من أين أتت امرأة قايين؟ د. جورجيا بوردوم
من أين أتت امرأة قايين؟ د. جورجيا بوردوم
ترجمة عفيف ديميتريوس
من أكثرِ الأسئلةِ طرحاً حول الكتاب المقدس هو “من أين أتت امرأة قايين؟”. لطالما وجد المشككون أن العديد من المسيحيين يتعثّرون بسهولة بسبب هذا السؤال, لكن الإجابةَ ليست بالصعوبة التي تتخيلها.
منذ عدة سنوات اشتريت الكتاب المقدس الذهبي للأطفال “The Golden Children’s Bible” لأستخدمه مع ابنتي اليزابيت في أوقات التأمل. وقد تم نشرُه لأول مرة عام 1965 وأسرتني تلك الرسومات التوضيحية التي ذكرتني بتلك التي ترعرتُ عليها في مدارس الأحد. لم يكن هذا الكتاب ترجمةً مُحددة ولكن أحداثاً مُستعارةً ومختارةً من الكتاب المقدس. وحين قرأتُ القسم المعنون: “قايين وهابيل – أولادُ آدم” كان مكتوباً:
“بعد ذلك [حين وضع الله علامة على قايين]، خرج قايينُ من لدنِ الرب وسكن في أرضِ نودَ شرقيّ عدن. وعرَف قايينُ امرأته فحبلت وولدت حنوك”
يُسلط هذا المقطعُ المُستعارُ الضوءَ على اعتقادٍ خاطئ للغاية بما يخصّ كيفيةَ حصول قايين على زوجته. تلقّنَ العديدُ من المسيحيين أن قايين ذهب إلى نود, وجد امرأةً, تزوّج وأنجب ولداً. ومع أن الله لم يخلق سوى آدم وحواء فمن أين أتى شعبُ نود؟
ماذا يقول الكتاب المقدس؟
لنقرأ أولاً الكلمات الواردة في تكوين 4: 16-17 بدقة, التي حاول الكتاب المقدس الذهبي للأطفال استعارتها:
“بعد ذلك, خرج قايينُ من لدن الرب وسكن في أرض نود شرقي عدن. وعرَف قايينُ امرأته فحبلت وولد حنوك, وكان يبني مدينةً ودعى اسم المدينة كاسم ابنه حنوك”
لا يقول الكتاب المقدّس أن قايين ذهب إلى نود وبعد ذلك وجد امرأة هناك, بل أن المعنى الضمني في المقطع المقدس هو أنه كان لديه امرأةً أساساً. الحدث الذي وقع في نود هو أنّه “عرف زوجته” – أي اضطجع معها – وهي حبلت وولدت ابناً.
لو لم يتزوج قايينُ امرأةً من أرضِ نود سيكون علينا طرحُ السؤال التالي: “من أين حصل قايين على زوجته” أو “من تزوج قايين؟”. مجدداً علينا أن نبحث في الكتاب المقدس عن الجواب.
في تكوين 2: 7 نقرأ عملية خلق آدم: “وجبل الربُ الإلهُ آدم تراباً من الأرض، ونفخَ في أنفه نسمةَ حياة. فصار آدمُ نفساً حية”
تكوين 2: 21- 22 يروي خلق حواء: “فأوقع الربُ الإلهُ سُباتا على آدم فنام، فأخذَ واحدةً من أضلاعِه وملأ مكانها لحماً.
وبنى الربُّ الإلهُ الضلع التي أخذها من آدم امرأةً وأحضرها إلى آدم”
وفي تكوين 1: 28 نقرأ أمرَ الله لآدم وحواء “وباركهم اللهُ وقال لهم: «أثمروا واكثروا وامتلأوا الأرضَ، وأخضعوها”
خلق اللهُ شخصين فحسب, آدمَ وحواء, وأمرهما بإنجاب الكثير من الأطفال – امتلأوا الأرض – الكتاب يُسمي ثلاثةَ أشخاص بالاسم (قايين, هابيل, و شيث). ومع ذلك في تكوين 5: 4 يُوضح أنه كان لديهما العديد من الأبناء والبنات:
“وكانت أيامُ آدم بعدما ولد شيثاً ثماني مئةِ سنة، وولد بنينَ وبناتٍ”
بالإضافة إلى أن تكوين 3: 20 يُشير: “ودعا آدمُ اسم امرأته «حواء» لأنّها أمُّ كلَّ حي”
الكتابُ واضح في أن جميع البشر منحدرون من آدم وحواء. وعلى الرغم من أنّه من الشائع تصنيفُ الناس إلى “أعراق” على أساس لون الجلد وشكل العيون وإلى ما هنالك, إلاّ أنّه يوجد عرق واحد في الحقيقة.
إذاً, طالما نحن “دمٌ واحدٌ” ينحدر من آدم وحواء, فالشخص الوحيد الذي يمكن لقايين الزواجُ به هو إما اختُه أو ابنةُ أخيه.
صحيحٌ أن الجنس البشري اليوم مؤلفٌ من جماعاتٍ مختلقة من البشر. لكن كيف حصل هذا؟ التاريخُ الوارد في سفر التكوين يساعدنُا على فهم لماذا يبدو الناسُ مختلفين اليوم عن بعضِهم البعض, مع أنهم جميعُهم أتوا من شخصين اثنين فقط.
نسلُ آدم وحواء تكاثر وملأ الأرضَ قرابة 1500 سنة قبل طوفان نوح. في تلك الفترة حدث شيءٌ مهم في جينات البشر: تم اختزال عدد السكان إلى عائلة نوح المؤلفة من ثمانية أشخاص على متن الفُلك. وبعد الطوفان تكاثر الجنسُ البشري من جديد, لكن بدون إطاعة الله بأن يملأوا الأرض. فعاقب الله عدم طاعتهم بأن بلبل اللغات عند برج بابل, ومن هناك هاجروا وملأوا الأرض بحسب قصدِ الله. وحين انفصل البشرُ في مجموعات مختلفةٍ حول العالم, هيمنت بعضُ الخصائص الفيزيائية مثلُ البشرة الداكنة في افريقيا والعيون لوزية الشكل في أسيا..
بغضَّ النظر عن التنوع في الخصائص الفيزيائية التي نراها اليوم, الكتابُ المقدس (وأيضاً علمُ الجينات) يؤكد أنّنا جميعُنا عرقٌ واحد. كما ورد في أعمال 17: 26 “وصنع من دمٍ واحدٍ كلَّ أمّة من النّاس يسكنون على كلَّ وجه الأرضِ، وحتَمَ بالأوقات المعينة وبحدود مسكنهم”
هل يمكنك الزواج من قريبك؟
ردُّ الفعل الأولي من زواج قايين من أخته أو ابنةِ أخيه صاعقٌ و مقرفٌ. يُدعى اليوم زواج الأقارب “سفاحَ قربى”. لكن لم يمنع الله منذ 6000 سنةٍ مضت الزواجَ من الأقارب, كيف هذا؟
خُلق آدمُ وحواءُ كاملين. لم يحدث إلا بعد السقوط أن المعاناة والموت دخلا على البشريةِ وكلَّ المخلوقات الأخرى. أحدُ جوانب هذه المعاناة هو التغيير في الدنا (DNA) والذي يؤدي إلى المرض. وحيث أن آدم وحواء خُلقا كاملين جينيّاً فسيكون لأولادهم طفرات جينية بسيطة. تزايدت الطفراتُ الجينية لدى الأجيال اللاحقة و تراكمت. وفي النهاية, صار خطراً عظيماً الزواجُ من الأقارب بسبب أن احتمالية توريث الأمراض عالية.
في زمن موسى, أي قرابة 2500 سنة بعد الخلق, حرّم الله الزواج بين الأقارب (لاويين 18: 6-18). يبدو أنّ واحداً من الأسباب كان الموت. ومع أن الإسرائيليين لم يعرفوا شيئاً عن الدنا, لكن الله يعرف, وعرف أن الأقارب سيكون لديهم نفسُ الطفرات, حيث أن العديد من الأمراض تحصلُ حين يحملُ الطفلُ نسختين من نفس الطفرة (واحدةٌ من الأم والأخرى من الأب). الزواجُ من الأقارب سيكون مؤذياً للإسرائيليين. هذا أيضاً أحد الأسباب التي تُحرّم هذا النوع من الزواج – منعُ الأمراض التي تسبب الأذى للأطفال نتيجة هذه الصلة.
كيف يمكن للإجابة على هذا السؤال أن تؤثر على الكتاب المقدس؟
عادةً ما أسمعُ مسيحيين يقولون لا يهم ما إذا كانت قصةُ التكوين حقيقة تاريخيةً كما في قصة زواج قايين. الخلقُ هو مسألةٌ ثانوية, وليست عقيدة أساسية وأنّ الشيء الأهم هو “الحق في يسوع”. مع أني أوافق تماماً على أن الإنجيل (العهد الجديد) هو رسالتُنا المركزية, لكن على الناس أن يعتمدوا على العهد القديم لمعرفة ماهية الإنجيل. فلو لم يكن الكتاب المقدس صادقاً ودقيقاً في ما يخص سفر التكوين, فكيف سنعرف أنه يقول الحقيقة فيما يختصُّ يسوع المسيح؟
بالإضافة لذلك, فتاريخ نسل آدم أساسيٌّ في فهم كيف أن الإنجيل هو لجميعِ الناس. فكلُّ البشر منحدرون من آدم وحواء, جميعُ الناس خطأةٌ (رومية 3: 23 و 5: 12). مات المسيح وقام ليُصالح نسل آدم (رومية 5: 15 و 5: 17) (1كورنثوس 15: 21 -22 و 15: 45). لو تزوج قايين أحداً آخر ليس من نسل آدم وحواء سيتعارض هذا مع التعليم الواضح للكتاب, ليس فقط في التكوين لكن أيضاً ما يتعلق بالإنجيل. لو كان هناك أعراقٌ أُخرى فكيف للإنجيل أن يكون لجميع الناس (1 تيموثاوس 2: 4)؟ هذا مستحيل!
الإنجيل يعتمد في جزءٍ منه على الإجابة الكتابية الدقيقة عن زواج قايين. إذاً هي ليست مسألةٌ جانبية بل جزءٌ من المسألة الأساسية.
يحثُنا بطرسُ بأن نكون مستعدين دائمًا لإعطاء إجابة عن الرجاء الذي فينا (1 بطرس 3: 15). التاريخُ في سفر التكوين, بما في ذلك هويةُ زوجة قايين, مهمٌ للغاية لنفهم أننا جميعُنا خطأةً وبحاجةٍ إلى الغفران والخلاص المُعطى من المسيح يسوع.
د. جورجيا بوردوم: متحدثة وباحثة ل “أجوبة في سفر التكوين”. حصلت على الدكتوراه من جامعة أوهايو في علم الوراثة الجزيئية وقضت ست سنوات بمُحاضرة في علم الأحياء في جامعة ماونت فيرنون نازارين.