بالصور يهوذا في الدير.. ليلة سقوط قاتل الأنبا إبيفانيوس
بالصور يهوذا في الدير.. ليلة سقوط قاتل الأنبا إبيفانيوس
بعد 12 يوما من التحقيقات، أسدلت النيابة العامة الستار على قضية مقتل رئيس دير أبو مقار بوادي النطرون، الأنبا إبيفانيوس، بتوجيه الاتهام رسميا إلى الراهب المجرد من الرهبنة، أشعياء المقاري، والذي أعادته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الأحد الماضي، إلى اسمه العلماني، وائل سعد تواضروس.
فالجريمة التي هزت الكنيسة وتعد حدث استثنائي، حقق فيها 60 محققا من أرفع الأجهزة الأمنية والمعلوماتية بالدولة، وتم الاستماع لأقوال 145 راهبا بالدير، بعد مطالبة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بإصدار تعليماته بالتعاون مع جهات التحقيق الرسمية لكشف ملابسات الحادث.
والأنبا إبيفانيوس من مواليد 27 يونيو 1954 في مدينة طنطا بمحافظة الغربية، وهو حاصل على بكالوريوس في الطب، والتحق بالدير في 17 فبراير 1984، قبل أن يرسم راهبا في 21 أبريل 1984، باسم الراهب إبيفانيوس المقاري، ورسم قساً في 17 أكتوبر 2002، وكان يشرف على مكتبة المخطوطات والمراجع بكل اللغات في الدير، واختير رئيسا للدير بالانتخاب في 10 مارس 2013، ووجد يوم 29 يوليو الماضي، مقتولا خارج قلايته –سكنه- بالدير، وأثبتت التحريات الأولية تلقيه ضربة بآلة حادة على مؤخرة رأسه أودت بحياته.
وتعد تلك أول جريمة تقع داخل أسوار الدير الأثري، وكان البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، رفض مرورها مرور الكرام، وطالب رهبان الدير الذين أبلغوه بالحادث فور اكتشافهم جثة الأسقف، بالاتصال بالجهات الرسمية وفتح تحقيق رسمي في الجريمة.
والراهب أشعياء المقاري، يبلغ من العمر 34 عاما، ورسمه البابا شنودة الثالث، ضم 10 رهبان آخرين كراهب في الدير، إلا أنه دخل في خلافات مع الأنبا إبيفانيوس، رئيس الدير، تسببت في تقديم الأسقف شكوي فيه وإحالته إلى لجنة الانضباط الرهباني بالمجمع المقدس، وذلك بعد استيفاء عمليات التحقيق معه داخل الدير، وانذاره 3 مرات، ورفعت لجنة الانضباط الرهباني بالدير توصية للبابا تواضروس، وافق عليها الأنبا أبيفانيوس، وكل من الأنبا متاؤس رئيس دير السريان، والأنبا دانيال رئيس دير مارمينا بكينج مريوط، يطالبوا بابعاد الراهب عن الدير إلى دير آخر، وذلك في 12 نوفمبر 2018، حيث رأت اللجنة أن الراهب المجرد: “له ذات كبيرة وكسر قانونين في نظام الرهبنة وهما (الطاعة والتجرد) ويفتخر أنه يحصل على أموال ومأكولات ويقوم باستضافة الرهبان عنده في القلاية ولا يتعامل مع الأسقف أو أمين الدير نهائيا، ويقترب من عمل جبهة مضادة في الدير، ولا يمسك أي عمل في الدير بالرغم أنه شاب في الثلاثينات”.
وأصدر البابا قراره في 20 فبراير 2018، بنقل الراهب إلى دير الزيتونة ومتابعة سلوكة لمدة 3 أعوام، وأنه في حالة كسر السلوك الرهباني يطرد من الرهبنة.
ولكن عقب ذلك، تعهد الراهب بالخضوع لرئيس الدير، وجمع توقيعات من 52 راهبا بالدير، وتم رفعها للبابا تواضروس بالتمسك بوجود الراهب اشعياء معهم في الدير، وتم العدول عن الأمر وقرر البابا الموافقة على ذلك بناء على موافقة الأسقف.
إلا أن الراهب أشعياء عاد إلى محاولاته القديمة، ودخل في خلافات مع رئيس الدير، وهو ما خشى الراهب من تجريدة من الرهبنة وأقدم على جريمته بحسب، ما ساقته النيابة له لتنفيذ جريمته.
وخضع الراهب عقب الجريمة، كما خضع آخرون للتحقيق، وتم وضعه دائرة الاشتباه، حتى صدر قرار البابا تواضروس الثاني، يوم 5 أغسطس الجاري، والذي كتبه البابا بخط يده، بتجريد الراهب من الرهبنة، ليقدم في اليوم التالي المتهم على محاولة الانتحار بتناول مبيد حشري، قبل أن تعاود النيابة التحقيق معه، ولتضارب أقواله، وما ظهر عليه من ارتباك، تم مواجهته بالأدلة التي عثر عليها وتدل على جريمته، وهو ما دفعه للاعتراف بارتكاب الجريمة، وتمثيلها أمام النيابة العامة التي قيدت القضية تحت رقم 1432 لسنة 2018.
واعترف الراهب المجرد بالاتفاق مع الراهب الآخر الذي حاول الانتحار يوم الإثنين الماضي، بارتكاب الجريمة، حيث إنه هو من قام بالإجهاز على الضحية، فيما تولى “فلتاؤس” الذي يعالج حاليًا في أحد مستشفيات القاهرة، بمراقبة الطريق، ومثل المتهم جريمته داخل الدير، في الساعات الأولى من صباح اليوم السبت، تحت حراسة أمنية مشددة.
وبناء على ذلك وجهت النيابة للمتهم تهمة القتل مع سبق الأصرار والترصد، وقرر المحامي العام لنيابات استئناف الإسكندرية، حبس المتهم 4 أيام على ذمة التحقيق، على أن يراعى له التجديد في الميعاد.
وكان البابا تواضروس، أكد في عظته الأسبوعية الأربعاء الماضي، أن الجريمة هي جريمة قتل عادية فيها جاني ومجني عليه ولا تنال من الكنيسة، وأن هناك يهوذا يتملكه الشيطان بين كل 12 شخصا، وأن ذلك لا يمس نقاوة الرهبنة أو الكيان، وأن الكنيسة منذ اليوم الأول لا تخفي شيء ولا تتستر على أي خطأ، وأن التحقيقات مازالت جارية.
ومازال التحقيق جاري في الجريمة مع كل من رئيس العمال بالدير، و رهبان آخرين في القضية، وهما: “الراهب فلتاؤس المقاري صديق أشعياء والذي حاول الانتحار أيضا، والراهب مسؤول كاميرات المراقبة”.
ودير الأنبا مقار، يقع بوادي النطرون، وينسب للأنبا مقار وهو تلميذ الأنبا أنطونيوس الكبير مؤسس الرهبنة القبطية، ويعود تاريخة إلى القرن الرابع الميلادي، وتبلغ مساحة الدير الإجمالية حوالي 11.34 كم2 شاملة المزارع والمباني التابعة، ويحتوي على سبع كنائس، وملحق بالدير متحف صغير ومشفى ومحطة لتوليد الكهرباء ومطبعة ومكتبة تضم مخطوطات نادرة، وهناك مساكن للعاملين بالدير من غير الرهبان.