Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

المخطوطة السينائية (Codex Sinaiticus) في الإعلام نقد وتعليق – فادى اليكساندر

المخطوطة السينائية (Codex Sinaiticus) في الإعلام نقد وتعليق – فادى اليكساندر

المخطوطة السينائية (Codex Sinaiticus) في الإعلام نقد وتعليق – فادى اليكساندر

تداول مُؤخراً، مقال منشور على موقع إذاعة BBC، حول المخطوطة السينائية. يُمكن الإطلاع على المقال في الرابط التالي:

http://news.bbc.co.uk/1/hi/magazine/7651105.stm

كما أُذيع برنامج آخر في BBC، حول المخطوطة السينائية، مع العالم البريطاني ديفيد باركر [1]. انتشر المقال بكثرة في المواقع والمنتديات وغرف البالتوك، حتى رأيت أحدهم يقول إن المسيحية انتهت بهذا المقال، على حد تعبيره!

 

بدايةً، سأضع نص المقال كما ترجمته، ولاحظ أن ما بين القوسين هو توضيح منى.

 

نص المقال:

ما هو معروف بأقدم كتاب مقدس، يجري عمله إلكترونيا، جمع أجزاؤه المُبعثرة لأول مرة منذ اكتشافه قبل 160 عاماً. إنه يختلف بشكل واضح عن مثيله الحديث، ماذا تبقى؟

على مدى 1500 سنة، المخطوطة السينائية باتت غير مُشوشة في دير سيناء، حتى وُجدت – أو سُرقت كما يقول الرهبان، في عام 1844، وتفرقت بين مصر، روسيا، ألمانيا، وبريطانيا. الآن هذه الأجزاء المختلفة يجري تجميعها على الشبكة العنكبوتية، ومن يوليو القادم، أي شخص في أي مكان في العالم لديه دخول للإنترنت، سيستطيع رؤية النص الكامل، ويقرأ ترجمة.

لأولئك الذين يؤمنون أن الكتاب المقدس هو كلمة الله المعصومة وغير الفاسدة، سيكون هناك أسئلة غير مريحة تحتاج الى إجابة. إنها (أي السينائية) تعرض آلاف من التغييرات للكتاب المقدس الحالي. المخطوطة، غالباً هي أقدم كتاب مقدس لدينا، تحتوي أيضًا على كتب غير موجودة في النُسخة المُرخصة (أي نسخة كينج جيمس) المألوفة للمسيحيين اليوم، وهي لا تحتوي على الأعداد الهامة للقيامة.

 

كتابات مُعادية للسامية

حقيقة وجود هذا الكتاب هي معجزة. قبل اكتشافه في بدايات القرن التاسع عشر بواسطة انديانا جونس زمانه (يقصد تشيندورف)، لقد بقيت مخبأة في دير سانت كاترين بدايةً من القرن الرابع على الأقل. لقد حُفظت لأن الجو الصحراوي مُناسب للحفظ، ولأن الدير الموجود بجزيرة مسيحية في بحر مسلم، لم يلمسه أحد، وجدرانه لم تُغزا.

اليوم، 30 راهب أرثوذكسي يوناني، مُكرسين للصلاة، يتعبدون هناك يُساعدهم – كما في عصور سابقة – البدو المسلمين. هذا المكان مُقدس لثلاث أديان عظيمة: اليهودية، المسيحية، والإسلام، حيث تستطيع ان ترى العليقة المُشتعلة، حيث كلم الله موسى.

الدير نفسه يمتلك أكبر مكتبة للمخطوطات القديمة بعد الفاتيكان، نحو 33000 (مخطوطة)، ومجموعة من الأيقونات.

غير مفاجأ إذن، ان يكون مكان للتراث العالمي ويُدعى فُلك حقيقي، يُحضر الكنوز الروحية بأمان عبر القرون المضطربة. في نظر الكثير من الناس، الكنز الأعظم هو المخطوطة، التي كُتبت في عصر الإمبراطور المسيحي الأول، قسطنطين.

حينما يتم وضع الأجزاء المختلفة على الإنترنت في العام القادم في مشروع £1m (شيء له علاقة بالتصوير الرقمي)، أي شخص سيكون قادر على مقارنة ومُباينة المخطوطة، بالكتاب المقدس الحديث.

 

أولاً، المخطوطة تحتوي على كتابين إضافيين في العهد الجديد.

أحدهم هو الأقل شهرة، الراعي لهرماس، كُتب في روما في القرن الثاني، والثاني هو رسالة برنابا. هذه تدعى أن الذين قتلوا يسوع هم اليهود وليس الرومان، وتمتلئ بالمواد المُعادية للسامية المُستعدة للاشتعال. “دمه علينا”، (رسالة) برنابا تحتوي على يهود يبكون!

 

التناقضات

ببقاء هذه (الكتب، الراعي ورسالة برنابا)، يقول البروفيسور عالم العهد الجديد البارز، “معاناة اليهود في القرون المتتالية كانت، إذا أمكن، ستكون أسوأ”. ورغم أن الكثير من التغييرات والاختلافات هي ثانوية، فإن هذا يحتاج لشرح لهؤلاء الذين يؤمنون أن كل كلمة جاءت من الله.

 

بمُواجهة النصوص المُختلفة، أي واحدة هي الأصيلة الحقيقية؟

الأستاذ إيرمان، كان مولود ثانية (الولادة الثانية هو تعبير بروتستانتي عن المعمودية بالروح القدس) مؤمن إنجيلي بالكتاب المقدس، حتى قرأ النصوص اليونانية الأصلية ولاحظ بعض التناقضات. يقول (أي إيرمان) أن الكتاب المقدس الذي نستخدمه الآن، لا يُمكن أن يكون كلمة الله المعصومة، حيث أن ما نملكه، بعض الأحيان، هو كلمات خاطئة نُسخت بواسطة نُساخ مُعرضين للخطأ. (يستمر إيرمان قائلاً) “حينما يسألني الناس هل الكتاب المقدس كلمة الله، أُجيب أي كتاب مقدس؟”.

المخطوطة (السينائية) ومخطوطات أخرى قديمة، لا تذكر صعود يسوع للسماء، وتحذف مصادر أساسية عن القيامة، التي قال عنها رئيس أساقفة كانتربري انهها ضرورية للإيمان المسيحي. اختلافات أخرى حول سلوكيات يسوع. في نص في المخطوطة، يسوع قِيل عنه انه أصبح “غاضب” حينما شفى أبرض، بينما النص الحديث يُسجله كشافياً بحنو. أيضا قصة المرأة، التي أُمسكت في زنا وكانت على وشك الرجم حتى وبخ يسوع الفريسيين – قطاع يهودي – مانعاً أي شخص بلا خطية ليرمي الحجر الأول، مفقودة.

أيضا كلمات المغفرة على الصليب، يسوع لا يقول “أبى أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”. المُتزمتون، الذين يؤمنون أن كل كلمة في الكتاب المقدس هي حقيقية، ربما يجدون ان هذه الاختلافات غير مُستقرة. ولكن الصورة مُعقدة. البعض يُدلل على أن ان كتاب مقدس أقدم، المخطوطة الفاتيكانية، في الحقيقة أقدم (من السينائية). وهناك نصوص أخرى أقدم لغالبية كتب الكتاب المقدس، رغم انهم لم يتجمعوا معاً في كتاب واحد. الكثير من المسيحيين قبلوا لفترة طويلة، أن الكتاب المقدس هو كلمة الله المُوثقة، ولكنه غير معصوم. الأيادي البشرية دائماً تصنع مشكلات.

يقول ديفيد باركر، مسيحي يعمل على وضع المخطوطة على الإنترنت: “يجب أن يُعامل (أي نص العهد الجديد) كأنه نص حي، شيء مُتغير باستمرار كما لجيل وجيل يُحاول أن يفهم عقل الله”. آخرين، يأخذونها كدليل قوى على ان الكتاب المقدس هو كلمة الإنسان، وليس الله.

 

التعليق على المقال:

أول شيء أقوله لهؤلاء المُهللين لهذا المقال، لا يُوجد في هذا المقال شيء واحد جديد ولا نعرفه، بل يُوجد أخطاء شنيعة لا تُغتفر، لمقال يُفترض به انه نُشر في أحد الشبكات الإخبارية العالمية!

 

خاتمة مرقس وقصة الزانية ويسوع الغاضب وكلمات المغفرة، كل هذه مُشكلات نصية نعرفها منذ زمن، وناقشها العُلماء، ربما قبل أن يُولد كاتب هذا المقال! بل إنها من أتفه المشكلات النصية الموجودة! يقول المقال في مقدمته:” جمع أجزاؤه المُبعثرة لأول مرة منذ اكتشافه قبل 160 عاماً”، وهذا قول غير دقيق. فالعهد الجديد والعهد القديم نُشرا سابقاً، ونشر المخطوطة على الإنترنت حالياً، لا يكون بأي حال من الأحوال تجميع لأجزاء المخطوطة “لأول مرة”.

 

ثم نقرأ:” إنه يختلف بشكل واضح عن مثيله الحديث”، وانا اسأل: أي مثيل حديث؟ كينج جيمس ام الدولية الحديثة؟! الحقيقة، المُهللين للمقال قد لا يفقهون الفرق بين الإثنين. يعتمد كاتب المقال أن ترجمة كينج جيمس في الغرب، هي الترجمة الأكثر تداولاً وانتشارا، وبالتالي فإن أي فرق بينها وبين السينائية، يعتبره الكاتب تغييراً في نص “الكتاب المقدس”! مُتجاهلاً مئات الترجمات الحديثة والتي تعتمد على النصوص النقدية، والتي يقف ورائها في المقام الأول، المخطوطة السينائية وبقية المخطوطات القديمة!!

 

ولا نرى تدقيق علمي في كلمات المقال، مرة ثانيةً، في قوله إن المخطوطة باتت غير مُشوشة، فقد تعرضت لتصحيحات على يد ثلاثة مُصححين أو أكثر، ونجد في هوامشها تعليقات باللغة العربية ترجع لعصور وسيطة. كما أن أي قارئ يستطيع أن يتطلع على المخطوطة نفسها، دون أن يكون لديه حتى دخول للإنترنت. بالمناسبة، النُسخة الموضوعة على هذا الموقع، لا تعدو كونها تصوير حديث للمخطوطة ووضعها مُصورها على الشبكة، مُتنازلاً عن حقوقه.

 

وندخل في صلب المقال، فنقرأ قوله:” لأولئك الذين يؤمنون إن الكتاب المقدس هو كلمة الله المعصومة وغير الفاسدة، سيكون هناك أسئلة غير مريحة تحتاج الى إجابة. إنها (أي السينائية) تعرض آلاف من التغييرات للكتاب المقدس الحالي”.

 

وفي هذا محورين.

المحور الأول:

وهو أن كل خطأ موجود في نص العهد الجديد للسينائية، باعتبار النص المُستلم وهو القاعدة القياسية، هو معروف وثابت ومُحقق فور اكتشاف المخطوطة السينائية نفسها. هذا ما يُعرف باسم “الفحص النصي” Collation، وقد قام به سكريفنر للسينائية [2]. ولكن الصياغة الإعلامية البراقة المُعتادة، يجب أن تظهر في طيات كلمات المقال بالطبع! نحن المؤمنين بعصمة الكتاب المقدس، نستطيع تقديم الإجابة على هذه الأسئلة غير المُريحة بالنسبة لكاتب المقال، وإن كانت في حقيقتها غير مُريحة بالنسبة له، وليس لنا!

 

المحور الثاني:

وهو قول الكاتب أن المخطوطة تعرض لآلاف من التغييرات عن الكتاب المقدس الحالي. وفى هذا أمرين، فالسواد الأعظم من هذه التغييرات، هي تغييرات عفوية، تنتج عن الأخطاء التي قد يرتكبها النُساخ عن دون قصد أثناء عملية النِساخة، ولسوء حظ الكاتب، فالسينائية هي من أقل المخطوطات تمثيلاً للأخطاء المُتعمدة. أما الأمر الثاني، وهو عن قول الكاتب بأن المخطوطة تحمل اختلافات عن “الكتاب المقدس الحالي”. ولنا ان نسأل، أي كتاب مقدس حالي يقصده بالضبط الكاتب؟ نحن في النهاية نتحدث عن ترجمات لا عن نصوص يونانية، واعتبار أي صفة من القدسية لترجمة، هو سقوط علمي كبير.

 

فإن عرفنا أن الكاتب يعتبر ترجمة كينج جيمس، هي “الكتاب المقدس الحالي”، نقول له “لا”. يُوجد المئات من الترجمات النقدية الحديثة، وقد حلت الترجمة المُنقحة، محل كينج جيمس وأصبحت الوريث الشرعي لها في القرن قبل الماضي. ثم جاءت الترجمة الأمريكية القياسية، ثم الترجمة المُنقحة القياسية كتقديم أكبر نسبة من التحقيق العلمي في مُراجعة الترجمة الأمريكية القياسية.

وبعدها، عمل نحو مائة عالم في شتى الفروع والمجالات، على إنتاج الترجمة الدولية الحديثة، لتكون أكثر الترجمات الإنجليزية انتشارا ومبيعاً في العالم المُتحدث بالإنجليزية. ثم ظهرت الترجمة المُنقحة القياسية الحديثة في تسعينات القرن الماضي، لتعرض أحدث النتائج العلمية التي توصل لها العلماء في نقد النص.

المخطوطة السينائية (Codex Sinaiticus) في الإعلام نقد وتعليق – فادى اليكساندر

ونقرأ الكاتب يقول:” المخطوطة، غالباً هي أقدم كتاب مقدس لدينا، تحتوي أيضا على كتب غير موجودة في النُسخة المُرخصة (أي نسخة كينج جيمس) المألوفة للمسيحيين اليوم، وهي لا تحتوي على الأعداد الهامة للقيامة”. وهو يقصد رسالة برنابا وكتاب الراعي، الذي كتبه هرماس قرب نهايات القرن الثاني. ونقول، أن هذا خلط غير مُبرر بين التقليد النصي للعهد الجديد، وقانونية أسفار العهد الجديد. فإذا رأيت في المخطوطة السكندرية، كتابات لأشخاص من القرن الرابع، فهل هذا يعنى أن هذه الكتابات كانت قانونية في القرن الرابع، ثم ألغت ترجمة كينج جيمس هذا التقنين؟!

 

وجود كتابات كنسية، بجوار متن العهد الجديد، لا يعنى أن هذه الكتابات اعتبرها أهل هذه المخطوطة أنها كتب قانونية. بل جل ما يعنيه، هو أن هذه الكتابات، كانت ذات مقام هام ومنصب رفيع، بين كتابات الليتورجيا الكنسية في هذه العصور. فلو وجدت اليوم، مُطرانية بورسعيد، تُرفق بترجمتها الخاصة كتابات ليست من نص العهد الجديد، فإن هذا لا يعنى أبدا ان مُطرانية بورسعيد تؤمن بقانونية وقدسية هذه الكتابات!!!

 

إن انعدام الخلفية العلمية لكاتب المقال، قد لا يجعلنا نندهش من قوله:” لقد بقيت مخبأة في دير سانت كاترين بدايةً من القرن الرابع على الأقل”. وكيف لا نندهش، والدير لم يكن له وجود قبل القرن السادس الميلادي؟! ولكن هل هذه الكتب، رسالة برنابا والراعي، مُعادية للسامية؟!

 

الدارس للاهوت المسيحي، يعرف تماماً المُواجهة العنيفة بين الناموس والنعمة، والتي تظهر في أوج قوتها، في الرسالة التي وجهها بولس الى العبرانيين. وفى العصر المسيحي الأول، العصر الرسولى، نشهد أحداث اول مجمع في التاريخ المسيحي، حيث يسرد القديس لوقا أحداثه في الإصحاح الخامس عشر من كتابه اعمال الرسل. كان السبب لانعقاد هذا المجمع، هو ظهور مجموعة من المسيحيين من خلفيات يهودية، تسعى الى فرض قيود معينة، على المنُتقلين من الوثنية الى المسيحية، في إطار جعل هذه الحركة تبدى نوع من التقديس للناموس في العهد القديم. كان ظهور هذه الحركة، هو البداية لظهور عدة تيارات، نضمها اليوم تحت لقب: “المسيحيين الناصريين”.

 

وكنوع من رد الفعل إزاء هذه التيارات الفكرية، ظهرت تيارات أخرى تسعى الى مُواجهة تقديس الناموس وترد على القائلين بضرورة تفعيل دور الناموس اليهودي في حياة الوثني الذي يُريد اعتناق المسيحية، ومن الثابت ان رسالة بولس الى الغلاطيين قد تكون إحدى الوسائل التي استطاعت مُواجهة هذه التيارات.

 

لا نرى أثرا لهذا الفكر في كتاب الراعي لهرماس، ولكننا نراه بوضوح في رسالة برنابا. ورغم أن هذه الرسالة ليست بقانونية، ورغم أن هذه الرسالة لا يُوجد دليل واحد على أن كاتبها هو برنابا من الكتابات المسيحية الأولى، فإن ما ورد بها من هجوم على الناموس له ما يُبرره. فلابد أنها كانت إحدى ردود الفعل تجاه التيارات المسيحية التي أوجبت تهويد الوثني أولا، قبل دخوله المسيحية.

 

لهذا، نرى في نصوص الرسالة، تفعيل للمفهوم المسيحي بنقصان الناموس وعدم كماله لخلاص الإنسان. الرسالة لا تُهاجم الجنس الإسرائيلي نفسه ولا تُهاجم القومية الإسرائيلية، كي يستطيع أن يقول أحدهم أنها ضد السامية (رغم إيماني بأسطورية “ضد السامية”)، وإنما هي حوار عقيدي بين النعمة المسيحية والناموس اليهودي. حوار كهذا، لا نجد فيه عيباً ولا نرى فيه اختلافا عن الفكر الرسولي فيما كتب بولس الى الرومان والغلاطيين، والاختلاف فقط هو في حدة السلوب والانفعال اللحظي للكاتب.

 

أما عن الحديث عن فقدان المخطوطة للأعداد الخاصة بقيامة الرب في إنجيل مرقس، وهو ما ذكره الكاتب في موضع آخر قائلاً:” المخطوطة (السينائية) ومخطوطات أخرى قديمة، لا تذكر صعود يسوع للسماء، وتحذف مصادر أساسية عن القيامة، التي قال عنها رئيس أساقفة كانتربري أنها ضرورية للإيمان المسيحي”، فإن هذا لا يعنى أن هذه المخطوطة لا تشهد لقيامة الرب!

فحادثة القيامة ثابتة في إنجيل متى وإنجيل لوقا في ذات المخطوطة، وفى كل مناسبة ذُكرت فيها قيامة الرب في العهد الجديد. بل دعوني أقول، وبكل جرأة، أن قيامة السيد الرب ثابتة في إنجيل مرقس في المخطوطة السينائية نفسها!!

 

في المخطوطة نجد أول تسع أعداد من الإصحاح، ثابتة فيها. تحكى هذه الأعداد عن زيارة بعض التابعات للمسيح لقبره، بعد انقضاء يوم السبت، ويظهر لهم ملاك على هيئة شاب يقول لهن: “لاَ تَنْدَهِشْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ هَهُنَا. هُوَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ” (مر 16: 6).

 

وهو النص الثابت في المخطوطة نفسها والثابت أيضا في الفاتيكانية، التي أشار لها المقال في الموضع الآخر!!!

 

فثابت هو إيماننا، وثابتة هي كرازتنا!

ولأن كاتب المقال، لا علاقة له بالنقد النصي، فنراه يقول:” ورغم أن الكثير من التغييرات والاختلافات هي ثانوية، فإن هذا يحتاج لشرح لهؤلاء الذين يؤمنون أن كل كلمة جاءت من الله”. رغم انه، أو أي شخص، لو اطلع على أي مدخل للنقد النصي أو مقدمة له، لوجد هذا الشرح الذي يطلبه، وللقراء بالعربية نُحيلهم الى شرحنا في مدخلنا حيث فصلنا أسباب وجود هذه الأخطاء وشرحنا كيفية مُعالجتها.

 

ولأن كاتب المقال لا علاقة له بالنقد النصي، نراه يسأل في حيرة:” بمُواجهة النصوص المُختلفة، أي واحدة هي الأصيلة الحقيقية؟”. السؤال الذي أُجيب عليه من قرون، ومازالت الإجابة عليه تتطور حتى يومنا هذا، للوصول الى أكبر دقة يستطيع الكائن البشرى توفيرها. يتعلق هذا السؤال بالمنهجية أو الآلية Methodology، فنحن نستطيع عن طريق الوسائل والآليات المُستخدمة، تحديد أي قراءة هي “الأصيلة الحقيقية”، واي قراءة هي من إنتاج الناسخ. وبحسب كل عقل يستطيع التفكير، يستطيع الفرد أن يصل الى أقدر المنهجيات صلابةً وقوةً في اختيار المنهجية الصحيحة. ببساطة، نستطيع أن نقول إن النصوص النقدية وفرت دقة بالغة وعالية في الإجابة على هذا السؤال!

 

وهنا، يتدخل طرف ثاني في المقال، إيرمان. عالم، ولكن فقد الرجاء. عالم، ولكن أثرت عليه مفاهيم غير سوية حول ما هو معروف بـ “مشكلة الألم”[3]Pain Proplem، فحملته على نبذ الكتاب المقدس. لم يكن النقد النصي للعهد الجديد هو ما دفعه لإنكار إيمانه، ففي أول سطور الفصل الأول من كتابه “مشكلة الله”، يتساءل قائلاً: “اذا كان هناك إله كلى القدرة ومُحب في هذا العالم، فلماذا هناك ألم مفرط جداً وآلام لا يُنطق بها؟!”، ثم صرح بعدها بقليل عن مشكلة الألم، قائلاً: “مشكلة الألم طاردتني لزمن طويل جدا، إنها كانت ما جعلني ابدأ التفكير في الدين حينما كنت صغيراً، وهي التي قادتني للتساؤل حول إيماني حينما كبرت.

بشكل جوهري، فهي كانت السبب لأن أخسر إيماني”[4]. مشكلة الألم وجودها محدود في الوسط الإلحادي في الشرق، ولكنها مُستفحلة في الغرب بشكل يدعو للاندهاش!

 

على أي حال، فقد تدخل في الحوار!

يقول عامنا اللاأدرى:” يقول (أي إيرمان) أن الكتاب المقدس الذي نستخدمه الآن، لا يُمكن أن يكون كلمة الله المعصومة، حيث أن ما نملكه، بعض الأحيان، هو كلمات خاطئة نُسخت بواسطة نُساخ مُعرضين للخطأ. (يستمر إيرمان قائلاً) “حينما يسألني الناس هل الكتاب المقدس كلمة الله، أُجيب أي كتاب مقدس؟”.

 

وبدوري اسأل، عن أي كتاب مقدس يقصد بقوله:” أن الكتاب المقدس الذي نستخدمه الآن، لا يُمكن ان يكون كلمة الله المعصومة، حيث أن ما نملكه، بعض الأحيان، هو كلمات خاطئة نُسخت بواسطة نُساخ مُعرضين للخطأ”؟!!!

 

فانا شخصياً، لا أعرف أن كل ترجمة وكل نص يوناني، يُسمى فعلياً “الكتاب المقدس”. فكل ترجمة وكل نص يوناني، عمل بشرى. فالترجمة أتمها بشر نقلاً عن نصوص يونانية أعدها بشر، والنصوص اليوناني أعدها بشر نقلاً عن مخطوطات يونانية أعدها بشر، ولا نملك الأصول ولا ما نُسِخ عن هذه الأصول، فأي وجه من القدسية يُضفى على كتاب مادي بحد ذاته؟! بمعنى، أي قدسية يُمكن أن أضيفها لترجمة أتمها شخص اسمه فانديك، وبأي حق؟!

وأي قدسية يُمكن أن أُضيفها لنص يوناني أُعد دون أي مجهود ودون أي تعب، وظهر بين ليلة وضحاها، وعنه تمت هذه الترجمة؟! ليس هذا هو الكتاب المقدس، الكتاب المقدس أكبر من أن يكون عمل مادي، هو أكبر من أن يكون شيء ملموس، هو أكبر من أن يُتَم تجهيز نصه في شهر أو شهرين أو سبعة شهور!!

 

ولكن السؤال، هل حينما يكون ما نقرأه بعض الأحيان هو تدخل بشرى من النُساخ، وأوافقه على هذا، يتغير مفهومنا حول أحد ركائز العقائد – التعاليم – الأحداث – الشخصيات، وكل ما هو جوهري في الكتاب المقدس؟! حاول عالمنا اللاأدرى في صفحات كتابه “سوء اقتباس يسوع”، أن يُقدم لنا مثالاً واحداً يستطيع أن يُغير من رؤيتنا لأحد الأساسيات الكتابية، وقد قرات الكتاب بنفسي لأكثر من مرة هو وغالبية كتبه الأخرى، ولم أر، وكذلك لم يرى غيرى من العلماء، نص واحد تعرض له وأستطاع أن يُغير من وجهة نظرنا أو رؤيتنا لأي قضية وردت في نص العهد الجديد.

 

غير أن هناك تداخل ينطبق عليه القول “انه حق ولكن يُراد به باطل”، فاذا فتحنا أي نص يوناني قياسي للعهد الجديد، فسنجد قراءة في متن النص وقراءة في الهامش. وسواء استطاع العالم تحديد أي منهما هي الأصلية أو لم يستطع، فواحدة منهما هي القراءة الأصلية، وبالتالي فنحن نمتلك النص الصحيح والنص الخاطئ في نفس الوقت. اقصى ما يُمكن استنتاجه، هو أننا في حالات نادرة جداً، لا نستطيع تحديد أي هي القراءة الأصلية.

ولكن في النهاية، نحن نمتلك القراءة الأصلية حتى وان كنا لا نعرف أي هي من بين القراءات المتوفرة. إذن، ما توصل إليه إيرمان من أننا قد نمتلك في بعض الأحيان نص بشرى، هو قول حق ولكن أُرِيد به باطلاً، لأنه يُفهم منه إننا لا نمتلك النص المُوحى به الصحيح، وهو باطلاً.

 

رغم هذا، فهل حينما اقرأ الترجمة الإنجليزية الحديثة، فأنا اقرأ تدخلات بشرية في النص الكتابي؟! هي أحدث ترجمة إنجليزية في العالم، تبعت أحدث وأدق النصوص اليونانية النقدية، ولا نجد فيها مُخالفة، لأي نص يوناني نقدي!!

 

ومرة أخرى، يُتحفنا كاتب المقال بقوله:” اختلافات أخرى حول سلوكيات يسوع. في نص في المخطوطة، يسوع قِيل عنه انه أصبح “غاضب” حينما شفى أبرض، بينما النص الحديث يُسجله كشافياً بحنو”. يقصد بقوله هذا، قراءة أخرى لنص مر 1: 41، بدلاً من ان تذكر ان يسوع تحنن على الأبرص، فإنه غضب منه.

يُرجع الكاتب هذه القراءة الى السينائية، وهو الأمر الغير صحيح بالمرة، فهذه القراءة لم ترد في السينائية، وإنما وردت في مخطوطتين يونانيتين هما: بيزا، والمخطوطة رقم 1358، والقراءة الصحيحة هي الواردة في السينائية. ورغم هذا، فإن هذه القراءة لو صحت، فلا تُغير نظرتنا لسلوكيات يسوع على الإطلاق، فهو قد ظهر غاضباً كثيراً في إنجيل مرقس بشكل خاص وبقية الأناجيل بشكل عام!! وفى خلط آخر غير مُبرر، يتكلم المذيع في البرنامج الذي أُذيع على القناة، بأن القصة كانت مع “رجل أعمى” وليس أبرص!!!

 

نُتابع مع المقال اعتراض آخر:” أيضًا قصة المرأة، التي أُمسكت في زنا وكانت على وشك الرجم حتى وبخ يسوع الفريسيين – قطاع يهودي – مانعاً أي شخص بلا خطية ليرمي الحجر الأول، مفقودة”. وهنا يجب ان ننتبه الى ضرورة التفريق بين عدم صحة وجود القصة في إنجيل يوحنا، وبين مدى دقة وصحة تاريخية هذه القصة، وهذا هو الفارق الذي أسعى الى تثبيته في المسحة الأرثوذكسية للنقد النصي.

فإذا ثبت لدينا ان القصة ليست جزء من إنجيل يوحنا، ولكن ثبت صحة تقليدها الرسولي وصحتها تاريخياً، فقد تبين لنا وتأكدنا انه لا إشكال في الخلط بين التقليد الرسولي الشفاهي والتقليد الرسولي المكتوب. فلا مشكلة لدىّ ولا لدى أي أرثوذكسي في قبول دخول القصة الى التقليد المكتوب في عصر متأخر، مادامت هي جزء من التقليد الرسولي، الذي يتفرع منه فرعان يصبان في نفس المصب: التقليد الشفاهي، والتقليد المكتوب. كما أن الحرف، وقدسية الحرف، لا مكان لهما في المسيحية على الإطلاق!

 

يُراجع بحثنا السابق “زانية تتحدى”، والذي يُثبت أن القصة كانت ثابتة ومعروفة تقليدياً، من القرن الثالث والرابع. ومع إشكال نصي آخر، يقول الكاتب:” أيضًا كلمات المغفرة على الصليب، يسوع لا يقول “أبى أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”. وأقول، بل قال يسوع! سأتناول هذه المشكلة بشكل أوسع في مقالة قادمة، ولكن بإيجاز نقول، أن الشهادة المُبكرة، والتي تصل حتى ماركيون (!!)، والمتفرقة لقراءة الإثبات شرقاً وغرباً، وإن كانت لا تُثبت أصالة النص في إنجيل لوقا في نظر بعض العلماء، فإنها تُثبت بقوة الصحة التاريخية لقول يسوع لهذا المفهوم[5]. ورغم إيماني بأصالة النص، ولكن حتى أسوأ الأحول، تشهد لمغفرة يسوع لصالبيه!

 

ثم يدخل الكاتب، في منحى آخر في مقالته، نحو اللاهوت التاريخي في ارتباط الوحي والعصمة ببعضهما. فمن الثابت، أن هناك تيارات فكرية آمنت بالوحى ولكنها لم تؤمن بالعصمة. ولكن، وبخلط لا مُبرر له على الإطلاق من كاتب المقال، فإن هذه التيارات لم تكن تتحدث عن عصمة النص من الضياع أو التغيير، بل من نواحي تاريخية وعلمية. فهذه التيارات التي ىمنت بوحى الكتاب، وأنكرت أي نوع من العصمة له، كان فكرها مُوجه لمُعالجة ما إفترضوه، اخطاء تاريخية واخطاء علمية في نص الكتاب المقدس. بالإضافة الى ذلك، فإن هذه التيارات ظهرت لحل بعض المُشكلات، في نص العهد القديم، وليس في نص العهد الجديد إطلاقاً!!

 

أما فكرة النص الحي، والتي يتداخل بها في باركر مع كاتب المقال، فهي فكرة قريبة الى المفهوم الأرثوذكسي لعصمة الكتاب المقدس، ولكنها ليست متطابقة معها. تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية بعصمة الروح والجوهر والأساس، ولا تؤمن بعصمة حرف. ولكن، فكرة التطور النصي هي فكرة مرفوضة، لسببين: أنها لا تُمثل واقع نصي مبنى على أسس حقيقية، وأن النص لا يتطور إلا إذا تطور مُحتواه، الأمر الذي قد يكون حدث في مقاطع ثانوية، ولكنه لم يحدث في مقاطع جوهرية، وبالتالي فمجالها محدود جداً.

 

أخيراً، فإن إيماننا الأرثوذكسي يُؤكد، ان “الكتاب المقدس”، هو كلمة الله وكلمة الإنسان. لم يُوحى بالكتاب المقدس من مصدر إلهي خالص، ولم يهبط هذا الكتاب علينا من السماء. هذا الكتاب كتبه الله وكتبه الإنسان، اوحى الله بالمضمون، وأصاغ الإنسان هذا المضمون. هذا هو الكتاب المقدس وهذا هو إيماننا المُستقيم حول ماهيته وطبيعته…

فادى اليكساندر

14 / 10 / 2008

الحواشي

[1]http://www.theology.bham.ac.uk/parker/

[2]F. H. A. ***ivner، A Full Collation Of The Codex Sinaiticus With The Received Text، London 1864.

[3] بشكل صارخ وقوى، تظهر هذه المشكلة كالأساس الذي له رفض الله، في كتابه الأخير “مشكلة الله” God’s Proplem، إصدار 2008

[4]God’s Proplem (How the Bible Fails to Answer Our Most Important Question “Why We Suffer?”)، HarperCollins: USA 2008، By B. D. Ehrman، P. 1

[5]Benoit: The Passion and Resurrection of Jesus Christ، P. 123

Bock: Baker Exegetical Commentary on the New Testament، Luke. Vol 2، P. 1868

Danker: Jesus and the New Age، P. 374

Ellis: The Gospel of Luke، P. 267

Fitzmyer: The Gospel according to Luke، Vol 2، P. 1503

Green: A Course Of Developed Criticism، P. 69

Hort: Notes On Selected Readings، P. 68

Kittel: Theological Dictionary of the New Testament، Vol 5، P. 713

Marshall: The New International Greek Testament Commentary، Luke، P. 867

Metzger: Textual Commentary، P. 154

Omanson: Textual Guide، P. 152

Plummer: A Critical and Exegetical Commentary on the Gospel according to St. Luke، P. 531

***ivner: Plain Introduction، Vol 2، P. 358

Stein: The New American Commentary، Vol 24، P. 588

Wallace: NET Bible، P. 2009

المخطوطة السينائية (Codex Sinaiticus) في الإعلام نقد وتعليق – فادى اليكساندر

ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث – الجزء الثاني – عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان

Exit mobile version