آبائيات
آتياً على سحاب السماء | العلامة أوريجانوس
آتياً على سحاب السماء | العلامة أوريجانوس
فقال له رئيس الكهنة: “أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله؟”
فأجاب يسوع: “أنت قلت. وأيضاً أقول لكم: سترون بعد اليوم ابن الإنسان جالساً عن يمين الله القُدرة، وآتياً على سحاب السماء”
نجدُ في الشريعة عدَّة حالات من القسم. وهُنا في هذه الحادثة يستحلف الكاهن يسوع “بالله الحي”. أعتقد أنه لا يليق بمن يحيا بحسب الإنجيل أن يأمر غيره بحلف اليمين. هكذا يقول الرب نفسه في الإنجيل “أما أنا فأقول لكم لا تحلفوا البتة” (مت 5)، ولا تستحلفوا أحداً أبداً. إذاً لا يجوز، بحسب وصية إنجيل المسيح، أن نحلف، أو أن نستحلف الآخرين. من الواضح أنَّ رئيس الكهنة استحلف يسوع على نحو غير مشروع، واستحلفه “بالإله الحي”.
لم يكن لائقاً بالرب أن يرُدَّ على استحلاف رئيس الكهنة … لهذا لم يُنكر أنه المسيح، ابن الله، ولم يُعلنه … لكنه أجاب: “أنت قُلت”. خطئ رئيس الكهنة لتآمره على يسوع، “ومن ارتكب خطيئة كان من إبليس”. قيافا كان من إبليس. وقد حاكى أباه إبليس الذي سبق له أن سأل المُخلص مرتين: إن كنت ابن الله”، كما كُتب في سرد تجاربه: “إن كنت ابن الله”، و “إن كنت المسيح ابن الله”. الشكُّ في ما إذا كان المسيح ابن الله هو من إبليس ومن رئيس الكهنة الذي تآمر على ربنا.
يبدو لي أن ابن الله الجالس “عن يمين القدير” يُشير إلى التتويج والتَّثبيت. لذلك استوى قُرب القدير – له وحده هذا السُلطان – وعن يمينه. لقد نال من الآب كل سُلطان “في السماء وعلى الأرض” (مت 28). وسيرى أعداؤه تتويجه، بعد أن يراه المُبارك فرحاً.
أما الآية الموازية في إنجيل مرقس فلا تذكر “بعد اليوم” بل “سترون ابن الإنسان جالساً عن يمين القدير” (مر 14). هذا لا يُناقض ما قلناه. في ضوء قول متى “سترون بعد اليوم”، وقول لوقا “لكن ابن الإنسان سيجلس بعد اليوم” (لو 22)، يسألُ سائل هل تمَّت هذه الأمور حين قال المُخلص هذه الأقوال … ردُّنا هو أنها قد تَمَّت. فمن ذلك الوقت، أي حين تمَّ التدبير الإلهي، استوى ابن الإنسان “عن يمين القدير”، وشهد تلاميذه على قيامته من بين الأموات. لهذا، كما قُلنا من قبل، عاينوه جالساً “عن يمين القدير”.
“وآتياً على سحاب السماء”
إن أنبياء الله ورُسل المسيح هم تلك السُحب الحيَّة التي يأمرها يسوع بأن تُمطر أو بأن يُحبس المطر، كما يرى، على الكرمة غير المثمرة. كُل من يرفض أن يُصبح هذه السُحب التي يظهرُ عليها ومعها ابن الإنسان، يعلمُ به المسيح.
فالله الكلمة والحكمة والحق والعدل سيأتي دوماً على هذه السُحب ويكون معهم، مُعلناً مجيئه لمستحقيه. إننا نتكلم على تلك السُحب التي تحملُ “علامة سماوية”، غماماً سماوياً لا يزول. لقد أُهِّلوا لعرش الله وملكوته بكونهم “ورثة الله وشُركاء المسيح” (رو 8)، إنهم سيملكون معه.
المرجع، التفسير الميسحي القديم للكتاب المقدس، إنجيل متى، منشورات جامعة البلمند، الأب الدكنور ميشال نجم، تفسير أوريجانوس لإنجيل متى.