سفر سليمان كسفر رمزي (نشيد الانشاد) – الاعتبارات التاريخية – الجزء الأول – ترجمة: مارينا ممدوح
سفر سليمان كسفر رمزي (نشيد الانشاد) – الاعتبارات التاريخية – الجزء الأول – ترجمة: مارينا ممدوح
تم نشر هذه النسخة من المقال بعد بعض التعديلات البسيطة:
Annette Schellenberg / Ludger Schwienhorst-Schönberger (eds.), Interpreting the Song of Songs – literal or allegorical?, Biblical Tools and Studies 26, Leuven 2016, 51-77.
المقدمة
إن هذا المقال هدفه التحرِّ عن حقيقة كون سفر نشيد الأنشاد هو سفرٌ رمزي، حيث ينقل المحتوى الظاهر للقصيدة معنى آخر مخفٍ. فيجب أن نستخدم المصطلح Allegory أي المجاز بالمعنى الذي يُقابل معنى الكلمة الألمانية Allegorie وليس الكلمة الألمانية Allegorese. فنتبع أسلوب التأويل الذي يعتبِر المكونات التقليدية مُرَكَّبات تقدم معانٍ جديدة.[1]
في عنوان المقال، قمنا بتسمية السفر باسم “سفر سليمان” استباقًا للأحداث ونتائج الاعتبارات. وهناك سببين يوضحان دقة العنوان التقليدي ومناسبته للسفر:
أولًا: إن السِفر هو عبارة عن قصيدة مما يفسر التكوين المحكم له.
ثانيًا: كما سيتضح لاحقًا، بعد نهاية البحث، أن إضافة اسم سليمان للتسمية ستشير إلى المعنى المجازي للسِفر.
و بالتالي تُميز تسمية “سفر سليمان” سفر نشيد الأنشاد حيث تصفه كقصيدة مجازية مُحكمة التكوين وذلك ما سيقوم ذلك المقال بإثبات صحته إلا أننا سنتبع اتفاقيات أدب التفسير ونستخدم اسم نشيد الأنشاد خلال المقال.
دلائل العهد الجديد على المعنى المجازي لسفر نشيد الأنشاد
بالنسبة إلى ما يخص الرموز المحتملة في سفر نشيد الأنشاد، يجب الأخذ في الحسبان أن السفر لا زال بمثابة رمزًا دينيًا منذ قرون في علم التفسير الاستدلالي لكلتا الديانتين اليهودية والمسيحية.
في التفسير اليهودي، يتكلم السفر عن العلاقة بين الله وشعب بنى إسرائيل حيث صوّر الله في صورة الرجل أى المحبوب أو العريس وصور شعب بنى إسرائيل في صورة المرأة أي المحبوبة أو العروس.
و كذلك في التفسير المسيحي ولكن حلت الكنيسة أو النفس البشرية للمؤمن محل بنى اسرائيل كما استبدل التفسير لفظ الله بالسيد المسيح.
و هذه التغييرات من حيث التطبيق المسيحي لسفر نشيد الأنشاد تتطابق مع شهادات العهد الجديد التي يُدعى فيها السيد المسيح أو يُشَبَّه بالعريس. (راجع مر2: 19- 20، والآيات الموازية: مت25: 1-13/ يو3: 29). وهذه الشهادات هي بالفعل من نتائج الاعتماد المسيحي حيث يأتي أصل هذا التشبيه بالتحديد من إعادة تفسير اللاهوت المسيحي للصورة الموجودة فنجد تشبيه يهوه وشعب بنى إسرائيل بالعريس العروس.[2]
سنثبت خلال المناقشة التالية أن صورة العهد القديم هي القاعدة التي ألف على أساسها الكاتب سفر نشيد الأنشاد كتعبير مجازى ديني.
من القدير بالذكر أن العهد الجديد نفسه يوفر دلائل على التطبيق المسيحي للقصيدة، ورغم أن التلميحات عن سفر نشيد الأنشاد قليلة جدًا في العهد الجديد إلا أن هناك مثلين مُقنِعَين:[3]
كما جاء في سفر الرؤيا ليوحنا الحبيب: قد وعد السيد المسيح كنيسة لاوديكية قائلًا: “هأنذا واقفٌ على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل وأتعشى معه وهو معي.” (رؤ3: 20) فجاء ذلك الوعد كتتمة غير متوقعة لدعوة التوبة التي ذَكِرَت في (رؤ3: 14-19) ومن الواضح أنه بَنِىَّ على أساس التقاليد التي كان يعرفها السماع وقتها.[4]
ربط بعض المعلقين صورة السيد المسيح وهو يطلب الدخول من الباب بمَثَل عودة السيد المذكور في (لو21: 35-38)[5] وبالتأكيد هناك بعض الصلات بين النصَّين حيث قام السيد المسيح بدعوة خُدَّامه أيضًا إلى الطعام (لو12: 37).
على أي حال إن العبارة ἕστηκα ἐπὶ τὴν θύραν καὶ κρούω في اليونانية ليس لها ما يوازيها في إنجيل لوقا (12: 35-38) ولكن جاءت العبارة φωνὴ ἀδελφίδου μου, κρούει ἐπὶ τὴν θύραν في النسخة اليونانية من سفر نشيد الأنشاد(5: 2). فتكون كلمة φωνὴ هي المفتاح الذي يربط بين كل من بين (نش5: 2) و(رؤ3:20).
ولذلك إن (رؤ3: 20) أكثر تأثرًا ب (نش5: 2)[6] ومن ثم يُشَبَّه السيد المسيح بالمحبوب أو العريس في سفر نشيد الأنشاد ويدعو السامع بمحبة للتوبة. وشهد القرن التاسع عشر مناقشات حول إشارة (رؤ3: 20) ل (نش5: 2)[7] ولكن لم نرى أي اعتراضات جِدِّية حتى الآن.[8]
نصح السيد المسيح نساء أورشليم ألا يقلقن عليه، وقال لهن: ” يا بنات أورشليم، لا تبكين علىَّ بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن.” (لو 23: 28) وجاء الكلام اللاحق (لو23: 28-31) مُشَبَّع بالإشارات لنصوص العهد القديم. فإن المقدمة في العدد 29 ἰδοὺ ἔρχονται ἡμέραι لها العديد من الآيات الموازية في سفر إرميا (إر23:7/ 24:9/ 14:16 إلخ.) أما النبوءة في العدد 30، أن الناس سيقولون للجبال والآكام أن تسقط عليهم، هي إشارة صريحة ل (هو38:10). [9]
بناءً على ذلك، إن قوله “يا بنات أورشليم” في بداية الكلام من العدد 28 كان على الأرجح إشارة لنصوص من العهد القديم مثل: (نش7:2/ 5:3/ 10/ 16:5/ 4:8) حيث كانوا يخاطبون النساء بلفظ “بنات أورشليم”.[10]
بواسطة بعض الالتفاتات، أصبح المعنى المسيحي للرموز واضحًا. وبالإشارة إلى المرأة المُتيَّمة التي تتحدث لبنات أورشليم، استحضر قول السيد المسيح معرفته أو تشبيهه بالعريس الذي في سفر نشيد الأنشاد. كما أن تشبيه الرب يسوع بالعريس منطقيًا من حيث السياق الأدبي الذي كُتب به إنجيل معلمنا لوقا.
وفقًا لإنجيل لوقا، إن السيد المسيح ناح وبكى عند اقترابه من مدينة أورشليم وأنه عبَّر عن أسفه الشديد عليها بسبب ما سيحدث بها لأنه كان يعرف حكمها الذي يعقب ذلك (لو19: 41-44). ففي طريقه إلى الجلجثة وهو خارجًا من أورشليم للمرة الأخيرة (لو23: 26-31)، نطق السيد المسيح بالنبوءة المذكورة بالأعلى عن خراب أورشليم ومستقبل تلك المدينة (ع. 28-30)
من الممكن أن تكون النبوءة بمثابة نظير لرثاء (لو19: 41-44) من حيث التكوين لأنهما يشكلان إطارًا حول فترة بقاء السيد المسيح في أورشليم. [11]و في الواقع تتماثل النبوءة مع الرثاء في أكثر من مجرد تكوين بل أن تشبيه السيد المسيح بالعريس في (لو23: 28) أثبت تماثُل النبوءة في (ع. 28-30) مع الرثاء من حيث المحتوى أيضًا. ولذلك وُصِفَت النبوءة بالتعبير عن الحزن المُحِب لأورشليم.
بناءً على ما سبق من إشارات سفر نشيد الأنشاد إلى نصوص العهد الجديد، لم يقم أحد بتفسير رموز السفر إلا في القرن الأول الميلادي. أما بالنسبة إلى المفهوم اليهودي للرموز حيث يصور الرجل بالله والعروس بشعب بنى إسرائيل، فلا بد أنه تأسس قبل كتابة الرسل والتلاميذ لأسفار العهد الجديد واسناد الصورة إلى السيد المسيح.
The Song of Solomon as an Allegory. Historical Considerations Meik Gerhards
[1] Stolz, Allegory I. History of Religions. The original German version of this article (Stolz, Allegorie/Allegorese I. Religionsgeschichtlich) uses the distinction between “Allegorie” and “Allegorese”. The hermeneutical technique, i. e., the allegorical interpretation of original non-allegorical texts, is called “Allegorese”. In the English version both terms are translated as “allegory”. To preserve the distinction in English one could perhaps consider calling the hermeneutical technique “allegorism” or “allegorisation”.
[2] Peerbolte, Bridegroom IV. New Testament, 511.
[3] Apart from the two passages discussed below, the index of Loci citati vel allegati in: Nestle/Aland, Novum Testamentum Graece, Stuttgart 282012, 857 lists only two additional passages: Matt. 2:11 should contain an allusion to Song 3,6, while John 7:38 allegedly alludes to Song 4:15. Neither is very convincing.
[4] So Lichtenberger, Apokalypse, 116: “Das kommt so unvermittelt, dass dahinter Tradition stehen muss, die der Gemeinde bekannt war”.
[5] Cf. Satake, Offenbarung, 189-190; Lichtenberger, Apokalypse, 116.
[6] So also Charles, Revelation I, 101.
[7] Hengstenberg, Offenbarung I, 252-253 and Ewald, Schriften II, 153 support that explanation, while de Wette, Erklärung, 69 argues against it. Hengstenberg, a very conservative Lutheran commentator, convincingly shows that the allusion to Song 5:2 makes good sense when considered against the backdrop of the allegorical understanding in the context of the letter to Laodicea: “Der geistliche Zustand der Angeredeten ist dort und hier derselbe. Die Braut ist in dem Zustande zwischen Schlafen und Wachen, incertum vigilans, vgl. 3,2, entsprechend der Lauheit hier; sie kann ihre schlaftrunkene Trägheit anfangs nicht überwinden und zögert den Bräutigam einzulassen”.
[8] According to de Wette, Erklärung, 69 the explanation is unlikely, since, apart from that possible quotation in Revelation 3:20, the Song of Songs is not used in the New Testament. Furthermore, there is no shared meal in Song 5:2 like the one in Revelation 3:20. The first objection is not very grave, since Revelation 3:20 could be the only quotation of the Song in the New Testament. But also the address to the “daughters of Jerusalem” in Luke 23:28 seems to be an allusion to the Song. Likewise the second objection is insignificant. It is true that the beloved in Song 5:2 not mentions a meal, but there is no obstacle to assuming that the promise to eat with the hearer in Revelation 3:20 arises from another tradition than the image of Christ knocking at the door. Perhaps a common tradition shared with Luke 11:35-38 can be assumed.
[9] See the more detailed discussion of these verses in: Bovon, Lukas IV, 455-457.
[10] So also Bovon, Lukas (4. vol.), 455 (with note 87). But Bovon does not draw any consequences from it.
[11] Schlatter, Lukas (4. vol.), 444: “Mit der Klage über Jerusalems Untergang betrat er die Stadt, mit derselben Klage verläßt er sie”.