شهادة العلماء لسلامة نص العهد الجديد
جوردون د. في[1]:
“الغالبية العُظمى من الأخطاء الموجودة في مخطوطات العهد الجديد، حدثت في أكثر الفترات صعوبة في إعادة تكوينها، وهي فترة الأربعة قرون الأولى. سبب كبير لهذه الصعوبة يأتى من عمل أقدم النُساخ المسيحيين. ففي الوقت الذي كان فيه غالبية الناس غير مُتعلمين، وهو الوقت الذي دخلت فيه المسيحية في اضطهاد عنيف مُتكرر لعدة مرات، كان هناك عدد قليل من النُسخ الذين تدربوا بإحتراف لخدمة الكنيسة. بالإضافة إلى ذلك، فنادراً ما نجد أن النُساخ (القُدامى) ساروا بنفس روح النُساخ المتأخرين الذين ساروا بحسب تعليم الرب في التثنية 12: 32:”لا تُزِد عليه، ولا تُنقِص منه”.
في الحقيقة، فيبدو أن العكس هو الحقيقى بالنسبة لنُساخ أول قرنين. لقد أنتج هؤلاء النُساخ آلاف التغييرات في النص. لكن لنكن متأكدين، فغالبية هذه الأخطاء غير مقصودة، ويُمكن تحديدهم بسهولة، وهم عبارة عن زلات من العين أو الأذن أو العقل. ولكن مئات من التغييرات في النص كانت مقصودة. غير أننا لا يجب أن نعتقد بأن هؤلاء النساخ قاموا بذلك لأهداف شريرة. فإذا كانوا قد شعروا ببعض الحرية في نسخ نصوصهم، فمن الواضح أنهم قاموا بذلك ليحاولوا “المُساعدة”. كان هؤلاء النُساخ مُهتمين بجعل رسالة النص المقدس أكثر وضوحاً، من نقل مخطوطات لا تحتوي على أي أخطاء”.
مايكل و. هولمز[2]:
“فعلياً، وبالنظر إلى الاهتمام، الذي يجب فعلاً أن يكون، حول الأماكن التى يختلف فيها الدليل، فإنه من الجدير بالإنتباه مُلاحظة الحجم الكبير الثابت نصياً في العهد الجديد تماماً. قام كرت وبربارا آلاند بعمل مسح شامل، وكشف عن أنه من بين 7947 نص في العهد الجديد اليوناني، فهناك سبع إصدارات رئيسية للعهد الجديد اليوناني في اتفاق تام في 4999 نص، أي 62.9 % (آلاند، نص العهد الجديد، ص 28 – 29).
وإذا قام الفرد بتنحية الإختلافات الثانوية بين هذه الإصدارات، فنستطيع القول بأن عدد النصوص التى تتفق جوهرياً، تقترب من 90 % من مجموع النص. لكن لنكن متأكدين، الإختلافات المتبقية من الممكن أن تكون جوهرية وعامة واستحقوا الانتباه لهم عبر القرون بواسطة نُقاد النص. لكن يجب على الفرد ألا يهمل وضع هذه الاختلافات في وجهة نظر، خاصةً وأن الناس الغير متدربين في الموضوعات النصية، يُصدمون في بعض الأحيان حينما يُقابلون عبارات مثل:”هناك أكثر من 30000 خطأ في العهد الجديد”.
والمقصود من هذه العبارات أن العهد الجديد غير موثوق. هذه التصريحات غير دقيقة وغير عالمة بالنقد النصي. فإذا كان على الفرد أن يجعل مفهوم “الخطأ” واسع لكي يشتمل اخطاء واختلافات التهجئة، إذن فهناك بالفعل عشرات إن لم يكن مئات الآلاف من “الأخطاء” بين أكثر من 5000 مخطوطة للعهد الجديد. ولكن هذا لا يؤثر في موثوقية العهد الجديد ذاته، لأنه حينما تكون مجموعة من المخطوطات تحتوي على خطأ، فهناك مخطوطات أخرى إحتفظت بالنص الأصلى”.
جاكوب هـ. جرينلى[3]:
“فى السنوات الحديثة، أصبح من الشائع، بتزايد، لبعض العلماء المبالغة في المدى الذي إليه غير نُساخ مخطوطات العهد الجديد القُدامى، النص الكتابى بتعمد، ليتوافق مع تحيزاتهم اللاهوتية الخاصة. بعض هؤلاء العلماء يُدللوا ان هذه الإفسادات المُتعمدة او اللاهوتية، قد حرّفت على نحو هام، رسالة المؤلفين الكتابيين الأصليين. أمثال هؤلاء النُقاد يُدعمون إحتجاجهم بذكر العدد العام للإختلافات بين جميع مخطوطات العهد الجديد المعروفة. التقديرات تصل علياً، الى حد أربعمائة ألف قراءة، وهو العدد الأكبر من عدد كلمات العهد الجديد كاملاً.
بينما انه من المُمكن الاحتجاج على انه في مواضع نادرة تمت تعديلات مُتعمدة في مخطوطات العهد الجديد، فإن هناك اسباب عديدة للإستنتاج بأن هذه الإدعاءات بفساد نصي هادف، قد إنتفخت بشكل فادح. أكثر من ذلك، بسبب العدد الضخم لمخطوطات العهد الجديد الموجودة اليوم، العلماء النصيين مقتنعين شبه عالمياً، ان هذه التغييرات المُتعمدة، لأي مدى قد حدثت، فإنها لم تُحرِف بجدية رسالة المؤلفين الأصليين، ولا قد أعاقت قدرتنا لاكتشاف القراءات الأصلية في الغالبية العظمى من الحالات”.
بيتر م. هيد[4]:
“هؤلاء النُساخ كانوا مهتمين بـ “نقل” النصوص، وليس بخلق نصوص جديدة. رغم هذا فإن انتقال نصوص الأناجيل لا يُجب أن يُنظر له على أنه نشاط محايد. فناسخ العهد الجديد كان عضواً مشاركاً في حياة وايمان الكنيسة، وهذين العاملين، الحياة والإيمان، أثرا على عملية الانتقال. وهذا واضح بقوة في المخطوطات المتأخرة والتي تعكس حالة تكريس وكرازة. كذلك النُساخ القُدامى كان يحركهم التكريس والكرازة. ولكن مع بعض الاستثناءات، فإن غالبيتهم قاموا محاولة “تحسين” نصوص الأنجيل. التحسينات التى اختبرناها هنا لم تؤثر على الموثوقية العامة لإنتقال نصوص العهد الجديد على أي نحو هام”.
دانيال ب. والاس[5]:
“نص العهد الجديد كان مُستقر بشكل عجيب عبر القرون. نستطيع قياس حالة الاستقرار هذه، ببيان الاختلافات بين النص اليوناني الذي يقف خلف ترجمة الملك جيمس (المعروف باسم النص المُستلم Textus Receptus ويُختصر إلى TR)، والنص اليوناني الذي يقف وراء الترجمات الحديثة للعهد الجديد. فرغم أن ترجمة الملك جيمس عمرها يتجاوز الربعمائة عام، فقد استندت إلى مخطوطات متأخرة على نحو هام، أكثر من الترجمات الحديثة. لذلك فهى تُمثل نص قد نما عبر القرون. ورغم ذلك، فهناك خمسة آلاف إختلاف فقط بين النص المُستلم، ونص الإصدار السابع والعشرين لـ “نيستل – آلاند”.
بكلمات أخرى، الإصداران يتفقان معاً في أكثر من 96 بالمئة. هناك طريقة أخرى للنظر في هذا الأمر، استقرارية نص العهد الجديد، وهي النظر في طبيعة القراءات النصية. كل القراءات النصية يُمكن تصنيفها في ثلاث مجموعات: قراءات غير هامة لمعنى النص، قراءات هامة (أو لها معنى) ولكن غير تطبيقية، وقراءات لها معنى وتطبيقية (نقصد بـ “تطبيقية”، أنها تحتمل إدعاء الأصالة). الغالبية العظمى من القراءات النصية تنتمي للمجموعتين الأولى والثانية”.
بروس م. ميتزجر:
“الغالبية العظمى من هذه القراءات المختلفة، تتضمن تفاصيل غير هامة، مثل التهجئات المختلفة، الاختلاف في ترتيب الكلمات، وتبادل المترادفات. وفى القراءات القليلة المتبقية والتي تتضمن معنى النص، فالعلماء المعاصرين عادةً ما يستطيعون تحديد ما الذي يقوله النص الأصلي، باحتمالية قد تقل أو تزيد”[6]، “هناك أدلة أخرى تُشير إلى العمل الحريض والمجتهد للكثير من النُساخ المُخلصين…حتى في التفاصيل العارضة، يُلاحظ الفرد اخلاص النُساخ”[7]، “يُمكننا ان نثق ثقة عظيمة في الإخلاص الذي وصلت به هذه النصوص إلينا، خاصةً لو قورنت بأى اعمال أدبية قديمة أخرى”[8].
موريس أ. روبينسون[9]:
“أى زعم يُوحى ان غياب الأصول المادية يُساوى غياب الموثوقية النصية او السلطة الكتابية هو زائف. نُسخ المخطوطات التى نمتلكها تبقى مُتطابقة مع الأصول، بشكل جوهرى. كما برهنت في بحثي، أقدم بردية موجودة (ليست بيزنطية)، إذا قُورنت مع نص مخطوطات الحروف الصغيرة البيزنطية التى نُسخت بعدها بألف عام، فإنهما يحتويان على تطابق حرفى بنسبة 92 %، بما فيهم الأخطاء النسخية والخلافات التي لا يُمكن ترجمتها. بوجود نسبة ضخمة من النص المُشترك، حتى بعد مرور ألفية من الانتقال النصي، فإنه من الواضح ان نص الأصول محفوظ جوهرياً، حتى بداخل النُسخ المتفاوتة التى تُمثل تقاليد نصية مختلفة قليلاً.
وبنفس القاعدة، فإن الشك ينبع بصعوبة حول هل نص الأصول قد حُفظ بشكل مُماثل خلال الفترة القصيرة جدا بين كتابة الأصول وأقدم المخطوطات المتوفرة. المُلاحظات التناقلية تُوحى بموثوقية تاريخ الإنتقال خلال الفترة القصيرة التى لا يتوفر بها دليل. بالإضافة الى ذلك، كل المبادىء العقيدية موجودة بشكل واضح في نسبة متوسط النص الأساسي 92 %.
لا يُوجد عقيدة أُثبتت او أُبطلت في النسبة المُتبقية 8 %، حيث تُوجد الإختلافات. ايضاً، غالبية القراءات هي صغرى وبشكل عام هي إسلوبية في طبيعتها. إذا أستبعدنا الأخطاء النسخية الغير المُترجمة، والإسلوبية الثانوية، فإن الاتفاق الكامل بين أقدم المخطوطات وأكثرها تأخراً سيتضح جوهرياً. الوثائق المتوفرة تُمثل الأصول في كل النقاط المبدئية بدقة. والنص الذي نمتلكه الآن كافي وواقعي لإثبات وتأكيد كل المواقف العقيدية التى قامت بها المسيحية المُستقيمة”.
نيكولاس بيرين[10]:
“يسوع الذي عرفه مسيحيو القرن الأول في الأناجيل الأربعة قبل ألفى عام، هو هو نفسه يسوع الذي نجده في كتبنا المقدسة اليوم. لو أن هناك خلافات ثانوية في الصياغة بين مخطوطات الأناجيل، فهذا لا يُبطِل الإيمان المسيحى. على العكس، فإنه يذكرنا بأن الحقيقة المُطلقة والجمال المُطلق، الذي يريد عبادتنا، لا يجب مساواته بالكتاب المقدس، بل بذاك الذي يشهد له الكتاب المقدس. وعبر القرون، تسلمت الكنيسة رسالة الله المتجسد عن طريق أيادي النُساخ، المتلعثمة في بعض الأحيان، وقد نجح يسوع في عبور هذه القرون دون أن يُفقد في انتقال النص. انتقال النص ليس مُطلقاً، ولكنه كافٍ لنا”.
[1] R. K. Harrison, B. K. Waltke, D. Guthrie & G. D. Fee, Biblical Criticism: Historical, Literary And Textual, Zondervan: USA 1978, P. 138-139
[2] Michael W. Holmes, Textual Criticism, In: New Testament Criticism And Interpretation, Editors: David A. Black & David S. Dockery, Zondervan: USA 1991, P. 127-128
[3] J. Harold Greenlee, The Text of The New Testament: From Manuscript to Modern Edition, Hendrickson Publishers, USA: 2008, P. 75
[4] Peter M. Head, Christology & Textual Transmission: Reverential Alterations In The Synoptic Gospels, Novum Testamentum, Vol. 35, No. 2, (April 1993), P. 128-129
[5] Daniel B. Wallace, Laying A Foundation: New Testament Textual Criticism, In: Interpreting The New Testament Text: Introduction To The Art & Science Of Exegesis, Edited By Darrell L. Bock & Buist M. Fanning, CrossWay Book: USA 2006, P. 34
[6] Herber G. May & Bruce M. Metzger, The Oxford Annotated Bible, Oxford University Press 1962, P. 1169
[7] Bruce M. Metzger & Bart D. Ehrman, The Text Of The New Testament: Its Transmission, Corruption & Restoration, 4th Edition, Oxford University Press 2005, P. 271
[8] القضية…المسيح، لى ستروبل، ترجمة سعد مقارى، دار الكلمة 2007، ص 80
[9] http://www.daveblackonline.com/interview_with_maurice_robinson2.htm
[10] Nicholas Perrin, Lost In Transmission? What We Can Know About The Words Of Jesus, Thomas Nelson Publishing: USA 2007, P. 145