Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

الروح القدس بين العهدين القديم والجديد د. جورج عوض إبراهيم

الروح القدس بين العهدين القديم والجديد د. جورج عوض إبراهيم

الروح القدس بين العهدين القديم والجديد د. جورج عوض إبراهيم

مقدمة: شخص الروح القدس

الروح القدس ليس مجرد قوة بل هو الأقنوم الثالث من الثالوث القدوس، وهو واحد مع الآب والابن في الجوهر. وبما أنه أحد الأقانيم الثلاثة فهو يتمايز عن الآب والابن. فالروح القدس ليس هو الآب كما أنه ليس هو الابن، ومع هذا فهما إله واحد وهذا ما نردده في البسملة “باسم الآب والابن والروح القدس إله واحد آمين”. وأفعال الروح القدس كما أعلنها الوحي الكتابي هي كثيرة، نذكر منها الآتي:

 

عمل الروح القدس في مؤمني العهد القديم:

إن عمل الروح القدس في مؤمني العهد القديم هو مختلف عن عمله في مؤمني العهد الجديد. فالروح القدس في العهد القديم كان مع المؤمنين. أما في العهد الجديد هو داخل المؤمنين كما يخبرنا يوحنا الإنجيلي: (يو17:1).

أيضًا في العهد القديم أُعطى الروح القدس إلى أناس محددين لفترة زمنية محددة ولخدمة معينة. والآن نسرد بعض الأشخاص الذين أُعطى لهم الروح القدس:

 

 

الروح القدس والمسيح:

العهد الجديد مملوء بشواهد عن حضور الروح القدس من البداية إلى النهاية. المسيح أُعلن في الأناجيل أمام عيوننا بالمعمودية، عندما أخذ الروح القدس. هذا الروح قاده إلى الصحراء حيث صارع مع الشيطان وانتصر عليه لأجل خلاصنا. ودخل المسيح إلى المجمع، وهناك علَّم وهو مملوء بروح الله. كل تاريخ المسيح المدون في الأناجيل ليس شيئًا آخرًا إلاّ البرهنة على أن يسوع حامل للروح القدس ومنتصر على الشيطان والفساد والموت، والجهل والخطية والجوع والبؤس والشقاء.

أيضًا سفر أعمال الرسل الذي يحكي عن استمرارية المسيح في العالم ليس شيئًا آخرًا إلاّ حقيقة الروح القدس داخل الكنيسة. في عظات الرسل نجد هذه العبارات: ” حينئذٍ امتلأ بطرس من الروح القدس وقال..” (أع8:4)، أو عندما يصنعون معجزات أيضًا ” بقوة الروح القدس” (رو13:15)، وكذلك ” باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش” (أع6:3). فالروح القدس كان يقود الرسل في كل خطوة.

كان المسيحيون لا يستطيعون أن يدخلوا بلدة ويتجهون ناحية الشمال، أو ناحية الشرق أو ناحية الجنوب إلاّ بقيادة الروح القدس. أتى الابن باسم الآب إلى العالم لكي يعلن الآب ويتمم مشيئته. والروح القدس أرسله الابن لكي يشهد له، لكي يُظهره ولكي يُكمل بمواهبه عمل المسيح في المؤمنين. فالمهمة الأساسية للروح القدس هي أن يعلن شخص المسيح ويجعله حاضرًا، ويعطي شهادة عنه ولكي يجعلنا متحدين به.

لكن بينما المسيح يجمع ويكمل الطبيعة البشرية عن طريق اتحاد المؤمنين في جسده، فالروح القدس يخص الأشخاص كلٍ على حدة ويملأهم بعطاياه بطريقة فريدة وشخصية لكل واحدٍ. هذا ما حدث يوم الخمسين حيث حلَّ الروح القدس في كل واحد من الحاضرين، في شكل ألسنة نار (أع3:2).

وفق إرسالية المسيح إلى العالم فإن علاقة البشر بالروح القدس قد تحققت بواسطة المسيح فقط و”في المسيح”. بينما بعد يوم الخمسين فإن العلاقة بالمسيح تتحقق فقط بواسطة الروح القدس. الروح القدس كان يعمل بطريقة مختلفة في العهد القديم عنه في العهد الجديد. عندما كان يعمل في العهد القديم لم يكن يمثل مصدرًا لقداسة النفس، “للإنسان الداخلي” بل شفاءً للجسد. بهذا المفهوم يُسمى ذهبي الفم بركة بيت حسدا نعمة، ففي العهد الجديد نعمة الروح هي قوة الولادة الجديدة التي تشفي مرض النفس وتعين المؤمنين على خلاصهم في المسيح.

 

دعنا نرى الآن دور الروح القدس في حياة يسوع المسيح.

الروح القدس طهَّر وقدَّس والدة الإله من لحظة الحمل المقدس. لذلك يتحدث آباء كثيرون على سبيل المثال يوحنا الدمشقي [عيّنها الله الآب، والأنبياء المستنيرين بالروح قد سبقوا وأعلنوها، فبقوته المقدسة حلّ الروح القدس عليها، وطهّرها وقدَّسها]. هكذا فإن تجسد الكلمة صار بواسطة الروح القدس والعذراء مريم:

القديس غريغوريوس اللاهوتي يقول عن هذا الحدث العظيم: [وُلِدَ (الكلمة) من العذراء التي تقدست نفسها وأيضًا جسدها بواسطة الروح ـ لأنه كان يجب أن تُكرم الولادة وأيضًا تكرم العذراء مسبقًا ـ لكن ظل هو إلهًا بعدما أخذ الطبيعة البشرية].

 

وأيضًا القديس باسيليوس الكبير: [غير الجسدي أتى إلى عالمنا المنظور، وأخذ جسدًا لذاته ليس غريب عن الذي لنا، لكن من العذراء الطاهرة، كوّنه بواسطة الروح القدس، وصار لباس خيمة للكلمة، لكي يبطل بواسطته ناموس فساد البشر، والكلمة الذي خلق من البداية الإنسان بحسب شبهه الخاص، أعاده مرة ثانية إلى شبهه، بأن تشبّه هو نفسه بخليقته].

في عماد المسيح ظهر الروح القدس على شكل “حمامة” (مز10:1، لو21:3، يو32:1، مت16:3) وفق القديس إيرينيوس فإن الآب هو ذاك الذي يمسح، المسيح هو ذاك الذي يُمسح والروح القدس هو المسحة.

عن ظهور الروح القدس مثل حمامة يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي: [ظهر مثل حمامة… والسبب هو أنه منذ القديم أحضرت الحمامة أخبار مفرحة عن انتهاء الطوفان].

بعد العماد انقاد المسيح بواسطة الروح إلى البرية لكي يُجرب (مت1:4، مر12:1، لو1:4ـ2):

الروح القدس قاده إلى البرية لكي يجاهد ضد الشيطان

 

بدأ المسيح نشاطه الجهارى وهو ممسوح من الروح القدس:

انظر (لو16:4ـ21، مت18:12، لو14:4، أع38:10، رو4:1). وعن نزول الروح القدس فوق الابن يتحدث النبي إشعياء11:11. ذُكر في الكتاب المقدس أن المسيح مُسح بالروح. هذه المسحة تخص طبيعته البشرية ولا تخص كلمة الله الأزلي الذي هو مساوٍ للآب في الجوهر. ولقد قبل المسيح المسحة برهانًا لإخلائه الفائق وغير الموصوف. المسيح مُسح كإنسان بينما كإله هو نفسه له الروح القدس (روح الابن) وهو مانح الروح للخليقة.

 

المسيح أخرج الشياطين بواسطة الروح القدس: مت28:12

ويفسر القديس باسيليوس هذا المقطع قائلاً: [الروح القدس، كما تعرفون، صار مسحة وهكذا كان دائمًا متحدًا بجسد الرب. ومنذ ذلك الوقت كان حاضرًا فيه بدون انفصال كما هو مكتوب. وإذا تحدثنا عن التدابير الخاصة بالإنسان التي تمت بواسطة إلهنا العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح (تي13:2)، فمَن يمكنه أن ينكر أنها تمت بنعمة الروح القدس؟!

فهل تريد أن تفحص الموضوعات الأولية مثل: بركات البطاركة والمعونة التي حصلت بنزول الشريعة، الرموز، النبوات، قوة الأبطال في الحروب، معجزات الأبرار… أو ما حصل في تدبير مجيء ربنا في الجسد. الكل تمَّ بالروح في المقام الأول صار الروح المسحة وصار حاضرًا بلا افتراق في جسد الرب، كما هو مكتوب ” الذي ترى الروح نازلاً ومستقرًا عليه فهذا هو ابني الحبيب” (يو33:1، مت17:3) و” يسوع الناصري الذي مسحه الله بالروح القدس” (أع38:10).

ومن ثم كان الرب يتمم كل أعماله بالروح. وكان معه حتى عندما جربه الشيطان، فقد كتب ” أُصعد يسوع بالروح إلى البرية ليُجرب” (مت1:4) وكان معه بلا افتراق عندما صنع الأعمال العجيبة (مت22:7)، لأنه مكتوب: ” إذا كنت أنا بروح الله أُخرج شياطين” (مت28:12)، ولم يفترق عنه عندما قام من بين الأموات. لأنه لما أراد أن يجدد الإنسان ويرد إليه النعمة التي كان قد حصل عليها من نفخة الله والتي فقدها الإنسان الأول قال: ” اقبلوا الروح القدس، من غفرتم…” (يو22:20)].

هكذا كل أفعال المسيح صارت دائمًا بتعضيد الروح. لقد كان الروح معه وعندما جُرب يسوع من الشيطان ـ كما يقول الكتاب ـ انقاد بواسطة الروح إلى البرية لكي يُجرب (مت1:4). وعندما فعل معجزات، كان غير منفصل عنه، طالما هو نفسه يقول: ” إن كنت بروح الله أخرج الشياطين” (مت28:12).

الرب وَعَدَّ تلاميذه بأنه بعد رحيله سوف يرسل لهم الروح لكي يعطيهم قوة ويقودهم ويُعلمهم ويجعلهم شهودًا له، ويدين العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة (يو37:7-39). وعن سؤال لماذا لم يُعطَ الروح قبل صلب المسيح؟ يرد القديس يوحنا ذهبي الفم قائلاً: [لأن البشرية كانت تعيش في الخطية وفي العثرات، وفي البغضة والضلال، إذ أن الحمل الذي حمل خطايا العالم، لم يكن قد قُدم ذبيحة بعد. المسيح لم يكن قد صُلب، لذلك لم تكن هناك مصالحة، وبما أنه لم تكن هناك مصالحة، كان من المناسب عدم إرسال الروح القدس.

وبالتالي، بما أنه أرسل الروح القدس فهذا يعني أن المصالحة قد تمت. ولهذا قال السيد المسيح ” إنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي” (يو17:16). يقول إن لم أنطلق ـ لا تتم المصالحة مع الآب، ولذلك لن أرسل لكم المعزي].

 

المسيح بعد القيامة أعطى الروح القدس إلى تلاميذه (يو21:20ـ22):

يشرح لنا القديس كيرلس هذه الحقيقة قائلاً: [لقد أعلن المسيح أنه سيرسل لنا من السماء المُعزي عندما يصعد إلى الله الآب وبكل يقين فعل هذا، لأنه بعد صعوده سكب الروح بغزارة على كل الذين كانوا يرغبون قبوله. لأن كل إنسان يستطيع قبول الروح القدس بالإيمان والمعمودية المقدسة كما قال النبي ” سأسكب من روحي على كل جسد” (يوئيل28:2)].

 

ويستمر القديس كيرلس في حديثه موضحًا سر نفخة المسيح لتلاميذه قائلاً: ” كان من الضروري بالنسبة لنا أن نرى الابن يمنح لنا مع الآب الروح القدس… لأن الله الآب في البدء بكلمته أخذ من تراب الأرض ـ كما هو مكتوب ـ وخلق الإنسان كائنًا حيًا له نفس عاقلة حسب إرادته وأناره بنصيب من روحه [“ونفخ في أنفه نسمة الحياة” (تك7:2). ولكن عندما سقط الإنسان بعصيانه واستُعبد لقوة الموت وفقد كرامته القديمة أعاده الله الآب وجدده إلى الحياة الجديدة بالابن كما كان في البدء].

 

ويتساءل القديس كيرلس قائلاً: كيف جدده الابن؟ فيجيب هو نفسه: [بالجسد ذبح الموت وأعاد الجنس البشري إلى عدم الفساد عندما قام من الموت لأجلنا]. ويأتي القديس كيرلس إلى كشف سر النفخة شارحًا بكلام واضح وصريح، إذ يقول: [ولكي نعلم أنه هو الذي في البدء خلقنا وختمنا بالروح القدس لذلك يمنح مخلّصنا الروح القدس من خلال العلامة المنظورة أي “نفخته” للرسل القديسين لأنهم باكورة الطبيعة البشرية المجددة.

وكما كتب موسى عن الخلق الأول أن الله نفخ في أنف الإنسان نسمة الحياة، يحدث نفس الشئ الذي حدث في البدء عندما جدَّد الله الإنسان وهو ما يسجله يوحنا هنا. وكما خلق الإنسان في البدء على صورة خالقه. كذلك الآن بالاشتراك في الروح القدس يتغير إلى صورة خالقه ويصبح على مثاله. ولا يوجد لدينا أدنى شك في أن الروح القدس هو الذي يختم صورة المخلّص على قلوب الذين يقبلون المخلص.

 

خاتمة: حضور الروح القدس

إننا نرى عمل الروح القدس فينا بطرق مختلفة، منها:

الروح القدس بين العهدين القديم والجديد د. جورج عوض إبراهيم

Exit mobile version