الرد على أبي عمر الباحث

متى مات بعشا بن أخيَّا؟! ومتى حدثت الحرب بين بعشا وآسا؟ رداً على أبي عمر الباحث.

متى مات بعشا بن أخيَّا؟! ومتى حدثت الحرب بين بعشا وآسا؟ رداً على أبي عمر الباحث.

متى مات بعشا بن أخيَّا؟! ومتى حدثت الحرب بين بعشا وآسا؟ رداً على أبي عمر الباحث.
متى مات بعشا بن أخيَّا؟! ومتى حدثت الحرب بين بعشا وآسا؟ رداً على أبي عمر الباحث.

متى مات بعشا بن أخيَّا؟! ومتى حدثت الحرب بين بعشا وآسا؟ رداً على أبي عمر الباحث.

التعريف بالمشكلة:

 

عرَضَ أبو عمر سؤالاً في أحد فيديوهاته، مُتحدياً أحد المسيحيين لحل هذه المصائب والكوارث (على حد تعبيره). وتكمن هذه المشكلة من وجهة نظر هذا الباحث، في أن سفر الملوك الأول يذكر أن بعشا بن أخيا مات سنة ٢٦ من حكْم الملك آسا.

حيث يقول: ” في السنة الثالثة لآسا ملك يهوذا، ملك بعشا بن أخيا على جميع إسرائيل في ترصة أربعا وعشرين سنة.” (١مل ١٥: ٣٣)

ويقول أيضاً: ” واضطجع بعشا مع آبائه ودفن في ترصة، وملك أيلة ابنه عوضا عنه. وفي السنة السادسة والعشرين لآسا ملك يهوذا، ملك أيلة بن بعشا على إسرائيل في ترصة سنتين.” (١مل ١٦: ٦، ٨)

 

مُعلقاً على ذلك أبو عمر:

 ” إذن بعشا بن أخيا مَلَك في السنة الثالثة من بداية ملْك آسا، وبعشا حكَم أربعة وعشرين سنة. يعني المفروض أنه مات سنة ٢٦ من ملْك آسا. واضحة!… وتولى من بعده ابنه أيلة. سهلة جداً! “

 

ولكن سفر أخبار الأيام الثاني يذكر أن هناك حرب إندلعت بين بعشا وآسا في السنة السادسة والثلاثين.

حيث يقول الوحي المقدس: ” في السنة السادسة والثلاثين لملك آسا صعد بعشا ملك إسرائيل على يهوذا، وبنى الرامة لكيلا يدع أحدا يخرج أو يدخل إلى آسا ملك يهوذا.” (٢أخبار ١٦: ١)

 

فيقول أبو عمر:

” هنا بيحكي ما حدث في السنة السادسة والثلاثين من بداية حكْم آسا، يعني بعشا لسه عايش “.

ثم يتساءل:

” إزاي بقى بعشا لسه عايش؟! إزاي بعشا مات سنة ٢٦ ونلاقيه لسه عايش سنة ٣٦؟! “

واصفاً هذا بالتحريف الذي يدحض وحي الروح القدس.

 

وللرد، هناك تفسيران محتملان..

 

التفسير الأول:

 

نص ٢أخبار ١٦: ١ العبري يقول: ” בִּשְׁנַ֨ת שְׁלֹשִׁ֚ים וָשֵׁשׁ֙ לְמַלְכ֣וּת אָסָ֔א עָלָ֕ה בַּעְשָׁ֚א מֶֽלֶךְ־יִשְׂרָאֵל֙ עַל־יְהוּדָ֔ה וַיִּ֖בֶן אֶת־הָֽרָמָ֑ה לְבִלְתִּ֗י תֵּת יוֹצֵ֣א וָבָ֔א לְאָסָ֖א מֶֽלֶךְ־יְהוּדָֽה: “

 

كلمة “מַלְכוּת” (mal-kooth’) تعني: مملكة، حُكْم (مدة حكْم مَلِك)، ملكوت، السلطة الملكية. [1]

إذن الكلمة العبرية، والتي تُرجمَت في نص ٢أخبار ١٦: ١ إلى “مُلْك” هي تعني أيضاً “مملكة”.

وبالتالي، فهي ربما لا تشير إلى ” حكْم آسا” نفسه، بل إلى “مملكة آسا”، والتي هي مملكة يهوذا.

 

بمعنى أبسط، النص في هذه الحالة يشير إلى السنة السادسة والثلاثين من إنقسام المملكة المتحدة وإنفصال مملكة يهوذا الجنوبية عن مملكة إسرائيل الشمالية.

ومن هذا المُنطَلَق يكون بداية إحتساب عدد السنوات ببداية إستقلال مملكة آسا.[2]

 

حيث مَلَكَ رحبعام سبع عشرة سنة (٢أخبار ١٢: ١٣) والذي بداية مُلْكه يوافق السنة الأولى من بداية الإنقسام.

ثم ملك من بعده ابنه أبيام ثلاث سنوات (٢أخبار ١٣: ١)

وبناءاً على ذلك، وبطرح هذه السنين من ٣٦ سنة، يتبقى لدينا ١٦ عام.

٣٦ – (١٧+٣) = ١٦

وهي تعتبر بذلك السنة السادسة عشر من حكْم آسا، كما آرخها ليون وود في كتابه “تاريخ إسرائيل”. [3]

 

ليصبح بذلك مفهوم النص:

 ” في السنة السادسة والثلاثين لمملكة آسا (والتي توافق السنة السادسة عشر لملْك آسا) صعد بعشا ملك إسرائيل على يهوذا… “.

وبذلك تكون أيضاً ” السنة الخامسة والثلاثين لمملكة آسا ” في ٢أخبار ١٥: ١٩ والتي توافق السنة الخامسة عشر لملْك آسا.

 

يقول آرشر:

 ” في الدفاع عن هذه النظرية يجب القول بأن ” mal-kooth” غالباً ما تُستخدَم حتى في كتابات ما بعد السبي، لتعني “مملكة” أو “ملكوت” بدلاً من “فترة حُكْم” “.[4]

 

وهذا حقيقي، ففي الواقع ٥١ من أصل ٩١ مرة تُذكَر هذه الكلمة في نسخة الملك چيمس للعهد القديم، وتُتَرجَم ” مملكة”.

 

فعلى سبيل المثال:

 

  • ” وتشدد سليمان بن داود على مملكته “מַלְכוּת֑וֹ”، وكان الرب إلهه معه وعظمه جدا.” (٢ أخبار ١:١)
  • ” وشددوا مملكة “מַלְכ֣וּת” يهوذا وقووا رحبعام بن سليمان ثلاث سنين، لأنهم ساروا في طريق داود وسليمان ثلاث سنين. ” (٢ أخبار ١١: ١٧)
  • ” واستراحت مملكة “מַלְכ֣וּת” يهوشافاط، وأراحه إلهه من كل جهة.” (٢ أخبار ٢٠: ٣٠)
  • ” وفي السنة الأولى لكورش ملك فارس عند تمام كلام الرب بفم إرميا، نبه الرب روح كورش ملك فارس فأطلق نداء في كل مملكته “מַלְכוּת֔וֹ” وبالكتابة أيضاً…”. (عز ١:١)
  • ” وهم لم يعبدوك في مملكتهم “בְּמַלְכוּתָם” وفي خيرك الكثير الذي أعطيتهم، وفي الأرض الواسعة السمينة التي جعلتها أمامهم، ولم يرجعوا عن أعمالهم الردية.” (نح ٩: ٣٥)
  • ” فقال الملك لأستير في اليوم الثاني أيضا عند شرب الخمر: «ما هو سؤلك يا أستير الملكة فيعطى لك؟ وما هي طلبتك؟ ولو إلى نصف المملكة “הַמַּלְכ֖וּת” تقضى».” (أس ٧: ٢)

 

وفي ١أخبار ١٧: ١٤ استُخدمَت لتعني “ملكوت” والذي هو ينتمي ليهوه.

 

ويعلق “Jones” على هذا فيقول:

“يشير جليسون آرشر بشكل صحيح إلى أن ” mal-kooth” العبرية تُستخدَم في مكان آخر في الكتاب المقدس لتعني “مملكة” أو “سلالة حاكمة” بدلاً من “مدة حكْم”. وهكذا، فقد مَرَ ٣٦ عاماً من الانقسام (١مل ١٢، ١٣) إلى هجوم بعشا على آسا في العام السادس عشر منذ تنصيب الآخير [آسا]. وفي الحديث عن السنة الخامسة والثلاثين لآسا، يستخدم الإصحاح الخامس عشر من سفر أخبار الأيام الثاني نفس التمايز”. [5]

 

جدير بالذكر أيضاً، إن هناك رأي آخر بخصوص هذا التفسير. فالبعض يلجأ إلى تأريخ يوسيفوس والذي يضع الحادثة في عام آسا السادس والعشرين وليس السادس عشر!! [6]

 

فعلى سبيل المثال يقول “Sutcliffe“:

” بدأ بعشا الحكْم في السنة الثالثة لآسا، وملكَ أربعة وعشرين عاماً. وعندما اضطر بواسطة بنهدد إلى التخلي عن تحصينات الرامة، كان هذا، بحسب يوسيفوس، في السنة الآخيرة من حكمه. ومن هنا يجب أن تقرأ: ” في السنة السادسة والعشرين “.[7]

 

ويقول أيضاً وليم مارش:

” وَصَعِدَ بَعْشَا في ٢ أخبار ١٦: ١ – إن هذه الحرب كانت في السنة السادسة والثلاثين من ملك آسا والأمر واضح أنه وقع غلط في هذا القول لأن ملك بعشا كله كان ٢٤ سنة فقط أي من السنة الثالثة إلى السنة السابعة والعشرين من ملك آسا. والأرجح أن الحرب المذكورة كانت في السنة السادسة والعشرين من ملك آسا وليست في السنة السادسة والثلاثين. “.[8]

 

وبناءاً على هذا الرأي الآخير، وبمراجعة بسيطة لسياق الأحداث، نستنتج أنه في أعقاب إنتصار آسا على زارح الكوشي، كان الكثير من شعب إسرائيل قد هجروا مملكة إسرائيل إلى آسا ومملكة يهوذا. حيث يذكر الوحي الإلهي: ” وجمع كل يهوذا وبنيامين والغرباء معهم من أفرايم ومنسى ومن شمعون، لأنهم سقطوا إليه من إسرائيل بكثرة حين رأوا أن الرب إلهه معه. ” (٢أخبار ١٥: ٩) وكان هذا في السنة الخامسة عشرة لملْك آسا (وهو تاريخ مُثبَت في ٢أخبار ١٥: ١٠ وليس عليه أي خلاف).

أما بعشا (بناءًا على هذا الرأي) فقد انتظر ١١ سنة كاملةً قبل إتخاذ أي إجراء لمنع خروج مواطنيه إلى يهوذا، وهو ما ذُكر في ٢أخبار ١٦: ١، والذي هو في السنة السادسة والعشرين بحسب هذا الرأي.

 

وهو بالطبع أمر غير منطقي على الإطلاق! فبحسب Jones، يجب أن تكون ردة فعل بعشا أسرع بكثير لبناء الرامة فوراً.

حيث يقول:

“من المؤكد أن بعشا كان سيضيع القليل من الوقت قبل اتخاذ التدابير المناسبة لتأمين حدوده، وبالتالي وقف التدفق خارج إسرائيل. وقَعَ غزو زارح في السنة الخامسة عشرة لآسا أو السنة الخامسة والثلاثين لمملكة يهوذا. وبالتالي، في العام الذي تلا الهزيمة الساحقة لزارح (٣٦ عاماً بعد استقلال مملكة يهوذا، الذي هو في السنة السادسة عشرة من جلوس آسا على العرش)، قام بعشا بتحصين الرامة من أجل إيقاف مغادرة مواطنيه”. [9]

 

وهذا أيضاً ما أكده جيمس أوشر (واحد من أهم علماء الكتاب المقدس في القرن ١٧)، حيث يقول:

” الله الآن أعطى عشرة سنوات راحة بدون مقاطعة للأرض (٢أخبار ١٤: ١، ٦) حتى السنة ١٥ لملْك آسا، أو السنة ٣٥ من إنقسام تلك المملكة [مملكة يهوذا] عن المملكة الأخرى؛ مملكة إسرائيل (٢ أخبار ١٥: ١٠، ١٩) “.[10]

 

وهذا هو نفس التسلسل التاريخي المُتَّبَع في التقليد اليهودي.

حيث نجد في “Seder Olam“:

 ” «في السنة السادسة والثلاثين لحكْم آسا، صعد بعشا ملك إسرائيل على يهوذا…» (٢أخبار ١٦: ١). من المستحيل قول هذا، حيث أن آسا دفن بعشا في السنة ٢٦ من ملْكه… فهي ٣٦ سنة وفق ما كان سليمان متزوجاً من ابنة فرعون، ملك مصر، ويقابل ٣٦ عاماً من قرار تقسيم مملكة داود، وتوافق أيضاً ٣٦ عاماً كان مُعيَّن أن ملوك الآراميين يجب أن يهاجموا إسرائيل ولكن بعد ذلك يسقطون على يد سلالة داود؛ لذلك يقول ” في السنة ٣٦ لملْك آسا”. كان هذا في عام آسا السادس عشر بعد سقوط زارح النوبي في يديه، والذي هو العام السادس والثلاثين بعد موت سليمان”.[11]

 

ونفس الأمر ذُكر بالحرف في “Tosefta Sotah“.[12]

 

ويؤكد هذا چون جيل، حيث يقول:

” إنها [أي السنة السادسة والثلاثين] تُفهَم لمملكة يهوذا، عندما تم انقسامها عن إسرائيل، ومن ذلك الوقت إلى هذا كانت ٣٦ سنة، ١٧ عاماً في حكْم رحبعام، و٣ سنوات تحت حكْم أبيام، بحيث يكون هذا العام السادس عشر؛ وبالتالي يتم إحتسابها في التسلسل التاريخي اليهودي، والذي يتبعه العديد من أفضل علماء التاريخ لدينا”.[13]

 

وهو أيضاً ما يشير إليه حتى حاخام العصور الوسطى، الرابي شلومو يتسحاقي שלמה יצחקי (المعروف بالرابي راشي)، حيث يقول:

” في السنة السادسة والثلاثين لملْك آسا – هذا مستحيل لأن آسا دفن بعشا في السنة السابعة والعشرين من حكمه. بدلاً من ذلك، في السنة السادسة عشرة من حكمه. يقول الكتاب المقدس ” السادسة والثلاثين” لأنها نهاية ٣٦ سنة منذ تقسيم المملكة”.[14]

 

ليبرمان “S. Lieberman” في أعقاب تصريح لفايس “J.A.H. Weiss“، لاحظ أن أحياناً في الكتاب المقدس والمشناه، البادئة ל (في كلمة ” לְמַלְכ֣וּת “) يمكن أن يكون لها معنى ב، ولهذا يمكن للمرء أن يترجم النص: ” في السنة السادسة والثلاثين، في (أثناء) حكْم آسا، صعد بعشا ملك إسرائيل على يهوذا… “. [15]

 

إذن خلاصة هذا الرأي، هي أن المقصود بقول الوحي الإلهي ” السنة السادسة والثلاثين ” هو من انفصال عشرة أسباط إسرائيل عن سبطي يهوذا وبنيامين، وقت انقسام مملكة سليمان إلى قسمين: قسم لإسرائيل وقسم ليهوذا. وعليه فتكون السنة 16 من حكم آسا على يهوذا هي السنة 36 من انقسام المملكة.

 

وهو الرأي الذي أجمع عليه أغلب نقاد وعلماء الكتاب المقدس، حيث يقول كلاً من “Jamieson- Fausset- Brown“:

” أفضل نقاد كتابيين إتفقوا في النظر في هذا التاريخ على أن يتم حسابه من إنفصال الممالك، وموافقة العام السادس عشر من حكْم آسا. هذا النمط الحسابي كان على الأرجح، يتَّبع بشكل عام في كتابات ملوك يهوذا وإسرائيل؛ التي هي سجلات الأحداث الشائعة في ذلك الوقت (٢أخبار ١٦: ١١) – المصدر الذي استخلص منه المؤرخ الموحى إليه روايته “.[16]

 

وفي الآخير، هذا سيعني أن كاتب سفر أخبار الأيام الثاني أخذ معلوماته من وثيقة رسمية أقدم في يهوذا، والتي في البداية استخدمت العام ٩٣١ (عام بداية حكْم رحبعام والذي يوافق السنة الأولى من استقلال مملكة يهوذا) والذي يُعرَف بالتقويم “era” [17] بدلاً من التقويم “regnal” [18]. ثم لاحقاً، يبدو أن مصادر كاتب السفر تغيرت إلى نظام التقويم “regnal” الاعتيادي. حيث لا توجد أمثلة أخرى على التقويم “era” غير الحالة التي نناقشها (في ٢ أخبار ١٦: ١) و (٢أخبار ١٥: ١٩)، والذي يصرح بعدم وجود حروب حتى السنة الخامسة والثلاثين.[19]

 

التفسير الثاني:

 

في تعليقهم على نص ٢أخبار ١٦: ١، اقترح كلاً من Keil وDelitzsch أن الرقم ٣٦ هو خطأ نسخي للرقم ١٦.[20] حيث كانت الأرقام تُكتَب في العبرية القديمة كرموز من الحروف العبرية. بمعنى أن كل عدد كان يتم تمثيله بحرف من الأبجدية العبرية. ومن هنا نشأ خطأ نسخي بسبب القراءة الخاطئة للحروف المتشابهة؛ حيث هناك عدة حروف عبرية متشابهة مع بعضها. وفي الحالة التي نحن بصددها، نجد أن حرف ” י ” (يود) كان يمثل العدد “١٠”، بينما حرف ” ל ” (لامدا) يمثل العدد “٣٠”.

مع وجود تشابه كبير بين هذين الحرفين في النسخ العبرية المبكرة (المخطوطات) المكتوبة بخط اليد.[21]

 

وهذه صورة لمزيد من التوضيح..

 فالحرفين متشابهين جداً بإستثناء شرطتين صغيرتين متصلتين بالجهة اليسرى للخط الرأسي الأساسي لحرف اليود. وبحسب آرشر، فإن هذا التشابه كان من الممكن أن يُربِك الناسخ بسهولة لينتج عنه في النهاية خطأ نسخي غير مُتَعَمَد.

حيث يقول:

” [العدد] ١٦ يمكن بسهولة أن يتبدَّل مع ٣٦. السبب لهذا هو أنه خلال القرن السابع ق. م.  كان الحرف “يود” = ١٠ يشابه بدرجة كبيرة الحرف “لامدا” = ٣٠… لذا فإنها تتطلب بقعة صغيرة فقط من التآكل المفرط لعمود الدَرَج [المخطوطة] لينتج عنه جعْل اليود تطابق  لامدا “.[22]

 

وفي الآخير، فهذا الخطأ النسخي لا يقلل أبداً من موثوقية الكتاب المقدس ككلمة الله الموحى بها، حيث أن النساخ هم مجرد بشر عاديين ليسوا معصومين عن الخطأ. ورغم كون عملية النسخ باليد في القرون المبكرة هي عملية شاقة جداً تستغرق وقتاً طويلاً وتتطلب تركيزاً شديداً، إلا أن التاريخ يسجل أن النُسَّاخ (مثل الماسوريين) كان هدفهم إنتاج نسخ دقيقة من الكتاب المقدس، وأنهم بذلوا قصارى جهدهم لضمان الدقة أثناء نسخهم.

 

فعلى سبيل المثال يقول وليم جرين عن العهد القديم:

 ” يمكننا أن نقول واثقين إنه لا يوجد كتاب قديم آخر قد نُقِل إلينا بمثل هذه الدقة”.[23]

 

لكن مع ذلك، لا يزالون بشر عُرضة لإرتكاب الأخطاء. فلا يكاد يخلو أي كتاب له مخطوطات قديمة بخط اليد من الأخطاء النسخية! ولكن رغم ضعفنا البشري وسقطاتنا، إلا إن الله قد حفظ كتابه، ليس بتدخل معجزي، ولكن باستخدام الإنسان نفسه.

 

فيقول جيسلر:

” الله لن يتدخل بطريقة معجزية مستمرة للحيلولة دون حدوث أخطاء النسخ بيد البشر، ولكن بدلاً من ذلك قد أعطى الإنسان القدرة على محاولة فهم كيفية حل هذه الصعوبات بدون ادعاء حدوث هذه الأخطاء في النص الأصلي بيد الكُتَّاب الموحى إليهم “.

 

التسلسل التاريخي للأحداث:

 

الآن وبناء على ما ذكرناه، سنرتب الأحداث في سياقها الزمني لمزيد من التوضيح..[24]

 

* خلال السنوات العشرة الأولى كان هناك سلام (٢أخبار ١٤: ١)

* في السنة الحادية عشرة، غزو الكوشيين.

* وبعد الإنتصار عليهم، كان هناك استمرار لإصلاح العبادة والراحة حتى السنة الخامسة عشرة التي حدث فيها تجديد العهد. (٢ أخبار ١٥: ١٩؛ ١٠: ١٥)

* في السنة السادسة عشرة، اندلعت الحرب بين بعشا وآسا.

 

 

يُكمل أبو عمر فيقول:

” يا أخي المضحك في الموضوع، إن سفر ملوك الأول هو اللي قلِّنا نرجع لسفر أخبار الأيام علشان نكتشف هذه المصيبة!!

يقول في العدد الخامس [من الإصحاح ١٦]: «وبقية أمور بعشا وما عمل وجبروته، أما هي مكتوبة في سفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل؟» “.

 

مُعلقاً على ذلك:

 ” أيوه يا عم الحج، ماهي مكتوبة والله، بس مكتوبة بشكل لا يمكن أن يقنع العقلاء!”

 

هنا يفترض أبو عمر أن ” سفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل ” المقصود به هو “سفر أخبار الأيام ” القانوني المُوحى به ضمن أسفار الكتاب المقدس. وهو افتراض خاطئ وساذج جداً. فكيف يُختَص سفر أخبار الأيام بملوك إسرائيل فقط، وهو السفر الذي يحوي أخبار ملوك يهوذا أيضاً؟!!

 

لكن الحقيقية أن كلمة “سفر” والتي جاءت في العبرية “סִפְרָה”، تعني كتاب، وليس شرطاً أن يكون كتاباً (سفراً) قانونياً موحى به من الله. فقد استعان كلاً من كاتب سفر الملوك وأيضاً كاتب سفر أخبار الأيام بعدد من الكتب المدنية، والتي من بينها مجموعة تواريخ مملكتي إسرائيل ويهوذا. والتي من ضمنها، كتاب (سفر) أخبار الأيام لملوك إسرائيل.

 

حيث تقول دائرة المعارف الكتابية:

” سفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل – ويُذكَر السفر ١٧ مرة في سفري الملوك، وذلك عادةً في ختام ذكر تاريخ ملك من ملوك المملكة الشمالية، فهو يوجه نظر القارئ إلى ذلك المرجع لمعرفة المزيد، مثل: “بقية أمور يربعام، كيف حارب وكيف ملكَ” (١مل ١٤: ١٩) … والأرجح أن هذه المراجع عن المملكتين الشمالية والجنوبية [سفري أخبار الأيام لملوك إسرائيل ويهوذا] كانت شبيهة بالحوليات في الممالك المجاورة، وبخاصة حوليات ملوك آشور، إذ يرجح أنها كانت سجلات رسمية محفوظة في السامرة وأورشليم “.[25]

 

ويقول “Benson“:

 ” هوذا مكتوبين في سفر أخبار الأيام – ليس سفر أخبار الأيام القانوني، حيث إنه كُتب بعد هذا السفر [الملوك] بفترة طويلة، لكن هو كتاب السجلات المدنية، والسجلات التاريخية، حيث تم تسجيل جميع المقاطع الجديرة بالملاحظة من قِبَل أمر الملك من يوم لآخر؛ والذي أخذ منه الكاتب، بتوجيه من روح الله، تلك النصوص والتي كانت مفيدة للغاية لمجد الله، وتنوير الرجال”.[26]

 

وتُعلق نسخة ESV على ذلك فتقول:

 ” يدَّعي كُتَّاب سفر الملوك على وجه التحديد، أنهم تمكنوا من الوصول إلى مصادر مكتوبة للمعلومات حول الفترة الملكية، لكل من إسرائيل ويهوذا… فالإشارة هنا هي إلى سجلات إسرائيل الملكية، المحفوظة في أرشيفات القصر ومكتبات المعابد إلى جانب السجلات الأجنبية والنقوش بأنواعها المختلفة. لا توجد نسخة من أي من هذه السجلات باقية حتى اليوم؛ ولم يتم العثور عليها في الكتاب المقدس، حيث أنها تختلف عن سفري أخبار الأيام الأول والثاني “.[27]

 

إذن، سفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل الوارد في نص ١مل ١٦: ٥، وغيره من النصوص، ليس المقصود به سفر أخبار الأيام القانوني الموحى به على الإطلاق.

 

ويقول أيضاً حلمي القمص يعقوب:

 ” [سفر أخبار الأيام القانوني] دُعي في الأصل العبري ” ديبر هاياميم ” والذي يمكن ترجمته إلى “الأحداث” أو “السجلات التاريخية للأيام (أو السنين) “، أي يمكن ترجمة اسم السفر إلى ” أحداث الايام” أو “أخبار تاريخية”. وهذا الاسم يحمل معنى سفر الأعمال اليومية المتعلقة بالتاريخ… وفي الاسم دلالة على سجلات ملوك يهوذا وإسرائيل التي استُخدمَت كمصادر لسفر أخبار الأيام “.[28]

 

فسفر أخبار الأيام القانوني دُعي بهذا الاسم نسبة للسجلات التاريخية التي استخدمها الكاتب كمصادر له. فالوحي الإلهي لا يمنع الكاتب من إستخدام ما هو متاح أمامه من معلومات صحيحة تحت قيادة الروح القدس. فمن الواضح أن هذا الباحث لم يطَّلِع حتى على مفهوم ولا معنى اسم الأسفار التي إقتطع منها النصوص متلهفاً لإثبات وجود تناقض في الكتاب المقدس.

 

يُكمل أبو عمر:

” العجيب بقى إن رسالة بطرس الثانية إصحاح ١ عدد ٢١ بتقول: «لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس» “.

 

مُعلقاً على ذلك بقوله:

 ” يبقى الناس دي وهي بتكتب كانوا مسوقين من الروح القدس. طيب هما بقى لو مسوقين من الروح القدس، والروح القدس هو اللي بيدفعهم لكي يكتبوا هذا الكلام، هل كان هيحصل الكلام ده؟! هو ده بقى التحريف “.

 

ولكن أبو عمر لم ينتبه في نفس الوقت، أننا إذا إفترضنا صحة ما كان يقوله، فهذا كافٍ جداً لهدم شبهته من البداية!! لأننا ببساطة إذا افترضنا جدلاً أن المقصود بقول ١مل ١٦: ٥ هو سفر أخبار الأيام القانوني، والذي اقتبس منه هذا الباحث لإثبات التناقض المزعوم، سيكون هذا دليل في حد ذاته على بطلان التناقض. حيث أنه سيكون دليلاً على علْم كاتب سفر الملوك بما يحويه سفر أخبار الأيام حتى إنه ذُكر من قِبَل كاتب سفر الملوك حوالي ٣٢ مرة (١٧ مرة لملوك إسرائيل، و ١٥ مرة لملوك يهوذا).

 

فكيف إذن يكون هناك تناقض بين الإثنين؟! ألا يَعقِل أبو عمر ما يقوله قبل أن ينطق به؟!!

 

لكن الصحيح في هذه الحالة، هو إنه إما كان هناك تطابق بين السفرين من حيث طريقة احتساب السنوات، ثم حدث خطأ فيما بعد من النساخ (وبالتالي هذا لا يطعن في وحي الكتاب المقدس)، أو كان الكاتب على علْم بالتقويم الذي إستخدمه الكاتب الآخر، وهو بنفسه وبإرشاد الروح القدس، قرر استخدام تقويم مغاير له ناسبًا التأريخ للإنقسام. وبالتالي، في كلتا الحالتين، لا يمكن أن يكون هناك أي تناقض.  فشكراً لأبي عمر على هذا الافتراض!

 

وآخيراً، يقول روبرت ويلسون في كتابه ” بحث علمي في العهد القديم “:

” لم يحدث في كل تاريخ الآداب القديمة أن تم النقل بمثل هذه الدقة، فلقد ظهر في العهد القديم أسماء نحو أربعين ملكاً في الفترة من ٢٠٠٠ – ٤٠٠ ق.م، وكلها جاءت في تسلسل تاريخي مضبوط تماماً – سواء بالنسبة لملوك الدولة الواحدة أو بالنسبة للملوك المعاصرين في الدول الأخرى. وهذا برهان على دقة سجلات العهد القديم بصورة تفوق الخيال! إذ يتفق كل ما ظهر في مخطوطات وحفريات بابلية تماماً مع ما جاء في العهد القديم “.[29]

 

«إلى هنا أعاننا الرب»

[1] F. Brown, S. Driver, C. Briggs, The Brown-Driver-Briggs Hebrew And English Lexicon Of The Old Testament With An Appendix Containing The Biblical Aramic , Based on The Lexicon of William Gesenius, (Oxford University Press: First Edition 1907), p. 574-575.

[2] Thiele, Edwin R. (1951), The Mysterious Numbers of the Hebrew Kings (Chicago, IL: University of Chicago Press), p. 59.

[3] Leon Wood, Israel’s History, p. 346.

[4] Archer, Gleason L. (1982), An Encyclopedia of Bible Difficulties (Grand Rapids, MI: Zondervan), p. 225.

[5] F. N. Jones (2002), Chronology of the Old Testament: A Return to the Basics, 15th Edition Revised and Enlarged with Extended Appendix, (Kingword Press), p. 145.

[6] Henry, Mattew, The Complete Commentary On The Whole Bible, 2chr. 16:1, (Electronic ed.), p. 5873.

[7] Sutcliffe, Joseph. “Commentary on 2chr. 16:1-14”. Sutcliffe’s Commentary on the Old and New Testaments, (Electronic ed.).

[8]  وليم مارش، السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم: شرح سفر الملوك الأول، إصدار مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بيروت ١٩٧٣، صـ ٥٣.

[9] F. N. Jones (2002), Chronology of the Old Testament: A Return to the Basics, 15th Edition Revised and Enlarged with Extended Appendix, (Kingword Press), p. 145.

[10] Ussher, Archbishop James.   Annals of the World.  London:  1658, p. 43.

[11] Seder Olam Rabba, Ch. 16.1.

[12] Tanaitic, Tosefta, Seder Nashim, Sotah, ch. 12.1.

[13] Gill, John. “Commentary on 1 Kings 15:17”, The New John Gill Exposition of the Entire Bible, (Electronic ed.).

[14] The Complete Jewish Bible with Rashi Commentary, (Electronic ed.), 1kings 11:39.

[15] Seder Olam: The Rabbinic View of Biblical Chronology, translated and with commentary by HEINRICH W. GUGGENHEIMER, (A JASON ARONSON BOOK: ROWMAN & LITTLEFIELD PUBLISHERS, INC.), p. 152.

[16] Jamieson, Robert, D.D.; Fausset, A. R.; Brown, David. “Commentary on 2 Chronicles 16:1”, “Commentary Critical and Explanatory on the Whole Bible – Unabridged”, (Electronic ed.), vol.1, p.274.

[17] هو نظام ترقيم للسنوات، يبدأ بحدث معين ويستمر بذات الترقيم، مثل: التقويم الميلادي على سبيل المثال.

[18]  هو نظام فيه كانت تُحسَب السنين من بداية اعتلاء الملك للعرش، ويتغير الترقيم ببداية عهد كل ملك جديد.

[19] Archer, Gleason L. (1982), An Encyclopedia of Bible Difficulties (Grand Rapids, MI: Zondervan), p. 225.

[20] Keil, C.F. and F. Delitzsch (1996), Keil and Delitzsch Commentary on the Old Testament (Electronic ed.), p. 366-367.

[21] Crossway Bibles. (2008) The ESV Study Bible Notes, (note on 2chr. 16:1).

[22] Archer, Gleason L. (1982), An Encyclopedia of Bible Difficulties (Grand Rapids, MI: Zondervan), p. 226.

[23] جوش ماكدويل، القديم الجديد! من قال إنه تغير؟!، إصدار هيئة الخدمة الروحية وتدريب القادة، ترجمة: الدكتور القس منيس عبد النور، الطبعة الخامسة، صـ ٤٧.

[24] Keil, C.F. and F. Delitzsch (1996), Keil and Delitzsch Commentary on the Old Testament (Electronic ed.), p. 366-367.

[25] دائرة المعارف الكتابية، المجلد السابع، الطبعة الثانية، صـ ٢١٤.

[26] Benson, Joseph. “Commentary on 1 Kings 14:19”. Joseph Benson’s Commentary, (Electronic ed.).

[27] Crossway Bibles. (2008) The ESV Study Bible Notes, (note on 1kings 14:19).

[28] حلمي القمص يعقوب، كتاب مدارس النقد والتشكيك، الجزء الحادي عشر، أسفار: أخبار الأيام الأول والثاني وعزرا ونحميا وأستير، الطبعة الأولى ٢٠١٤، الباب الأول، سـ ١٣٧٢.

[29] جوش ماكدويل، القديم الجديد! من قال إنه تغير؟!، إصدار هيئة الخدمة الروحية وتدريب القادة، ترجمة: الدكتور القس منيس عبد النور، الطبعة الخامسة، صـ ٤٧.