العظة الثانية فلك نوح – عظات أوريجانوس على سفر التكوين
العظة الثانية فلك نوح – عظات أوريجانوس على سفر التكوين
فلك نوح
= العظة الأولى – عظات أوريجانوس على سفر التكوين
= العظة الثالثة ختان إبراهيم – عظات أوريجانوس على سفر التكوين
التفسير الحرفي
1 في بدء الحديث عن الفلك الذي بناه نوح بأمر الله، لنر أولاً ما قيل عنه حرفياً ولنعرض المسائل التي اعتاد الكثيرون طرحها كأمور معارضة، ولنبحث لها عن حل بناء على ما نقله لنا القدماء فبهذه الطريقة، وعقب وضع تلك الأسس، نستطيع أن نرتفع من نص التاريخ[1] إلى المعنى المستيكي الرمزي للفهم الروحي، وإذا كان هناك أي سر، ندركه بفضل الرب الذي يكشف لنا علم كلمته.
وها هي إذاً الآية نفسها: “وقال الرب لنوح: نهاية كل بشر قد أتت أمامي، لأن الأرض مملوءة ظلماً بسببهم. فسأهلكهم مع الأرض. اصنع لنفسك إذاً فلكاً من خشب مربع، تهيئ كوى وكوى[2] في الفلك، وتطليه بالقار من داخل ومن خارج.
هكذا تصنع الفلك: تصنع الفلك حاسباً ثلاث مئة ذراع لطول الفلك، وخمسين ذراعا لعرضه، وثلاثين ذراعا لارتفاعه. والقمة تكملها في ذراع واحد. وتضع باب الفلك في الجانب. وتجعل الجزء السفلي طابقين والجزء العلوي ثلاثة طوابق” وبعد ذلك ببضع كلمات، يقول الكتاب: “وفعل نوح حسب كل ما أمره به الله الرب، هكذا فعل.[3]“
هيئة الفلك[4]
نحن نتساءل بداية، كيف يجب النظر في هيئة الفلك نفسه وشكله، فبقدر ما يبرز من الوصف أتصور الفلك رباعي الزوايا، يرتفع وهو يضيق تدريجيا من الأسفل إلى القمة حتى يصل من الصغر هنا إلى قياس ذراع واحد. وقيل إنه جعل القاعدة ثلاث مئة ذراع طولاً، وخمسين ذراعاً عرضاً، بينما أقامه بارتفاع ثلاثين ذراعاً ولكن يصغر [الفلك] إلى قمة ضيقة جداً بحيث لم يبلغ طوله وعرضه سوى ذراع واحد.
المساكن الداخلية[5]
وبالنسبة للداخل، يتكون ما يسمى بالجزء السفلي من طابقين أي إنه يضم ارتفاعاً مزدوجاً من المساكن، ولكن يتكون الجزء العلوي من “ثلاثة طوابق فيمكننا القول بأنه قد بني في الفلك ارتفاع ثلاثي من غرف عليا. ويبدو أن هذا الفصل بين المساكن قد تم حتى يمكن توزيع أنواع الحيوانات المختلفة في كل مسكن بسهولة أكبر والاحتفاظ بالحيوانات الوديعة والضعيفة منها بمنأى عن الوحوش الشرسة. وتسمى إذا هذه المساكن المنفصلة “بالكوى”.
مواد البناء
قيل إن (الأخشاب المستخدمة) كانت أخشاباً مربعة وذلك حتى تتلائم مع بعضها البعض بسهولة أكبر ولمنع أي تسرب للمياه أثناء اجتياح الطوفان، في حين تم سد الفجوات من الداخل ومن الخارج بالقار.
الطوابق
يخبرنا التقليد[6]، وهو أمر محتمل الحدوث، أن أسفل الفلك المبني على الارتفاع المزدوج، كما قلنا قبلاً، قد سمي من جانبه ذو طابقين، بينما الجزء الأعلى قيل إنه ذو ثلاثة طوابق، وقد صنع الأسفل مزدوجاً من أجل السبب الآتي: فجميع الحيوانات أمضت في الفلك عاماً كاملاً، وكان بالتأكيد من الضروري توفير المؤن لهم طوال العام، ولكن أيضاً [يجب] إنشاء أماكن لتلقي نتاج الهضم بحيث لا تتضايق الحيوانات ذاتها، وكذلك على الأخص الأفراد، من رائحة الزبل غير المحتملة.
فيخبرنا إذن أن الجزء الأدنى في القعر كان محفوظا للضروريات التي من هذا النوع، وأن الجزء الذي كان يوجد فوقه مباشرة كان مخصصاً لحفظ الغذاء. لأنه بالنسبة إلى الحيوانات التي تتغذى عادة على اللحوم، كان يبدو من الضروري إدخال عدد أكبر جداً من الحيوانات التي تستخدم لحومها كغذاء، وتسمح للحيوانات الأخرى بالبقاء من أجل الحفاظ على السلالة. كما كان ينبغي من أجل الحيوانات الأخرى الاحتفاظ بنوع الأغذية الذي يتطلبها نظامها الطبيعي.
إذاً فكما يخبرنا فقد كانت الأجزاء السفلية المسماة “بـ ذات الطابقين” مخصصة لهذا الغرض، أما الأجزاء العليا فقد كانت مخصصة لإقامة الحيوانات: هناك في الأسفل كانت تأوي الحيوانات المتوحشة والمفترسة والثعابين، وفوقها مباشرة كانت هناك حظائر الحيوانات الأكثر هدوءً، وأخيراً فوق الجميع في القمة وضع مسكن البشر، كما هو طبيعي بالنسبة لهم، وهم الذين بالكرامة وبالعقل يتفوقون على الكل. وهكذا، فالإنسان الذي يتسلط على جميع الكائنات التي على الأرض، كما نعرف، بعقله وبحكمته، قد أقيم موضعياً في مكان أسمى فوق كل كائنات الفلك الحية.
الباب
ويخبرنا التقليد أيضاً أن الباب الذي صُنع، كما يقول الكتاب، في الجانب كان يوجد في مكان ما بحيث كانت تحته الأجزاء السفلية التي يطلق عليها “ذات الطابقين”، وبحيث سميت الأجزاء العليا ذوات الطوابق الثلاثة بأنها “عليا” بالنسبة إلى موضع الباب. وإذ دخلت كل الحيوانات من هنا، تم توزيعها بعد ذلك في أماكنها الخاصة، كما قلنا أعلاه، مع الأخذ في الاعتبار الفصل المطلوب.
ولكن لم تكن الطرق البشرية هي التي تضمن حماية الباب. إذ كيف، عندما أغلق الباب ولم يكن أحد خارج الفلك، تمكن من طلائه بالقار من الخارج؟ كان ينبغي بالتأكيد أن تعمل القدرة الإلهية حتى لا تتغلغل المياه من ممر لم تحمه يد الإنسان.
لذا، بعدما قال الكتاب بالنسبة إلى كل الباقي أن نوح هو الذي صنع الفلك وأدخل فيه الحيوانات، وكذلك أبناءه مع زوجاتهم، لم يقل، عندما يتعلق الأمر بالباب أن نوحاً قد أغلق باب الفلك، ولكنه قال: “الرب الإله من الخارج أغلق باب الفلك” وهكذا “حدث الطوفان[7]” ولنلاحظ مع ذلك أن بعد الطوفان حين أرسل نوح “الغراب ليرى إن كانت المياه قد انحسرت من على وجه الأرض[8]“، لم يقل الكتاب إن نوحاً فتح الباب ولكنه فقط فتح “الطاقة”.
المؤن
أدخل نوح إلى الفلك غذاء لكافة الحيوانات التي دخلت معه، ولنسمع الكلام الذي قاله الرب لنوح: “وأنت خذ من كافة الأغذية التي تؤكل واذخرها بالقرب منك لتستخدم كغذاء لك وكذلك لهم.[9]” وفعل نوح ما أمره به الرب. اسمع نص الكتاب: “وفعل نوح كل ما أمره به الرب الإله، هكذا فعل.[10]“
أماكن التبرز
إن كان الكتاب لم يقل شيئاً عن الأماكن المخصصة لزبل الحيوانات، في حين يتحدث التقليد عنها، فيبدو أنه قد تم بحق السكوت حول هذه النقطة وتبعاتها، في حين يكفي العقل ليعلمها. وكما أن تعليم مثل هذا هو أقل استحقاقاً من أن ينسجم مع الفهم الروحي، لذا كان الكتاب محقاً في أن يسكت عنه، وهو الكتاب الذي شغله الأساسي هو أن يوافق رواياته مع المعاني الرمزية.
إتقان الفلك وكماله
ولكن، ومع الوضع في الاعتبار الظروف التي فرضتها الأمطار والطوفان، لم يكن ممكناً أن يعطى الفلك شكلاً مناسباً أكثر من الشكل الذي كان يسمح لمياه الأمطار أن تسيل من القمة كما من سقف ضيق عند قمته، والذي كان يحتفظ بالتوازن تاركاً الجوانب الأربعة تغوص بعمق تحت المياه على هذا النحو، لا تستطيع لا قوة الرياح ولا تلاطم الأمواج ولا تهيج الحيوانات التي كانت بالداخل أن تميل الفلك ولا أن تغرقه.
اعتراضات أبيليس
۲ لكن في ظل وجود كل هذا التكوين المجمع بمهارة شديدة، يبدي البعض اعتراضات وخاصة أبيليس”[11] (Apelles) الذي بسبب أنه تلميذ ماركيون (Marcion) لم يخترع هرطقة أخرى غير تلك التي أخذها عن معلمه. إذا يبالغ أبيليس، في رغبته أن يتهم كتابات موسى بأنها لا تحوي شيئا من الحكمة الإلهية ولا من عمل الروح القدس، في الأقوال التي من هذا النوع، ويدعي أنه من المستحيل تماماً أن يتمكن حيز بهذا الصغر من احتواء كل تلك الأنواع من الحيوانات مع الغذاء الذي كان يلزمها لمدة عام كامل.
وحيث إنه قد أدخل إلى الفلك وفقا للكتاب “زوجاً زوجاً[12]” من جميع الحيوانات النجسة أي زوجا من الذكور وكذلك زوجا من الإناث. وهذا ما يشير إليه تكرار الكلمة. وسبعة أزواج سبعة أزواج[13]“، أي سبعة أزواج من كافة الحيوانات الطاهرة، فيقول: كيف أمكن أن يحدث أن الحيز الذي ذكره الكتاب استطاع أن يحتوي فقط على الأقل على أربعة أفيال وبعد أن أبدى هكذا نفس الاعتراض بالنسبة لكل نوع من الحيوانات، ختم بهذه الكلمات: “من الواضح إذا أن القصة قد تم اختراعها. وبما أن الأمر هكذا، فمن الواضح أن هذا الكتاب ليس من الله”.
الرد على الاعتراض
وللرد على ذلك الاعتراض سوف نطلع المستمعين بما تعلمناه من الرجال الاختصاصيين طويلي الباع في التقاليد العبرانية ومن المعلمين القدماء. كان القدماء يقولون إذن إن موسى الذي كان، كما يؤكد الكتاب ذلك، “مهذباً بكل الحكمة المصرية”[14]، قد استخدم هنا عدد الأذرع كما يفعل في علم الهندسية الذي برع فيه المصريون بوجه خاص[15].
والواقع أن علماء الهندسة لهم أسلوب في العد يطلقون عليه “الأسس والجذور” يمثل الذراع بمقتضاه ستة أذرع بالنسبة للمجسم والمربع بموجب الاختزال العام للأرقام، أو [الذراع] يمثل ثلاثمائة بموجب اختزال متقدم جداً. فإذا استخدمنا هذا الأسلوب في العد، فسوف نجد أن الفلك كان له أبعاد من حيث الطول والعرض كافية لتحتوي حقا براعم ما سيعاد تكوينه في العالم بأكمله، والكائنات التي ستكون الأصل الذي ستتدفق منه حياة الكائنات الحية جميعها.
ها هو ما كنا ينبغي علينا قوله من وجهة النظر التاريخية في مواجهة من يبحثون عن مهاجمة كتابات العهد القديم، متعللين بأنها تحتوي على أشياء مستحيلة وغير معقولة.
التفسير الروحي
۳ لنطلب في البداية الآن إلى الوحيد القادر أن يرفع البرقع عند قراءة العهد القديم[16]، ولنحاول أن نبحث أي نوع من البنيان الروحي يحتوي عليه بناء الفلك الهائل هذا.
الطوفان، صورة لمجيء المسيح
بقدر ما تسمح لي ضآلة ذهني، أعتقد أن الطوفان الذي وضع في ذلك الحين نهاية العالم، يمثل نهاية العالم التي يجب بالحقيقة أن تحدث. وقد أعلن ذلك الرب بنفسه حين قال: “في أيام نوح كان الناس يشترون ويبيعون ويبنون ويتزوجون ويزوجون بناتهم وجاء الطوفان الذي أهلكهم جميعا: هكذا سيكون أيضاً مجيء ابن الإنسان.[17]“
ففي هذه الآية يظهر جلياً أن الرب يصف بنفس الأسلوب الواحد الطوفان الذي سبق ونهاية العالم التي يعلنها بالنسبة إلى المستقبل. هكذا إذن، كما قيل آنذاك لنوح القديم أن يصنع فلكاً ويدخل معه ليس فقط أبناءه وذويه وإنما أيضا حيوانات من كل نوع، كذلك عند انقضاء الدهور[18] قال الأب لـ “نوحنا” (our Noah) الذي هو بالحقيقة البار[19] الوحيد، والكامل الوحيد، الرب يسوع المسيح، أن يصنع لنفسه فلكاً من خشب مربع وأن يعطيه أبعاداً ممتلئة بالأسرار السماوية. هذا ما يشار إليه في المزمور الذي يقول فيه: “اسأل فأعطيك الأمم ميراثا لك وأقاصي الأرض ملكا لك.[20]“
الفلك ومساكنه، الإيمان ومظاهره
لقد بنى إذن فلكاً وأعد فيه “كوى” أي أنواعاً من مأوى لاستقبال أنواع الحيوانات المختلفة. ويقول النبي حول ذلك: “هلم يا شعبي ادخل مخابئك، اختبئ بضع لحظات حتى تعبر شدة غضبي[21]“، هناك إذا مقابلة بين هذا الشعب الذي خلص في الكنيسة وبين هذه الكائنات: البشر والحيوانات التي خلصت في الفلك[22]. ولكن لا يتساوى الأمر لا في الاستحقاق ولا في التقدم في الإيمان بالنسبة للجميع.
لذا لا يشتمل الفلك على نفس المسكن للجميع، ولكن الجزء الأسفل فيه ذو طابقين والأعلى ذو ثلاثة طوابق، وأقام به كوى. هذا يدل على أنه في الكنيسة، بالرغم أن الكل محتوى داخل إيمان واحد، واغتسل في معمودية واحدة، إلا أنهم لا يتقدمون معاً ولا بنفس القدر ولكن كل واحد في رتبته[23].”
الكائنات المختلفة المحبوسة في الفلك: درجات الكمال
ومن يميلون بحياتهم إلى العلم العاقل والقادرين ليس فقط على قيادة أنفسهم ولكن أيضاً على تعليم الآخرين[24]، هم عدد ضئيل جداً يحقق صورة العدد القليل للذين خلصوا مع نوح والذين اتحدوا به بأوثق قرابة، تماماً كما يمتلك ربنا يسوع المسيح، نوح الحقيقي، عدداً صغيراً من الأصدقاء، عدد صغير من الأبناء ومن الأقارب الذين يشاركون كلمته ويمكنهم تلقي حكمته. هؤلاء هم من أقيموا في أسمى مرتبة ووضعوا في قمة الفلك.
أما هذا الجمع من الحيوانات أو الوحوش غير العاقلة فتلبث في الجزء السفلي، وبينهم في الجزء الأسفل، الذين لم تهدئ حلاوة الإيمان عنف وحشيتهم. ولكن فوقهم بقليل، هناك من يحتفظون على الرغم من ذلك بالكثير من البساطة والبراءة دون أن يكونوا عقلاء بالكامل.
نوح الحقيقي: يسوع المسيح
وهكذا كلما اتجهنا صعوداً من خلال طوابق الشقق المختلفة، نصل إلى نوح ذاته. نوح يعني “الراحة” أو “العادل[25]” -الذي هو المسيح يسوع. لأن كلمات لامك أبيه لا تتوافق مع نوح القديم: “هذا يريحنا من أتعابنا ومن عمل أيدينا المؤلم ومن الأرض التي لعنها الرب الإله[26]“، فكيف إذن نعتبره أمراً صحيحاً أن نوح القديم قد أراح لامك أو الشعب الذي كان يوجد على الأرض في ذلك الوقت
كيف كان يمكن أن يتوقف التعب والعمل المؤلم في زمن نوح، وكيف كان يمكن أن تمحى اللعنة التي نطق بها الرب على الأرض عندما يظهر بالأحرى أن الغضب الإلهي قد تزايد وأخبرنا أن الله قال: “ندمت أني عملت الإنسان على الأرض[27]” وأنه قال أيضاً: “سأبيد كل جسد على الأرض[28]” وخاصة عندما يقدم موت الأحياء الدليل على النكبة الأكبر؟
ولكن انظروا ربنا يسوع المسيح: لقد قيل عنه: “هذا هو حمل الله، هذا الذي يرفع خطية العالم[29]“، وفي موضع آخر: “صار من أجلنا لعنة ليفتدينا من لعنة الناموس[30]“؛ وفي موضع آخر أيضاً هو الذي يقول: “تعالوا إلى يا جميع المتعبين وثقيلي الأحمال وأنا أجددكم فتجدوا راحة نفوسكم[31]“.” أنتم ترون أنه هو الذي أعطى حقاً الراحة للبشر وهو من خلص الأرض من اللعنة التي أتت عليها من قبل الرب الإله. هكذا إذن قيل لهذا الـ “نوح” الروحي، الذي أعطى الراحة للبشر والذي رفع خطية العالم: “اصنع لنفسك فلكاً من خشب مربع”[32].
الخشب المربع: دعائم الإيمان
4 لنر اذاً ما هي هذه الأخشاب المربعة. الخشب المربع هو ذلك الخشب الذي لا يميل بأي شكل والذي، مهما قلبناه من أي جانب فإنه يحتفظ دائما بصلابة بتوازنه. هذه الأخشاب هي التي تحتمل بالداخل ثقل الحيوانات وضغط المياه بالخارج. وهي تمثل في رأيي الأحبار والمعلمين وغيوري الإيمان الذين في الكنيسة، الذين يعزون الشعب الموجود بالداخل بكلمة الإنذار والتعليم، من ناحية، ومن ناحية أخرى يقاومون بقوة الكلمة وبحكمة العقل مهاجمي الخارج، سواء كانوا وثنيين أو هراطقة، كما يقاومون من يثيرون أمواج الاعتراضات وعواصف المجادلات[33].
هل تريدون أن تروا أن الكتاب الإلهي يعرف “أخشاباً” عاقلة؟ لنذكر أنفسنا بالمكتوب في حزقيال النبي: “وكان في السنة الحادية عشرة في الشهر الثالث في أول يوم من الشهر أن كلام الرب كان إليّ قائلاً: يا ابن الإنسان، قل لفرعون ملك مصر وجموعه: بمن تشبه نفسك في عظمتك؟ هوذا آشور كان سرواً على لبنان، جميل الأغصان، وارف الظل، طويل القامة، رأسه مرتفع إلى الغمام. عظمته المياه، وكبره البحر، وأتى بكل أنهاره من حوله وأرسل فيض مياهه لكل أشجار السهل. فلذلك ارتفعت قامته أعلى من جميع أشجار السهل[34].”
وبعد بضع كلمات يقول: “الكثير من سرو جنة الله والصنوبر لا يشبه أغصانه والأرز لا يساوي فروعه. لم تشبهه أية شجرة في جنة الله وجميع أشجار جنة نعيم الله حسدته[35]“. هل لاحظتم عن أي نوع من الأشجار يتكلم النبي؟ وكيف يصف سرو لبنان الذي لا يمكن مقارنته بجميع أشجار جنة الله الأخرى. ويضيف حتى في النهاية أن كل أشجار جنة الله تحسده. ووفقا للمفهوم الروحي، هو يريد بالتأكيد أن يوضح أن الأشجار العاقلة التي في جنة الله هي التي يصف أن لديها غيرة من الشجر الذي على جبل لبنان.
وهكذا. ولكننا نقولها اعتراضاً. لاحظوا أنه يجب ربما فهم الآية: “ملعون من الله كل من علق على خشبة”[36] بنفس المعنى المستخدم في موضع آخر: “ملعون الرجل الذي يضع رجاءه في الإنسان[37].” فعلينا أن نعلق بالله وحده دون آخر حتى ولو ادعى أنه من جنة الله.
كما يقول ذلك بولس الرسول أيضاً: “عندما نبشركم نحن أو ملاك من السماء بإنجيل آخر غير الذي بشرناكم به فليكن أناثيما[38]” ولكن لنؤجل الحديث هذا الموضوع إلى مرة أخرى.
القار: التقديس الداخلي والخارجي
لقد رأيتم ما هي الأخشاب المربعة التي وضعها نوح الروحي لأجل الذين هم في الداخل كجدار وحماية ضد المياه التي تضرب الفلك من الخارج. هذه الأخشاب مطلية بالقار من الداخل ومن الخارج[39]“، فالمسيح مؤسس الكنيسة، لا يريد أن تكونوا كالذين يظهرون من خارج أبراراً في أعين الناس والذين من داخل هم قبور موتى[40]“؛ ولكنه يريد أن تكونوا قديسين بالجسد في الخارج وطاهرين بالقلب في الداخل، منتبهين من كل ناحية ومحميين بفضيلة العفة والنقاوة. هذا ما يعنيه أن يكون المرء مطلياً بالقار من الداخل ومن الخارج.
الطول والعرض والارتفاع. أبعاد أسرار المسيح
5 بعد ذلك يذكر طول الفلك وعرضه وارتفاعه ويعطي تلك الأبعاد بعض الأرقام التي اختصت بأسرار عظيمة[41]. ولكن قبل الحديث عن الأرقام، لنرى ما يقصده الكتاب بالطول والعرض والارتفاع. لقد قال الرسول في فقرة كان يتحدث فيها عن سر الصليب بطريقة سرية أكثر: “حتى تعرفون الطول والعرض والعلو والعمق[42].” العمق والعلو هما سيان، إلا أن في العلو يبدو الفضاء محسوباً من أسفل إلى أعلى، بينما يبدأ قياس العمق من أعلى ويهبط إلى أسفل. فسمعنا إذا روح الله بحق، بواسطة موسى وبولس الرسول في ذات الوقت، أسراراً عظيمة بالرمز.
أما بولس فلأنه كان يبشر بسر نزول المسيح فقد استخدم لفظ العمق حتى يبين أن المسيح جاء من المناطق العليا إلى المناطق السفلى؛ أما موسى فعلى العكس، فلأنه يصف عودة الذين ردهم المسيح من المناطق السفلى إلى المناطق السماوية منتزعا إياهم من الدمار وهلاك الدهر كما من موت الطوفان، فلا يذكر العمق في أبعاد الفلك ولكن الارتفاع، كأنما ليشير إلى أن الأمر يتعلق بمكان نرتفع فيه من المناطق الأرضية الوضيعة إلى المناطق السماوية والمرتفعة.
معاني الأعداد
أما بالنسبة إلى الأعداد، فهي ثلاثمائة ذراع للطول وخمسون للعرض وثلاثون للارتفاع.
الثلاثمائة هي ثلاثة في مئة والعدد مئة يشير إلى تمام كل شيء وإلى الكمال، وهو يحوي سر مجموعة المخلوقات العاقلة، كما نقرأ ذلك في الأناجيل حيث يقول إن: “من كان له مئة خروف وأضاع واحدا منهم ترك إذن التسعة والتسعين على الجبل ونزل ليبحث عن الضال. وإذ وجده حمله على منكبيه وأعاده إلى التسعة والتسعين التي لم تضل[43]“.
ولأن العدد مئة هذا الذي لمجموعة المخلوقات العاقلة لا ينشأ من تلقاء ذاته ولكنه يتحدر من الثالوث ونال من الأب بالابن والروح القدس[44] طول العمر، أي نعمة الخلود، فلذلك يعطينا الكتاب هذا العدد مضروباً في ثلاثة، كما هو طبيعي بالنسبة لمن ينمو إلى الكمال بنعمة الثالوث، والذي بمعرفة بالثالوث يعيد إلى جماعة الثلاثمائة من ترك نفسه يضل بجهله بعيداً عن جماعة المئة[45].
أما العرض فقد خصه بالعدد خمسين، وهو العدد المختص بالعتق والغفران، فوفقاً للناموس[46]، كان هناك عتق يتم في السنة الخمسين، أي إنه إذا تم رهن أي من الممتلكات، كان يرد آنذاك، وإذا وقع رجل حر في العبودية كان يستعيد حريته، والمدين ينال إبراء من دينه، والمنفي كان يعود إلى وطنه. لذا فقد أعطى المسيح، نوح الروحي، في فلكه، أي في الكنيسة، التي يخلص فيها الجنس البشري من الدمار، العدد خمسين للعرض وهو عدد العتق، لأنه لو لم يكن قد وهب المؤمنين مغفرة الخطايا، لما امتد “عرض” الكنيسة عبر العالم.
ويحتوي العدد ثلاثون الذي للارتفاع على سر شبيه مثل العدد ثلاثمائة. فما كان يمثله منذ قليل العدد مئة، يمثله الآن العدد عشرة مضروبا في ثلاثة.
ولكن قمة كل البناء تتقلص إلى الرقم واحد: فليس هناك إلا “إله واحد، الأب، الذي منه تأتي كل الأشياء، ورب واحد[47]” ولا يوجد سوى إيمان واحد للكنيسة، ومعمودية واحدة وجسد واحد وروح واحد[48]” وتنزع كافة المخلوقات إلى الغاية الوحيدة التي للكمال الإلهي[49].
ولكن أنتم أيضا الذين تسمعون، لو دأبتم على مهل في قراءة الكتاب المقدس فستجدون أن الكثير من الإنجازات الكبيرة تختبئ في رقمي ثلاثين وخمسين. فيوسف كان في الثلاثين حين خرج من السجن وتبوأ حكم مصر كلها[50] حتى يبعد، بفطنة إلهية، كارثة المجاعة التي كانت تهددهم. ويخبرنا أن يسوع كان في الثلاثين[51] من عمره حين ذهب ليعتمد وحين رأى السموات مفتوحة وروح الله نازل عليه في هيئة حمامة[52]“.
في ذلك الوقت بدأ سر الثالوث ينكشف لأول مرة. وستكتشفون الكثير من الأحداث المشابهة لذلك. كما ستجدون أيضا أن يوم الخمسين كان مخصصا لتكريس الحصاد الجديد[53] وأنه قد تم اقتطاع جزء من خمسين من غنائم المديانيين[54] للرب. وأيضاً أن إبراهيم قد انتصر على أهل سدوم بثلاثمئة رجل[55]، وأنه بالثلاثمئة رجل الذين رشفوا الماء بألسنتهم أحرز جدعون نصرته[56].
الباب: دينونة الله
أما الباب فلا هو في الواجهة الأمامية ولا هو أعلى الفلك ولكنه في الجانب مائلاً لأنه وقت الغضب الإلهي. مكتوب أن يوم الرب هو يوم غضب وسخط[57]“، ويمكن للبعض أن يخلص ولكن هناك الكثيرون الذين يدينهم سلوكهم ومصيرهم الهلاك والموت. وإذا كان الباب قد وضع مائلاً فهذا لكي يذكرنا بقول النبي هذا: “إن سلكتم معي باعوجاج فسوف أسير معكم بسخط معوج[58]“.
الطوابق السماء والأرض والجحيم
لنفحص بعد ذلك الفقرة التي تشير بشكل منفصل إلى كل من الجزء الأسفل ذي الطابقين والجزء الأعلى ذي الثلاثة الطوابق. وقد يقصد أن يشير من هنا لما يقوله الرسول أنه “ستجثو باسم يسوع كل ركبة من الكائنات التي في السماوات وعلى الأرض والجحيم”[59]، ويعني أن الجزء الأسفل في الفلك هو نفسه ما يقصده الرسول بكائنات الجحيم، وأن ما يأتي فوقه مباشرة هو نفس ما يقصده بكائنات الأرض.
أما الجزء العلوي الذي يقال إنه ذو ثلاثة طوابق والذي نسكنه جميعاً فهو ما يقصده بكائنات السماء. ولكن من بين هؤلاء يجب أن نميز من تسمح لهم استحقاقاتهم، وفقا للرسول بولس أن “يصعدوا إلى السماء الثالثة[60]“. أما عن الكوى والكوى، ولأنها عددها كبير في الفلك، فهي تشير إلى أن هناك في بيت الأب منازل كثيرة[61]“.
تعايش الحيوانات معا اتحاد الجميع في الملكوت
ولكي نفسر [وجود] الحيوانات والوحوش والبهائم وشتى الأحياء الأخرى، فأي صورة أخرى نأخذها غير تلك التي أعطاها لنا إشعياء النبي حين قال إن في ملكوت المسيح الذئب والحمل، الفهد والجدي، الأسد والثور، سوف تذهب معاً للمرعى وصغارها تأكل الكلأ ما، بل حتى الطفل الصغير أحد الذين قال المخلص عنهم: “إن لم ترجعوا وتصيروا مثل هذا الولد فلن تدخلوا ملكوت الله[62]“، ذلك الطفل، يدخل يده في وكر الأفعوان دون أن يشعر بأي أذى[63].
ألا يمكننا أن نتناول أيضاً الصورة المتحققة بعد الآن في الكنيسة، كما يعلم بطرس بذلك حين نقل لنا ما شاهده في رؤيا، حيث ظهرت كل الدواب (ذوات الأربع) ووحوش الأرض وطيور السماء محتواة في الملاءة الواحدة التي للإيمان[64] والمربوطة بالجوانب الأربعة التي للأناجيل؟
التفسير الأخلاقي
6 ولكن بما أنه بالنسبة للفلك، الذي نسعى جاهدين لوصفه، جاء أمر الله أن يبنى لا على طابقين فقط ولكن على ثلاثة طوابق، فلنهتم نحن أيضاً بإضافة تفسير ثالث إلى التفسير المزدوج الذي سبق وفقا للوصية الإلهية.
المعنى الأخلاقي
التفسير الأول الذي بدأنا به هو في الواقع تفسير تاريخي، وقد وضع كأساس في الأسفل، أما التفسير الثاني، التفسير المستيكي، فقد كان أعلى وأسمى. فلنحاول إن أمكن أن نرفق به التفسير الثالث وهذا يكون أخلاقياً. ولنلاحظ مع ذلك خاصية ألا وهي أن الكتاب المقدس لم يقل إن الفلك كان ذا طابقين فقط دون أن يضيف شيئاً، كما لم يقل إنه كان ذا ثلاثة طوابق فقط دون إضافة؛ ولكن بعد أن قال: ذا طابقين” أضاف “و ذا ثلاثة طوابق.
هذا لا يكون، كما يبدو لي دون سر نفس التفسير الذي بين يدينا الآن لأن مصطلح “ذو ثلاثة طوابق” يشير إلى هذا التفسير الثلاثي. ولكن حيث إن التسلسل المنطقي في الكتابات الإلهية بالنسبة لوجهة النظر التاريخية لا يستقيم دائما بل ويغيب أحياناً، هكذا، حين يقول مثلاً: “أشواك تنبت في يد السكران[65]“، أو حين يقول فيما يتعلق بالهيكل الذي بناه سليمان “ولم يسمع في بيت الله صوت المعول والمنحت[66]”
أو أيضاً في سفر اللاويين حين “يأمر بفحص برص الجدران والجلود وخيوط النسيج بواسطة الكهنة لكي يطهروه[67]“، فبسبب تلك المقاطع ومقاطع أخرى مشابهة، لا يتكون الفلك فقط من مجموعة من ثلاثة طوابق ولكن أيضاً من مجموعة من طابقين، حتى نعرف أن الكتابات الإلهية لا تحتوي دائما على ثلاثة معاني للشرح، بما أن المعنى التاريخي لا يقدم لنا دائماً، ولكن أحياناً معنيين فقط. ولنحاول إذا أيضاً شرح المعنى الثالث ألا وهو وجهة النظر الأخلاقية.
الفلك وأبعاده
إن كان هناك أحد قادر، رغم نمو الشر وفيض الرذائل، على أن يتحول عن الأمور الزائلة، الفانية والباطلة، ليستمع إلى كلمة الله وإلى الوصايا السماوية، فإن هذا يبنى في قلبه فلك الخلاص ويكرس بداخله “مكتبة” الكلمة الإلهية[68]، إن جاز القول، ويعطيها كطول وعرض وارتفاع الإيمان والمحبة والرجاء.
وهو يبسط الإيمان بالثالوث من أجل طول الحياة والخلود، أما عرض المحبة، فيقيمه بمشاعر اللطف والصلاح، وأما ارتفاع الرجاء فيرفعه إلى الحقائق السماوية العلوية، لأنه إن عاش على الأرض فإنه “في السموات مسكنه[69]. أما بالنسبة إلى مجموع أعماله فهو يرجعها إلى هدف واحد لأنه يعرف أن “الجميع يركضون ولكن واحد فقط ينال الجعالة[70]“، وذلك من لن يتشتت في تنوع الأفكار وتقلب الروح.
الأخشاب المربعة والقار والحيوانات
وهو لا يبني هذه المكتبة من أخشاب خام خشنة، ولكن من أخشاب مربعة مسطحة ومستقيمة، أي لا من كتب المؤلفين الدنيويين ولكن من كتب الأنبياء والرسل، لأن هؤلاء هم الذين؛ إذ تنقلوا بالتجارب المتنوعة وشذبوا واقتطعوا كل رذائلهم، فإن الحياة لديهم مهذبة ومتوازنة من كل جانب. أما مؤلفو الكتب الدنيوية فمن الممكن أن نطلق عليهم “أخشاباً مرتفعة” وأخشاباً ظليلة”.
فإن “تحت كل خشبة مرتفعة وظليلة يتهم إسرائيل بأنه قد زنا[71]“. بما أنهم يجاهرون بتعاليم رفيعة ويستخدمون أساليب مزخرفة، دون أن يعملوا وفقاً لكلامهم، فلا نستطيع أن نطلق عليهم “أخشاب مربعة[72]“، لأن السلوك لديهم ليس متوافقاً مع أقوالهم بأي شكل.
أنت إذاً إن صنعت فلكاً، إن جمعت مكتبة، فلتضم بها كتابات الأنبياء والرسل أو من اتبعوهم في خط الإيمان المستقيم. اصنعها مزدوجة وثلاثية الطوابق. تعلم بواسطتها الروايات التاريخية، اعلم بواسطتها “السر العظيم[73]” الذي يتم في المسيح وين الكنيسة، واعرف بواسطتها كيف تصحح أيضاً عاداتك وتزيل عيوبك، وتطهر نفسك وتجردها من كل الرباطات التي تأسرها، مقيما فيها كوي وكوى من أجل الفضائل المتنوعة والتقدم[74].
وبالتأكيد ستطليها بالقار من الداخل ومن الخارج[75]“، “حاملاً الإيمان في قلبك ومعترفا به بفمك[76]“، حاملاً العلم بالداخل والأعمال بالخارج ومتقدماً بالقلب الطاهر بالداخل وبالجسد المتعفف بالخارج.
في هذا الفلك إذاً، لنضع “مكتبة الأسفار الإلهية أو النفس المؤمنة من وجهة نظر أخلاقية مؤقتاً. عليك أيضاً إدخال حيوانات من كل نوع، لا طاهرة فقط ولكن أيضا نجسة. أما الحيوانات الطاهرة فمن السهل علينا القول بأنه يمكن تفسيرها كالذاكرة والعلم والذكاء والفحص والتمييز وكل الملكات المشابهة الأخرى التي نطبقها على ما نقرأ. وأما بالنسبة للحيوانات النجسة فمن الصعب إبداء الرأي بشأنها؛ إذ لاحظنا أنه يشير إليها بزوج زوج[77]“
ومع ذلك فإن لم يكن التعرض لمثل تلك المقاطع الصعبة أمراً متهوراً، فأعتقد أن الشهوة والغضب الطبيعيين لدى كل النفوس، يجب أن تسمى نجسة حين تؤدي بالإنسان إلى الخطية، ولكن حيث إننا لا نستطيع لا أن نوفر النسل بدون الشهوة ولا الإصلاح والتعليم بدون الغضب، فنقول إنهما ضروريان ويجب الاحتفاظ بهما[78]. قد يبدو هذا الكلام لا يتعلق بالمعنى الأخلاقي ولكن بالمعنى الطبيعي، ومع هذا فقد تحدثنا بما تقدم من أجل البناء[79].
ومن يستطيع على مهل مقارنة أجزاء الكتاب المقدس بنفسه وربط “الروحيات بالروحيات[80]” فإنه سيجد بلا شك في هذا المقطع الكثير من الخفيات التي لسر عميق وخفي يمنعنا الوقت القصير المتبقي وكذلك تعب المستمعين من عرضها الآن.
ولكن لنطلب رحمة الله العلي القدير حتى لا يجعلنا “نسمع فقط[81]” كلمته ولكن “أن نعمل بها”، وليسكب على نفوسنا أيضاً طوفان مائه وليهدم فينا كما يريد ما ينبغي هدمه ويحيي بالمثل فينا ما ينبغي إحياؤه بالمسيح ربنا وبروحه القدوس، له المجد لأبد الآبدين آمين.
[1] هناك خلط لدى أوريجانوس (أو روفينوس) بين كلمتي حرفي وتاريخي.
[2] المقصود بها مساكن لأن الكوة هي فتحة غير نافذة في الجدار.
[3] انظر: تك 6: ۲۲، ۲۲.
[4] هنا نجد في أكثر من مئة سطر، المقطع اليوناني الوحيد الذي بقي لنا من العظات على سفرالتكوين لأوريجانوس، وقد حفظه لنا بروكوبس وتقليد (Chaines) ولكن مع وجود اختلاف طفيف بينها. ونحن لا يمكن أن نعتبر أن هذا النص هو بالضبط ما قدمه أوريجانوس؛ إذ نجده يحتوي على مقاطع لديديموس الضرير في تعليقه على سفر التكوين، والذي يستلهم بلا شك من أوريجانوس.
وهكذا يعتبر نص روفينوس هو ترجمة مباشرة لنص أوريجانوس، تحترم أفكار أوريجانوس لكن يرجع التعبير عنها وتنظيمها إلى روفينوس. وحيث إن الترجمة التي نوردها هنا هي ترجمة روفينوس فقد التزمنا بها أيضا في هذا الجزء.
[5] نجد في العديد من مخطوطات (Chaines) رسما في الهامش يمثل الفلك بشكله الهرمي وطابقيه السفليين وطوابقه الثلاثة العليا وتقسيمه.
[6] إنه واحد من عدة تقاليد تسلمها أوريجانوس من بعض اليهود الذين بالإسكندرية أو خلال رحلاته إلى فلسطين.
[7] انظر: تك 7: 16-18.
[8] انظر: تك 8: 6، 8.
[9] انظر: تك 6: 21.
[10] انظر: تك 6: 22.
[11] نحو القرن الثاني كتب أبيليس سلسلة من الجدالات الشكلية” تكون مجموعة من الاعتراضات ضد الكتاب المقدس. وقد تسربت بعض اعتراضاته بين المؤمنين وزرعت بلبلة. (ارجع إلى العظة 3: ۱)
[12] انظر: تك 6: 9
[13] انظر: تك 7: 2.
[14] انظر: اع 7: 22.
[15] كانت فكرة أن المصريين قد برعوا في الهندسة فكرة شائعة عند القدماء. ووفق العديد من الباحثين فإن المصريين هم من اخترعوا الهندسة.
[16] انظر: 2كو 3: 14.
[17] انظر: لو 17: 26-27؛ مت 24: 27.
[18] يمثل انقضاء الدهر بالنسبة لأوريجانوس ليس مجرد الحدث الأخير لمجي المسيح الثاني، ولكنه العصر الحالي ككل الذي بدأ بمجيء ابن الإنسان أي التجسد. ومن هنا جاء استخدام صيغة الماضي الذي يدهشنا. ارجع إلى العظة 15: 5 “في نهاية الدهر، نزل ابن الله الوحيد إلى الجحيم.”
[19] انظر: تك 6: ۹.
[20] انظر: مز ۲: ۸.
[21] انظر إش 26: 20.
[22] انظر: ترتليان ( 24, TERTULLIEN , De idol): “لنر إن كان هناك مكان بالكنيسة وفقا لما صوره الفلك بالنسبة للغراب والعقاب والذئب والكلب والثعبان. ولكن من المؤكد أن الفلك لا يحوي أي وثني”. وطبقا لهيبوليتوس (HIPPOLYTE, Philos. 9, 12): “يقول سابيليوس إن فلك نوح كان صورة الكنيسة، نرى فيه كلابا وذئائا وغربانا وكافة أنواع الحيوانات الطاهرة والنجسة. وكان يقول إنه لا بد أن يكون هكذا أيضا في الكنيسة.”
[23] انظر 1كو 15: 23.
[24] انظر 2تي 2: 2.
[25] كثيرا ما كان أوريجانوس يعود إلى المعنى الاشتقاقي للأعلام كما ورد في معاجم أسماء الأعلام القديمة. وسوف نلتقي فيما يلي بالعديد من أصول الكلمة هذه. وهي تبدو مبتكرة بالنسبة لفقهاء اللغة اليوم، لكنها كانت تؤخذ آنذاك كما هو شائع.
[26] انظر: تك 5: 29.
[27] انظر: تك 6: 7.
[28] انظر: تك 6: 7، 12.
[29] انظر: يو 1: 29.
[30] انظر: غل 3: 13.
[31] انظر: مت 11: 28-29.
[32] انظر: تك 6: 14.
[33] لاحظ تدرج وظائف التعليم. أولا غيورو الإيمان الذين يبدو أن دورهم يتمثل في توبيخ وتحذير الفاترين، ثم يأتي المعلمون المتولون مهمة التعليم بالمعنى الحرفي للكلمة، وأخيرا هناك الأحبار ويمكن أن يقوموا بالوظائف السابق ذكرها (العظة 13: 4) ولكن ترجع إليهم بشكل خاص مهمة الدفاع عن الإيمان ضد الهراطقة والوثنيين.
[34] انظر: حز 31: 1-5.
[35] انظر: حز ۳۱: ۸-۹. هذا الاستشهاد من حز 3: 1-5، ۸۔ ۹ موجود دون حذف في المقاطع عند ديديموس بنفس الهدف وهو أن يثبت أن الكتاب المقدس يتحدث عن” أشجار عاقلة” ويمكننا أن نتبين اختلافات طفيفة بين النصين.
[36] انظر: تث 21: 23.
[37] انظر: إر 17: 5.
[38] انظر: غل 1: 8.
[39] انظر: تك 6: 14.
[40] انظر: مت 23: 27.
[41] كثيرا ما يظهر مفهوم السر هذا في فكر أوريجانوس. لقد جاء العهد الجديد بالإعلان عن سر المسيح، ولكن هذا السر لا ينكشف مرة واحدة أمام المؤمن. بل هو منتشر ومخفي في كل مكان في الكتاب المقدس ومتناثر في قصص ورموز لا حصر لها. والحرفية هي التي تبقي الكتاب في الظل، كما يغطي البرقع وجه موسى (العظة ۲: ۳؛ 6: ۱؛ 7: 1، ۷: 6؛ ۱۲: ه؛ ۱۳: ۳؛ 15: 7). ولذا يجب إزالة البرقع حتى ينكشف سر الكتاب.
وتضاعف الدراسة الدقيقة والمثابرة والتي على نور الإيمان من نقاط الاتصال مع هذا السر. كل نقطة اتصال تكون إذا مثل سر خاص وجزء من السر الواحد. والكتاب المقدس هو محيط من الأسرار (العظة ۹: ۱) التي ينبغي الكشف عنها واحدة فواحدة.
[42] انظر: اف 3: 18.
[43] انظر: لو 15: 4-5؛ مت 18: 12-13.
[44] تعتبر هذه هي الصورة التمهيدية للمفهوم الذي يرد عند معظم الآباء الشرقيين وهو أن عمل الله الثالوث هو “من الآب بالابن في الروح القدس”.
[45] يجب أن يتساءل القارئ باستمرار في كل فقرة شبيهة، إلى أي مدى يمكن أن تتطابق ترجمة روفينوس الذي كان يكتب بعد الجدال عن الثالوث، مع لغة أوريجانوس. ومن المؤكد أن أوريجانوس كان يجد من جهة الأرقام، أن شرح رمزيتها هو أمر مفيد.
ويأتي أوريجانوس بعد فيلو، الذي كان يسر بهذا النوع، وبعد كيلمندس السكندري، الذي قدم بالفعل معنى أبعاد الفلك (475.Strom . VI , 11 , 86 – 87 : GCS 15 , p)، وسنجد أنه قد جاءت أيضا معنی الأرقام ۳۰۰ و ۱۰۰ و 50 و ۳۰ و۱ وفقا لمقارنات كتابية في العظة 16: 16.
[46] انظر: لا 25: 10.
[47] انظر 1كو 8: 6.
[48] انظر: أف 4: 4، 5.
[49] ارجع إلى عظاته على سفر العدد 21: 2 “من جهة القمة المحصورة والضيقة، فهي مكان الإنسان العاقل. ومن جهة أخرى، تقام القبة على ذراع واحد لأن الكل يرجع إلى الوحدة؛ لكن الوحدة نفسها تشير إلى سر الثالوث بعدد ثلثمائة ذراع ويوضع الإنسان بجانب هذا الرمز باعتباره عاقلا وقادرا على استقبال الله .”
[50] انظر: تك 41: 46.
[51] انظر: لو 3: 23؛ مت 3: 16.
[52] انظر: مر 1: 10.
[53] انظر: لا 23: 16؛ تث 16.
[54] انظر: عد 31: 28، 30.
[55] انظر: تك 14: 14.
[56] انظر: قض 7: 6، 8.
[57] انظر: صف 1: 15.
[58] انظر: لا 16: 27-28.
[59] انظر: في 2: 10.
[60] انظر: 2كو 12: 2.
[61] انظر: يو 14: 2.
[62] انظر: مت 18: 3.
[63] انظر: إش 11: 6-8.
[64] انظر: أع 10: 11-12.
[65] انظر: أم 26: 9.
[66] انظر: اصم 6: 7.
[67] انظر: لا 14: 34؛ 13: 48.
[68] ارجع إلى عظاته على سفر الخروج ۹: 4 “ليعمل كل واحد فينا من ذاكرته فلكا ومكتبة الكتب الإلهية لأن النبي يعتبر أن من يحفظون في ذاكرتهم وصايا الله لينفذوها هم مطوبون.”
[69] انظر: في 3: 20.
[70] انظر: 1كو 9: 24.
[71] انظر: إر 2: 20؛ 3: 6.
[72] انظر: تك 6: 14.
[73] انظر: أف 5: 32.
[74] نرى هنا الثمرة الثلاثية مصاغة بإتقان وهي التطبيق بالمعنى الحرفي والرمزي والأخلاقي.
[75] انظر: تك 6: 14.
[76] انظر: رؤ 10: 10.
[77] انظر: تك 6: 19.
[78] ارجع إلى العظة 1: 17.
[79] اهتمام أوريجانوس بالتأمل والاقتباسات التي يأخذها من الفلسفات الوثنية تعطي بعض المستمعين الأقل خبرة انطباعا أنه يتحدث کرواقي أو علماني أكثر من كونه معلما مسيحيا۔ وهو ينكر ذلك ويشرح رأيه بالفعل في العظات ۱: ۱۷، ۲۳. وفي موضع آخر (العظة 13: 3) يذكر أن المعلمين الوثنيين هم الذين يتهموه باستعمال حججهم وأساليبهم.
[80] انظر: 1كو 2: 13.
[81] انظر: يع 1: 22.