تعبير ثلاثة أيّام وثلاث ليال يوازي بالضبط اليوم الثالث في هذه النصوص المتوازية من الأناجيل (مرقس 8: 31، متى 16: 21 يتوازيان مع لوقا 9: 22. ومتى 17: 23. 20: 19 ومرقس9: 31. 10: 34 يتوازوا مع لوقا 18: 33).
[2] التلمود الأورشليمي Shabbath ix. 3 والتلمود البابلي Pesahim 4a.
هل مكث المسيح ثلاثة أيام وثلاث ليال في القبر؟
تاريخ النور المقدس والرد على الأسئلة والتشكيكات المُثارة ضده | بيشوي مجدي