هل المعجزات الكتابية أسطورية؟ – جارى ر. هابيرماس
هذه المقالة، هى الجزء السادس من سلسلتنا “الراسخون في العلم”، حيث يطرح العلماء المتخصصين حول العالم، إجابات كثيرة على أسئلة متعددة. وفى هذه المقالة يجيب العالم الكبير جارى ر. هابيرماس، على سؤال هام وهو: هل المعجزات الكتابية أستقاها المؤلفين من الأساطير الوثنية القديمة؟ ويقوم هابيرماس بتسيلط مزيد من الضوء على قيامة المسيح بالتحديد. تمت ترجمة هذه المقالة عن مرجع السلسلة، الكتاب المقدس الدفاعى، ص 1430.
هناك إدعاءات متكررة تقول أن المعجزات الكتابية، وخاصةً معجزات يسوع، إستوحاها المؤلفين وإستلهموها من القصص الوثنية في العالم القديم. نسمع كثيراً أن معجزات الشفاء، اخراج الشياطين، الميلاد العذراوى، والقيامة من الموت، كانت كل هذه المعجزات مشتركة في القصص الوثنية في الأزمنة القديمة.
و بينما أنه صحيح أن عدد ضخم من قصص المعجزات كانت موجودة في العالم القديم، فإن هذا لا يعنى أن الكتاب المقدس قام بتكرار نفس هذه القصص. ورغم أن هذا الإدعاء موجود بكثرة في الدوائر الشعبية، فإن هذا الإفتراض خاطىء على عدة مستويات.
و هو أمر حقيقى أن بعض العلماء يؤكدون على التشابهات بين القصص الإعجازية في الكتاب المقدس والوثنية. ولكننا يجب أيضاً أن نؤكد على الإختلافات الرهيبة بينهما، وهى الإختلافات العامة والعميقة جداً. مثلاً، هناك فجوة فلسفية هائلة بين الخلفيات الكتابية والوثنية لقصص المعجزات الخاصة بكل منهما.
العقلية الوثنية كانت مرتبطة جداً بالطبيعة على نحو دائرى في نطاقات واحدة متكررة، وتتميز بإختلاف فصول السنة حسب الطبيعة. على العكس من ذلك، كانت الفلسفة اليهودية تسير في نطاقات خطية واحدة، من حدث لآخر، تتأجج في ذروة الله العظمى.
أكثر من ذلك، هذه القصص الوثنية غالباً تهتم بأشخاص معينين لم يكن لهم وجود حقيقى أصلاً في التاريخ، مثل هيراقليطوس في الأسطورة اليونانية القديمة. بينما يسوع وصانعى المعجزات الأخرى في الكتاب المقدس كانوا أشخاص حقيقيين بلا أى شك. بالإضافة إلى ذلك، يلاحظ العلماء أن هذه القصص الوثنية لم يكن لها أى تأثير يُذكر في منطقة فلسطين في القرن الأول، حيث كان يوجد في فلسطين وجهة نظر أخرى سائدة في ذلك العصر.
الأمر المفاجىء حقاً، أنه لا يوجد أى من القصص الإعجازية في العالم القديم، يمكن أن ترشح نفسها كالإلهام الحقيقى لقصص معجزات يسوع. فالقليل جداً من هذه القصص التى تتشابه مع معجزات يسوع يسبق عصر يسوع أصلاً، ولذلك من الصعب جداً إثبات وجود أى توازى بين القصص الوثنية ومعجزات يسوع.
و بالنسبة لقيامة يسوع، فإن القول بأنها مُستقاة من القصص الوثنية، يصل إلى قمة عدم ملائمته للموقف ويظهر بشكل واضح جداً. فالكتابات التاريخية توضح أن المزاعم الخاصة بأبطال وثنيين أُعِيدوا للحياة مرة أخرى، ظهرت بعدما تم تدوين قصص المعجزات في العهد الجديد. والعلماء يعرفون جيداً أن بعض التعاليم الدينية القديمة قد قامت بالنسخ المباشر عن المسيحية، وقيامة يسوع من الموت قد تكون مثال لما تم نسخه!
إذن، فهناك عدة أسباب حول لما أن قصص العهد الجديد لم تُؤخذ من النصوص الوثنية. وأكثر الإجابات الحاسمة هى ببساطة: لدينا أسباب كثيرة أن نعتقد بأن يسوع قام بالفعل بعمل معجزات كثيرة في أثناء خدمته على الأرض. وفعلياً، كل العلماء النقديين حالياً تقريباً يتفقون على أن يسوع قام بصنع أعمال كثيرة تُسمى “معجزات” و”اخراج الشياطين”.
و الأهم من بين كل هذا، هو أنه يوجد كمية ضخمة من الأدلة تقول بأن يسوع قد قام حقاً من الموت. مثلاً، لدينا تقارير موثوق فيها من عدة مؤلفين حول أناس إعتقدوا بالفعل أنهم رأوا يسوع القائم من الموت. وأكثر الشهود حسماً هو بولس، شاهد عيان أمدنا بشهادة قديمة جداً وواضحة.
إذن، لا يجب علينا أن نهمل النقطة الواضحة أن عدداً من الشهود الموثوق فيهم والقدامى، بما فيهم الإثنين المتشككين جداً بولس ويعقوب، كانوا يكرزون بقناعتهم أنهما رأوا يسوع القائم، وهى الكرازة التى كانوا مستعدين للموت من أجلها.
فبعيداً عن كونهم أستلهموا القصص الإعجازية من قصص وثنية بعيدة جداً عنهم، كان الكثيرين مستعدين للموت، ومات الكثيرين من أجل ايمانهم الأمين؛ أنهم رأوا بالفعل يسوع القائم من بين الأموات.
القصص الوثنية لا تفسر هذه القناعة!
ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث – الجزء الثاني – عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان