دليل أثري على القيامة: نقش الناصرة The Nazareth Inscription – صموئيل طلعت
دليل أثري على القيامة: نقش الناصرة – صموئيل طلعت
لتحميل الملف (اضغط هنا)
في الحقيقة، إنّ الأدلة الأثرية على قيامة يسوع محدودة جدًا بالمقارنة مع الأدلة الأثرية المتوفرة لدينا على حادثة الصلب. فمما لا خلاف عليه تاريخيًا هو أنّ يسوع شخصٌ تاريخي، عاش في النصف الأول من القرن الأول الميلادي، بدأ كرازته في الجليل، صُلب على أيدي السلطات الرومانية، وأدعى تلاميذه فيما بعد أنَّه قام مِن بين الأموات، وأنهم رأوه حقيقةً.
وعلى الرغم مِن محدودية الأدلة الأثرية على قيامة يسوع إلا أنَّ دليلين يستحقان حقًا الدراسة هما: نقش الناصرة وكفن المسيح بتورينو. في هذا المقال سأناقش نقش الناصرة نظرًا لقلة ما كُتب عنه بالعربية.
في عام 1878م تم اكتشاف لوح رخامي يبلغ طوله 60 سم (24 بوصة) وعرضه 37,5 سم (15 بوصة). وقد أُكتشف هذا اللوح في الناصرة، ويُحفظ حاليًا بمتحف اللوفر بباريس. النقش مكتوب باللغة اليونانية الكوينية Koine Greek ويتكون مِن أربعة عشر سطرًا. ومنذ تاريخ نشره لأول مرة عام 1930م على يد المؤرخ Franz Cumont[1] ظل النقش محل جدل ونقاش في الأوساط الأكاديمية، فقد تجاوزت عدد الدراسات التي نُشرت عنه الثمانين دراسةً.
الدراسات السابقة
هناك العديد من الدراسات التي ناقشت هذا النقش الهام لكننا سنعتمد في دراستنا هذه على ثلاث دراسات رئيسيّة هم:
- دراسة جوزيف كينارد[2] المنشورة عام 1955م، والتي عنونها بـ «دفن يسوع»[3].
- دراسة إيكاتيرني تسلامبوني[4] المنشورة عام 2001م، والتي عنونها بـ «نقش الناصرة: قطعة مثيرة للجدل مِن النقوش الفلسطينية (1920-1999م)»[5].
- الدراسة القيّمة لكلايد بلينجتون[6] المنشورة عام 2005م، والتي عنونها بـ «نقش الناصرة: أهو دليل على قيامة يسوع؟»[7]
نص النقش
الترجمة العربيّة |
النص اليونانيّ الأصلي |
مرسوم قيصر (أمرٌ مِن قيصر) إنه قراري الخاص بالقبور والمقابر، فكل مَن استخدمها للاحتفالات الدينيّة سواء للوالدين أو الأبناء أو أيٍ مِن أفراد العائلة تبقى [تلك القبور والمقابر] دون أن تُمس للأبد. لكن إذا اتهم أحدهم قانونيًا شخصًا آخر بأنَّه حطم أو استخرج بأي طريقة هؤلاء الذين دُفنوا، أو نقل بنيةٍ شريرةٍ هؤلاء الذين دُفنوا إلى موضع آخر، فإنَّه بذلك يرتكب جريمةً بحقهم، أو أنَّه حرك الحجر المختوم المُغلِق للقبر. ضد هذا الشخص [الذي يرتكب أيًا مِن تلك الأمور] أنا أؤمر بمحاكمة قضائية له، تمامًا كما يحدث فيما يخص الآلهة في العبادات (الاحتفالات) الدينية بل سيكون أكثر إلزامًا أن نتعامل بشرف مع أولئك الذين دُفنوا. فغير مسموح بشكلٍ مُطلق نقل [هؤلاء الذين دُفنوا]، لكن إذا فعل شخص هذا، فأنا أريد أن يُعاقب الجاني بعقوبة الإعدام بتهمة انتهاك القبور. |
Διάταγμα Καίσαρος Αρέσκει μοι τάφους τύνβους τε, οϊτινες εις Ορησκείαν προγόνων 4 εποίησαν ή τέκνων ή οικείων τούτους μένειν αμετακίνητους τον αιώνα· εάν δέ τις έπιδ(ε)ίξη τί να ή καταλελυκότα ή άλλω τιν’ι 8 τρόπω τους κεκηδευμένους έξερριφότα ή εις έτερους τόπους δώλω πονηρά» με– τατεΟεικόταν έπ‘ αδικία τη των 12 κεκηδευμένων ή κατόχους ή λί θους μετατεθεικότα, κατά του τοιούτου κριτήριον έγώ κελεύω γενέσθαι καθάπερ περί θεών 16 ε[ί]ς τάς τών ανθρώπων θρησ κείας. Πολύ γαρ μάλλον δεήσει τους κεκηδευμένους τειμαν καθόλου μηδενί έξέστω μετα– 20 κεινήσαι– εί δε μή\ τούτον έγώ κε φαλής κατάκριτον ονόματι τυμβωρυχίας θέλω γενέσθαι. |
تعليقات على النص
دعونا نكتب جمعًا مِن التعليقات على هذا النص:
- المرسوم القيصري صدر موجهًا لفلسطين، وهذا يعني أنَّ المرسوم قد صدر كرد فعل تجاه حدثٍ ما قد حدث في تلك المنطقة في ذلك الزمان.
- المرسوم أصدره الإمبراطور كلوديوس إبان فترة حكمه ما بين عامي 41-54م، أي بعد صلب المسيح وقيامته بحوالي عشرة أعوام تقريبًا.
- أتفق المؤرخون أنَّ عقوبة الإعدام التي يقرها النقش هي عقوبة غير اعتيادية على جريمة انتهاك القبور، فالعقوبة الاعتيادية لتلك التهمة كانت الغرامة. تلك العقوبة القاسية وغير الاعتيادية دفعت المؤرخين للاعتقاد بأنَّ حدثًا استثنائيًا وغير عاديًا هو الذي كان وراء هذه الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الدولة تجاه تهمة انتهاك القبور.
- ذكر المرسوم أمرين يتفقان ويتسقان مع نظرية سرقة الجسد التي ادعاها اليهود بأنَّ التلاميذ حطموا القبر المختوم ونقلوا جسد يسوع إلى مكان آخر لكي يشيعوا بين الناس أنَّ يسوع قد قام مِن بين الأموات[8]. فنجد المرسوم يتحدث عن تحطيم القبر المختوم، وعن نقل جسد المتوفي لمكانٍ آخر ”لغرض شرير“، فما الغرض الشرير الذي يقصده الإمبراطور؟ وأين نقرأ في التاريخ القديم أنَّه تم نقل جسد متوفي لغرض شرير يضر بالإمبراطورية لدرجة أنَّ الإمبراطورية تتخذ إجراءً صارمًا يصل إلى حدِّ الإقرار بعقوبة الإعدام لمَن يفعل مثل هذا الفعل مرةً أخرى؟
يقول جاري هابرماس: ”مِن هذا المرسوم، يمكننا أنْ نكتشف بعض الحقائق التاريخيّة يصرف النظر عن السبب الكامن وراء إصداره: 1) على ما يبدو، كانت هناك تقارير مِن فلسطين دفعت الإمبراطور (كلوديوس على الأرجح) بإصدار هذا الإجراء الصارم ضد انتهاك أو سرقة القبور. 2) الدفن اليهوديّ شمل في بعض الأحيان ختم القبر وكذلك استخدام الحجارة. 3) أصبحت جريمة سرقة القبور جريمةً تستوجب حكم الإعدام.“[9]
تعليقات نصيّة
(1)
هؤلاء الذين يقطنون في النصف الناطق باليونانية مِن العالم الروماني لا يعرفون تلك الممارسة الرومانية بكتابة تهمة المُعاقب على لوحة وتعليقها في موضع العقاب، هذا الأمر كان غريبًا بالنسبة لهؤلاء القاطنين في النصف الناطق باليونانية، ولذلك لا يوجد في اللغة اليونانية كلمة مرادفة للكلمة اللاتينية titulus والتي تعني لوحة يُكتب عليها تهمة المُعاقب.
وهذا أيضًا ما نلاحظه في الأناجيل الإزائية الثلاثة في وصف اللوحة التي عُلقت على الصليب، فنجد النص الإنجيلي لا يستخدم كلمة محددة لوصف اللوحة بل اكتفى باستخدام الفعل اليوناني «يكتب» لوصف الـ titulus الخاص بيسوع. بينما في إنجيل يوحنا الذي كُتب متأخرًا، نجد كاتبه قد استعار الكلمة اللاتينية titulus فكتب: «ἔγραψεν δὲ καὶ τίτλον وَكَتَبَ لوحةً titlon» (يوحنا 19:19).
نفس الأمر نلاحظه في نقش الناصرة، ففي السطر الرابع عشر يستخدم النقش الكلمة اليونانية «τοιούτου اسم/لقب = title الإنجليزية» كمرادف للكلمة اللاتينية titulus. وبالطبع هذا يدل على التاريخ المبكر لنقش الناصرة وكذلك للأناجيل الإزائية الثلاثة.
(2)
البعض شكك في أصالة النقش بناءً على استخدامه لعبارة «بنيةٍ شريرةٍ δώλω πονηρά» وهو ليس مصطلحًا قانونيًا. لكن في حقيقة الأمر إنَّ العبارة «بنيةٍ شريرةٍ δώλω πονηρά» تعادل العبارة اللاتينية «cuius dolo malo» والتي نجدها معروفة في القانون الروماني[10].
تأريخ النقش
يعتقد ناشر نص النقش المؤرخ Franz Cumont بأنَّ النقش هو عبارة عن جواب الإمبراطور على استفسار أرسله إليه حاكم المقاطعة. ويرى Cumont أنَّ شكل النص كما هو محفوظ لدينا في النقش يدل على أنَّه مجرد مقتطفات مِن الإجابة الأصليّة للإمبراطور أو أنَّه ملخص للجواب الإمبراطوري حُرر مِن قِبَل مُستلم المرسوم[11]. وأغلب الظن أنَّ النقش هو ترجمة يونانيّة مُختصرة للمرسوم الإمبراطوري المكتوب باللاتينية.
إنَّ أشهر وأكبر مراسلات إدارية باقية لنا مِن العهد الرومانيّ هي تلك المراسلات بين الإمبراطور تراجان (88-117م) وبليني الصغير الذي كان حاكمًا لبيثينيا في آسيا الصغرى ما بين عامي 111-113م. وبالطبع أشهر تلك الرسائل هي الرسالة (96) والتي أرسلها بليني للإمبراطور يستفسر فيها عن كيفية محاكمة المسيحيين، وما هي أُسس التحقيق معهم؟ وما هي الطريقة لمعاقبتهم؟ ويقص على الإمبراطور بعض جلسات المحاكمة وأقوال المسيحيين، فيقول: ”كما أكدوا [أي المسيحيين] أنَّ مجمل ذنبهم أو خطئهم لم يكن أكثر مما يلي: فقد كانوا يجتمعون على نحوٍ منتظم قبيل الفجر في يومٍ محدد، ويغنون ترنيمةً للمسيح كما لو كان إلهًا.“[12]
وأنا أرى في رسالة بليني إشارة تاريخية لقيامة يسوع، فاجتماع المسيحيين قبيل الفجر في يومٍ محدد هي إشارة إلى أحد القيامة. إنَّ المسيحيين الأوائل كانوا في الأصل يهودًا، والسبت هو يومٌ له قدسية خاصة عند اليهود، فكيف يمكن أنْ نفسر هذا التغيير المفاجئ ليوم العبادة مِن يوم السبت إلى يوم الأحد دون أنْ نتخذ بعين الاعتبار حدث القيامة؟!
وعودةً إلى موضوعنا، فإنَّ Cumont يعتقد أنَّ القيصر المُشار إليه في السطر الأول مِن النقش هو أوكتافيوس أغسطس، الذي امتد حكمه بين عامي 27 ق.م. إلى 14م، ومِن ثمَّ فإنَّ النقش لا بد أنْ يعود لما قبل عام 27م. إلا أنَّه عاد في الصفحات الأخيرة مِن مقاله ليقدم اقتراحًا آخر وهو أنَّ القيصر المُشار إليه في السطر الأول مِن النقش هو طيبريوس كلوديوس[13]، الذي امتد حكمه بين عامي 41م إلى 54م، ومِن ثمَّ فإنَّ النقش سيكون معاصرًا للكنيسة الأولى. وطبقًا لتحليل خط النقش epigraphy فإن النقش يعود لنهايات القرن الأول قبل الميلاد أو بدايات القرن الأول الميلادي (50 ق.م. – 50 م.).
قارن مارتن تشارلز ورث[14] بين أسلوب ومفردات النقش وأسلوب ومفردات أوامر الأمبراطور كلوديوس التي حفظها لنا المؤرخ اليهودي يوسيفوس، والنتيجة التي توصل إليها تشارلز ورث أنَّ النقش له نفس أسلوب ومفردات الأمبراطور كلوديوس[15].
منشأ النقش
لمعرفة المكان الذي نشأ فيه النقش، عليّنا أنْ نفهم أولاً الجغرافية السياسية لفلسطين آنذاك.
في عام 37 ق.م. تأسست المملكة الهيروديّة «Herodian kingdom» على يد هيرودس الأول الذي أعلنته روما ملكًا لليهود، واستمر هيرودس في الحكم حتى عام 4 ق.م، وقد تمتعت المملكة الهيروديّة بحكمٍ ذاتيّ إلا أنَّها كانت تابعة للإمبراطورية الرومانيّة، أو ما يُعرف بـ «دولة تابعة Client state». بعد وفاة هيرودس الأول انقسمت مملكته إلى أربع مقاطعات على أبنائه الأربعة فيما يُعرف بـ «Herodian Tetrarchy»، حيث كانت الناصرة والجليل تتبع المقاطعة التي يحكمها هيرودوس أنتيباس[16] بينما اليهودية والسامرة تتبع المقاطعة التي يحكمها هيرودس أرخيلاوس. وقد كانت علاقة هيرودس أرخيلاوس مضطربة للغاية سواء مع المجتمع اليهوديّ أو الإمبراطورية الرومانية، لذلك قامت الإمبراطورية الرومانية بخلعه عام 6م، ونفيه إلى بلاد الغال، وحولت مقاطعته إلى ولاية رومانية مباشرة.
لذلك يعتقد الكثيرُ مِن الباحثين أنَّ منشأ النقش كان في مقاطعة اليهودية والسامرة التي تخضع للسلطة الرومانيّة بشكلٍ مباشر منذ عام 6م. لكن الناصرة مُستبعدة لأنَّها كانت تتبع المقاطعة التي يحكمها هيرودوس أنتيباس والتي كانت تتمتع بحكمٍ ذاتيّ.
مقاطعة اليهودية تضم أورشليم (حيث المحاكمة والصلب) وبيت لحم (حيث الميلاد). ومِن ثمَّ فإنَّ تلك المقاطعة شهدت أحداثًا هامة ترتبط بيسوع التاريخ.
خاتمة
على الرغم مِن أنَّ النقش لا يتحدث عن حدثٍ معين إلا أنَّه ثمّة علاقة ما تربط هذا النقش بيسوع التاريخ، وهذه العلاقة تتمثل في حادثة القيامة؛ فالإمبراطور أصدر هذا الأمر كرد فعل تجاه القلاقل التي سببها المسيحيون بادعائهم أنَّ السيد المسيح هو الرب القائم مِن بين الأموات. وكما يقول إيكاتيرني في خاتمة دراسته الماتعة: ”يؤكد عددٌ كبيرٌ مِن العلماء على أنَّ النقش يرتبط بشكل مباشر بالأحداث التي تلت صلب المسيح وقيامته. حتى أنَّ هؤلاء الذين لا يقبلون بوجود هذا الرابط المباشر بين النقش وتلك الأحداث، لا يسعهم إلا الاعتراف بأنَّ النقش مرتبط بشكلٍ غير مباشر بعقيدة القيامة المسيحيّة.“[17]
إنَّ أقدم وثيقة إيمانيّة مسيحيّة تذكر قيامة يسوع هي الاعتراف الإيماني الوارد في رسالة كورنثوس الأولى: ﴿فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاق إِلَى الآنَ. وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ. وَآخِرَ الْكُلِّ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ظَهَرَ لِي أَنَا.﴾ (1 كورنثوس 15: 3-7)
يقول بولس الرسول في تقديمه لهذا الاعتراف الإيماني: ﴿فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا﴾ وهذا يعني أنَّ الكلام التالي ليس هو كلام بولس بل كلام استلمه بولس مِن آخرين وهو بدوره يُسلمه للمؤمنين، وما يؤكد صحة ذلك الاستنتاج هو أنَّ العديد مِن الكلمات المذكورة في هذا الاعتراف الإيماني ليست بولسيّة (أي لم يستخدمها بولس الرسول في أيٍ مِن رسائله الأخرى) مثل عبارة: ﴿قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ﴾ وعبارة ﴿حَسَبَ الْكُتُبِ﴾ اللتان لا نجدهما في أيٍ مِن أعمال بولس الأخرى.
بالإضافة إلى أنَّ لهذا الاعتراف الإيماني إيقاع موسيقي (أي أشبه بالشعر). كل هذا يدل على أنَّ هذا الاعتراف الإيماني قد أستلمه بولس وهو هنا يستشهد به. فمتى استلم بولس هذا الاعتراف الإيماني؟
لهذا السؤال إجابتان هما:
الجواب الأول: المسيح قد صُلب عام 30م، بولس تحول إلى المسيحية ما بين عامي 33م- 35م، بعد تحوله بثلاث أعوام ذهب إلى أورشليم (ما بين عامي 36-38م) وهناك التقى ببطرس الرسول ويعقوب أخا الرب. ذِكْر بولس في هذا الاعتراف الإيماني الاسمين فقط اللذين التقاهم في أورشليم يؤيد أنَّه استلم هذا الاعتراف الإيماني في أورشليم مِنهم. ومِن ثمَّ يؤرخ هذا الاعتراف الإيماني بين عامي 36-38م أي بعد 6-8 أعوام فقط مِن صلب المسيح.
الجواب الثاني: يرى بأنَّ بولس استلم هذا الاعتراف الإيماني في دمشق، مباشرةً بعد تحوله إلى المسيحية، ومِن ثمَّ يؤرخ هذا الاعتراف الإيماني عام 33م أي بعد ثلاثة أعوام فقط مِن صلب المسيح.
الجواب الأول هو الأرجح وذلك لعدة أسباب مِنها: 1) ذِكْره اسمي الرسولين بطرس ويعقوب فقط في الاعتراف الإيماني وهما أيضًا نفس الشخصين اللذين التقاهما في أورشليم. 2) استخدامه الصيغة الآرامية لاسم بطرس (كيفا) يدل على وجود مصدر سامي Semitic source لهذه الفقرة، بدلاً مِن استخدام الصيغة اليونانيّة لاسمه، وهذا يدل على أنَّه استلم هذا الاعتراف الإيماني في بيئة يهودية لا يونانيّة، فتكون أورشليم هي الأرجح. 2) البنيان العبري (اليهودي) للفقرة حيث استخدام ﴿حَسَبَ الْكُتُبِ﴾ مرتين واستخدام ﴿وَأَنَّهُ﴾ ثلاث مرات.
يُعتبر هذا الاعتراف الإيماني أقدم تقليد مسيحيّ لدينا الآن، يقول جاري هابرماس: ”وباختصار، فإن اعترافات الإيمان تلك تم تداولها شفهيًا لسنوات قبل أن تُدون، ومِن ثمَّ فهي تحفظ بعض أقدم التقارير الخاصة بيسوع في الفترة بين عامي 30-50م. ولذلك، وبشكل واقعي فإنَّ تلك الاعترافات الإيمانية حفظت لنا مواد سابقة للعهد الجديد فهي أقدم مصادرنا عن حياة يسوع.“[18]
إنَّ كلاً مِن النقش والاعتراف الإيمانيّ يعودان للحقبة ذاتها، العشرين عامًا الأولى مِن عُمْر المسيحيّة، لذلك يمكننا القول ونحن مطمئنون أنَّ الجماعات المسيحية الأولى كانت تؤمن بالمسيح القائم مِن بين الأموات، وأنَّ بقيامته قامت المسيحية.
[1] F. Cumont, “Un rescript impérial sur la violation de sépulture”, in: Revue Historique, 1930; 163 (2): 241-266.
[2] جوزيف كينارد Joseph Spencer Kennard, Jr.: ليس لدينا معلومات متوفرة عنه سوى أنَّه كان يُدرِّس في الكلية البندكتية Benedict College بالولايات المتحدة.
[3] J. Spencer Kennard, Jr., “The Burial of Jesus”, in: Journal of Biblical Literature, 1955; 74 (4): 227-238
[4] إيكاتيرني تسلامبوني Ekaterini Tsalampouni: حاصل على الدكتوراة في العهد الجديد مِن كلية اللاهوت بجامعة أرسطو باليونان. ويعمل أستاذًا للعهد الجديد بكلية اللاهوت في جامعة أرسطو، وأستاذًا مساعدًا للعهد الجديد بمعهد اللاهوت الأرثوذكسي بجامعة ميونيخ بألمانيا.
[5] Ekaterini Tsalampouni, “The Nazareth Inscription: A Controversial Piece of Palestinian Epigraphy (1920-1999)”, in: ΤΕΚΜΗΡΙΑ, 2001; 6: 70-122.
[6] كلايد بلنجتون Clyde E. Billington: يعمل أستاذًا مساعدًا للتاريخ القديم والوسيط بجامعة نورث وسترن Northwestern University بالولايات المتحدة. وهو حاصل على درجتي الماجستير والدكتوراة في التاريخ القديم من جامعة آيوا Iowa بالولايات المتحدة. وهو يرأس تحرير مجلة Artifax المتخصصة في الدراسات الأثرية الكتابية Biblical Archaeology.
[7] Clyde E. Billington, “The Nazareth Inscription: Proof of the Resurrection of Christ?” in: Artifax (Spring 2005).
[8] جاء في إنجيل متى: ﴿إِذَا قَوْمٌ مِنَ الْحُرَّاسِ جَاءُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْبَرُوا رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ بِكُلِّ مَا كَانَ. فَاجْتَمَعُوا مَعَ الشُّيُوخِ، وَتَشَاوَرُوا، وَأَعْطَوُا الْعَسْكَرَ فِضَّةً كَثِيرَةً قَائِلِينَ: «قُولُوا إِنَّ تَلاَمِيذَهُ أَتَوْا لَيْلًا وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نِيَامٌ. وَإِذَا سُمِعَ ذلِكَ عِنْدَ الْوَالِي فَنَحْنُ نَسْتَعْطِفُهُ، وَنَجْعَلُكُمْ مُطْمَئِنِّينَ». فَأَخَذُوا الْفِضَّةَ وَفَعَلُوا كَمَا عَلَّمُوهُمْ، فَشَاعَ هذَا الْقَوْلُ عِنْدَ الْيَهُودِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ.﴾ (متى 28: 11-15).
ولقراءة معالجة تفصيلية لنظرية سرقة الجسد أنصح بالرجوع لكتاب: جوش ماكدويل، برهان جديد يتطلب قرارًا (القاهرة: دار الثقافة، 2004م)، ص ص 256-262
[9] Gary R. Habermas, The Historical Jesus: Ancient Evidence for the Life of Christ (Rev. ed. of: Ancient evidence for the life of Jesus.; Joplin, MO: College Press Publishing Company, 1996), 177.
[10] Justinian’s Digest 47.12.3
[11] Ekaterini Tsalampouni, “The Nazareth Inscription”, 79
[12] روبيرت فان فورست، يسوع المسيح خارج العهد الجديد، ترجمة: وسيم حسن عبده (دمشق: دار صفحات للدراسات ولنشر، 2012م)، ص 41
[13] طيبيريوس كلوديوس (10ق.م. – 54م): تولى الحكم يوم 24 يناير عام 41م. وظل امبراطورًا حتى وفاته يوم 13 أكتوبر عام 54م.
[14] مارتن تشارلز ورث Martin Charlesworth (1895-1950م): عمل زميلاً زائرًا visiting fellow بجامعة برنستون (1921-1922م) ثم بكلية القديس يوحنا St John’s College (ثاني أكبر كليات جامعة كامبردج) (1923-1931م)، ثم أُنتخب رئيسًا للكلية عام 1937م. وهو محرر موسوعة كامبردج للتاريخ القديم Cambridge Ancient History وله العديد من المؤلفات.
[15] M. P. Charlesworth, Documents Illustrating the Reigns of Claudius and Nero (Cambridge: Cambridge University Press, 1952), 14-15
[16] وهو الذي وصفه لوقا في إنجيله بأنَّه ﴿رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الْجَلِيلِ﴾ (لوقا 1:3) أي أنَّه يرأس ربع المملكة الهيروديّة. وحينما علم بيلاطس أنْ يسوع ناصري (مِن الجليل) أرسله إلى أنتيباس هيرودس ليحاكمه (لوقا 23: 6-12).
[17] “a significant number of scholars maintain that the inscription should be directly related to the events following Jesus’ crucifixion and resurrection. Even those who do not accept a direct connection of the inscription to these events are ready to admit that the inscription is indirectly connected to the Christian doctrine of resurrection.” Ekaterini Tsalampouni, “The Nazareth Inscription”, 119
[18] Gary R. Habermas, The Historical Jesus: Ancient Evidence for the Life of Christ, 143.