عظات أوريجانوس على سفر التكوين – مدخل عام
عظات أوريجانوس على سفر التكوين
أولاً: أهمية عظات أوريجانوس على سفر التكوين
عندما أنشئت في مدينة ليون الفرنسية عام 1942 سلسلة “المصادر المسيحية” (Sources Chrétiennes) تحت رعاية الأب فيكتور فونتوانون، كان الأب دوترولو قد انتهى للتو من ترجمة عظات أوريجانوس على سفر التكوين، وكان عدد قليل من النصوص مناسباً لإعداد أحد الأجزاء الأولى من هذه السلسلة. وإذا كان تفسير الكلمة المقدسة يعد نوعاً رئيساً في مجال أدب الآباء، فإن عظات أوريجانوس على سفر التكوين تعد إحدى الكتابات الأشد تأثيراً وفي هذا المضمار. ومع ذلك فلا يفي هذا القول بالغرض المقصود، لأن هذا العمل يعد عملاً فاصلاً في ذلك المجال، فعبقرية أوريجانوس قد أظهرت من خلاله تعبيراً كاملاً عن سر المسيحية المخفي من منظور جامع ملموس. لهذا فهي عظات على جانب كبير من الأهمية ليس فقط من أجل تاريخ تفسير الكلمة المقدسة ولكن أيضاً من أجل تاريخ الفكر والحياة الروحية المسيحية.
وقد ظل تفسير الكلمة المقدسة باللاتينية في العصور الوسطى ولقرون طويلة يعتمد قبل كل شيء على عملين أساسيين هما عظات أوريجانوس (التي يجب أن يضاف لها التعليق على سفر نشيد الأنشاد) من ترجمة روفينوس، والأخلاقيات من سفر أيوب للقديس غريغوريوس التي تم استكمالها بعظات في سفر حزقيال). علماً بأن القديس غريغوريوس كان يدين بالكثير لأوريجينيس.
وعلى الرغم من عدم نفي هذا الأمر فلم يشر إليه أحد أو على الأقل لم يهتم أحد بالإشارة إليه ولم يعترف أحد بحجمه الهائل، بيد أن دوم جان لوكلير هو لحسن الحظ من تفاعل ضد هذا التجاهل المعتاد عند بحثه حول مصادر القديس برنارد. والحقيقة أنه لو كانت هناك وحدة حقيقية لتفسير الكتاب المقدس في العصور الوسطى على الرغم من اختلاف المدارس التفسيرية والمدارس الأدبية والحقب الدينية والقرون، وإن كانت كذلك النهضتان الكبيرتان في العصور الوسطى في القرنين التاسع والثاني عشر، برغم التباين الواضح في العقلية والتوجهات، لا تمثلان عصرين متناقضين ولكن فترتين من كيان واحد، فالأمر يرجع غالباً إلى أثر أوريجانوس (المشترك) على الحقبتين.
وقد أهمل مؤرخو أوريجانوس في معظم الأحيان تلك العظات ولم ينظروا إليها بعين الاعتبار. والدافع واضح فهي كلها موجودة في ترجمة يشكك فيها البعض. وهي مصنفة كجنس أدبي من الدرجة الثانية ومن المعتاد ألا يوليها أحد إلا أهمية ضعيفة مقارنة بكتاب “عن المبادئ” (##) الذي في المقابل أخرج منه الكثيرون مجمل أفكار الواعظ السكندري. والعظات المشار إليها صادرة عن شخص كانت شخصيته دائما محل خلاف[1]. كما أن تلك العظات تهتم كثيراً بالروحانيات، وهذا مجال لا يحب الكثير من النقاد الخوض فيه، بل يفضلون ألا يرتادوه. وأخيراً هناك طابع التصوير الرمزي المجازي الذي يغلب على تلك العظات والذي يعترض الكثيرون على الصور الخيالية التي تحويه بحق أو بغير حق.
تلك الاعتراضات تعوق النقاد عن التمييز بين النقد المثير للجدل والأصل الصلب، وبسبب هذا الاضطراب في التمييز تم التعامل مع الثانوي باعتباره جوهراً وتضاعفت المفاهيم الخاطئة. كما حدث ابتعاد عن النصوص المطروحة، تلك النصوص التي استطاعت عقلية عظيمة أن تعد من خلالها لعدة أجيال غذاءً فكرياً عظيماً.
علاوة على هذا فإن الجدل الذي نتج عن الإصلاح الديني قد أضر كثيراً بأوريجينيس ولا سيما بعظاته، فرفض لوثر له هو أمر معلوم للكافة. وبشكل عام فإن الجدليين البروتستانت فيما مضى كانوا ينكرون ثلاثة أشياء على آباء الكنيسة في ألفاظ لا يرغب معظمنا في استعادتها الآن، فمنذ البداية كانوا يرون غزواً ثلاثياً من الحضارة الهلينية الوثنية لإفساد الإيمان الكتابي ويشمل هذا: غزو الفلسفة فيما يتعلق بالعقيدة؛ وغزو التصوف فيما يتعلق بالروحانية، وغزو المجاز فيما يتعلق بتفسير الكلمة المقدسة. وبينما كان من المفترض أن يهدأ الموقف العدائي لقدماء الجدليين، تم إحياؤه من خلال سوء الفهم الذي أتى به “عصر التنوير”.
وقد ساهمت روح الأدباء الرسميين المضادة للتصوف وعقولهم المحدودة في قسوة الحكم على أوريجينيس، فلنقرأ مثلا مؤرخ الكنيسة الكبير موشایم (Mosheim) أو مؤرخ التفسير جان جورج روزنموللر (Jean Georges Rosenmiller) فنجد أن هؤلاء الكتاب قد أصدروا لنا سلسلة من الأحكام تم تناقلها فيما بعد على لسان الكثير ممن جاءوا بعدهم. ولكن للمفارقة العجيبة صارت تلك الأحكام منذ ذلك الوقت تصدر على لسان الكتاب الكاثوليك أنفسهم، فقد حدث انقلاب في هذا الأمر من النقيض إلى النقيض، فما كان يعد بمثابة تجديف آثم بالنسبة للكثيرين من آبائنا الكاثوليك في القرنين السادس عشر والسابع عشر، تم اعتباره اليوم كرأي نقدي جازم وفي مقام الحكم الصائب. وعلى مشارف الثورة الفرنسية، بدأ الفكر الكاثوليكي يتأثر بشدة بروح العصر، فيصاب بالأنيميا والهزال بسبب التبادل اللاشعوري مع الكتاب “المستقلين من البروتستانت أو “العقلانيين” الذين يجب أن نعترف لهم بالتفوق العلمي في معظم الأحيان.
وفيما يتعلق بتفسيرات الآباء وخاصة تفسيرات أوريجينيس، فهناك مؤرخون قد جاءوا بالعديد من الإيضاحات الجيدة التي تساعد على تعريف أفضل وفهم أعمق للنفس البشرية. فتعلمنا منهم كيفية الفهم بعد أن تركونا للحيرة، ولتلك الحيرة الأولية سحرها وفضلها. ولذلك فقد نالت ترجمة “عظات أوريجانوس على سفر التكوين”. التي كانت من أوائل ما نشرته سلسلة “المصادر المسيحية (Sources Chrétiennes). نجاحاً منقطع النظير، وقد نفدت الطبعة بمنتهى السرعة. ولكن صعوبات السلسلة الناشئة، في الفترة اللاحقة للحرب والاحتلال لم تسمح بإلحاق النص اللاتيني بها والذي يعود الفضل فيه لروفينوس الأكويلي. أما الآن فقد صار الأمر مهيأ سلفاً وأصبحت هناك فرصة في هذه الطبعة الثانية لإعادة قراءة هذه العظات الشهيرة باهتمام متجدد. ومرة أخرى نقول إنها تعد ذات قيمة عليا حتى وإن اقتصر الأمر على قيمتها التاريخية التي لا تضاهي.
هنري دي لوباك 1958-1975
ثانياً: العظات في مواجهة النقد
تاريخ العظات وموقعها
في الحقيقة لا يمكننا معرفة تاريخ العظات الخاصة بسفر التكوين بالتحديد، فمن المعلومات التي وافانا بها يوسيبيوس[2] وبامفيلوس[3] وجيروم[4] يمكننا الاستنتاج بأنها قد ألقيت في قيصرية في العقد الرابع من القرن الثالث حين كان أوريجانوس في الستين من عمره. ويرجح أنها من العظات التي قد سمح للنساخ من مجيدي فن الاختزال، بتدوينها مباشرة أثناء إلقاء الواعظ لها، ففي تلك الحقبة التي تمثل المرحلة الأخيرة من حياته ابتعد أوريجانوس عن الارتجال بما تعلمه في غضون خمس وعشرين سنة، وبرجوعه المستمر للكتاب وبثقته في التعبير عن عقيدته وفي حسن نوايا مطران الإيبارشية، لم يكن يزعجه أن تدون كلماته لحظياً. وقد كان يعرف أن صديقه ومضيفه أمبروسيوس سوف يعرف متى ينشرها في الوقت المناسب. ولكن لو استطعنا تصور حجم العمل الذي قام به أمبروسيوس والنساخ العاملين معه لتبييض الخطب المختزلة قبلاً، فليس لدينا ما يشير إلى أي مدى استطاع أوريجانوس تنقيحها قبل النشر. وإذا كان يوسيبيوس قد أشار لهؤلاء النساخ المختزلين في حديثه عن تلك العظات، أليس ذلك بسبب أنه وجد بمكتبة قيصرية المسودات الأولية التي دونت في مرحلة ما قبل النسخ دون أن يتاح لأوريجينيس الوقت للاطلاع عليها مجدداً؟ لذا فإنه فيما يتعلق بهذا الموضوع ليس أمامنا سوى تقديم فرضيات. وأياً كان، فلم يتم الاحتفاظ بالعظات بلغتها الأصلية (اليونانية) عدا في موقع واحد سوف يرد ذكره لاحقا، حيث إنها وصلتنا فقط من خلال ترجمة روفينوس اللاتينية التي تركها لنا بعد قرن ونصف (400م-404م).
التقليد المدون
وفقا لبهرنز[5]، فإن المخطوطات التي تحوي عظات أوريجانوس على سفر التكوين عديدة جداً، وهي توجد دائماً مجمعة مع سلاسل العظات الأخرى على الأسفار وقد استخلص بهرنز أكثر من خمس وسبعين منها، وما زال هناك العديد. ولكن ليس لهذا تأثير بالنسبة لكيان النص، فكل المراحل والخطوات الممكنة قد تم استخدامها وما يستجد تتم إضافته في الإطار الموجود فعلياً.
۱. عدد العظات
كانت أولى النتائج التي أتى بها تقسيم بهرنز هو حل مشكلة عدد العظات؛ فالطبعات القديمة كانت تعتبرها سبع عشرة عظة، وقد كانت المخطوطات تحصيها أحياناً على أنها ست عشرة عظة وأحياناً أخرى باعتبارها سبع عشرة. ولكن بهرنز لاحظ أن المخطوطات التي كانت بها العظة السابعة عشرة حول “بركة آباء الأسباط” كانت كلها تنتمي للتصنيف (ج) ما عدا ثلاث أو أربع حيث يرجع وجود العظة فيها إلى ظروف خاصة مختلفة عن العظات الباقية (ولاحقة لها). وفي هذه الظروف يجب البحث عن المسئول عن تلك العظة السابعة عشرة في بداية التصنيف (ج) في النموذج المثالي لهذه المجموعة التي تضم على الأقل ۳۸ مخطوطاً. ورغم أن ذلك النموذج قد فقد لكن بهرنز يلفت النظر إلى أنه لا بد وقد تم إعداده في فرنسا من خلال صورة المخطوط بمدينة ليون والذي سوف نتحدث عنه لاحقاً، وقد استطاع إيسيذوروس الأشبيلي”[6] أن يستخدم محتواه في النصف الأول من القرن السابع عشر.
وهناك اعتراض يبرز من جهة القديس جيروم، ففي القائمة التي يعطيها جيروم لأعمال أوريجينيس. في الرسالة ۳۳ لباولا. يحدد أن هناك ۱۷ عظة على سفر التكوين. وفي الحقبة التي ظهرت فيها هذه القائمة (1847 م) وعلق عليها بيترا عام 1855[7]، احتوت الطبعات تحديداً على نفس عدد العظات، وبدا هذا طبيعياً جداً. ولكن حين نما الشك في صحة تلك العظة السابعة عشرة بعد ذلك[8]، صارت تأكيدات جيروم ذريعة للمناقضين. لذا فقد لزم وجود حجج قوية التفنيد ما قاله جيروم. وقد أتى بهرنز بتلك الحجج حيث أثبت حينها أنه لم يكن هناك إلا أربع مخطوطات[9] لرسالة جيروم رقم ۳۳، وأن الأربع جاءت من مصدر واحد وكانت تحتوي بنفس الطريقة على ذكر السبع عشرة عظة المتعلقة بسفر التكوين. وكان من السهل استخلاص أن رقم 17 في العظات قد أنتج كنوع من رد الفعل لرقم ۱۷ المذكور في رسالة جيروم. ويبدو أن أحد الكتاب قد أضاف بحسن نية شرطة زائدة للرقم 16 موفقاً بذلك بين أقوال جيروم وما يحويه المخطوط. أما الاعتراضات الأخرى التي تتعرض للتباين بين النصين فلا تقف أمام تأكيدات كاسيوذوروس بأن هناك ست عشرة عظة وأمام التحليل البنيوي للعظة السابعة عشرة الذي يبين أنها مكونة من جزئيين معكوسين من كتاب روفينوس حول مباركة الأسباط. فلا يمكن إذا الاعتماد على جيروم للدفاع عن تلك العظة السابعة عشرة.
٢. النموذج الأصلي
وإذا انتقلنا الآن مع بهرنز بعد موضوع عدد العظات إلى المخطوطات، فعن طريق لعبة الأخطاء والنواقص والاقتباسات من النص الكتابي، وبالرجوع للنصوص والوثائق القديمة وكذلك بالرجوع لاستنتاجات كوتشوه (Koetschau) وفي مقدمته لكتاب أوريجانوس (De Principiis) في مجموعة نصوص برلين، توصل بهرنز للنموذج الأصلي الوحيد لكل المخطوطات الذي يعود أصله إلى حوالي القرنين الخامس والسادس. وكان ذلك النموذج الأصلي، الذي ظهر في شكل مجموعة من المخطوطات. نظراً لكثرة النصوص لدى أوريجينيس. والمتحدر على الأرجح من مدينة نول حيث تم تنفيذه طبقاً لنفس نماذج روفينوس التي تم نقلها قبل مائة عام، قد وصل إلى صدیقه بولين، إلى أوجيبيوس (540م) رئيس دير كاستلوم لوکولانوم بجوار مدينة نابولي في بداية القرن السادس الميلادي. وهناك غالباً وجده واستعاره كاسيودور الذي كان يعرف أوجيبيوس[10]، وجعل فيفاريوم يأخذ منه نسخة. وكانت عظات أوريجانوس على الثمانية الأسفار، التي يميز فيما بينها 16 عظة خاصة بسفر التكوين، مجمعة في ثلاثة كتب الأول منها يحوي عظات على التكوين، ثم الخروج واللاويين، وقد استمرت مرتبطة عموما في المخطوطات التي وصلت إلينا، وقد جاءت هذه المخطوطات كلها من نسخة كاسيودور. ولكن هذه النسخة قد فقدت بالطبع، ولكنه قد دون نسخاً كثيرة ظهرت في مواقع مختلفة من أوروبا وأنتجت ما تبقى بين أيدينا من مخطوطات.
٣. مخطوطة مدينة ليون القديمة
من بين النسخ القريبة من نسخة كاسيودور أتيح لنا الاحتفاظ بنسخة غالية على قلب سكان مدينة ليون وهي النسخة الليونية القديمة 443 (443 Lugdunensis). وقد تعمق الباحثون في دراسة هذا المخطوط، وأفاد لوو المتخصص في الأدب اللاتيني أن هذا المخطوط كتب بمدينة ليون خلال القرن السابع على أقل تقدير[11]، في حين تصور بهرنز أنه من الممكن أن يكون قد كتب في نهاية القرن السادس. ولم يبرح المخطوط مدينة ليون منذ ذلك التاريخ ولكنه مع ذلك عانى من بعض التلفيات. ولنصرف النظر عن الثلاث عشرة صفحة التي تم نزعها بواسطة ليبري والتي صارت اليوم تعرف بالمخطوط الباريسي (le paris. Nouv. Acq. Lat. 1591)، فهي ليست ضمن نص العظات على سفر التكوين، كما هو الحال كذلك بالنسبة للصفحات من ۱۹۲ – ۲۷۹ والتي أضيفت في القرنين الثامن والتاسع. ولكننا مضطرون للتنويه، وبسبب أنها تعد جزء من العظات، أن الصفحتين الأوليين الأصليتين تنقصان حالياً من المخطوط، كما أن الصفحات ۷-۱۱ وكذا الصفحة ۷۷ قد تمت كتابتها في القرن التاسع وأنها بالتالي مقاطع لا تتسم نصوصها بذات أصالة النصوص الأخرى.
ومع ذلك وبالرغم من أننا نفضل هذا المخطوط إلا أنه لا يمكننا الاكتفاء به لإثبات نصوص العظات على سفر التكوين. فقدم تاريخه بل والاهتمام الذي أولاه له الناسخ أمداه بلا شك بقوة خاصة ولكن لا بد من مؤازرة المخطوطات الواردة من نموذج كاسيودور الإثبات النص. وقد توصل بهرنز لترتيب الـ 75 مخطوطة المحتوية على عظات سفر التكوين في رتب عديدة بشكل مفيد وذلك بعد عملية مقابلة النصوص واسعة النطاق. ولم يحتفظ لإثبات النص في كل عظة إلا بالمخطوطات التي بدت له ضرورية. ولنكتف هنا بذكر تلك المخطوطات باختصار حتى تسهل قراءة بعض الهوامش التي وضعناها في طبعتنا.
ترتيب المخطوطات
المجموعة أ
مخطوطة مدينة ليون رقم 423، القرنان السادس والسابع
المجموعة ب
مخطوطة برلين 4۲ (فيليب، ۱۹۷۰)، القرن العاشر
مخطوطة برلين ۳۲۹، القرن الحادي عشر
تحتوي هذه المجموعة على عشرين مخطوطاً أغلبها ألماني المصدر. هذه المخطوطات لا تشمل العظة السابعة عشرة الخاصة بسفر التكوين. كما تنسب الترجمة إلى اللاتينية إلى جيروم.
المجموعة ج
مخطوطة موناكو 14315، القرن التاسع
مخطوطة باريس ۱۹۲۸، القرن الثاني عشر
مخطوطة باريس 16834، القرن الثاني عشر. هذه مخطوطة استخدمها بهرنز فيما ندر. وتتضمن تصويبات علمية أجريت في القرن الثاني عشر.
وتحتوي هذه المجموعة على أكثر من ثلاثين مخطوطا (من مصادر عدة: فلاندرز، بافيار، النمسا، بوهيميا) والتي يأتي نموذجها الأصلي من فرنسا. والقاسم المشترك بينها هو احتواؤها على العظة السابعة عشرة الخاصة بسفر التكوين.
المجموعة د
مخطوطة كولوني 3 (دارمستادت ۲۰۰۶)، القرن التاسع. وهي مخطوطة مستقلة مميزة بتاريخها وأصلها الذي يعود للشمال وتشابهها مع المجموعة أ.
المجموعة هـ
مخطوطة كاسيني 342، القرن الثاني عشر
مخطوطة الفاتيكان 204، القرن الحادي عشر
وكلاهما يمثل عدداً يقارب العشرة مخطوطات والتي يقع نموذجها الأصلي في مدينة كاسينو حيث من المحتمل أن يكون قد صيغ بأسلوب مخطوط كاسيودور. وتجدر الإشارة بأن هذه المجموعة لا تحتوي على العظة السابعة عشرة الخاصة بسفر التكوين.
المجموعة و
مخطوطة فلورنس القديس ماركوس 607، القرن الحادي عشر وهي مخطوطة مستقلة.
المجموعة ز
مخطوطة باريس 1625، ما بين القرنين السابع والثامن. وهي تعكس تقليداً مستقلاً وتظهر ناقصة في بدايتها وأيضاً في نهايتها.
المخطوطات التي اعتمدت عليها الترجمة الحالية
لقد اتبعنا في الأغلب نص بهرنز، ولكن قد نأتي أحياناً باختيار جديد أو بتكهن ما، توضحه الهوامش وتعلل له. وهناك بعض التعديلات الطفيفة الأخرى منها ما قد اقترحها بهرنز نفسه في ملحقات ما كتب، وقد تمت الإشارة دائماً إلى تلك التصحيحات وتم تبريرها في الهوامش.
الشذرات اليونانية
هناك نقطة خاصة بدت لنا طبعة بهرنز غير كافية بالنسبة لها وهي المقطع اليوناني بالعظة الثانية، حيث يدور الموضوع حول وصف فلك نوح. وقد جذب ذلك المقطع البديع اهتمام الكتاب القدامى فنقلوا لنا عنه عدة أجزاء في “السلاسل”. وقد ترك لنا بروكوبوس المختص بتجميع العظات، والذي كان يماثل في طريقته كتاب “السلاسل، فقرة طويلة تبدو وكأنها قطعة واحدة ولكنها في حقيقة الأمر تحوي العديد من المقاطع مجهولة الأطوال.
وقد تصور بهرنز أنه يمكنه استكمال نص بروكوبوس عن طريق “السلاسل”، وربط هذه بتلك مما نتج عنه نص متصل ولكنه غير متجانس وغير دقيق. وقد يتصور القارئ أنه أمام كتابة أوريجانوس الأصلية. ولكن الحقيقة أن ما تحت أيدينا من مصادر لا يسمح لنا بإعادة الفقرة كما كتبها أوريجانوس بنفسه. وقد أراد بهرنز هو وبروكوبوس، كل بأسلوبه، أن يربطا نصوص أوريجانوس وديديموس (على سفر التكوين عن طريق القطع والتنقيح كما يوافقهما بحيث صار من المستحيل الرجوع لنموذج نص أوريجانوس الأصلي. ولكننا نستطيع فقط أن نقدم من ناحية نص بروكوبوس ومن ناحية أخرى نص المجموعات وأن نحاول في كل منهما أن نستوضح ما يعود لأوريجينيس بمقارنته بحكمة مع النص اللاتيني. وسوف نكتشف حينئذ أن جزءًا من النص اليوناني الذي طبعه بهرنز مصدره ديديموس. والواقع أن المجموعات من النوع الثاني[12] (والتي أجريت لها فحوص طفيفة عام 1916م) ترجع لديديموس الكثير من الفقرات التي لم يدرك بروكوبوس الفرق بينها والذي يقترب مضمونها من نص روفينوس. ويؤكد اكتشاف تعليق ديديموس على سفر التكوين بمدينة تورا عام 1941م على هذا التحليل. ولذا فلا ينبغي أن ننخدع بجملة المقتطفات اليونانية التي تقدمها طبعة برلين فبها أجزاء ليست من عظات أوريجينيس. والمقال الذي كرسناه منذ وقت ليس ببعيد لهذا الموضوع[13] يعفينا من إعادة ذكر ما ورد فيه هنا. كما أننا لن نحاول استخلاص الفقرات اليونانية الخاصة بأوريجينيس من روائع بروكويوس المعقدة ولا من “السلاسل” لمقارنتها بالعظة اللاتينية. وسوف نجد كافة الإرشادات المطلوبة في المقال السابق ذكره.
ترجمة روفينوس
كما قلنا سابقا لم يكن روفينوس مترجماً دقيقاً ولكنه كان مترجماً ذكياً، بل يمكن القول إنه كان مؤلفاً من حيث إنه يرتب الأفكار ويتقن الأسلوب. وأمام بعض الفقرات اليونانية الباقية تدهشنا السلاسة التي يقترب بها روفينوس في ترجمته من أوريجانوس دون محاكاة لأسلوبه اللفظي. فهو إما أشد إيجازاً أو أكثر إسهاباً. وهو يعيد ترتيب المفردات وقد يسقط بعضها حين يرى أنها لا تمثل قيمة للقارئ اللاتيني، كما يعمد إلى التفخيم في الأسلوب الذي لا يستطيع التحكم به، ولكنه يظل دائماً في تعديله أميناً في نقل فكر أوريجينيس.
ومن الأساليب البلاغية التي اعتاد روفينوس كمترجم وككاتب أنيق العبارة استخدامها أسلوب الثنائيات، حيث يبدو أنه يلذ له الإتيان بكلمتين من صنعته اللغوية في حين أن أوريجانوس لم يكن قد استخدم سوى كلمة واحدة فقط. أيكون قد أعطى بذلك معنى أفضل للنص اليونانية ليس ذلك مؤكدا إلا إذا رجعت الكلمتين معا للأصل اليوناني. ولذا لا يجب أن نرضخ في اللغة الفرنسية لكل تلك الثنائيات. وعلى كل حال، فإن توازن الجمل اللاتينية يعد أكثر انسجاماً من اليونانية.
هذا الميل للألفاظ وللجملة، وهذا الإحساس بالتناغم والبنية النحوية وكذلك الترتيب المعين في الإنشاء كل ذلك يخص روفينوس. بينما الإلهام والأفكار واختيار النصوص الكتابية وأيضاً الرؤى الروحية إنما يصدر عن أوريجينيس. وفيما يتعلق بعظاتنا وبالهدف الروحي المرجو منها يمكننا الثقة بروفينوس، فهو يضع أوريجانوس في متناول القارئ الذي لا يعرف اليونانية، ولا يخونه أبداً.
ل. دوترولو
[1] See: Histoire et Esprit (1950) et Exegese médievale, t. I (1959).
[2] H. E. VI, 36, 1
[3] Apologie pour Origene, PG 17, 545 BC.
[4] Lettre 33, a Paula, CSEL 54, p. 257
[5] له كتاب بالألمانية جمع فيه عظات أوريجينيس – طبعة ليبزج ۱۹۱۹..
- A. BAEHRENS, Uberlieferung und Textgeschichte der lateinisch erhalten Origenshomilien zum Alten Testament, TU 42, 1, Leipzig 1916.
[6] يفترض كتاب. إيزيدور (Les Quaestiones in Genesim d’ISIDORE PL 83 ,207 – 288) أن بعد عظات أوريجينيس على سفر التكوين التي نهل منها بوضوح، وجد إيزيدور العظة السابعة عشرة عن مباركة الآباء التي استوحي منها في الفصل الحادي والثلاثين. ومن الممكن أن نجادل بأن الأفكار التي وردت في هذا الفصل قد جاءت من مصدر آخر مستقل من المرجح أنه كتيب روفينوس حول ذات الموضوع. ولكن بالإضافة إلى أن إيزيدور لم يذكر روفينوس بين مصادره، فإن نفس بنية فصل إيزيدور، الذي يغير ترتيب الآباء حسب العظة ۱۷ يجبرنا على تصور أن إيزيدور اطلع على نسخة تحتوي على العظات السبعة عشر لأوريجينيس
[7] Spicilegium Solesmense III, 1855, p. 315.
[8] v. g. HARNACK, Gesch. D. Artchristl. Liter. I, 1893, p. 344
[9] تأتي الأربع مخطوطات من الفلاندرز:
De Saint-Amand en Pevele, Paris 1628, s. XII ; de Saint-Martin de Tournai, Paris.1629, s. XII ; de Sainte-Marie d’Aulne; Bruxelles 912, S. XII; de Saint Vaast, Arras 849, s. XIII.
لقد عرفنا اثنتين أخريين عن بيهرنز وهيلبرج، ناشر رسائل جيروم في:
(CSEL: Berlin, Staatsbibl. Lat. Fol. 194, s. XII et Vat. Urb. Lat. 504, s. XV)
لكننا علمنا في آخر لحظة الرسالة لا توجد في مجموعة برلين على عكس مؤشرات الفهرس.
[10] CASSIODORE, De inst. Divin. Liter. 23, PL 70, 1137 AB.
[11] E. A. LOWE, Codices Lugdunenses antiquissimi, Lyon 1924, p. 37.
[12] لا يوجد من هذا النوع سوى مخطوطتين: Mosq . 385 , s . X ونسختها و .Vat Barberinianus 569 , s . XVI . كان بهرينز يعرفهما (TU 42, 1, p, 232-233) لكن يبدو أنه لم يستطع أن يصل اليهما وقت الحرب. لنضف Matrit . 4673 , s XVI . الذي أشار على بها بوتي F . Petit للتو. إذ لم توجد 385. Mosq، ساعدت 569 .Barb ناشري أوريجينيس القدامى. اقتبس دولارو نصوصها من ملفات كومبفيس .Combefis الذي يدين بها إلى نسخة معمولة على 569 .Barb. ارجع إلى:
- DOUTRELEAU, Recherches autour de la Catena Romana de Combefis, dans Corona gratianum II (Melanges E. Dekkers), 1975, p. 367 – 388
[13] المقطع اليوناني لعظة أوريجينيس الثانية عن سفر التكوين. نقد للنص في:Revue d’Histoire des Textes, t. 77, 1975.