أصدر العالم جاكوب هارلود جرينلى، مُراجعته الحديثة لكتابه السابق:”نُساخ، لفائف، و الكتب المقدسة”، تحت عنوان:”نص العهد الجديد: من المخطوطة للإصدار الحديث”. يأتى هذا الكتاب، كمُقدمة مُبسطة للمؤمن المسيحى الذى يحيا حياة الإيمان، غير مُكترث بفلسفات اللاهوت المسيحى و تعقيد علومه. يتعرض جرينلى فى هذا الكتاب الى نفس التسلسل الثابت، فى كتابة المداخل و المقدمات للنقد النصى. غير أن اهم ما فى الكتاب، هو تعرضه للتداخل العميق بين قضية نقد النص، و الزعم بتحريف نص العهد الجديد لأجل اسباب لاهوتية و ايدويولوجيات هادفة لتغيير اللاهوت المسيحى الذى أتى به المسيح و تلاميذه، كتبة الأسفار المقدسة. كنت قد تناولت هذا الموضوع قريباً، فى الجزء الثانى من سلسلتنا “التحريف و العصمة فى ضوء النقد النصى”، و هو ما أقوم بإكماله حالياً فى الجزء الثالث و يصدر قريباً بنعمة الرب، و لكن آثرت ترجمة ما كتب جرينلى فى مقال مُنفصل، نظراً لأهميته الشديدة، و لأنه يتعامل مع مُصطلح “التحريف” و ليس “الفساد” صراحةً.
الإختلاف بين مفهومى “الفساد” Corruption و “التحريف” Distortoin حول نص العهد الجديد، هو إختلاف كبير جداً. حينما يذكر أحد العلماء ان نص العهد الجديد فاسد؛ فهو لا يعنى ان النص مُحرف، و إنما يعنى ببساطة، ان النص لم يصلنا فى كل مخطوطة لدينا، كما هو مكتوب فى الأصول. وجود الإختلافات بين هذه المخطوطات، لأى سبب من الأسباب، هو ذاته الفساد…لكنه ليس التحريف. التحريف هو التغيير لأسباب جوهرية و رئيسية، لأسباب إيمانية، و هو عين ما قال به القرآن، حيث يرتبط دائماً ذكر لفظ “التحريف” بالحديث عن الإيمان و الكفر من ناحية، و عن إعقال هذا الإيمان من ناحية أخرى[1]. هذا التحريف Distortion، أى تشويه النص، تغيير ما يحمله من عقائد و إيمانيات، هو ما يتعرض له جرينلى فى هذا الجزء من كتابه. حينما يرتبط مفهوم “الفساد” بالصفة العمدية؛ فإن المقصود دائماً لا يعنى مُجرد فساد، و إنما الفساد الهادف، الذى تم لأسباب مُعينة، لأسباب مُحددة، و ليس بشكل عشوائى!
تمت الترجمة عن:
و إليك نصه..
يجب ان نُسلِّم، كما قلنا، أن قيام بعض النُساخ بتغييرات مُتعمدة فى المخطوطات التى كانوا ينسخونها، قد يُولد خوف فى عقول بعض الناس، من ان هؤلاء النُساخ ربما يكونوا زوروا او أخفقوا نص العهد الجديد فى بعض النصوص بحرية. إننا لا نحتاج لأمثال هذه التخوفات. النُساخ الذين نسخوا مخطوطات العهد الجديد، خاصةً فى الفترة المُبكرة حينما تطورت غالبية القراءات، كانوا يفعلون هكذا، لأنهم ارادوا ان تكون الرسالة متوفرة لقراء أكثر، ليس لتغييرها. فى قرون متأخرة، كان النُساخ غالباً من الرهبان الذين كانوا ينسخون المخطوطات، كزء من مهامهم الدينية، و غالباً دون فهم لليونانية التى كانوا ينسخونها. هؤلاء النُساخ المتأخرين كانوا فى موقف يُصِعب عليهم إدخال هرطقات دقيقة فى مخطوطاتهم. انا شخصياً إختبرت نحو سبعة او ثمانية آلاف قراءة بمقدار جيد من الإهتمام، و سوف أكون مضغوط بقسوة لوضع حتى قائمة مُختصرة من قراءات تدل على ان ناسخ كان يحاول إضعاف او تزوير الرسالة.
لقد كان هناك بالفعل رجال فى الكنيسة الأولى، فعلاً، حاولوا تحريف نص العهد الجديد. واحد من هؤلاء هو مُعلم القرن الثانى، ماركيون، و الذى رفض العهد القديم بأكمله و قام بتغييرات عديدة فى الرسائل لتتماشى مع آراؤه الخاصة. و مع ذلك، ماركيون و آخرين مثله لم يكونوا نُساخ، بل كانوا مُعلمين. لم يُحسنِوا آرائهم بنسخ المخطوطات بشكل غير صحيح، رغم انهم من المُمكن ان يكونوا قد قاموا بتغييرات فى نُسخهم الخاصة من العهد الجديد. بدلاً من ذلك، فقد إعتمدوا على التعليم و تعميم عقائدهم. على الجانب الآخر، النُساخ لم يكونوا مشغولين بدراسة النص، بل ببساطة، بنسخه.
فى السنوات الحديثة، أصبح من الشائع، بتزايد، لبعض العلماء المبالغة فى المدى الذى إليه غير نُساخ مخطوطات العهد الجديد القُدامى، النص الكتابى بتعمد، ليتوافق مع تحيزاتهم اللاهوتية الخاصة. بعض هؤلاء العلماء يُدللوا ان هذه الإفسادات المُتعمدة او اللاهوتية، قد حرّفت على نحو هام، رسالة المؤلفين الكتابيين الأصليين. أمثال هؤلاء النُقاد يُدعمون إحتجاجهم بذكر العدد العام للإختلافات بين جميع مخطوطات العهد الجديد المعروفة. التقديرات تصل علياً، الى حد ربعمائة ألف قراءة، و هو العدد الأكبر من عدد كلمات العهد الجديد كامل.
بينما انه من المُمكن الإحتجاج على انه فى مواضع نادرة تمت تعديلات مُتعمدة فى مخطوطات العهد الجديد، فإن هناك اسباب عديدة للإستنتاج بأن هذه الإدعاءات بفساد نصى هادف، قد إنتفخت بشكل فادح. أكثر من ذلك، بسبب العدد الضخم لمخطوطات العهد الجديد الموجودة اليوم، العلماء النصيين مقتنعين شبه عالمياً، ان هذه التغييرات المُتعمدة، لأى مدى قد حدثت، فإنها لم تُحرِف بجدية رسالة المؤلفين الأصليين، ولا قد أعاقت قدرتنا لإكتشاف القراءات الأصلية فى الغالبية العظمى من الحالات.
منذ الأيام الأولى لدراسة نص العهد الجديد، العلماء الذين يأتون فى الصدارة فى هذا المجال، قد إستنتجوا أنه بعكس العدد الضخم للقراءات الثانوية بين مخطوطات العهد الجديد، ولا واحدة من بينهم تستدعى الشك فى اى عقيدة من الإيمان المسيحى. لقد وصل الناقد النصى، ابن القرن الثامن عشر، ج. أ. بينجل، بعد سنين من الدراسة المُكثفة لنصوص العهد الجديد فى عصره، الى الإستنتاج الصلب؛ ان الإختلافات بين المخطوطات لا تُهدد اى بند من العقيدة الإنجيلية.
نُقاد النص أبناء القرن التاسع عشر، ويستكوت و هورت، و اللذين يُعتبر إصدارهما النقدى للعهد الجديد واحد من الإنجازات الرهيبة فى تاريخ النقد النصى للعهد الجديد، إستنتجا ان نص العهد الجديد بلا منافس على الإطلاق بين الكتابات القديمة:”فى تنوع و كمال الدليل الذى يرتكز عليه”. بعكس الرقم الضخم لنصوص العهد الجديد فى عصرهما، ويستكوت و هورت كانا مقتنعين أن المخطوطات المُختلفة تشترك فى:”نص واحد و مُتطابق، اساسياً”. حتى أينما تختلف النصوص، فإنهما آمنا أن الغالبية العُظمى من هذه التعارضات يُمكن حلها عن طريق التطبيق الدقيق لقواعد النص النصى الراسخة جيداً. البقية الصغيرة من الإختلافات التى تبقى موضع شك، تتكون فى الغالبية من إختلافات ثانوية فى الإستهجاء، ترتيب الكلمات، او إضافة او حذف اداة التعريف. حجم هذه الإختلافات الثانوية، فى تقدير ويستكوت وهورت، ليس أكثر من:”واحد على الألف من العهد الجديد كاملاً”.
رغم ان دراسات حديثة قد ركزت على العدد الضخم للقراءات و الخاصية التعمدية لقلة من أفظع القراءات، فإن البحث الحالى لم يُنتج اى دليل جديد، يتطلب إعادة تقييم جاد لإستنتاجات الأجيال الأولى من النُقاد النصيين، الذين كانوا مُقتنعين ان مخطوطات العهد الجديد الأصلية، لم تدخل فى عملية تبديل جاد او تحريف خلال عملية النسخ. إختبار قلة من أهم القراءات المُختلفة الهامة المُشار لها من قِبل النُقاد الحاليين لتدعيم مزاعم الفساد الشامل و المُتعمد، سوف تكفى لإثبات ضعف هذه المزاعم.
ثلاثة من أكثر قراءات العهد الجديد إنتشاراً، تدور حول نصوص قد شك العلماء الكتابيين طويلاً فى أصالتهم. الأولى منهم هى الأعداد الإثنى عشر الأخيرة من إنجيل مرقس (مر 16 : 9 – 20). رغم ان أصالة هذه “الخاتمة الأطول” لإنجيل مرقس قد تم الشك بها طويلاً، فإن اغلب الترجمات الإنجليزية المُعاصرة تحتفظ بالمقطع فى شكل عادةً يُصاحبه إشارة الى ان هذه الأعداد مفقودة من بعض المخطوطات القديمة الهامة. (هناك مُناقشة مُفصلة للإحتجاجات مع و ضد أصالة هذا المقطع فى الفصل الثامن).
رغم ان هناك طُرق أفضل، لبيان حذف او إضافة هذه الأعداد من المخطوطات الأقدم، من الإحتجاج لتزويرهم المُتعمد او القمع تحت أسباب لاهوتية؛ فبهم مادة مُختلف عليها تُولد أسئلة حول الأسباب التى تقف خلف إضافتهم او حذفهم من النص. بجانب كم بسيط من المعلومات التاريخية و التى توازى ما يُوجد فى الأناجيل الأخرى تقريباً، فإن هذه الأعداد تحتوى على نبوة يسوع ان هناك “علامات” سوف تُرافق أولئك الذين يؤمنون به. من بينهم، إخراج الشياطين، التكلم بألسنة جديدة، مُعاملة الثعابين المُميتة، و تناول السم بلا أذى، و الشفاء (مر 16 : 17 – 18).
بالتأكيد، الفرد يجب ان يقرأ العهد الجديد بتوسع أكثر، و خاصةً كتاب الأعمال، ليُدرك ان هناك علامات إعجازية كثيرة قد عُزِيت الى الرسل الأوائل، من ضمنها الشفاء (أع 3 : 1 – 8 ، 5 : 12 – 16 ، 9 : 32 – 41 ، 14 : 9 – 20)، و التكلم بألسنة جديدة (2 : 1 – 4 ، 10 : 46 ، 19 : 6)، بل و حتى حالة مناعة ضد سم الثعبان (28 : 3 – 5). بشكل مُشابه، بولس خاطب عدد من الظواهر الغير طبيعية كانت تحدث بين جماعة المؤمنين فى القرن الأول فى كورنثوس (1 كو 12 : 9 – 11). حقيقة ان حدوث علامات غير طبيعية مُسجلة فى مقاطع غير مشكوك بها فى السياق الأشمل للعهد الجديد، تجعل ضرورة مُحاولة تغيير جزء من أحد الأناجيل (سواء لإضافة او حذف أسانيد لهذه العلامات) غير مُرجحة بقوة.
قراءة ثانية هامة تُستخدم لتدعيم طرح التحريف المُتعمد لنص العهد الجديد، تتعلق بقصة المرأة التى أُحضِرت ليسوع بعد ان اُمسكت بفعل الزنا ( يو 7 : 53 – 8 : 11). هذا مقطع آخر قد تشكك به علماء العهد الجديد طويلاً (مرة أخرى، الدليل لأصالتها سوف تتم مُناقشته بتفاصيل أكبر فى الفصل الثامن). العنصر الإختلافى هنا يبدو انه ان يسوع يتعامل مع خاطئة سيئة السمعة بإسلوب عاطفى و غير آمر، قد يُشجع على موقف ليِّن مع الإنحلال الجنسى. أنه من المُؤكد حقيقة ان هذا المقطع يُولد أسئلة أخلاقية هامة، و انها تحتوى على معانى مُتضمنة من المُمكن الإختلاف عليها. لكن مع ذلك، هذه الحادثة المُفردة، لا تؤثر على اى عقيدة رئيسية من التعليم المسيحى، سواء بإضافتها او حذفها. فى الحقيقة، فإن هناك نصوص غير مشكوك بها فى العهد الجديد، حيث يتعامل يسوع مع خطاة سيئى السمعة بطرق عاطفية، مثلما سمح لإمرأة سمعتها سيئة ان تدهن رجليه و تغسلها (لو 7 : 36 – 50).
مقطع ثالث قد أُستُخدِم لتدعيم الإنطباع بالتحريف المُتعمد لنص العهد الجديد، نجده فى 1 يو 5 : 7 – 8، المُسمى:”الفاصلة اليوحناوية”. نُسخة الملك جيمس، مُتبعة قلة متأخرة من مخطوطات الفلجاتا اللاتينية، تقرأ:”فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ. وَالَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي الأَرْضِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الرُّوحُ، وَالْمَاءُ، وَالدَّمُ. وَالثَّلاَثَةُ هُمْ فِي الْوَاحِدِ”.
الكلمات اليونانية التى تقف وراء الكلمات المائلة بالأعلى، غير موجودة فى أقدم مخطوطات العهد الجديد، و لهذا قد حُذفوا فى إصداراتنا الحديثة النقدية للعهد الجديد اليونانى، و فى كل الترجمات العصرية الأولى. (المناظرة التاريخية التى أحاطت بهذا النص قد تم مُناقشتها فى الفصل الخامس). بدلاً من القراءة الأطول، النُسخة الدولية الحديثة تقرأ:”لأن هناك ثلاثة يشهدون: الروح، الماء، و الدم، و الثلاثة مُتفقين”[2]. للوهلة الأولى، فإنه من الممكن ان يبدو، أنه اذا كان هناك قراءة نصية تُشكك فى عقيدة مركزية للاهوت المسيحى، فهذه هى. إذا كانت أصلية، فالقراءة الأطول كانت ستُقدم عينة قوية من الدعم الكتابى لعقيدة الثالوث. من الممكن تصور ان شخص ما مُعارض لعقيدة الثالوث يُمكن ان يكون قد حذف تلك الكلمات من النص. بنفس الشكل، من المُمكن الإحتجاج بأن المُناقشة الخاصة بالثلاثة الذين يشهدون فى القراءة الأقصر، قد آثارت ناسخ مُفرط مؤمن بالثالوث ليضيف هذه الكلمات الموجودة فى القراءة الأطول. سهولة تخيل تعديل النص فى هذا المقطع بتعمد، يجب ان يتوازن بإدراك ان عقيدة الثالوث لا ترتكز على سند الشهود السماويين فى يو 1 5 : 7 – 8. ولا حتى غياب هذه الأعداد يضع عقيدة الثالوث فى خطر، حيث ان المؤمنين بعقيدة الثالوث، آمنوا ان التعليم يرتكز بوضوح على عدد من المقاطع الكتابية الأخرى و خطوط أخرى من البرهان. فعلياً، إدعاء ان القراءة الأطول تُمثل إدخال مادة غير أصلية للنص، يجب ان يأخذ فى الإعتبار، ان الناسخ الذى أدخل اولاً هذه الكلمات عن اولئك الثلاثة الذين يشهدون فى السماء، بلا شك، قام بهذا لأنه كان بالفعل مُقتنعاً بوحدة الثلاث أشخاص الإلهيين على أسس أخرى.
فعلياً، فإن العهد الجديد يحتوى على عدد من المقاطع حيث يُذكر الثلاث شخصيات الإلهية فى الثالوث، معاً بأسانيد إلهية. إعتبر الأمثلة التالية من سياقات العهد الجديد، حيث يُذكر الثلاث شخصيات فى تقارب حميم:
فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَبِمَحَبَّةِ الرُّوحِ أَنْ تُجَاهِدُوا مَعِي فِي الصَّلَوَاتِ مِنْ أَجْلِي إِلَى اللهِ (رو 15 : 30).
نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ اللهِ، وَشَرِكَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ (2 كو 13 : 14).
بِمُقْتَضَى عِلْمِ اللهِ الآبِ السَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ الرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ (1 بط 1 : 2).
وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ الأَقْدَسِ، مُصَلِّينَ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ اللهِ، مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ (يه 20 – 21).
على وجه الخصوص، وحدة الثلاث أشخاص الإلهيين يُمكن دعمها بمقاطع اخرى من العهد الجديد، مثل التالى:
أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ (يو 10 : 30).
وَأَمَّا الرَّبُّ فَهُوَ الرُّوحُ، وَحَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ (2 كو 3 : 17).
لَكِنْ لَنَا إِلَهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ بِهِ (1 كو 8 : 6).
أخيراً، عبارة يسوع فى يو 15 : 26 تشهد لما تشهد به القراءة الأطول فى يوحنا الأولى، لدرجة انها من الممكن ان تكون هى أساس تقليد الفلجاتا المشكوك به حول الثلاث شهود السماويين:”وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي”.
مقاطع أخرى يُمك إيرادها لتدعيم الرأى بأن عقيدة الثالوث ترتكز على تقليد من العهد الجديد، شامل و غير مشكوك به. هذه الأمثلة سوف تشرح أن عقيدة مسيحية كهذه، لا تثبت ولا تنهار مُعتمدة على نص واحد مشكوك به. بينما المُحرك اللاهوتى الواضح لإدخال الفاصلة اليوحناوية لا يُمكن تحديده، فإن اللاهوتيين المُقتنعين بعدم أصالة النص، قد دعموا عقيدة الثالوث من مقاطع أخرى غير قابلة للتشكيك فى أصالتها. أكثر من ذلك، اولئك الذين يلقون التُهم بتلاعب لاهوتى مُتعمد بنص العهد الجديد، يتحملون عبء شرح لماذا لا يُوجد أمثلة اخرى هامة من التلاعبات، سواء لتدعيم او إضعاف اللاهوتى الثالوثى عن طريق تعديل نص العهد الجديد بشكل شامل؟!
أى إستنتاج يُمكننا ان نصل له كنتيجة لإختبارنا المُختصر لاولئك المقاطع الثلاثة، الذين يحتوون على قراءات دائماً ما يُشار لها كأمثلة للإفساد المُتعمد لنص العهد الجديد؟ هذه القراءات تُوفر دليل هزيل على التلاعب اللاهوتى الهادف بنص العهد الجديد. على العكس، هذه الأمثلة تشرح إنعدام تأثير أى من هذه المُحاولات لإعادة تشكيل او إعادة توجيه القناعات اللاهوتية للكنيسة، عن طريق التعديلات النصية. بما أن الصياغات العقيدية التى تبنتها الكنيسة عبر تاريخها، لم ترتكز على نص وحيد هنا او هناك، و إنما على خطوط عديدة من البرهان الكتابى، فإن التعديلات المُتعمدة او الغير مُتعمدة، لنص او إثنين، لم تُسبب تهديد هام للصياغات العقيدية الرئيسية للكنيسة. فعلياً، حقيقة ان مثل هذه المحاولات كانت نادرة جداً، تُدعم الرأى بأن تلك المحاولات الهادفة بقرص نص العهد الجديد عمدياً، لم تلعب اى دور هام فى تاريخ النص.
________________
[1] مثل سورة: البقرة 75، النساء 46، المائدة 13 و 41
[2] ترجمة شخصية للنص فى النُسخة الدولية الحديثة.