أخوة يوسف يصعدون من أرض مصر، ويعقوب يعلم أن يوسف لا يزال حياً
العظة الخامسة عشرة – عظات أوريجانوس على سفر التكوين
أخوة يوسف يصعدون من أرض مصر، ويعقوب يعلم أن يوسف لا يزال حياً
العظة الخامسة عشرة أخوة يوسف يصعدون من أرض مصر، ويعقوب يعلم أن يوسف لا يزال حياً – عظات أوريجانوس على سفر التكوين
على الآية القائلة: “فصعدوا من مصر وجاءوا إلى أرض كنعان، إلى
يعقوب أبيهم، وأخبروه قائلين: يوسف حي بعد، وهو متسلط على
كل أرض مصر[1].”
المعنى الرمزي للصعود والنزول
1 يجب علينا حين نقرأ الكتاب المقدس أن نلاحظ في كل فقرة استخدام الفعلين “صعد” و”نزل”. ومع قليل من الانتباه، سنكتشف أنه لم يقل أبدا تقريباً نزل عند الحديث عن مكان مقدس، ولا قال “صعد” عند الحديث عن الأماكن غير المستحبة. وتثبت هذه الملاحظات أن الكتاب المقدس لم يكتب بأسلوب غير حاذق وغير متقن كما يظن الكثيرون، ولكنه كتب وفقاً أسلوب يلائم التعليم الإلهي ويتطابق مع الحقائق والمعاني السرية[2] أكثر من تطابقه مع القصص التاريخية.
ستجد إذن مكتوباً أن الذين ولدوا من إبراهيم قد نزلوا إلى مصر، في حين أن بني إسرائيل قد “صعدوا” من مصر. وقد قيل عن إبراهيم نفسه: “فصعد أبرآم من مصر إلى البرية مع امرأته وكل ما كان له، ولوط معه[3]“، وبعد ذلك قيل عن إسحق وظهر له الرب وقال له: لا تنزل إلى مصر.[4]” ولكن يروى أن الإسماعيليين، الذين كانوا يحملون أطياباً ولاذناً وبلساناً وهم أيضاً من نسل إبراهيم، قد نزلوا إلى مصر[5]، وقد نزل” يوسف معهم، وفقا للكتاب، إلى مصر. ويقول الكتاب فيما بعد: “وإذ رأي يعقوب أنه يباع قمح في مصر، قال لبنيه: لماذا تقفون مكتوفي الأيدي؟ ها إني قد علمت أنه يوجد قمح في مصر. “انزلوا إلى هناك واشتروا لنا ما نأكله لنحيا ولا نموت[6]“، وبعد ذلك بقليل: “نزل إخوة يوسف إلى مصر ليشتروا قمحاً.[7]” وحين شجن شمعون في مصر ورجع إخوته التسعة إلى أبيهم بعد إطلاق سراحهم، لم يقل إنهم “صعدوا من مصر ولكن إنهم “حملوا القمح على حميرهم ومضوا من هناك[8]“، فلم يكن مناسباً القول بأنهم “صعدوا”؛ إذ إن أخاهم قد سجن في مصر وهم كانوا يعانون معه؛ إذ كانوا قلقين بالروح والقلب، موثقين، إن جاز التعبير، برباطات المحبة. ولكن حين استعادوا أخيهم وحين أعلن يوسف عن حقيقته وقدم له بنيامين، مضوا فرحين وحينئذ قال الكتاب “فصعدوا من مصر وجاءوا إلى أرض كنعان، إلى يعقوب أبيهم[9].” هذا هو الوقت الذي قالوا فيه لأبيهم: “ابنك يوسف حي، وهو الذي يحكم كل أرض مصر.[10]” نحن مجبرون أن نقول إنهم قد صعدوا من اهتمامات دنيئة وحقيرة إلى اهتمامات أخرى شريفة وسامية، وهي تعلن أن يوسف لا يزال حياً وأنه يحكم مصر كلها.
هذا هو إذا ما ورد إلى ذهننا في الوقت الحاضر حتى الآن حول أفعال “الصعود والنزول هذه، ولكن يمكن لكل من يهمهم هذا أن ينتهزوا الفرص ليجمعوا من الكتاب عدداً أكبر من الفقرات التي تؤيد هذا التفسير.
موت الخطية
۲ ولكن لنر كيف يمكننا أن نفهم هذا القول: “ابنك يوسف حي.[11]” ولا أظن أن هذا القول قد قيل بالمعنى المألوف. فإذا افترضنا مثلا أن يوسف كانت قد غلبته الشهوة الجسدية وأنه أخطأ مع امرأة سيده[12]، فلا أعتقد أن البطاركة، كانوا ليعلنوا لأبيه: “يوسف ابنك حي”، لأنه بعد جرم مثل هذا لما كان بالتأكيد حياً: “النفس التي تخطئ هي تموت.[13]” وتعلمنا سوسنة نفس الشيء حين تقول: “لقد أحاط بي الضيق من كل جهة، فإني إن فعلت هذا. أي إن أخطأت. فهو لي موت. وإن لم أفعل فلا أنجو من أيديكما.[14]” فأنت ترى إذا أنها هي أيضاً تعتبر الخطية كالموت. كما أن وصية الله للإنسان الأول كانت تحتوي أيضاً على نفس التعليم: “اليوم الذي تأكلان منها موتاً تموتان.[15]” وعندما خالف الإنسان الوصية، مات. لأن النفس التي أخطأت ماتت واتهمت الحية بخداعها إياها قائلة: “لن تموتا.[16]” هذا هو ما كان يجب قوله عن كلام أبناء إسرائيل ليعقوب: “ابنك يوسف حي.[17]“
نور الروح
وبعد ذلك يخبرنا الكتاب بأقوال شبيهة حين يقول: “فانتعشت روح يعقوب أبيهم، وقال إسرائيل: إنه لشيء عظيم لي أن يوسف ابني حي بعد.[18]” الكلمة اللاتينية انتعشت الروح (resuscitatus) هي في اليونانية تعني “اشتعلت ثانية” أكثر مما تعني “انتعشت” أو تعني “أضرمت من جديد[19]“. ونستخدم هذه الكلمة حين تضعف أي نار حتى تبدو أنها تنطفئ ثم إذا أضرمناها وعادت، نقول إنها اشتعلت ثانية. وحين يخفت ضوء المصباح ويبدو أنه سينطفئ فإذا ألهبناه بسكبنا زيتاً، فنقول أيضاً، حتى وإن لم يكن التعبير ملائماً، إن المصباح اشتعل ثانية. ويمكننا أن نستخدم تعبيرات مشابهة بالنسبة إلى المشعل أو الأنوار الأخرى التي من هذا النوع.
هذا الأسلوب في الحديث يبدو إذا أنه يشير إلى تحول مشابه في يعقوب. لأنه طالما كان بعيداً عن يوسف ولم يصله أي خبر أنه لا يزال حياً، كانت روحه تضعف بشكل ما بداخله والنور الذي كان بداخله كان يظلم بالفعل بسبب نقص الغذاء. ولكن حين جاء أناس ليخبروه بأن يوسف كان حياً – أي ليقولوا له إن “الحياة كانت نور الناس[20]” . اشتعلت ثانية روحه بداخله واستعاد النور الحقيقي بداخله كل بهائه.
۳ ويمكن للنار الإلهية أن تنطفئ أحياناً حتى عند القديسين والمؤمنين. اسمع إذا نصيحة بولس الرسول، فقد كان يقول لهؤلاء الذين يستحقون الحصول على مواهب الروح والنعمة: “لا تطفئوا الروح”[21]. كما لو كان يعقوب قد اختبر شيئاً مشابهاً لما أوصى بولس بتجنبه ثم استعاد قواه عند سماع خبر أن يوسف لا يزال حياً، ومكتوب عنه: “فاشتعلت روح يعقوب، وقال إسرائيل: إنه لشيء عظيم بالنسبة لي أن يوسف ابني حي بعد”[22].
ويجب ملاحظة أن الذي “اشتعلت روحه”، هذه الروح التي كانت تبدو شبه مطفأة، يدعى يعقوب، أما الذي قال: “إنه لشيء عظيم بالنسبة لي أن يوسف ابني حي بعد”، كما لو كان يفهم ويرى أن الحياة المذخرة في يوسف (يوسف نا) الروحي هي شيء عظيم، فهذا لا يدعى بعد يعقوب وإنما إسرائيل، أي الذي يرى بالروح الحياة الحقيقية التي هي المسيح الإله الحقيقي.
السيطرة على مصر
وقد تأثر يعقوب ليس فقط بمعرفة أن “يوسف ابنه حي” ولكن على الأخص بتلقي خبر أنه هو الذي كان متسلطاً على كل مصر[23]“، لأن حكم مصر هو شيء عظيم في نظره. فعندما تزدري بإغراءات الجسد وتهرب من الفسق وتكبح وتلجم كل شهوات الجسد، فذاك هو “التسلط على كل مصر”، وهذا هو ما يجده إسرائيل عظيماً ويثير إعجابه. أما أي من كان متسلطاً على بعض نقائص جسده واستسلم مع ذلك وخضع لنقائص أخرى، فهذا لا ينتقل قطعاً ليتسلط على كل أرض مصر ولكن ليحكم على سبيل المثال ربما مدينة واحدة أو مدينتين أو ثلاثة. أما يوسف الذي لم يتمكن أي انفعال شهواني من أن يغلبه، فكان سيدا وحاكما الكل مصر.
الكذب هو ظلام النفس
وهكذا إذاً، فإن إسرائيل الذي اشتعلت روحه ثانية. وليس يعقوب. هو الذي قال: “إنه لشيء عظيم بالنسبة لي أن يوسف ابني حي بعد. أذهب وأراه قبل أن أموت.[24]” وهناك أيضاً تفصيل لا يجب إغفاله وهو أن الكتاب يقول إن الروح -باعتبارها أفضل جزء في النفس. وليست النفس هي التي أحييت أو اشتعلت من جديد. لأنه حتى لو لم ينطفئ كلياً بريق النور الذي كان بداخله حين قدم له أبناؤه قميص يوسف الملطخ بدم الجدي، وحين انخدع بكذبتهم حتى إنه “مزق ثيابه، ووضع مسحاُ على حقويه، وناح على ابنه وأبى أن يتعزي” وقال: “إني سأنزل إلى ابني نائحاً إلى الهاوية[25]“، فحتى لو لم ينطفئ حينئذ النور تماماً بداخله، كما سبق وقلنا، فقد خفت على الأقل كثيراً، بما أنه قد خدع من أبنائه ومزق ثيابه وناح دون فائدة وطلب الموت ورغب في أن ينزل للهاوية نائحاً. لذلك هو ينعش روحه ويشعلها من جديد، حيث كان من المنطقي أن سماعه الحقيقة قد أشعل وألهب ثانية النور الذي كان قد حجبه خداع الكذب.
تفسير اسمي يعقوب وإسرائيل
4 ولكن بما أننا قد سبق وقلنا إن يعقوب هو من “اشتعلت روحه وإن إسرائيل هو من قال: “إنه لشيء عظيم بالنسبة لي أن يوسف ابني حي[26]“، فيمكنك أنت أيضاً أيها المستمع منطلقاً من الآية القائلة “وقال: لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل، لأنك غلبت وصرت مقتدراً بين الناس[27]“، يمكنك عند تصفح الكتاب المقدس كله، أن تجد هذا الفرق في التسمية. فعلى سبيل المثال، حين يقول عرفني اسمك[28]“، لا يدعى من يجهل الاسم هنا إسرائيل، ولكن يعقوب. وبالمقابل، عندما لا يأكل البطاركة العرق الذي على حق الفخذ”[29]، لا يدعون بني يعقوب ولكن بني إسرائيل. أما بالنسبة للذي “إذ رفع عينيه نظر عيسو مقبلاً ومعه أربع مئة رجل” والذي “سجد سبع مرات” أمام الزاني المستبيح[30]، أمام الرجل الذي لأكلة واحدة “باع حق بكوريته[31]“، فهذا لا يدعى إسرائيل ولكن يعقوب. وحين قدم له هدايا قائلاً “إن وجدت نعمة في عينيك فاقبل هذه الهدايا من يدي، لأني رأيت وجهك كما يرى وجه الله[32]“، لم يكن إسرائيل بل يعقوب. وعندما علم بأن دينا ابنته قد تدنست، لم يدع إسرائيل ولكن يقول الكتاب: فسكت يعقوب حتى عودة أبنائه[33]” ولكنك أنت أيضاً، كما سبق وقلت، تستطيع بقليل من الانتباه، أن تستخرج ملاحظات شبيهة.
في القراءة الحالية إذاً، فإن إسرائيل. وليس يعقوب. هو من يقول: تكفي يوسف ابني حي بعد[34]“، وحين أتى إلى بئر القسم وذبح ذبيحة الإله أبيه إسحق[35]“، لم يدع يعقوب بل إسرائيل. وإذا كنت تتساءل لماذا لم يقل الله له، متحدثاً معه في الرؤيا ليلاً: “إسرائيل إسرائيل[36]” ولكن “يعقوب يعقوب”، فإن ذلك على الأرجح بسبب أنه كان لي وأنه لم يكن بعد مستحقاً لسماع صوت الله إلا في رؤيا وليس بشكل مباشر. وعندما ذهب إلى مصر لم يقل الكتاب: إسرائيل بل: يعقوب وبنيه معه[37]“، وعندما وقف أمام فرعون ليباركه[38] دعي يعقوب وليس إسرائيل، حيث إن فرعون لم يحصل على بركة إسرائيل. لأن يعقوب وليس إسرائيل هو الذي قال لفرعون إن “أيام حياته قليلة وردية[39]“، ولم يكن ممكناً أبداً بالتأكيد أن يقول إسرائيل ذلك. بعد ذلك وعلى العكس، إسرائيل. وليس يعقوب. هو الذي قيل عنه إنه: “دعا ابنه يوسف وقال له: إن وجدت نعمة في عينيك فضع يدك تحت فخذي واصنع معي معروفا وأمانة.[40]” ولم يكن من سجد أمام رأس عصا يوسف[41] هو يعقوب بل إسرائيل. ثم حين بارك أبناء يوسف، دعي إسرائيل[42]، وحين جمع بنيه حوله قال: تعالوا معا لأنبئكم بما يصيبكم في آخر الأيام، اجتمعوا، يا بني يعقوب، واصغوا إلى إسرائيل أبيكم.[43]” وقد تتساءل لماذا دعي من اجتمعوا “بني يعقوب” في حين دعي من يباركهم إسرائيل قد يعني ذلك أن تقدمهم لم يوصلهم بعد المستوى استحقاقات إسرائيل، لذلك دعوا “بني يعقوب” باعتبارهم [في رتبة] أدنى، بينما دعي هو إسرائيل وهو الذي كان بالفعل كاملاً والذي أعطي البركات في معرفة تامة بالمستقبل. وبالتأكيد قد يبدو محيراً أن يقال إن المحنطين المصريين قد حنطوا إسرائيل[44]” وليس يعقوب. أعتقد أن الكتاب أراد أن يشير من هنا إلى عيب الذين يمقتون كل حس للخير وكل بصيرة في الفكر السماوي، والذين، من أجل هذا، يجدون أنفسهم وقد نسب لهم دفن إسرائيل، فالقديسون بالنسبة للأثمة هم أموات ومدفونون.
هذا هو إذن، على قدر ما بدرت الأشياء لذهننا الآن، ما كان يجب أن نقوله عن الفرق بين يعقوب وإسرائيل.
النزول إلى مصر والصعود من مصر
5 ويبدو من المناسب بعد ذلك اعتبار وفحص ما قاله الله الإسرائيل نفسه في الرؤيا وكيف أرسله إلى مصر مقوياً ومشجعاً إياه كما لو كان ذاهباً إلى المعارك. يقول في الواقع: “لا تخف من النزول إلى مصر[45]“، وهو ما يعني: عندما تتقابل مع “رئاسات وسلاطين وولاة عالم الظلمة هذا[46]“، الذين ترمز لهم مصر[47]، لا تخف ولا ترتعد، وإذا أردت أن تعرف لماذا لا يجب أن تخاف، فأنصت إلى وعدي “لأني أجعلك أمة عظيمة هناك، أنا أنزل معك إلى مصر، وأنا بنفسي في النهاية أرجعك من هناك.[48]” لأن الذي يصاحبه الله في المعركة، لا يخشى “أن ينزل إلى مصر، ولا يخشى مواجهة صراعات هذا العالم ولا المعارك مع الشياطين التي تقاومه. أنصت على سبيل المثال إلى بولس الرسول: “أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي[49]“، ففي أورشليم وحين قامت فتنة ضده وكان يخوض بصلابة معركة عظيمة للتبشير بكلمة الرب، وقف الرب بجانبه وقال له، في كلمات مشابهة للكلمات الموجهة الآن لإسرائيل: “لا تخف يا بولس لأنك كما شهدت لي في أورشليم، هكذا ينبغي أن تشهد لي في رومية أيضاً.[50]“
ولكنني أعتقد أن هناك سراً أعمق مختفياً في هذه الآية، لأن هذا القول يذهلني: “إني أجعل منك أمة عظيمة، أنا أنزل معك إلى مصر، وأنا بنفسي في النهاية أرجعك من هناك[51]“. فمن ذا الذي صار إذاً أمة عظيمة في مصر وعاد منها في النهاية؟ نعتقد أن الأمر يتعلق بيعقوب والذي نحن بصدده، إلا أن ذلك ليس صحيحا لأنه لم يعد في النهاية من مصر؛ إذ إنه قد مات فيها. وليس من المقبول القول بأن الله قد أعاد يعقوب لأن جسده قد أرجع. فإذا اعتقدنا ذلك، لن يكون صحيحاً أن “الله ليس إله أموات بل إله أحياء[52]” ومن ثم لا يجب أن نفهم هذه العودة باعتبارها عودة شخص ميت ولكن نقر بأنها تخص أشخاصا أحياء وفي كامل القوة. فلنتساءل إذن إن لم يكن هذا رمز نزول الرب إلى هذا العالم ونموه إلى “أمة عظيمة” أي لكنيسة الأمم، ولعودته إلى الآب عند إتمام تدبير كل شيء، أو أيضاً رمزاً لـ”الإنسان الأول[53]” الذي نزل إلى مصر وسط المعارك عندما تعرض لمعاناة وشقاء هذا العالم؛ إذ قد طرد من عذوبة الجنة، وحين جعله يتكهن بالمعركة ضد الحية من خلال هذه الكلمات: “أنت تترصد رأسها، وهي تترصد عقبك[54]” ومن خلال هذه الكلمات أيضاً التي قيلت للمرأة: “أضع عداوة بينك وبينها، وبين نسلك ونسلها.[55]” ولكن الله لا يترك الذين يكونون في هذه المعركة، فهو دائما معهم: وهو يسر بهابيل ويوبخ قايين، ويستجيب لأخنوخ[56]، ويجعل نوح يبني فلك النجاة وقت الطوفان[57]، ويخرج إبراهيم من بيت أبيه وعشيرته[58]، ويبارك إسحق[59] ويعقوب[60]، ويخرج بني إسرائيل من مصر[61]، ويكتب ناموس الحرف بواسطة موسى ويكمله في نقائصه بواسطة الأنبياء. هذا هو ما يعنيه أن يكون معهم في مصر.
أما عن الآية: “وأنا أرجعك في النهاية[62]” فأعتقد أنها تعني، كما سبق وقلنا منذ قليل، أنه في آخر الدهور[63]، نزل ابنه الوحيد “إلى الجحيم[64]” من أجل خلاص العالم وأعاد من هناك “الإنسان الأول فلا ينبغي أن نفهم أن القول الموجه للص: “اليوم تكون معي في الفردوس[65]” قد قيل له فقط بل إلى كافة القديسين الذين نزل (الابن الوحيد) من أجلهم إلى الجحيم. فإنه إذا قد تحقق فيه، أكثر مما في يعقوب، هذا القول: “وأنا أرجعك في النهاية من هناك”.
6 فكل منا يدخل أيضاً إلى مصر ووسط المعارك على هذا المنوال ومن خلال نفس الطريق، وإن كان مستحقاً أن يبقى الرب دائماً معه، فيجعل الرب منه “أمة عظيمة”. لأن عدد الفضائل وفيض العدل هما الأمة العظيمة التي قيل إن القديسين يكثرون وينمون فيها. كما يتحقق أيضاً في كل واحد فينا هذا القول: “وأنا أرجعك في النهاية من هناك.[66]” فالنهاية في الواقع تعني اكتمال الأشياء والعمل بالفضائل. لذلك كان يقول قديس آخر: “لا ترجعني في نصف أيامي[67]“، كما يشهد الكتاب أيضاً عن البطريرك العظيم إبراهيم أنه: “مات شبعان أياماً[68]“. وهكذا فإن القول: “أنا أرجعك من هناك في النهاية هو كما لو كان يقول: “بما أنك جاهدت الجهاد الحسن حفظت الإيمان، أكملت السعي[69]“، فسأرجعك من هذا العالم إلى التطويب المستقبلي وإلى كمال الحياة الأبدية وإكليل البر الذي يهبه الرب في آخر الأيام لجميع الذين يحبونه.[70]“
“ويضع يوسف يده على عينيك”
۷ لكن لنرى كيف ينبغي أن نفهم هذه الآية: ويضع يوسف يده على عينيك.[71]” أعتقد أن هناك الكثير من الأسرار ذات المعاني العميقة المختفية وراء هذه العبارة والتي يجب أن نستعرضها ونتابعها في وقت آخر. إلا أنه سيكون من المفيد الآن القول بأن بعض أسلافنا قد رأوا هنا [في هذه الآية] إشارة إلى نبوءة. لأن يربعام هذا الذي صنع عجلي ذهب[72] وأراد أن يقود الشعب إلى عبادتهم كان من سبط يوسف: إذ قد وضع هنا وبشكل ما يديه على عيني إسرائيل فأعماهما وأغلقهما لكي لا يريا فساده. لذلك قيل: “كل هذا من أجل إثم يعقوب، ومن أجل خطية بيت إسرائيل. ما هو ذنب يعقوب؟ أليس هو السامرة[73]؟”
ولكن إذا أكد أحد أنه لا يليق جعل هذه الكلمات، التي يشير فيها الله إلى المستقبل في شكل شهادة بر، تعبر عن فعل مستوجب التوبيخ، فنقول إذا إن يوسف الحقيقي، ربنا ومخلصنا، على غرار الفعل الذي قام بمقتضاه بوضع يده الجسدية على عيني الأعمى وأعاد له البصر الذي كان قد فقده، هكذا أيضاً قد مد يديه الروحيتين على أعين الناموس التي كان قد أعماها فهم الكتبة والفريسيين الجسدي وأعاد لها البصر لكي يكتشف هؤلاء الذين يكشف لهم الرب الكتب[74] الرؤية والفهم الروحي للناموس.
فليشأ الرب يسوع أن يضع يديه على أعيننا” نحن أيضاً حتى نحول أنظارنا لا “إلى الأشياء التي ترى، بل إلى التي لا ترى[75]“. فليفتح لنا أعيناً لا تتأمل في الأشياء الحاضرة ولكن في الأشياء الأتية، وليكشف لنا نظرة القلب هذه التي تمكننا أن نعاين الله في الروح، بربنا يسوع المسيح الذي له “المجد والسلطان إلى أبد الآبدين[76]” آمين.
[1] انظر: تك 45: 25-26.
[2] لاحظ تكرار هذه الفكرة في عظات أخرى (4: ۳؛ ۷: ۱؛ ۱۰: ۲؛ 3:14؛ 16: 3).
[3] انظر: تك 13: 1.
[4] انظر: تك 26: 2.
[5] انظر: تك 37: 25 وما بعده.
[6] انظر: تك 42: 1-2.
[7] انظر: تك 42: 3.
[8] انظر: تك 42: 26.
[9] انظر: تك 45: 25.
[10] انظر: تك 45: 26.
[11] انظر: تك 45: 26.
[12] انظر: تك 39: 7 وما بعده.
[13] انظر: حز 18: 4.
[14] انظر: دا 13: 22.
[15] انظر: تك 2: 17.
[16] انظر: تك 3: 4.
[17] انظر: تك 45: 26.
[18] انظر: تك 45: ۲۷ – ۲۸.
[19] هذا التفسير أضافه روفينوس وهو ضروري لفهم تعليق أوريجينيس غير أن روفينوس قد أسهب في الكلام خلال هذه الفقرة.
[20] انظر: يو 1: 4.
[21] انظر: 1تس 5: 19.
[22] انظر: تك 45: 27-38.
[23] انظر: تك 45: 26.
[24] انظر: تك 45: ۲۸.
[25] انظر: تك 37: 31-35.
[26] انظر: تك 45: 28.
[27] انظر: تك 32: 28.
[28] انظر: تك 32: 29.
[29] انظر: تك 32: 32.
[30] انظر: تك 33: 1، 3.
[31] انظر: تك 25: 33؛ عب 12: 16.
[32] انظر: تك 33: 10.
[33] انظر: تك 34: 5.
[34] انظر: تك 45: ۲۸.
[35] انظر: تك 46: ۲.
[36] انظر: تك 46: ۱.
[37] انظر: تك 46: 6.
[38] انظر: تك 47: ۷.
[39] انظر: تك 47: 9.
[40] انظر: تك 47: ۲۹.
[41] انظر: تك 47: ۳۱.
[42] انظر: تك 48: 14.
[43] انظر: تك 49: 1-2.
[44] انظر: تك 50: 3.
[45] انظر: تك 46: 3.
[46] انظر: أف 6: 12.
[47] ارجع إلى العظة 16: ۱ حول هذا المعنى المعطى لمصر.
[48] انظر: تك 46: 3-4.
[49] انظر: 1كو 15: 10.
[50] انظر: أع 23: 11.
[51] انظر: تك 46: 3-4.
[52] انظر: مت ۲۲: ۳۲.
[53] انظر: حك ۷: ۱.
[54] انظر: تك 3: 15.
[55] انظر: تك 3: 15. يوجه الله في سفر التكوين هذه الكلمات اللحية لا للإنسان: “هذا (نسل المرأة) يستهدف رأسك وأنت تستهدفي عقبه.” كذلك هو يقول للحية وليس للمرأة: “أضع عداوة…” وهنا يوفق أوريجينيس، الذي يستشهد معتمدا على ذاكرته، بين هذا الاستشهاد وبين كلامه.
[56] انظر: تك 5: ۲۲.
[57] انظر: تك 6: 14.
[58] انظر: تك 12: 1.
[59] انظر: تك 25: 11.
[60] انظر: تك ۳۲: ۲۷، ۲۹.
[61] انظر: خر 14: ۳۰.
[62] انظر: تك 46: 4.
[63] انظر: العظة ۲: ۳.
[64] انظر: أفي 4: ۹.
[65] انظر: لو ۲۳: 43.
[66] انظر: تك 46: 4.
[67] انظر: مز ۱۰۱: ۲۰ (حسب السبعينية).
[68] انظر: تك 25: 8.
[69] انظر: ۲ تي 4: ۷.
[70] انظر: ۲ تي 4: 8 ؛ يع 1: ۱۲.
[71] انظر: تك 46: 4.
[72] انظر: ۳ مل ۱۲: ۲۸ (حسب السبعينية).
[73] انظر: مي 1: 5.
[74] انظر: لو 24: 32.
[75] انظر: ۲ کو 4: ۱۸.
[76] انظر: رؤ 5: ۱۳.