انجيل توما الأبوكريفي لماذا لا نثق به؟ – ترجمة مريم سليمان
انجيل توما الأبوكريفي لماذا لا نثق به؟ – ترجمة مريم سليمان
نقوم بفحص الأناجيل المتأخرة غير القانونية لتحديد سبب رفض المجتمع المسيحي لها على الرغم من أنها عادةً ما تحتوي على شذرات من الحقيقة المتعلقة بيسوع. إن هذه القصص والأساطير والافتراءات المحبوكة قد كتبها مؤلفون كانت لديهم دافع لتغيير تاريخ يسوع ليتناسب مع أغراضهم الخاصة. وقد بنوا هذه الروايات البديلة على الحقائق التأسيسية للأناجيل الأصلية، ومع ذلك، يمكن تعلُّم الكثير عن يسوع التاريخي من هذه الأكاذيب المتأخرة. واليوم، ونحن نفحص الوثائق غير القانونية التي نُسبت كذبًا إلى الرسول توما:
إنجيل توما (130-180م)
اكتُشف هذا النص المتأخر غير القانوني لأول مرة في عام 1945 كجزء من مجموعة كبيرة من البرديات التي تم استخراجها بالقرب من نجع حمادي في مصر. والنص عبارة عن مجموعة من الأقوال المنسوبة إلى يسوع، مكتوبة باللغة القبطية، والتي تُنسب إلى محادثة سجلها “ديديموس يهوذا توما”.
لماذا لا يُعتبر انجيل توما موثوقًا؟
بينما يدعي النص أن من كتبه هو الرسول توما فإن العلماء يرفضون هذا. يبدو إنجيل توما متأخرًا جدًا في التاريخ بحيث أنه من المستحيل أن يكون قد كتبه توما أو أي شاهد عيان موثوق به لحياة يسوع. ويعود تاريخ أقدم أجزاء مخطوطات النص (والتي وُجِدَت في أوكسيرينخوس Oxyrhynchus، مصر) إلى الفترة بين عامي 130 و250 م، ويتفق الغالبية العظمى من العلماء على أن إنجيل توما قد كُتب قبل منتصف القرن الثاني. ويستشهد هؤلاء العلماء بعدة مقاطع في النص تبدو متوائمة مع آيات من الأناجيل القانونية، وهذا يتطلب وجود الأناجيل القانونية قبل كتابة هذا النص.
وبالإضافة إلى ذلك، يعتقد العلماء أن إنجيل توما يستعير من لغة إنجيل لوقا وليس لغة إنجيل مرقس. وإذا كان هذا هو الحال فلابد أن يكون هذا النص قد اتبع إنجيل لوقا، وهو إنجيل معروف أنه استعار من إنجيل مرقس (وبالتالي فقد كان متأخرًا عن مرقس). ويعتقد بعض العلماء حتى أن إنجيل توما يعتمد على “دياتيسارون” Diatessaron تاتيان (وهو محاولة لدمج وتنسيق الأناجيل الكنسية الأربعة، كُتبت بعد عام 172م)، وذلك بناءً على استخدام العامية السريانية.
ويجادل بارت إيرمان Bart Ehrman بأن إنجيل توما هو نص غنوسي يعود إلى القرن الثاني ويعتمد على عدم وجود أي إشارة إلى ملكوت الله الآتي وعودة المسيح. كذلك أدرك القادة الأوائل للكنيسة أن إنجيل توما كان عملًا متأخرًا وزائفًا وهرطقيًا. وصفه هيبوليتوس في “تفنيد كل الهرطقات” “Refutation of All Heresies” (222-235 م) بأنه مزيف وبأنه هرطقة، وأشار أوريجانوس إليه بطريقة مماثلة في عظة (كُتبت عام 233 م تقريبًا)، ورفضه يوسابيوس بشكل قاطع باعتباره “قصة خيالية” سخيفة وشريرة ومبتدعة وذلك في الكتاب الثالث من “تاريخ الكنيسة” (والذي كُتب قبل 326 م)، ونصح كيرلس أتباعه بتجنب النص باعتباره هرطقة في كتابه “التعليم المسيحي” (347-348 م)، وأدرج البابا جلاسيوس إنجيل توما في قائمته الخاصة بالكتب الهرطقية في القرن الخامس.
كيف يوثِّق انجيل توما حياة يسوع؟
يقدم إنجيل توما يسوع كشخص حقيقي في التاريخ ويؤكد أنه كمعلم حكيم. وتعاليم يسوع لها أهمية قصوى في هذا النص، ونصف أقواله تقريبًا هي تكرار للتعاليم الموجودة في الأناجيل القانونية وتأكيد لها. ويؤكد إنجيل توما أنه كان لدى يسوع العديد من التلاميذ ويذكر بطرس ومتى وتوما ويعقوب بالاسم. كما يتم تعزيز شخصيات كتابية أخرى (مريم وسالومي)، ويؤكد النص أيضًا على حشود كبيرة كانت تتجمع لسماع ما كان لدى يسوع ليقوله. وعلى الرغم من أن النص هو مجرد مجموعة من الأقوال فإن إنجيل توما يؤكد أن يسوع كان، على الأقل، معلمًا متنقلًا ذا شعبية كبيرة في منطقتي السامرة ويهوذا. ويشدد النص كذلك على أن يسوع كان له إخوة وأخوات ويذكر يوحنا المعمدان بالاسم.
أين (ولماذا) يختلف انجيل توما عن الروايات الموثوقة؟
هناك العديد من الأسباب الوجيهة للاعتقاد بأن إنجيل توما قد كتبه المؤمنون الغنوسيون الذين سمحوا لثقتهم الخلاصية في المعرفة الباطنية الخفية بتشويه وصفهم ليسوع. تم اكتشاف النص من بين أعمال غنوسية أخرى وهو يبدأ بالكلمات التالية: “هذه هي الأقوال السرية التي نطق بها يسوع الحي وسجلها ديديموس يهوذا توما.”
لا يتم العثور على الخلاص في كفارة المسيح البديلة المقدمة على الصليب (ولا في “الأعمال الصالحة”)، بل يتم العثور عليه بدلًا من ذلك في كلمات يسوع السرية الخفية إذا تم فهمها بشكل صحيح ومتبصر. ولهذا السبب، يخفق إنجيل توما في تقديم وصف لأي من جانب من جوانب حياة يسوع التاريخية ويركز بدلاً من ذلك على كلماته فقط. وهذا الارتباط بين المعرفة الخفية والخلاص (أو الاستنارة الروحية) هو سمة مميزة للمجموعات الغنوسية في ذلك العصر.
إنجيل الطفولة المنسوب لتوما (150-185م)
إنجيل الطفولة المنسوب لتوما، مثله مثل إنجيل الطفولة المنسوب ليعقوب، هو نص قديم يحاول تقديم التفاصيل الناقصة في الأناجيل القانونية. وفي هذه الحالة، يصف المؤلف تفاصيل ناقصة في الرواية الخاصة بطفولة يسوع (خاصةً مثلما وُصِفَت طفولته في إنجيل لوقا). يبدأ إنجيل توما عندما يهرب يوسف ومريم إلى مصر، ويصف أنشطة يسوع عندما كان طفلًا في ذلك البلد.
وهناك عدد قليل من المخطوطات الكاملة الباقية من إنجيل الطفولة المنسوب لتوما، ومعظمها يعود إلى القرن الثالث عشر (على الرغم من وجود العديد من الأجزاء التي يعود تاريخها إلى القرن الخامس). ويعتقد بعض العلماء أن الوثيقة قد كُتبت في شرق سوريا، لكن الأصل الدقيق غير معروف. وقد كان النص شائعًا للغاية، وكان آباء الكنيسة الأوائل بالتأكيد على دراية بوجوده وتأثيره.
لماذا لا يُعتبر موثوقًا؟
تزعم أجزاء من إنجيل الطفولة المنسوب لتوما أن “توما الإسرائيلي” هو الكاتب، ولكن يبدو أن هذه المادة هي إضافة متأخرة ومن غير المؤكد ما إذا كانت تشير إلى الرسول توما. على أي حال، لا يمكن ببساطة أن يكون الرسول قد قام بكتابة الوثيقة، نظرًا لكتابتها في وقت متأخر وعدم إلمامها بالحياة والعادات اليهودية في القرن الأول.
ويفترض النص وجود إنجيل لوقا، وبالتالي يجب أن يكون قد كُتب بعد أن جرى توزيع نص لوقا وأصبح معروفًا تمامًا؛ يعتمد المؤلف على إنجيل لوقا في معلوماته المتعلقة بحياة يسوع والسبت والفصح. وبالإضافة إلى ذلك، يصف النص يسوع بأنه طفل ذكي وبأنه أجرى عددًا من المعجزات في الناصرة، وهو ما يتناقض تمامًا مع تصوير الناصريين كما هو موضح في الإصحاح الرابع من إنجيل لوقا.
يصف لوقا أهالي الناصرة بأنهم استجابوا لتعاليم المسيح الأولية تحت تأثير الصدمة، وعلى ما يبدو لم يكونوا على دراية بأن يسوع كان أكثر من مجرد ابن نجار فقير. ويبدو أن إيريناوس يشير إلى إنجيل الطفولة المنسوب لتوما ويدرجه في قائمته الخاصة بالوثائق غير القانونية غير الموثوقة التي وصفها في “ضد الهرطقات”“Against Heresies” (180 م). ويشير هيبوليتوس وأوريجانوس أيضًا إلى إنجيل توما في قائمتي كل منهما للكتب الهرطقية (على الرغم من أنه من غير المعروف ما إذا كانا يشيران إلى هذا النص أم إلى “أقوال” إنجيل توما المذكورة سابقًا).
كيف يوثِّق حياة يسوع؟
يحاول إنجيل الطفولة المنسوب لتوما تقديم تفاصيل تتعلق بالسنوات الاثنتي عشرة الأولى في حياة يسوع (التفاصيل غير المتوفرة لنا من خلال إنجيل لوقا، إصحاح 2). وفي حين أن الكثير من النص مهين للغاية لشخصية يسوع كصبي فإن العديد من الحقائق المتعلقة بيسوع معترف بها هنا. يتم تعريف مريم ويوسف على أنهما والدا يسوع ويبدأ السرد عندما يفران إلى مصر هربًا من اضطهاد هيرودس. ويوصف يسوع بأنه صانع معجزات، حتى وهو صبي صغير جدًا.
ويصف النص أيضًا إجراء يسوع لمعجزات في يوم السبت وإثارته لغضب أولئك الذين تابعوا ذلك، تمامًا كما فعل في كثير من الأحيان في الأناجيل القانونية. ويصف إنجيل الطفولة المنسوب لتوما أيضًا مشهدًا يعرِّف فيه يسوع نفسه على أنه “رب”، ويدعي أنه كان موجودًا “قبل كل العوالم”، ويتنبأ بموته على الصليب. ويوصف يسوع أيضًا بأنه أكثر حكمة من المعلمين اليهود، ويشير النص أيضًا إلى أنه أولئك الذين رأوا قوته كانوا يعبدونه كإله.
أين (ولماذا) يختلف عن الروايات الموثوقة؟
هناك عدد من الأوصاف المشوهة والمثيرة للقلق ليسوع في إنجيل الطفولة المنسوب لتوما. غالبًا ما يوصف يسوع بأنه سريع الغضب وبأنه حقود وعديم الاحترام، تقريبًا كما لو أن المؤلف كان يصيغ شخصيته ليشبه الآلهة الأسطورية “المحتالة” اليونانية الأخرى و”الآلهة الأطفال” الوثنية في العصور القديمة. ويبدو أن يسوع كان يشبه الآلهة الأسطورية الوثنية أكثر من كونه يشبه المسيح الذي نعرفه من الأناجيل القانونية.
ويعتقد بعض العلماء (مثل رون كاميرون Ron Cameron) أن إنجيل الطفولة المنسوب لتوما قد صُمم كقطعة من “الدعاية التبشيرية المسيحية” والتي كانت تهدف إلى إظهار الطبيعة الإلهية ليسوع بطريقة مألوفة للوثنيين الذين كان المسيحيون الأوائل يقومون بتبشيرهم. فهؤلاء الأشخاص غير المؤمنين لديهم مجموعة خاصة بهم من الآلهة اليونانية-الرومانية أو المصرية؛ قارن إنجيل الطفولة المنسوب لتوما بين هذه الآلهة بطريقة استهدفت إثارة الحساسيات الهلنستية والمصرية والوثنية.
وفي حين يرغب بعض العلماء المتشككين في إدراج إنجيل توما كأحد الأناجيل الخمسة الأولى التي تصف حياة يسوع وخدمته وأقواله، كانت (ولا تزال) هناك أسباب جيدة لاستبعاده من السجل الموثوق (جنبًا إلى جنب مع إنجيل الطفولة المنسوب لتوما). فهاتان الوثيقتان هي عبارة عن روايات متأخرة كتبها مؤلفون كانوا مدفوعين لاستخدام اسم يسوع لأغراضهم الخاصة. والأناجيل القانونية الأربعة (مرقس ومتى ولوقا ويوحنا) هي أقدم سجل عن يسوع كُتب خلال حياة شهود العيان الذين عرفوا يسوع شخصيًا.
المرجع