العظة السادسة أبيمالك وسارة – عظات أوريجانوس على سفر التكوين
العظة السادسة أبيمالك وسارة – عظات أوريجانوس على سفر التكوين
العظة السادسة أبيمالك وسارة – عظات أوريجانوس على سفر التكوين
كيف أراد أبيمالك ملك الفلسطينيين أن يتخذ سارة زوجة له
رواية الحادثة
1 تروي قصة سفر التكوين، التي قرأت لنا تواً، بعد ظهور ثلاثة الرجال، وعقب تدمير سدوم وصون لوط. سواء بسبب حسن استضافته للملاكين أو بفضل قرابته لإبراهيم -أن “إبراهيم رحل من هناك إلى أرض الجنوب[1]“، وجاء عند ملك الفلسطينيين. ووفقاً للقصة، فقد اتفق إبراهيم مع سارة امرأته على ألا تقول إنها زوجته بل أخته[2]، حتى أخذها أبيمالك الملك ليتزوجها. ولكن الله دخل إلى أبيمالك ليلاً وقال له: “أنت لم تمس هذه المرأة، وأنا لم أسمح لك بأن تمسها[3]” إلى آخره. وبعد ذلك ردها أبيمالك إلى زوجها وعاتب في نفس الوقت إبراهيم على أنه لم يخبره بالحقيقة. ووفقا للقصة أيضاً، فقد صلى إبراهيم لأبيمالك، بصفته نبي، “فشفى الرب أبيمالك وامرأته وجواريه[4]“. وقد اهتم الله القدير بشفاء جواري أبيمالك أيضاً لأنه كما يقول الكتاب “قد صيرهن عواقر حتى لا تلدن[5]“. وبسبب صلاة إبراهيم استطعن أن يلدن.
وجوب تفسير هذا النص روحياً
إن كل من لا يريد أن يدرك ويفهم هذه الرواية إلا بحسب الحرف فمن الأفضل له أن يجتمع مع اليهود من أن يجتمع مع المسيحيين. ولكن إن أراد أن يكون مسيحاً وأن يكون تلميذاً لبولس الرسول، فليسمعه يقول إن “الناموس روحي[6]“، ويعلن أنه حين كان [الناموس] يتحدث عن إبراهيم وزوجته وبنيه، فهذه كانت “أشياء مجازية[7].” ولكن بالطبع ليس من السهل على أي منا أن يتمكن من إيجاد أي أنواع من المجاز تحتوي هذه النصوص عليها، إلا أننا يجب أن نصلي حتى يرفع البرقع عن قلبنا، نحن الذين نجتهد كي “نتوجه إلى الرب[8]” لأن “الرب هو الروح[9]“، وحتى يرفع بنفسه برقع الحرف ويطلق نور الروح، وهكذا نستطيع أن نقول “ونحن ناظرین مجد الرب بوجه مكشوف، نتغير إلى الصورة عينها المشعة أكثر فأكثر، كما من روح الرب[10]“.
سارة رمز الفضيلة
أعتقد إذا أن سارة التي يعني اسمها “متقدم أو “مبدأ مسيطر” تمثل الفضيلة الأخلاقية[11]. وقد اقترنت إذاً هذه الفضيلة وارتبطت بالرجل الحكيم الوفي، مثل الحكيم الذي قال من جانبه عن الحكمة: “التمست أن أتخذها لي عروساً[12].” لذلك قال الله الإبراهيم: “كل ما تقوله لك سارة تممه[13]“، وهذا القول لا يختص بالعلاقة الجسدية، لأن الله قد قال للمرأة هذه العبارة بخصوص زوجها: “وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك[14].” فإذا كان الكتاب المقدس قد جعل الرجل سيد المرأة، فكيف أمكنه أن يقول هذه المرة للرجل: “كل ما تقوله لك سارة تممه[15]؟ ” ذلك أنه حين نتخذ الفضيلة زوجة لنا، فيجب أن نتمم كل ما توحي به.
الفضيلة من الممكن نقلها للآخرين
لا يريد إبراهيم إذن أن تُدعى الفضيلة زوجته، فطالما دعونا الفضيلة زوجة فهي تكون شخصية ولا يمكن نقلها لأحد. وطالما كنا نسير نحو الكمال، فمن الطبيعي أن تكون الفضيلة الأخلاقية فينا وتكون ملكنا الخاص، ولكن حين نصير كاملين بما يكفي بحيث تكون قادرين على تعليم الآخرين أيضاً[16]، فيجب ألا نحتفظ بعد بالفضيلة كزوجة في أحضاننا ولكن نقدمها كأخت للزواج بآخرين يشتهونها. وهكذا ستقول الكلمة الإلهية لهؤلاء الكاملين “قل عن الحكمة أنها أختك.[17]” لهذا السبب قال إبراهيم أيضاً عن سارة إنها أخته، فإنه إذ وصل بالفعل إلى الكمال، ترك إذا الفضيلة لمن يشتهيها.
نقاء القلب هو شرط الوصول إلى الفضيلة الروحية
۲ ومع ذلك، لقد أراد فرعون هو أيضاً قديماً أن يأخذ سارة، لكنه لم يطلبها “بقلب نقي[18]“، فإن الفضيلة لا يمكن أن تعطى إلا بنقاوة قلب. لذا يخبرنا الكتاب أن “الرب ضرب فرعون بضربات مخيفة وعظيمة[19]“. ولا يمكن في الواقع أن تسكن الفضيلة مع المدمر (فرعون) لأنه هكذا يفسر اسمه في لغتنا. ولكن لنتأمل في كلام أبيمالك للرب: “أنت تعلم، يا سيد، أني بقلب نقي فعلت هذا[20]“، فأبيمالك هذا يتصرف بشكل مختلف تماماً عن فرعون، فهو ليس جاهلاً ولا فظاً، ويعلم أنه لا بد من قلب نقي[21] للاستعداد للفضيلة. لذلك فلأنه أراد أن يأخذ الفضيلة بقلب نقي، شفاه الله بصلاة إبراهيم، وليس هو فقط بل وجواريه أيضاً.
الفضيلة الطبيعية هي استعداد للفضيلة الإلهية
لكن ماذا يعني ما أضافه الكتاب ولم يدعه الرب يمسها؟” فإذا كانت سارة تمثل الفضيلة الروحية وإذا كان أبيمالك “بقلب نقي” قد أراد أن يتخذ من الفضيلة زوجة له، فلماذا يقول الكتاب إن “الرب لم يدعه يمسها؟” إن اسم أبيمالك يعني (أبي ملك). ويبدو لي إذا أن أبيمالك يمثل مجتهدي وحكماء هذا الدهر المنكبين على الفلسفة، دون أن يصلوا بعد لا بشكل كامل ولا تام إلى مثال التقوى ولكنهم يعرفون أن الله هو أب وملك كل الأشياء، أو بعبارة أخرى أنه خلق هذا الكون وأنه يديره. وعلى هذا الصعيد الأخلاقي، أي على صعيد الفلسفة الأخلاقية، يجب الاعتراف بأن هؤلاء الأشخاص قد نموا لدرجة معينة من نقاوة القلب وبأنهم بحثوا بكل قدرتهم وبكل حماستهم عن إلهام الفضيلة الإلهية، ولكن الله لم يسمح لهم أن يمسوها”، لأنه لم يكن إبراهيم. الذي بالرغم من عظمته ليس سوى خادم. بل المسيح هو المعين لإعطاء هذه النعمة للأمم. لذلك فبالرغم من تعجل إبراهيم في أن يتم فيه وبه ما قيل له “ويتبارك في نسلك جميع الأمم[22]“، فإن الوعد قد تحقق في إسحق، أي في المسيح وفقا لما يقوله الرسول: “لم يقل: وفي أنساله كأنه عن كثيرين، بل كأنه عن واحد: وفي نسلك الذي هو المسيح.[23]“
امرأة أبيمالك رمز الفلسفة
3 ومع ذلك، “شفي الله أبيمالك وامرأته وجواريه[24]” وفي رأيي أنه ليس دون سبب أن الكتاب، إذ لم يكتف بالإشارة إلى امرأة أبيمالك، قد ذكر أيضاً جواريه، ولا سيما في هذا المقطع لشفاهم الله فولدن لأنه كان قد صيرهن عواقر حتى لا يلدن[25]“. وعلى قدر ما نستطيع أن يكون لنا رأي حول مثل هذه المقاطع الصعبة، أعتقد أنه بإمكاننا أن نجعل من امرأة أبيمالك لرماح للفلسفة الطبيعية ومن جواريها [رمزاً] للنظريات الجدلية المتنوعة التي تختلف بحسب المدارس[26]“.
موت الناموس ومجيء المسيح سمح للأمم باقتناء الفضيلة
ويود إبراهيم مع ذلك أن ينقل أيضاً للأمم هبة الفضيلة الإلهية، ولكن لم يحن الوقت بعد لنعمة الله أن تنتقل من الشعب الأول إلى الأمم. لأن الرسول يقول، من وجهة نظر أخرى وبشكل آخر: “فإن المرأة مرتبطة بالناموس ما دام زوجها حياً. ولكن إن مات الزوج فهي حرة من الناموس، بحيث إنها لا تكون زانية إن صارت لزوج آخر[27].” فيجب إذن أن يموت حرف الناموس أولاً حتى تتزوج النفس بالروح؛ إذ قد صارت حرة إذاً، وتفوز بزواج العهد الجديد. ولكن الزمن الذي نعيش فيه هو زمن دعوة الأمم وموت الناموس، حتى تستطيع النفوس الحرة التي حررت من ناموس الزوج أن تتحد بعريس جديد، وهو المسيح. وإذا أردت أن أظهر لك كيف أن الناموس قد مات، فتأمل وانظر: أين هي الذبائح الآن؟ أين هو المذبح وأين الهيكل؟ أين التطهيرات؟ أين إجلال الفصح؟ ألم يمت الناموس إذاً في كل هذه الأشياء[28]؟ أو فليحتفظ إذاً أصدقاء ومؤيدي الحرف، إن استطاعوا، بحرف الناموس[29].
ووفقاً لأسلوبنا المجازي إذاً، فإن فرعون، أي الإنسان النجس المهلك، لم يكن يستطيع على الإطلاق أن يتخذ سارة، أي الفضيلة، زوجة له. أما أبيمالك، أي الإنسان ذي الحياة النقية والفلسفية، فكان بإمكانه أن يفعل ذلك لأنه سعى في طلبها “بقلب نقي[30]” ولكن “الوقت لم يكن قد أتى بعد[31]“، لذلك تبقى الفضيلة عند إبراهيم، وتبقى في الختان، إلى أن يأتي الوقت الذي تنتقل فيه الفضيلة الكلية والكاملة إلى كنيسة الأمم في المسيح يسوع ربنا الذي فيه يسكن جسدياً كل ملء اللاهوت.[32]“
ولادة أبناء الكنيسة
والآن يلد بيت أبيمالك وجواريه؛ إذ قد شفاهم الرب، أبناء للكنيسة. فهذا في الواقع هو الوقت الذي فيه “العاقر تلد” ويكون فيه “أولاد المهجورة أكثر من التي لها زوج[33]“، لأن الرب قد فتح رحم العاقر وقد أصبحت ولوداً لدرجة أن تلد “أمة دفعة واحدة[34].” ولكن القديسين أيضاً ينادون ويقولون: “يا رب، في مخافتك حبلنا وولدنا ووضعنا روح خلاصك على الأرض[35]“، وهذا هو ما جعل بولس الرسول بطريقة شبيهة يقول: “يا أولادي الذين ألدهم من جديد إلى أن يتصور المسيح فيكم[36]“. هؤلاء إذا هم البنون الذين تلدهم، هؤلاء هم الأبناء الذين تلدهم كل كنيسة الله، لأن “من يزرع في الجسد فمن الجسد يحصد الفساد[37]“، لكن هؤلاء هم بنو الروح، من يقول عنهم بولس الرسول: “المرأة ستخلص بالولادة، شرط أن يثبت أولادها في الإيمان والعفة[38].”
فلتفهم إذاً كنيسة الله هكذا قصص النسل والولادة. ولتبين هكذا أفعال البطاركة بتفسيرات لائقة وجديرة بالاحترام. ولا تفسد أقوال الروح القدس بخرافات حمقاء ويهودية[39]، ولكن تنسب لها معنى شريفاً تماماً، أخلاقياً تماماً ونافعاً! وإلا، فأي بناء لنا من أن نقرأ أن إبراهيم، هذا البطريرك العظيم، لم يكذب فقط على أبيمالك الملك ولكن أيضا سلمه حرمة زوجته؟ هل يوجد تنويراً في الاعتقاد بأن زوجة بطريرك بهذه العظمة، كادت تتدنس بموافقة زوجها؟ ليعتقد اليهود ذلك ومعهم محبي الحرف[40] وليس الروح. أما نحن فلنقرن الروحيات بالروحيات[41]“، ولنصر روحيين في كل من أعمالنا وفكرنا في المسيح يسوع ربنا “الذي له المجد والقوة إلى أبد الآبدين. آمين.[42]“
[1] انظر: تك 20: 1.
[2] انظر: تك ۲۰: ۲ وما بعده.
[3] انظر: تك 20: 6، 9.
[4] انظر: تك 20: 17.
[5] انظر: تك 20: 18.
[6] انظر رو 7: 14.
[7] انظر: غل 4: 24.
[8] انظر: 2كو 3: 16.
[9] انظر: 2كو 3: 17.
[10] انظر: 2كو 3: 18.
[11] لقد كان هذا هو التفسير الشائع، فنجد فيلو يقول في (PHILON , De . Abraham, 99): “لقد سمعت أن الرجل هو رمزيا الروح المثابرة على عملها… وأن المرأة كانت الفضيلة – إذ إن اسمها بالكلدانية سارة وباليونانية “ملكة” – بما أنه لا يوجد شيء اسمي أو مختص بالقيادة أكثر من الفضيلة.” كما نجد ديديموس يعتبر المرأة رمزا للوصية.
[12] انظر: حك 8: 2.
[13] انظر: تك 21: 12.
[14] انظر: تك 3: 16.
[15] انظر: تك ۲۱: ۱۲.
[16] انظر: ۲ تي ۲: ۲.
[17] انظر: أم ۷: 4.
[18] انظر: تك 20: 5.
[19] انظر: تك 12: 17.
[20] انظر: تك 20: 4-5.
[21] انظر: تك 20: 5.
[22] انظر: تك 22: 18.
[23] انظر: غل 3: 16.
[24] انظر: تك 20: 17.
[25] انظر: تك 20: 17-18.
[26] حول دور الفلسفة الطبيعية بالنسبة لناموس الله، انظر العظة 14: 3.
[27] انظر رو 7: 2-3.
[28] انظر عظات أوريجينيس على يشوع ۲: ۱ “إذا رأيت أورشليم خربة، والمذبح خال، ولم تر في أي مكان لا ذبائح ولا تقدمات ولا الكهنة ولا رؤساء كهنة ولا طقوس اللاويين: حين ترى توقف كل ذلك، قل: أن موسى خادم الرب قد مات.”
[29] هؤلاء المدافعين عن الحرف سيتم توبيخهم بنفس الكلمات في نهاية هذه العظة وفي العظة ۱۳: ۳. ويشعر القارئ أنهم دائما حاضرون في فكر أوريجينيس وهو يوجه كلامه إليهم حتى لو لم يقل ذلك صراحة. وكان أوريجينيس حريصا على فصل المسيحية، الدين الروحي، عن التفسير الحرفي للكتاب المقدس الذي يعد بالنسبة له رجوعا لدين ميت.
[30] انظر: تك 20: 5.
[31] انظر: يو 7: 6.
[32] انظر: كو 2: 9.
[33] انظر: غل 4: ۲۷؛ إش 54: ۱.
[34] انظر: إش 66: ۸.
[35] انظر: إش 26: 18.
[36] انظر: غل 4: ۱۹.
[37] انظر: غل 6: ۸.
[38] انظر: ۱ تي ۲: 15.
[39] انظر: 1 تي 4: ۷؛ تي 1: 14.
[40] انظر: ۲ کو 3: 6.
[41] انظر: ۱ کو ۲: ۱۳.
[42] انظر: ۱ بط 4: ۱۱.