تلميذ خان وباع وقبض، وآخر أنكر وآخر هرب، واللص اعترف
تلميذ وجد الشيطان موضعاً في قلبه المخفي فيه محبة المال، فعضة عضة الموت، فسرى فيه سم الطمع القاتل للنفس، فخان خيانة وباع وقبض الثمن البخس، وحينما استيقظ ضميره وانتبه لما فعل ندم ندماً شديداً، والمال الذي كان مسرة قلبه طرحه عنه بعيداً لأن شهوته ماتت في عينيه التي ترى الدم البريء الذي سلمه، وإذ لم يكن له إيمان، ولم يرى لنفسه موضع أو مكان في حضن المُخلِّص لنوال رحمة وشفاء، فسمع وأصغى لصوت الشيطان القتال للناس منذ البدء، فرأى أن خطيئته لا تُغتفر.
وإذ لم يكن في قلبه رجاء الإيمان الحي، غير عالماً أن للرب الخلاص لأنه هو الذي فيه الوعد بأنه يسحق رأس الحيه، ومضى وشنق نفسه، فأضاع حياته بجملتها في بكاء الندم المخفي فيه حية الكبرياء التي جعلته لا يرجع ليعترف ويتوب ويبكي عند قدمي المُخلِّص، وصار شهادة تحذير لكل الأجيال، لكل من يستهين بمحبة المال أو الطمع أو ترك أي شهوة ردية في قلبه باقية، لأنها في النهاية تقسي القلب وتبرد المحبة.
وتجعل الإنسان متكبراً مغروراً لا يقدر على التوبة، وندمه ندم كبرياء القلب الخفي الذي يعول هم الناس ماذا سيقولون عنه وكيف يريهم وجهه وكيف يتعايش معهم ليرى الملامة في أعينهم بسبب خطيئته، فيدخل في حالة اليأس المدمر للنفس، ولا عجب في كل هذا لأن من لم يدخل في سرّ غفران الله الحقيقي، ليُصلب مع المسيح ليحيا هو فيه، فأن ذاته هي التي تعيش ويحاول أن يجد له مكاناً في المتكآت الأولى من جهة أنه الأعظم والأكبر.
وتلميذ وجده العدو غافلاً فزرع في قلبه الخوف فأنكر أمام جارية لا حول لها ولا قوة، ولكن عيون المخلص كانت عليه إذ وجد مكاناً للتوبة في قلبه، لأن محبة المخلص في أعماق كيانه تسكن ولم تذهب عنه رغم سقطته المريرة، فبكى بكاءً مراً بتوبة قلب صادق يحب الرب فعلاً، وبكونه سقط عن ضعف وتذكر كلام المُخلِّص حينما وعد أنه سيقدم نفسه عوضاً عنه وقال له أنك ستنكرني، فتاب وكانت توبته عظيمة ومحل رجاء لكل من يُخطأ أمام الرب خطأ عظيماً حتى ولو وصل للإنكار، فصار شهادة توبة حية على مر الأزمان تُعلمنا أنه لا يوجد عبد بلا خطية ولا سيد بلا غفران، لأن كل خطية وتجديف يُغفر للناس أن عادوا بقلبهم لله وتابوا وعاشوا بصدق الإيمان الحي.
عجيب هو الرب القدوس في محبته الفاقة التي هي معدن طبيعته، فقد أعلن لنا في شخصه أن المحبة تغلب البغضة بل وكل الخطايا لأنها أكثر عظمةً وسلطاناً، لذلك فإني لا أقدر أن اتكلم عن يهوذا بالسوء وانحصر في خيانته واصب عليه الويلات المخبئة في نفسي والتي تدل على عدم نقاوة قلبي، لأني أن فحصت نفسي لن أجدني بريء من الخيانة للمخلِّص، ولا حتى من الإنكار الذي استعجبت له في القديس بطرس الرسول، هذه الخطية التي استنكرها مع أنها ليست ببعيدة أو غريبة عني…
لكن هناك منظراً آخراً في هذا اليوم العظيم، منظراً يشدني ويجعلني أندهش، وهو اعتراف اللص، تلميذ باع والآخر أنكر وآخر هرب، وفي هذا لا عجب لأنها إنسانيتي وإنسانيتك عزيزي القارئ والشريك في أحاسيسي التي أكتبها هُنا، ولكن العجب في أن اللص اعترف !!!
لص ويعترف وينادي بإيمان حي: [ اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك ]، وقد أصبح شهادة حية لفتح باب توبة المجرمين وكل عاصي وفاجر وأثيم، ولا أنسى موقف بالطبع الزناة والفجار أمام رب المجد يسوع، وتوبتهم العجيبة القوية بمحبة فائقة التي بدئت منذ ظهور المُخلِّص ليوم صليبه المُحيي وإلى هذا اليوم الذي نعيشه بل ليوم مجيئه وإعلان مجده النهائي…
كم يُبكتني اللص والخطاة والزواني وكل الفجار الذين اقتربوا من المُخلِّص، لأنهم فازوا برأفة الله وملء حبه العجيب ونوال سرّ الغفران وقوة النعمة وأحبوا يسوع حباً جماً وتبعوه حاملين عاره بوداعة وتواضع قلب مُذهل يفوق كل إمكانيات من لم يتورط في الخطية والشر مثلهم، ولم يعتدوا بشيء ولم يهتموا بأي شيء آخر في الدنيا كلها وعلى الأرض، سوى أنهم الخطاة الذي أحبهم يسوع …
آهٍ فآه… اين أنا منهم اليوم، فأنا محبتي لم ترتقي لمستواهم قط، ولم أُضيع نفسي من أجل من أحبني وأسلم نفسه للموت لأجلي، فلازلت أبحث عن راحتي وما يتوافق مع نفسي، ولم أحسب بعد كل الأشياء خسارة ونفاية لأجله هو من سفك دمه لأجلي، المكتوب عنه [ فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي ] (عبرانيين 9: 14)، إذ أنه [ ليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً] (عبرانيين 9: 12)
- آه يا من صنعت خلاصاً عظيماً هذا مقداره،
- أود أن أخدمك بالمحبة وصراحة الإيمان الحي،
- وأصير مثل هؤلاء التائبين،
- فأنا لا أطمع أن أكون مثل الرسل الأطهار ولا أحد الأنبياء العظام،
- ولا حتى أحد الخدام الصغار،
- لأني لم أرتقي لمستواهم ولن أكون بين صفوفهم أبداً،
- لأنهم لبوا نداءك بأمانة قلب ومحبة تفوق كل إمكانيات حدودي،
- سهروا، قدموا تعباً، بذلوا لأجلك وأعطوك كل ما لهم،
- بل وباعوا أنفسهم وفرطوا فيها ولم يبحثوا عن راحة هنا لأجل شخص جلالك،
- فأنا لازلت أخطو كطفل مجهد ليس لي قوة أو سند،
- وأُريد أن أكون مع هؤلاء الأثمة والفجار وهذا اللص السعيد والأمين،
- أريد أن أكون في صفوف التائبين إلى يوم مجيئك،
- فاحسبني معهم لأني في آخر صفوفهم، أتيك الآن:
- فطهر ضميري من كل الأعمال الميتة وقدس قلبي النجيس المُخادع،
- واشفني من كل ميل باطل واهدني طريقاً أبدياً،
- لأنك أنت بذاتك وشخصك الطريق والحق والحياة،
- فازرع الاستقامة في قلبي لأسلك أمامك يا قدوس الله
- أحيا كاملاً امتد إلى الأمام بلا تردد أو نظرة للوراء،
- فافتح عين قلبي على نور وجهك،
- لكي أُثبت نظري فيك فاستمر من مجد إلى مجد كما من الرب الروح،
- وتكون أنت فيَّ وأن فيك،
- والوصية تخطها بروحك وتكتبها في قلبي،
- وتجعلها في ذهني حاضرة في ذاكرتي كل حين،
- لتكون لهجي وحياتي وغذائي،
- فاشبع وأنمو وتتقوى نفسي لأواصل المسيرة،
- منعزلاً عن شر أفعالي وكل ميل باطل فيَّ يا سيدي،
- فأخلع بسهولة كل ما هو لإنسانيتي الضعيفة حسب الفساد الذي يعمل في ابناء المعصية،
- فأكون رعية مع القديسين وأهل بيتك الخاص آمين
- أيها الخطاة أفرحوا وتهللوا ولا تنظروا لخطاياكم بعيدة عن المصلوب الذي فيه لنا الغفران بدمه وفرح التوبة المجيد، لأننا كلنا الخطاة الذين أحبهم يسوع.
- أيها الحزانى تعزوا، لأنه لم تعد آلامكم بسبب خطية التي أبطلت بصليب الخلاص، بل آلامكم صارت شركة في حب، تجلت في آلام جثسيماني، وتعاظمت في آلام الصليب وتكللت بالقيامة.
- أيها الحزانى والساكبي الدموع افرحوا جداً، فأحزانكم ليست للموت، لأنها في أحزان يسوع محفوظة للقيامة.
- أيها الثكالى والمحزونين من أجل فراق ذويكم، أفرحوا واشكروا الله الذي جعل كل من يؤمن وديعه تُسلم في يدي الآب لأنه فتح لنا الطريق حينما استودع نفسه بين يدي أبيه.