Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

العظة السادسة عشرة فاشترى يوسف كل أرض مصر لفرعون – عظات أوريجانوس على سفر التكوين

العظة السادسة عشرة فاشترى يوسف كل أرض مصر لفرعون – عظات أوريجانوس على سفر التكوين

العظة السادسة عشرة فاشترى يوسف كل أرض مصر لفرعون – عظات أوريجانوس على سفر التكوين

العظة السادسة عشرة فاشترى يوسف كل أرض مصر لفرعون – عظات أوريجانوس على سفر التكوين

حول الآية القائلة: “فاقتنى يوسف كل أرض المصريين لفرعون. لقد باع المصريون أرضهم لفرعون، لأن الجوع اشتد عليهم، فصارت الأرض لفرعون وأما الشعب فقد استعبد من أقصى حد مصر إلى أقصاه. “

مصر بلد العبودية

1 بشهادة الكتاب لا يوجد مصري حر، لأن فرعون قد “استعبد الشعب” دون أن يترك أحداً حراً على أرض مصر، وأقمع الحرية في كل البلد. لأجل هذا على الأرجح مكتوب: “أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية[1].” لقد صارت مصر إذاً هي بيت العبودية، والأسوأ من ذلك أنها صارت بيت العبودية الإرادية. ولكن حين يخبرنا الكتاب أن العبرانيين قد استعبدوا وأنهم، إذ حرموا من حريتهم، اضطروا لاحتمال نير السلطة، يذكرنا أنهم قد اقتيدوا له بالعنف.

ومكتوب في الواقع: “كان المصريون يكرهون بني إسرائيل وكانوا يخضعون بني إسرائيل بالقوة والعنف وجعلوا حياتهم مرة بأعمال قاسية، طين ولبن وكل عمل في الحقل أذلوهم به قسرا، مستعبدين إياهم.[2]” لاحظ جيداً أنه مكتوب أن العبرانيين قد استعبدوا “عنفاً”، لقد كانوا في الواقع يملكون حرية طبيعية لا يمكن نزعها منهم لا بسهولة ولا بالحيلة وإنما فقط بالعنف.

وعلى العكس، لقد استعبد فرعون الشعب المصري بسهولة ولم يقل إنه استخدم العنف لأن المصريين كانوا ينحدرون من تلقاء نفسهم نحو الحياة المنحطة وسرعان ما يصيرون عبيداً لكل أنواع الرذائل. انظر جلياً في أصلهم: سترى أن جدهم حام الذي سخر من عورة أبيه[3] قد استحق هذا الحكم: أن يكون ابنه كنعان عبد إخوته[4] لكي ما تشهد عبوديته بانحلال أخلاقه. فليس إذن بدون سبب أن فساد النسل يعيد إنتاج فساد الذرية الأصلي[5].

أما العبرانيون، فإن استعبدوا أو كانوا ضحايا طغيان المصريين، فيكون ذلك بالعنف والإجبار. لذلك فهم قد تحرروا من “بيت العبودية” وأعيدوا لحريتهم الفطرية التي كانوا قد فقدوها رغماً عنهم. وهكذا، نصت الشرائع الإلهية على أن كل من يشتري عبداً عبرانياً لا يبقيه إلى الأبد في العبودية: فست سنين يخدمه، وفي السابعة يذهب حراً[6]. ولم يأمر بأي شيء مماثل بالنسبة للمصريين: فالشريعة الإلهية لا تبالي في أي موضع بحرية المصريين لأنهم قد فقدوها بإرادتهم، فتركتهم الشريعة للنير الأبدي الذي لمصيرهم وللعبودية الدهرية.

عبودية الخطية

۲ وإذا ما فسرنا هذا بشكل روحي، فسنعرف ماهية عبودية المصريين لأن خدمة المصريين ليست هي إلا الاستعباد للنقائص الجسدية، والخضوع للشياطين. ولا يخضع أحد لهذه العبودية بدواع خارجية، ولكنه يقاد إليها بكسل الروح وشهوات وملذات الجسد التي تخضع لها الروح ضعفا. وعلى العكس، فمن يهتم بحرية النفس ويحافظ على نبل الروح عن طريق الأفكار السماوية، فهذا يكون من بني إسرائيل ولا يفقد حريته إلى الأبد، حتى وإن أخضع الفترة من الزمن عنفاً.

وفوق ذلك، يشرح مخلصنا، متحدثاً عن الحرية والعبودية، في الإنجيل هكذا: “إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية[7]” ويقول بالمقابل “إنكم إن ثبتم في كلامي تعرفون الحق، والحق يحرركم”[8].

المصريون أخضعوا أنفسهم للعبودية

وقد نسأل: من أين ليوسف أن يعيد ملك كل الأرض لفرعون وأن يضع رجل قديس في خدمة فرعون هذه العبودية الشاملة المحكومة بالخطية، كما شرحنا للتو؟ يمكننا أن نرد بأن الكتاب نفسه يبرر وظيفة الرجل القديس قائلاً إن المصريين أنفسهم هم الذين باعوا أنفسهم وممتلكاتهم[9]. فلا يقع الخطأ إذا على عاتق القائم بالإدارة حين يتخذ إجراءات مناسبة يستحقها مرؤوسوه. وستجد أن بولس الرسول أيضاً قد قام بعمل شبيه حين تسلم إلى الشيطان من صار بسبب تصرفاته السيئة غير أهل برفقة القديسين “حتى لا يجدف[10]“.

ومن المؤكد أنه لا يمكن لأحد أن يقول إن بولس الرسول هو من تصرف بقسوة بطرده هذا الرجل من الكنيسة وبتسليمه إلى الشيطان، ولكن الخطأ يقع بلا أدنى شك على من استحق بسلوكه ألا يكون له مكان في الكنيسة ويسلم لرفقة الشيطان. وهكذا ألصق يوسف؛ إذ كان يعلم أنه لا يوجد لدى المصريين لا حرية العبرانيين ولا نبل إسرائيل، بالسيد المناسب لهم، عبيدا يستحقونه.

وسأذهب إلى أبعد من ذلك، فإنك ستجد في أفعال الحكم الإلهي شيئاً مشابهاً؛ أنصت إلى موسى: “حين فرق العلي للأمم ونصب تخوم الشعوب، أقامهم حسب عدد ملائكة الله وصار يعقوب هو قسم الرب. إسرائيل نصيب ميراثه”[11]، فإنك ترى أن منطقة نفوذ الملائكة تحدد تبعاً لاستحقاقات كل شعب ولكن أن “نصيب الرب” هو شعب إسرائيل.

المجاعة هي كارثة للأشرار وليس للأبرار

3 والآن يقول الكتاب: “باع المصريون أرضهم لفرعون، لأن الجوع اشتد عليهم.[12]” ويبدو لي أنه يوجد هنا توبيخ للمصريين، لأنك لن تجد بسهولة في الكتاب بالنسبة إلى العبرانيين أن “الجوع قد اشتد عليهم” وبالرغم من أنه مكتوب أن المجاعة قد اشتدت في الأرض[13]، إلا أنه لم يذكر أن الجوع قد اشتد على يعقوب أو على أبنائه ولكنه قال إن الجوع اشتد على المصريين.

لأن الجوع يصيب الأبرار ولكنه لا يشتد عليهم، ولذلك هم يتمجدون به كما فعل بولس الرسول الذي نراه يشكر الرب عن طيب قلب وسط التجارب التي من هذا النوع في الجوع والعطش، في البرد والعري.[14]” فما هو تدريب للفضيلة بالنسبة إلى الأبرار، هو إذن عقاب على الخطية بالنسبة إلى الأشرار وهكذا مذكور أنه في وقت إبراهيم: “حدث جوع في الأرض، فانحدر أبرآم إلى مصر ليسكن هناك، لأن الجوع قد اشتد في الأرض.[15]

فبالتأكيد، إذا كان الكتاب يستخدم أسلوباً غير دقيق كما يزعم البعض، فكان يمكنه إن يقول إن إبراهيم قد نزل إلى مصر ليسكن فيها لأن الجوع قد اشتد عليه، ولكن انظر دقة وحرص لغة الكتاب، فعند الحديث عن القديسين يقول الكتاب إن الجوع “اشتد على الأرض أما عند الحديث عن الأشرار، فيقول إنهم هم الذين اشتد الجوع عليهم. إذن لم تشتد المجاعة لا على إبراهيم ولا يعقوب ولا على أبنائه، ولكن إن كان قد اشتد الجوع فيقول الكتاب إنه اشتد على الأرض.

غير أنه يذكر أنه في زمن إسحق كان في الأرض جوع غير الجوع الأول الذي حدث في أيام إبراهيم.[16]” فقد اشتد هذا الجوع قليلاً جداً على إسحق حتى إن الرب قال له: “لا تنزل إلى مصر. لكن اسكن في الأرض التي أريك، أقم في هذه الأرض وأنا أكون معك.[17]

الله يهتم بإطعام الأبرار

أعتقد أن هذا السبب هو الذي جعل النبي يقول بعد هذا الوقت بكثير: “كنت فتى وقد شخت، ولم أر الصديق تخلي عنه، ولا ذريته تلتمس خبزها[18]“، وفي موضع آخر “الرب لا يهلك الصديق جوعاً.[19]” وتؤكد كل هذه الشواهد أن الأرض من الممكن أن تعاني من الجوع وكذلك “الذين لا يفتكرون إلا في الأرضيات[20]“، ولكن الذين طعامهم أن يفعلوا إرادة الآب الذي في السموات”[21]، والذين يغذون نفسوهم ب”الخبز الذي نزل من السماء[22]” فهؤلاء لا يمكن أبداً أن يعانوا من عوز المجاعة.

مثال إيليا

ولذلك لا يستخدم الكتاب عمداً تعبير “اشتد الجوع عليهم عند الحديث عن الذين لديهم علم الله من خلال معرفته، ويحصلون على غذاء الحكمة السماوية. ففي سفر الملوك الثالث نجد نفس الحذر للحديث عن المجاعة: فإذ اشتد الجوع على الأرض كقول إيليا لأخاب: تحي هو الرب إله الجنود، إله إسرائيل الذي أقف أمامها إنه لا يكون في هذه السنين طل ولا مطر على الأرض إلا عند قولي[23]“، فحينئذ عهد الرب إلي الغربان أن تقوت النبي وأمر النبي أن يشرب من ماء نهر كريث.

ومرة أخرى في صرفة صيدا كلف أرملة بإطعام إيليا النبي، ولم يكن لديها طعام إلا ليوم واحد، ولكن حين قدم هذا الطعام، لم ينعدم أبداً وينفد ولكنه فاض لأن الدقيق في الكوار والزيت في الكوز لم ينقصا، كقول الرب، طالما كان هناك ما يقوت النبي[24].

مثال إليشع

وستجد نفس الشيء أيضاً في زمن إليشع النبي حين صعد بنهدد ملك سوريا إلى السامرة وحاصرها: “وكان جوع شديد في السامرة حتى صار رأس الحمار بخمسين من الفضة، وربع القاب من زبل الحمام بخمس من الفضة[25]“، ولكن حدث بغتة تغير مذهل في صوت النبي الذي قال: “اسمع كلام الرب. هكذا يقول الرب: في مثل هذا الوقت غداً تكون كيلة الدقيق بشاقل، وكيلتا الشعير بشاقل في باب السامرة[26].”

أنت ترى إذا ما ينجم عن هذه النصوص: حين يسود الجوع على الأرض، ليس فقط لا يصيب الأبرار، بل على العكس، هم الذين يحددون سبيل النجاة من الكارثة الخطيرة.

الجوع إلى كلمة الرب

4 وبما أنك صرت الآن تفهم أن الكتاب المقدس يحافظ بدقة، في أغلب نصوصه، على مثل هذا التدقيق في اللغة، فلتنتقل إلى المعنى الرمزي والمجازي الذي تعلمنا إياه أقوال الأنبياء أنفسهم. ويعلن واحد من الأنبياء الاثني عشر صراحة أن الأمر يتعلق بوضوح وبالتأكيد بجوع روحي، حين يقول: “هوذا أيام تأتي، يقول الرب، أرسل جوعاً في الأرض، لا جوعاً للخبز، ولا عطشاً للماء، بل جوعاً لاستماع كلام الرب[27].”

هل تلاحظ أي جوع يشتد على الخطاة؟ أتدرك ما هي المجاعة التي تشتد على الأرض؟ إن هؤلاء الذين من الأرض ولا يميلون إلا إلى الأرضيات[28]“، والذين لا يستطيعون أن يقبلوا ما يأتي من روح الله[29]” فهم يعانون من الجوع إلى كلمة الله” هم لا يستمعون التعاليم الشريعة ويتجاهلون تحذيرات الأنبياء ويجهلون تشجيع الرسل ولا يختبرون التأثير الشافي للإنجيل، لذلك يقال عنهم بحق إن الجوع “اشتد على الأرض.[30]

وليمة الحكمة

أما بالنسبة للأبرار وللذين “يلهجون في ناموس الرب نهاراً وليلاً[31]” فإن “الحكمة ترتب مائدتها وتذبح ذبحها وتمزج خمرها في الكأس وتنادي بصوت عال[32]. لا لكي يأتي الجميع ولا لكي يقيم عندها الموسرون أو الأغنياء أو حكماء هذا العالم، ولكن كما يقول الكتاب حتى يأتي إليّ عديمو الفهم[33]” أي “متواضعو القلب[34]“، الذين تعلموا من المسيح أن يكونوا “ودعاء ومتواضعي القلب”، الذين يقال عنهم في موضع آخر “مساكين بالروح[35]“، ولكنهم أغنياء بالإيمان، حتى يأتي هؤلاء إلى وليمة الحكمة ويجددون قواهم بطعامها ويصمدون “للجوع الذي اشتد على الأرض”.

فلتحرص إذاً أنت أيضاً ألا تكون أحد هؤلاء المصريين الذين يشتد الجوع عليهم. لا تدع نفسك تسقط في اهتمامات هذا الدهر، أو تتقيد بقيود البخل أو تلين بفرط الشهوات: ستصير بذلك غريباً عن طعام الحكمة التي لا تكف كنائس الرب عن تقديمها، لأنك إن أغلقت أذنيك عما يقرأ أو عما يشرح في الكنيسة، فستشعر بلا أدنى شك بالجوع إلى كلمة الله. ولكن إن احتفظت، بكونك منحدراً من ذرية إبراهيم، بنبل النسل الإسرائيلي، فإن الشريعة والأنبياء هم الذين لا يكفون عن إطعامك ويقدم لك الرسل ولائم فاخرة.

تدعوك الأناجيل إذاً للاتكاء في حضن إبراهيم وإسحق ويعقوب “في ملكوت الآب[36]” ولتأكل هناك من “شجرة الحياة[37]” وتشرب من خمر “الكرمة الحقيقية[38]“، “الخمر الجديدة مع المسيح في ملكوت أبيه[39]“، لأنه لا يمكن لتبني العرس ما دام العريس معهم[40]” أن يصوموا عن هذه الأطعمة ولا أن يشعروا بالجوع إليها[41].

كهنة فرعون وكهنة الرب

5 وفيما بعد يخبرنا الكتاب أن أرض الكهنة المصريين لم تنتقل تحت سيطرة فرعون وأنهم لم يبيعوا أنفسهم كما فعل باقي المصريين. علاوة على ذلك، كان الكهنة يأخذون قمحاً أو هداياً أخرى مباشرة من فرعون وليس من يوسف. ولذلك لم يبيعوا أرضهم الفرعون؛ إذ حسبوا أقرب إليه من الآخرين[42]. وهذا يدل على أنهم أكثر انحرافاً من الآخرين، إذ إن هذه العلاقة الوثيقة مع فرعون سمحت بألا يصيبهم أي تغيير وبأن يحتفظوا بملكية قميئة.

ومثلما يقول الرب للذين كانوا متقدمين في الإيمان والقداسة: “لا أعود أسميكم عبيداً بل أحباء[43]“، هكذا أيضاً قال فرعون للكهنة كما لو كانوا قد وصلوا لأعلى مراتب الفساد والكهنوت الهلاك: “لا أعود أسميكم عبيداً بل أحباء”

هل تريد أن تعرف ما يميز كهنة الرب عن كهنة فرعون؟ أعطى فرعون أراضي لكهنته في حين لا يعطي الرب لكهنته نصيبا على الأرض ولكنه يقول لهم: “أنا نصيبك.[44]” وأنتم الذين تقرأون هذا النص، فلتلاحظوا كل كهنة الرب وفرقوا بينهم: الذين لهم نصيب على الأرض ويعكفون على مشاغل واهتمامات أرضية، ألا يبدو أنهم كهنة فرعون أكثر من كونهم كهنة الرب؟ لأن فرعون يريد أن يمتلك كهنته أراضي ويجدون في زراعة الأرض لا النفس، وأن يكرسوا أنفسهم للحقول لا للشريعة. ولننصت على العكس ما يأمر به المسيح ربنا كهنته: “كل واحد لا يترك جميع ما له، لا يقدر أن يكون تلميذي”[45].

التخلي عن ثروات العالم

أقول ذلك وأنا أرتعد؛ إذ إنني أنا قبل كل شيء هو المشتكي على نفسي وأنا الذي ينطق بإدانتي. فالمسيح ينكر التلميذ الذي يراه يمتلك شيئاً والذي لا يترك جميع ما له. فكيف نسلك إذن؟ كيف يمكننا سواء أن نقرأ نحن أنفسنا هذه المتطلبات أو نفسرها للشعب في حين، ونحن مازلنا بعيدين عن ترك ما لنا، نريد أيضاً أن نمتلك ما لم نملكه أبداً قبل مجيئنا إلى المسيح؟ فهل أمام تأنيب ضميرنا نستطيع أن نخفي أو نتخلى عن أن ننادي بالمكتوب[46]؟ إنني لا أريد أن أحمل نفسي خطية مزدوجة.

إنني أعترف، وأقوم بذلك علانية قدام الشعب الذي يسمعني، أن هذه الأوامر مكتوبة في الكتاب المقدس حتى وإن أقررت أني لم أتبعها بعد[47]. ولكن بما أننا على الأقل قد أنذرنا بها فلنسرع في اتباعها، لنسرع في التحول من كهنة فرعون الذين ممتلكاتهم على الأرض إلى كهنة الرب الذين لا يكون نصيبهم على الأرض والذين “نصيبهم هو الرب.[48]” وإنه عن هؤلاء قال: “كفقراء ونحن نغني كثيرين، كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء[49]“، فهذا هو بولس الرسول الذي يجد في هذا الحال سبباً للفخر.

هل تريد أن تسمع أيضاً إعلانات بطرس عن نفسه؟ اسمعوه يقوم مع يوحنا بهذا الاعتراف الذي يخص كليهما: “ليس لي فضة ولا ذهب، ولكن الذي لي فإياه أعطيك: باسم يسوع المسيح قم وامش.[50]” هنا هي إذا ثروات كهنة المسيح، ها هو سخاء من لا شيء لهم الوافر والثمين. وهذه الثروات لا يمكن أن يهبها امتلاك الأرض.

شعب مصر وشعب إسرائيل

6 لقد قمنا بمقارنة كهنة بكهنة. لنقارن الآن، إذا أردتم، الشعب المصري بالشعب الإسرائيلي. يقول الكتاب فيما يلي إنه بعد المجاعة والعبودية، صار شعب مصر يدفع لفرعون خمس غلته[51]، وكان بالمقابل شعب إسرائيل يقدمون العشر فقط للكهنة. لاحظ أن الكتاب المقدس هنا أيضاً يستند في تحديد هذه النسبة إلى سبب هام. فلاحظ أن الشعب المصري يدفع جزية وفقا للعدد خمسة: هذا العدد يشير في الواقع إلى الحواس الخمس الجسدية التي كان الشعب الجسدي [المصريون] عبداً لها، لأن المصريين كانوا يتلذذون دائما بالأشياء المرئية والحسية.

أما شعب إسرائيل فهو على العكس يكرم العدد عشرة وهو عدد الكمال[52]: فقد أخذ في الواقع كلمات الشريعة العشر؛ وإذ التزم بفضيلة الوصايا العشر، استقبل الأسرار التي يجهلها هذا العالم وعطايا السخاء الإلهي. ويكرم العدد عشرة في العهد الجديد أيضاً: فينمو ثمر الروح إلى عشر فضائل[53] ويقدم الخادم الأمين للسيد عشر وزنات كنتاج لعمله ويأخذ إمارة عشر مدن[54].

ولكن هناك خالق واحد لكل الأشياء، والمسيح وحده هو أصلها وبدؤها، لذلك كان الشعب يقدم عشر غلته للخدام والكهنة، ولكنه يقدم أبكاره “لبكر كل خليقة[55]“، والبكور إلى من هو بدء كل شيء، الذي كتب عنه: “هو البداءة[56]“، بكر كل خليقة.[57]

وهكذا إذن ندرك من كل هذا، الفرق بين شعب مصر وشعب إسرائيل، والفرق بين كهنة مصر وكهنة الرب. لتدخل إلى نفسك ولتتساءل إلى أي شعب تنتمي وبأي نوع كهنة ترتبط. فإن كنت لا تزال عبداً للحواس الجسدية، إن كنت لا تزال تدفع الفريضة وفقاً للعدد خمسة، إن كنت تنظر “الأشياء الوقتية التي تري” ولا تنظر “الأشياء الأبدية التي لا ترى[58]

فأنا أقر أنك في عداد شعب مصر ولكن إن لم تكف عن ألا يكون نصب عينيك وصايا الناموس العشر ووصايا العهد الجديد التي تحدثنا عنها تواً، إن قدمتها عشوراً، إن ذبحت بروح الإيمان أبكار فهمك الخاص للبكر من بين الأموات”[59]، إن قدمت بكورك لمن هو “بدء كل شيء، فإنك تكون آنذاك “إسرائيلياً حقيقياً لا غش فيه[60]“.

أما عن كهنة الرب، فإن دخلوا إلى أنفسهم وتحرروا من النشاط الأرضي ومن التملك في هذا العالم، فيمكنهم حقا أن يقولوا للرب: “ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك[61]” وأن يسمعوه يقول: “إنكم أنتم الذين تبعتموني، في القيامة العامة، متى جاء ابن الإنسان في ملكوته، تجلسون أنتم أيضاً على إثني عشر كرسياً وتحكمون على أسباط إسرائيل الإثني عشر.[62]

المكوث بالقرب من الله

۷ لنر الآن ما يقوله موسى: “وسكن إسرائيل في مصر، في أرض جاسان[63].” فجاسان تعني “قرب” أو “جوار” وهو ما يثبت أن إسرائيل، حتى ولو سكن في مصر، إلا أنه ليس بعيداً عن الله، بل قريب جداً منه ومتحد معه، كقول الله نفسه “أنا أنزل معك إلى مصر، وأكون معك[64].”

ونحن إذا، حتى وإن بدا أننا قد نزلنا إلى مصر، حتى وإن خضنا صراعات وحروب هذا العالم بحكم حالتنا الجسدية، حتى وإن سكنا وسط عبيد فرعون، فإننا إذا كنا بالقرب من الله وثابرنا على التأمل في وصاياه وطلبنا بعناية “فرائضه وأحكامه[65]“. لأن هذا هو ما يعنيه المكوث دائماً بالقرب من الله والتفكر في أمور الله وطلب ما هو لله[66]“. فحينئذ يكون الله معنا على الدوام بالمسيح يسوع ربنا “الذي له المجد إلى أبد الآبدين. آمين.[67]

[1] انظر: خر 20: 2.

[2] انظر: خر 1: 12-14.

[3] انظر: تك 9: 22.

[4] انظر: تك 9: 25.

[5] إن مصر التي يتحدث عنها أوريجينيس مستخدما كافة الرموز والاستعارات المرتبطة بهذا الاسم، ليست بوجه عام سوی بلد الفراعنة المذكور في الكتاب المقدس والمنتمي لماض قد تم محوه منذ زمن بعيد. إلا أن كاديو (R.Cadiou) في كتابه “شباب أوريجينيس” قد أعزي الصرامة التي يظهرها أوريجينيس هنا تجاه بلد مولده إلى ما شعر به من ألم عندما طرده البابا ديميتريوس من كنيسة الإسكندرية.

ولكن نلاحظ أنه في وقت إلقاء هذه العظة كان قد مر أكثر من عشرين عاما على هذا الطرد، وبالتالي فقد كان للاستياء الذي في نفس أوريجينيس الوقت الكافي ليهدأ. أما قديما، فقد كتب في الجزء السادس من تعليقه على إنجيل القديس يوحنا عقب ما حدث له مباشرة أن عدو الخير قد أثار ضده “كل رياح الفساد التي في مصر.” ولكن في عظاتنا هذه، وفي الوقت الذي كان فيه أوريجينيس ذائع الصيت ويتمتع بامتيازات كثيرة في قيصرية، لم يكن هناك داع للعودة مرة أخرى لحالة الاستياء التي عانى منها قديما لبعض الوقت.

[6] انظر: خر۲۱: ۲.

[7] انظر: يو 8: 34.

[8] انظر: يو 8: 31-32.

[9] انظر: تك 47: 20.

[10] انظر: 1كو 5: 5؛ 1تي 1: 20.

[11] انظر: تث 32: 8-9.

[12] انظر: تك 47: 20.

[13] انظر: تك 43: 1.

[14] انظر: 2كو 11: 27.

[15] انظر: تك 12: 10.

[16] انظر: تك 26: 1.

[17] انظر: تك 26: 2-3.

[18] انظر: مز 36: 25 (حسب السبعينية).

[19] انظر: أم 10: 3.

[20] انظر: في ۳: ۱۹.

[21] انظر: مت ۷: ۲۱.

[22] انظر: يو 6: 51، 59.

[23] انظر: ۳ مل ۱۷: ۱ (حسب السبعينية).

[24] انظر: ۳ مل ۲:۱۷ وما بعده (حسب السبعينية).

[25] انظر: 4 مل 6: 25 (حسب السبعينية).

[26] انظر: 4 مل ۷: ۱ (حسب السبعينية).

[27] انظر: عا ۸: ۱۱.

[28] انظر: في ۳: ۱۹.

[29] انظر: ۱ کو ۲: 14.

[30] انظر: تك 43: ۱.

[31] انظر: مز 1: 2.

[32] انظر: أم 9: 2-6.

[33] انظر: أم 9: 4؛ مت 11: 25، 28.

[34] انظر: مت 11: 29.

[35] انظر: مت 5: 3؛ يع 2: 5.

[36] انظر: مت 8: 11.

[37] انظر: رؤ 2: 7.

[38] انظر: يو 15: 1.

[39] انظر: مت 26: 29.

[40] انظر: لو 5: 34؛ مت 9: 15.

[41] عن أكل الكلمة وعلاقته بالإفخارستيا عند أوريجينيس، ارجع إلى:

  1. DE LUBAC, Histoire et Esprit, p. 363- 373.

[42] انظر: تك 47: ۲۲.

[43] انظر: يو 15: 15.

[44] انظر: عد 18: 20.

[45] انظر: لو 14: 33.

[46] يبدو أن أوريجينيس كان يوبخ نفسه على عدم عيش حياة الفقر التي ينبغي أن يعيشها كل تلميذ للمسيح “متنازلا عن كل ماله ” وقد حدد أوريجينيس في العظات على سفر اللاويين 15: ۲ متطلبات هذا الفقر. وحيث كان من الضروري السكن في منازل وكان لازما في بعض الأحيان القيام بمصروفات كبيرة، فلا يبدو أن أوريجينيس كان معترضا على هذا لأن ما يعنيه هو بناء البيت الروحي من خلال المحبة.

لكننا سنعيد قراءة ما كتبه إيريناؤس في “ضد الهرطقات” (4: 30: 1، 3) والذي أثار نفس القضية وقدم ردا عمليا: الدي كل منا مال كثير أو قليل. قد اقتناه بمال الظلم، فمن أين أتت المنازل التي نسكن فيها والملابس التي نرتديها…؟” ويقر إيرينيوس بأن “التاجر يمارس التجارة ليكسب منها قوته ” ولكن إيرينيوس في نفس الوقت يوضح أن هذا الملك الذي يتأتي من مال الظلم، يمكننا من القيام بأعمال الخير.

[47] هذا الحديث يظهر أمانة أوريجينيس الشديدة تجاه التعليم والحياة حسب هذا التعليم.

[48] انظر: مز 118: 57 (حسب السبعينية).

[49] انظر: 2كو 6: 10.

[50] انظر: أع 3: 6.

[51] انظر: تك 47: 24.

[52] لاحظ أن التأملات حول الأرقام والتي اهتم بها أتباع فلسفة فيثاغورس، كانت مهمة بالنسبة لفيلو ولكل مدرسة الإسكندرية. انظر المعاني الخاصة بالأعداد ۳۰۰، ۱۰۰، 50 و۱ في العظة (۲: 5) ولطالما حصل العدد ۱۰ على شرف خاص، فالعدد ۱۰ هو العدد الكامل.

[53] انظر: غل 5: ۲۲.

[54] انظر: لو 19: 16-17.

[55] انظر: كو 1: 15.

[56] انظر: كو 1: 18.

[57] انظر: كو 1: 15.

[58] انظر: 2كو 4: 18.

[59] انظر: كو 1: 18.

[60] انظر: يو 1: 47.

[61] انظر: مت 19: 27.

[62] انظر: مت 19: 28.

[63] انظر: تك 47: 27.

[64] انظر: تك 46: 4؛ 26: 3.

[65] انظر: تث 12: 1.

[66] انظر: في 2: 21.

[67] انظر: غل 1: 5.

العظة السادسة عشرة فاشترى يوسف كل أرض مصر لفرعون – عظات أوريجانوس على سفر التكوين

Exit mobile version