تناقض كيف مات الملك شاول؟ ترجمة: أندرو أبادير
تناقض كيف مات الملك شاول؟ ترجمة: أندرو أبادير
بواسطة تروي لاسي في 22 فبراير 2019.
في (1صم 31: 1-6) نقرأ قصةً عن هزيمة اسرائيل في معركة على يد الفسطنيين، بالإضافة إلى موت الملك شاول وثلاثة من أبناؤه. ومع ذلك (2صم 1: 4-10) (الاصحاح التالي مباشرة) يعطينا قصةً مختلفة عن موت الملك شاول. فكيف مات شاول؟ هل مات بنفسه، أم بيد العماليقي الذي لاقاه وهو في سكرات الموت.
هل كذب العماليقي؟
رأى معظم المفسرين على مر السنوات أن قصة العماليقي في (2صم 1) كذبة فكان لديه طموح انتهازي للحصول على جائزة من الملك داود. على الرغم من ذلك فعندما تقرأ القصتين، سيكون لديك احتمالات قليلة، إما أن يكون العماليقي كاذب، أو إذا كان يقول الحقيقة فكاتب (1صم 31) إما أن يكون أُعطيَ تفاصيل خاطئة تماماً أو لم يكن لديه كل التفاصيل، وبالتالي كتب فقط ما يعلم.
وهذان الرأيان يعدا غير مقبولين وذلك لعصمة الكتاب المقدس حيث أن الكاتب يكون ملهماً بوحي الروح القدس خصوصاً أثناء الكتابة (2تي 3: 16)، ( 2بط 1: 21). علاوة على ذلك فهناك العديد من الأشياء التي تجعل من المحتمل أن العماليقي يكذب:
- لم يذكر العماليقي أي شيء بخصوص حامل الدرع، وفي قصة (1صم 31) يذكر أن حامل الدرع رأى شاول يموت إثر جرح ألحقه بذاته. ووظيفة حامل الدرع أن يحمي عهدته فكان ليعارك العماليقي إذا كان لا زال حياً. ولم يكن ليسمح له بأن ينتزع التاج والأساور من جسد الملك شاول إذا كان لا زال حياً. وفوق ذلك يخبرنا (1صم 31: 5) بأن حامل الدرع (وهو شخص بلا شك خاض العديد من المعارك وشاهد الموت أكثر من مرة) تأكد أن الملك شاول قد مات قبل أن ينتحر هو.
- يصعب الاعتقاد بأن الملك شاول طلب من أجنبي غير مختون أن يقتله؛ حيث أنه كان من الممكن أيضاً أن يموت على يد الفلسطنيين غير المختونين وهو ما سعى لتجنبه (1صم 31: 4) . لذلك فلا يمكن تصور أن شاول أراد الموت بيد عماليقي (خصوصاً أن النبوة بزوال عرش شاول كانت خصيصاً بسبب عدم إطاعته لأوامر الله بأن يمحي بني عماليق (1صم 15: 17 – 26، 28: 17-19).
- القصة في (1صم 31) تسجل كلمات شاول لحامل درعه؛ وكذلك القصة في (2صم 1) تكشف بأن العماليقي أخبر داود بكلمات شاول وهي لم تتطابق في القصتين. لذا علينا أن نقرر ما إذا كان أكثر منطقية أن يطلب شاول من تابعه الإسرائيلي حامل درعه أن يقتله أو أن يسأل العماليقي أن يفعل ذلك. وإذا تصورنا أن قصة العماليقي هي تكملة لما في (1صم 31) وبها أي ذرة مصداقية، فيكون شاول قد أصيب بعدة أسهم، وسقط على سيفه، وأقنع حامل درعه بأنه قد مات، ثم عاد حياً ووقف على قدميه وأستند على رمحه ولم يكن قد مات بعد!
- قال العماليقي أن شاول كان يستند على رمح، بينما القصة في (1صم 31) تسجل أن شاول سقط على سيفه. فهل كان شاول قوي بما فيه الكفاية أن يقف على قدميه بعدما سقط ويستند على الرمح ويتحدث إلى العماليقي، أم كان العماليقي “واثق أنه (شاول) لم يعد حياً بعدما سقط” كما قال لداود بعد ذلك بثواني؟
- لم يذكر العماليقي أبداً أن شاول اخترقته السهام، وهو أمر آخر غريب (1صم 31: 3). فإذا أراد العماليق التقليل من دوره في موت شاول والاستفادة من أن شاول كان في سكرات الموت بدون أمل في أن يبقى حياً (2 صم1: 10)، فلماذا لا يوجد ذكر لسيف شاول الذي طعن به ذاته ولعديد الجروح من السهام الفلسطينية؟
- ذكر العماليقي بأن مركبات الفلسطنين كانت في مطاردة حامية لشاول، فكيف يكون لديه الوقت ليتحدث مع شاول، ويسرق تاجه، وينتزع أسورة من ذراعه، وكذلك يهرب متجنباً المركبات؟ ونقرأ لاحقاً في (1صم 31: 8-10) ما فعله الفلسطنيين بجسد شاول وكيف جردوه من درعه. فهل علينا أن نصدق أنهم لم يريدوا تاجه الملكي وأسورة ذهبية؟ أدعى العماليقي أنه كان خلف شاول (2صم 1: 7) والذي كان ملاحقاً بقوة، وبالتالي فالعماليقي بشهادته هو نفسه كان من المفترض أن يكون مرئيًا من قبل كلاً من شاول والفلسطينيين.
- بالإضافة إلى ذلك، كيف صادف العماليقي شاول حين كانت المركبات تطارد شاول؟ ولماذا انتظر الفلسطنيون إلى اليوم التالي للذهاب لتجريد جثة شاول (1صم 31: 8)، في حين أنهم طبقاً لما قاله العماليقي كانوا يلاحقونه بقوة؟ والعماليق كانوا أعداء لإسرائيل ويهوذا (1صم 30) وكذلك كانوا يهاجمون الفلسطنيين (1صم 30: 16). نتيجة لذلك كان ليقتل إذا رآه الفلسطينيون في الأفق في ساحة المعركة. لم يكن ليخاطر بحياته ليتنزه (لنهب الموتى في الواقع) في وضح النهار في حين كان يمكن اعتباره عدواً من قبل الفلسطينيين على الأقل.
السيناريو الأكثر واقعية هو أن شاول أصيب بضرب السهام في وقت متأخر من اليوم، وكان الفلسطينيون يعتقدون أنه فر (أو تراجع خلف خطوط المعركة)، ولم يكونوا على علم بأنه أصيب وجُرِح بجرحٍ قاتل من قبل السهام حتى وصلوا إلى جسده في الصباح التالي. وكان العماليقي مجرد شخص انتهازي وصل متأخراً، ربما بعد غروب الشمس، ورأى شاول وحاشيته أمواتاً، وكان يأمل في أن ينخرط في بلاط داود الملك، بافتراض أنه طالما أن شاول يعتبر داود عدوًا فيكون الشعور متبادلاً.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك عدد قليل من المفسرين يعتقدون أن حامل درع شاول اعتقد خطأً أن شاول قد مات، ولكن بعد أن انتحر حامل الدرع، نهض شاول حياً وتعثر العماليقي في الحاشية الملكية.
ثم، بناء على رغبات شاول، قتل العماليقي شاول، وأخذ تاجه، وذهب إلى داود ونمق القصة. هذا ليس من غير المحتمل فقط، بالنظر إلى فحوى القصة في (1 صم31) واليقين الظاهر لدى حامل الدرع، ولكن بالنظر أيضاً إلى “الثغرات” المذكورة أعلاه في قصة العماليقي، وحقيقة أنها ستثير التساؤل حول دقة الكتاب المقدس، فهي بشكل واضح خاطئة.
لماذا قام داود بإعدام العماليقي؟
فلماذا قتل داود العماليقي؟ إما أنه صدقه وقتله لجرأته على قتل مسيح الرب، أو أنه يعلم أنه يكذب ويقتله بسبب الكذب والنهب، وكذلك محاولة تشويه اسم داود من خلال ربطه بالنقل القسري والسابق لأوانه للسلطة. تصريح داود في (2صم 1: 16) ” دَمُكَ عَلَى رَأْسِكَ لأَنَّ فَمَكَ شَهِدَ عَلَيْكَ قَائِلًا: أَنَا قَتَلْتُ مَسِيحَ الرَّبِّ” لا يعني بالضرورة أن داود قبل قصته كحقيقة، ولكن فقط إذا كان الأمر كذلك، فقد شهد العماليقي ضد نفسه وبرأ داود من أي خطأ في الأمر بإعدامه.
علينا أن نتذكر أن الكتاب المقدس صادق، وهذا هو الحال حتى عند تسجيل أقوال شخص يكذب. في الواقع، بما أن الناس في كثير من الأحيان في الكتاب المقدس يرددون أكاذيبًا كاملة وأنصاف حقائق (فكر في كذبة هارون الكبيرة في خروج 32: 24 مقارنة بما حدث بالفعل في الآيات 3-4). فإنه يجب على الكتاب المقدس بالضرورة تسجيل هذه العبارات بأمانة للإشارة إلى خطأها وإظهار الحقيقة الصادقة.
لقد أدين الأنبياء الكذبة في زمن إرميا بسبب أكاذيبهم المطلقة (إر 27: 9-17، 28: 15-17) وكذلك حنانيا وسفيرة سقطا قتيلين بسبب الكذب على الروح القدس (أعمال 5: 1-9). هذا لا يعني أن الكتاب المقدس يتغاضى عن الكذب لأنه يسجل مثل هذه الأمثلة، بل يظهرها من أجل فضح الكذب.
إذاً، من قتل الملك شاول؟
هذا يعود بنا إلى السؤال الأصلي. من قتل الملك شاول؟ هل قتل نفسه، أم قتله عماليقي سارق في أرض المعركة؟ ربما يمكن لمقطع آخر أن يسلط بعض الضوء على السؤال. فبعد بضع سنوات من مقتل الملك شاول، وقعت حادثة مماثلة أخرى عندما قام شقيقان، من عبيد إيشبوشث ابن شاول، بقتله واحضار رأسه إلى داود. ولقد كان رد فعل داود على هذا يدعم موقفه من العماليقي الكاذب. فقد قال داود للأخوين: “إِنَّ الَّذِي أَخْبَرَنِي قَائِلًا: هُوَذَا قَدْ مَاتَ شَاوُلُ، وَكَانَ فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ كَمُبَشِّرٍ، قَبَضْتُ عَلَيْهِ وَقَتَلْتُهُ فِي صِقْلَغَ. ذلِكَ أَعْطَيْتُهُ بِشَارَةً. فَكَمْ بِالْحَرِيِّ إِذَا كَانَ رَجُلاَنِ بَاغِيَانِ يَقْتُلاَنِ رَجُلًا صِدِّيقًا فِي بَيْتِهِ، عَلَى سَرِيرِهِ؟ فَالآنَ أَمَا أَطْلُبُ دَمَهُ مِنْ أَيْدِيكُمَا، وَأَنْزِعُكُمَا مِنَ الأَرْضِ؟” (2 ص4: 10-11).
يبدو أن ما قاله داود يشير ضمنياً إلى أنه يعتقد حقًا أن العماليقي كان يكذب لتحقيق مكاسب محتملة، وخلافاً للقضية المطروحة، لم يكن مسؤولاً عن القتل، ولكن عن الكذب والنهب وتوريط داود في مقتل شاول عن طريق أخذ تاج شاول إليه. فبما أن (1 صم 31: 4-6) ينص على أن حامل الدرع رأى شاول يموت ثم قتل نفسه، وأن شاول وأبناؤه الثلاثة ماتوا في نفس اليوم، فإذاً يبدو من المؤكد أن العماليقي كان يكذب، وأن شاول مات بيده هو نفسه. ومع الأخذ في الاعتبار أن اليوم في إسرائيل القديمة يمتد من غروب الشمس إلى غروب الشمس، فإن هذا يجعل الأمر أكثر إقناعًا بأن العماليقي كان يكذب، على افتراض أنه وصل بعد غروب الشمس.
كما ذكرنا سالفاً، فقد كان العماليقي إما انتهازيًا “متحيناً الوقت المناسب” أو سارقًا ذا خبرة في ساحة المعركة ومن المؤكد تقريباً أنه قام بالتسلل في الظلام والليل. لقد كان أبناء شاول قد ماتوا قبل ذلك بقليل في المعركة، وبالتالي يجب أن يكون شاول (وحامل الدرع الذي مات بعد شاول) قد ماتا أيضًا في وقت الغروب أو قبله بقليل.
وبما أن الفلسطينيين كانوا غير قادرين أو غير راغبين في نهب وتدنيس جثث شاول وأبنائه على الفور (وهو ما كان بوضوح ما ينونه)، فلا بد أنهم لم يموتوا جميعاً إلا في وقت متأخر من اليوم، أو كانت مقاومة جنود الإسرائيليين الباقين قبل أن يهربوا (1صم 31: 1) قوية بما يكفي لمنع الفلسطينيين من نهب الموتى حتى بعد غروب الشمس، وهو ما جعلهم ينتظرون حتى صباح اليوم التالي.
“الشفاه الكاذبة”
ليس هناك روايات متناقضة عن مقتل شاول في الكتاب المقدس. فالرواية في (1صم31) هي السرد الحقيقي للأحداث كما تكشفت، والرواية في(2صم1) هي أيضًا حقيقية، ولكنها رواية لرجل يكذب على داود، على أمل الحصول على مكافأة. فلا يوجد تناقض هنا، لقد انتحر شاول بعد أن أصيب بجروح قاتلة في المعركة، والعماليقي فكر أن يستغل الفرصة لتحقيق مكاسب شخصية، لتأتي خطته بنتائج عكسية عليه.
عندما تقرأ المزامير، ستبرز آيتان كذكرى محتملة لداود عن هذه الواقعة في حياته:
“لِتُبْكَمْ شِفَاهُ الْكَذِبِ، الْمُتَكَلِّمَةُ عَلَى الصِّدِّيقِ بِوَقَاحَةٍ، بِكِبْرِيَاءَ وَاسْتِهَانَةٍ.” (مز31: 18).
“أَنْقِذْنِي وَنَجِّنِي مِنْ أَيْدِي الْغُرَبَاءِ، الَّذِينَ تَكَلَّمَتْ أَفْوَاهُهُمْ بِالْبَاطِلِ، وَيَمِينُهُمْ يَمِينُ كَذِبٍ.” (مز144: 11).
وأخيرًا، ربما كان سليمان ابن داود (الذي ربما كان والده قد أطلعه على هذه الواقعة) قد أخذ في الاعتبار هذه الرواية عن العماليقي عندما كتب مثل مناسب للغاية لهذا الموقف “فَمُ الْجَاهِلِ مَهْلَكَةٌ لَهُ، وَشَفَتَاهُ شَرَكٌ لِنَفْسِهِ.” (أمثال 18: 7).
المرجع:
How Did King Saul Die? Troy Lacey