إعادة النظر إلى الصورة الكبيرة – مشكلة الشر
إعادة النظر إلى الصورة الكبيرة – مشكلة الشر
رؤيا 5
«ورأيت على يمين الجالس على العرش سفراً مكتوباً من داخل ومن وراء مختوماً بسبعة ختوم. ورأيت ملاكاً قوياً ينادي بصوت عظيم من هو مستحق أن يفتح السفر ويفك ختومه. فلم يستطع أحد في السماء ولا على الأرض ولا تحت الأرض أن يفتح السفر ولا أن ينظر إليه. فصرت أبكي كثيراً لأنه لم يوجد أحد مستحقاً أن يفتح السفر ويقرأه ولا أن ينظر إليه. فقال لي واحد من الشيوخ لا تبك. هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا أصل داود ليفتح السفر ويفك ختومه السبعة ورأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة وفي وسط الشيوخ خروف قائم كأنه مذبوح له سبعة قرون وسبع أعين هي سبعة أرواح الله المرسلة إلى كل الأرض. فأتى وأخذ السفر من يمين الجالس على العرش. ولما أخذ السفر خرت الأربعة الحيوانات الأربعة والعشرون شيخاً أمام الخروف ولهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب مملوءة بخوراً هي صلوات القديسين. وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنة فسنملك على الأرض. ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف قائلين بصوت عظيم مستحق هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة. وكل خليقة مما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين. وكانت الحيوانات الأربعة تقول آمين. والشيوخ الأربعة والعشرون خروا وسجدوا للحي إلى أبد الآبدين.»
ربما تكون مثلي، مغرماً بروايات الجرائم المثيرة. فلا بد أن أعترف أنني أحب أن أجلس وأستغرق في مغامرات أجاثا كريستي من وقت لآخر. فهل لاحظت من قبل عدد القصص التي يرى فيها شخص شيء ما يبدأ الإثارة عن طريق المصادفة. ربما عن طريق ثقب الباب مثلاً؟ ربما يحدث أن أحد الخدم “بالمصادفة” كان ينحني ليربط حذاءه، فرأى شيئاً غريباً يحدث، والذي يتضح بعد ذلك أنه مهم. لكن تكمن المشكلة في النظر من خلال ثقوب الأبواب في أن مجال الرؤية يكون محدوداً وضيقاً (إنني لست معتاداً بالطبع على النظر من خلال ثقب الباب!). لكن قد يكون هناك شخصاً يقف بعيداً عن الأنظار، أو يكون هناك شيء يحدث لا تستطيع أن تراه، ولكنه يصنع اختلافاً كبيراً في عالم تفسيرك للأشياء. ويبدو لي أن المسيحيين في بعض الأحيان يشتركون فيما يطلق عليه “لاهوت ثقب الباب”، بمعنى أنه يأخذون جزء مما يعرفونه على الله أو عن الكتاب المقدس، ويفهمونه عن خطأ باعتباره هو الصورة الكلية. فمثلاً، في مرقص 11: 24 يقول يسوع: «لذلك أقول لكم كل ما تطلبونه حينما تصلون فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم.» يفهم البعض هذه الآية كأنها “شيك على بياض” للصلاة، كما لو أنه يمكن للمرء أن يطلب أي شيء، وإذا كان لدى المرء إيمان كاف فإنه لا بد وأن ينال هذا الشيء، مهما كان. لذلك ليس من المستغرب أن يصاب البعض بالإحباط سريعاً، عندم لا ينالون استجابة لبعض من صلواتهم بالطريقة التي توقعوها على أساس هذه الآية. فما يحدث هنا هو أنه يتم آخذ آية واحدة منفردة باعتبارها ثقب الباب لفهم موضوع الصلاة بأكمله، دون الانتباه إلى المقاطع الكتابية الأخرى التي تؤكد على سيادة الله وسلطانه على كل الأمور، وحقيقة أن الله ملك ولذلك فإن لديه الحق والسلطان لعدم إجابة بعض من صلواتنا، أو تعديلها وإعطائنا شيئاً أفضل.
لكننا في رؤيا 5 لا يكون لدينا ثقب الباب هذا، بل مكان بأكمله مفتوح لنا، باب يكشف عمل الله السيادي الكامل في الخليقة كلها من خلال ابنه يسوع المسيح.
العرش الذي يقع في المركز
قبل أن نلقى نظرة على هذا المقطع المدهش بالتفصيل، قد يكون من المفيد أن نقول كلمات قليلة عن فهم سفر الرؤيا عامة. دعونا نواجه حقيقة أن هذا السفر كان أرضاً خصبة للطوائف المختلفة، إذ يقدم مادة وفيرة لتدعيم معتقدات كل منها الخاصة. يضل الناس بسهولة عندما يقرأون في هذا السفر، والسبب الأساسي في ذلك هو الفشل في إدراك نوع هذا السفر، فهو ليس لغز ديني عبارة عن كلمات متقاطعة، تم تصميمه لشغل عقول أولئك الذين لديهم وقت فراغ كبير. بل هو رسالة رعوية مكتوبة للمسيحيين الذين كانوا يتمزقون حرفياً بسبب إيمانهم. وباستخدام التشبيهات القوية التي يأتي معظمها من العهد القديم، يقصد بهذا السفر أن يكون مصدراً لتعزية المؤمنين الذين يجدون الحياة صعبة لدرجة لا يمكن احتمالها. كما أن أسلوب كتابته، الذي يطلق عليه الأسلوب النبوي، قد يبدو غريباً وغير معتاد بالنسبة لنا، لكن في الوقت الذي كان يوحنا يكتبه فيه (في حوالي التسعينات من القرن الميلادي الأول)، ومنذ حوالي قرن قبل ذلك، كان هذا الأسلوب مألوفاً بالنسبة للكثيرين. فالرموز، وخاصة استخدام الأرقام، كانت شائعة بالنسبة لأولئك الذين اعتادوا التعامل مع هذا النوع الخاص من الأساليب الأدبية.
لكن الرسالة الوحيدة الجلية التي لا يمكن أن نخطئها من هذا السفر، والتي تتكرر المرة تلو الأخرى، هي أن “إلهنا يملك”. هذا هو ما يعنى به سفر الرؤيا في الأساس. فلا شيء يحدث بالمصادفة، سواء كان في المجال الواسع للتاريخ البشري، أو في المشهد الأضيق للحياة المسيحية الشخصية. بل أن الله من خلال ابنه يأتي بأهدافه الأبدية لأجل خيرنا النهائي ومجده الأسمى، على الرغم من أنه في بعض الأحيان لا يبدو الأمر كذلك. وحيث أن الأمر لا يبدو كذلك في بعض الأحيان، فإننا نؤخذ مع يوحنا خلف المسرح، في الكواليس، لكي نرى ما هو مخفي عنا في الوقت الحاضر.
فالخلفية التي يتم وصفها في الأصحاح الرابع، هي كالآتي: يرى يوحنا في رؤيته باباً مفتوحاً له إلى العالم الروحي غير المرئي، في السماويات. فيرى أمامه مباشرة عرش الله، وهو عرش يشع بالنور والمجد، ويحتل مكانة المركز لكل شيء. ويحيط بالعرش أربعة وعشرون شيخاً، يمكن أن نعتبر أنهم يمثلون شعب الله بأكمله، في كل من العهدين القديم والجديد – متمثل في أسباط إسرائيل الاثني عشر وفي الاثني عشر رسولاً. ثم نلمح بعد ذلك الحيوانات الموجودة في عدد 6؛ فهناك أربعة حيوانات ترمز إلى أربعة أطراف الأرض. وهكذا، كما أن الشيوخ الأربع والعشرين يمثلون سيادة الله وحكمه على شعبه، تمثل الحيوانات الأربعة سيادة الله على كل خليقته. فلا شيء يقع أبعد من نطاق سلطانه وغرضه، فكل شيء قد خلق به ولأجله:
«أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة لأنك أنت خلقت كل الأشياء وهي بإرادتك كائنة وخلقت.» (4: 11)
لكن هذا هو الله الذي ليس فقط في محور الكون، ولكنه يجلس متوجاً ببهاء في وسط شعبه عندما يلتقون معاً. ثم نجد مفاجأة، أو على الأقل يمكن أن تكون مفاجأة بالنسبة لمسيحية يهودية في الثامنة عشرة من عمرها، والتي سنطلق عليها جوديث، من كنيسة سميرنا الصغيرة، عندما تسمع عن هذا السفر. ففي عام 95 ميلادية، وبسبب إيمانها، كانت مطروحة في زنزانة في السجن. فأسرتها اليهودية لم يكن لديهم ما يفعلونه معها، فهم لا يفهمون لماذا تركت ديانتها اليهودية وكل ما تقدمه لها، لكي تعبد نجار مصلوب من الناصرة. وحيث كانت جالسة ووحيدة في الزنزانة الباردة، كان الإمبراطور الروماني دوميتيان الذي يبدو جالساً آمناً على عرشه، هو الذي يحدد المصائر. لكن لا، لأنه بحسب هذه الرؤية، هذه الفتاة المسيحية، تلمس أطراف عرش الله الإلهي. فالله يحبها، ولا يزال يراها ويلاحظها ويهتم بها، وهي تعرف أنه هو المتحكم في الأمور، هل تؤمن بذلك؟ يا له من إيمان رائع، وهو إيمان جاء بتعزية لا يمكن التعبير عنها لعدد لا حصر له من المسيحيين عبر الأجيال، إذ كانوا يواجهون أكثر المواقف المروعة والمرعبة.
المستقبل الآمن
لكنك قد تقول: «إن ما يهمنى هو المستقبل. فقد يكون الله هو الخالق والحافظ لكل شيء، لكن هل يمكننا أن نتأكد من أن الأحداث المستقبلية لن تخرج عن السيطرة؟ إني أخاف من أن أستمع إلى نشرة أخبار الغد، لئلا أرى الأمور تتجه إلى الأسوأ.» هل سبق أن شعرت هكذا؟ إن كان كذلك، فإن رؤيا 5 يحوي رسالة لك؛ لأنه يحوي مسألة حماية وضمان الله للمستقبل:
«ورأيت على يمين الجالس على العرش سفراً مكتوباً من داخل ومن وراء مختوماً بسبعة ختوم. ورأيت ملاكاً قوياً ينادي بصوت عظيم من هو مستحق أن يفتح السفر ويفك ختومه. فلم يستطع أحد في السماء ولا على الأرض ولا تحت الأرض أن يفتح السفر ولا أن ينظر إليه، فصرت أنا ابكي كثيراً لأنه لم يوجد أحد مستحقاً أن يفتح السفر ويقرأه ولا أن ينظر إليه.» (الأعداد 1-4)
تشير يد الله دائماً إلى حكمه، وإلى أهدافه الصالحة التي يريد أن يحققها. أما السفر الذي في يده اليمنى فهو وثيقة قانونية مكتوبة على كلا وجهيها، ومختومة بسبعة أختام. وتفترض طبيعة تلك الوثيقة محتواها وهدفها، فهذه الوثيقة هي خطة الله، فهي حكم ومرسوم الله الملكي الخاص بالتاريخ البشري بأكمله. لكن هناك مشكلة، وهي أن الوثيقة مختومة بسبعة أختام (رقم الكمال)، وإذا لم يتم فتحها، ليس فقط لن يتم إعلان مشيئة الله، بل أيضاً لن يتم تنفيذها. بكلمات أخرى يمكن أن نقول إن فك الأختام هو أمر ضروري لأجل إعلان وتفعيل هذا المرسوم.
لذلك تخرج صرخة عظيمة في عدد 2، بصوت يتردد صداه عبر كل الكون، على أمل أن يكون هناك شخص ما يستطيع فك الأختام: «من هو مستحق أن يفتح السفر ويفك ختومه؟»
حاول أن تشعر بذروة التوتر في تلك اللحظة، والتي يعقبها صمت ثقيل، حيث تنتظر المخلوقات السماوية، راجية، ومصلية، أن تكون هناك إجابة. لكن يتبع ذلك ذعر ويأس مطبق: «فلم يستطيع أحد في السماء ولا على الأرض ولا تحت الأرض أن يفتح السفر ولا أن ينظر إليه.» فبكى يوحنا كثيراً، لأنه لم يوجد أحد.
هل حدث وحلمت بكابوس، رأيت فيه شيئاً مريعاً يحدث لك، وأنت تحاول الصراخ، لكن صوتك لا يخرج، ثم تستيقظ فجأة لتجد نفسك تبكي؟ كان هذا ما شعر به يوحنا هنا. لكن لماذا؟ حسناً، دعنا نفكر في النتائج. إذا لم يتم فتح هذا السفر، فلن يتم تحقيق خطة الله، ولن يتم حكم العالم لمصلحة الله وشعبه. لن يكون هناك حكم ودينونة، ولا تصحيح للأخطاء، ولا نصرة نهائية للخير على الشر. كما أن رجال مثل هتلر وستالين، وكل الطغاة الذين ظهروا عبر التاريخ، وحتى إبليس نفسه، كل هؤلاء سوف ينجون بأفعالهم الشريرة. باختصار، إذا لم يستطع الله أن يحقق أهدافه للعالم. فلن يكون هناك رجاء بتحقيق العدل أياً كان. ألا يعد هذا بالتأكيد هو الموقف المأساوي لأولئك الذي يعيشون بدون الله، الذين يؤمنون أننا نعيش في كون ليس له معنى ولا مغزى حقيقي، بل كل شيء فيه مجرد مصادفة كونية عظيمة؟ فقد يحاولون الحصول على أفضل ما يمكن من خلال وظيفة سيئة، لكن في نهاية اليوم، لا يوجد اختلاف جوهري بين اللص والقديس، فكلاهما يموت، وأخيراً سينتهي العالم إلى لا شيء. هذه هي النتيجة المنطقية الوحيدة لعدم الإيمان: «لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت». يا له من أمر مأساوي لو لم يكن هناك إله!
لكن، يحدث شيء بعد ذلك في عدد 5، وهو الإجابة على أزمة يوحنا، وفي الحقيقة على أزمة البشرية كلها. فقد وجد الشخص الذي يستطيع أن يفتح السفر ويفك ختومه ويحقق النصرة النهائية للخير على الشر: «فقال لي واحد من الشيوخ لا تبك. هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا أصل داود ليفتح السفر ويفك ختومه السبعة».
ومن هو هذا الشخص؟ إنه الرب يسوع المسيح.
الأسد الذي هو الخروف
هل تتخيل ذهول يوحنا الكامل، عندما ينظر فيرى أسداً، هذا الوحش الملكي الذي يرمز إلى القوة، فقط لكي يلمح خروفاً، ضعيفاً، وهو يعرج كما لو كان مذبوحاً: «ورأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة وفي وسط الشيوخ خروف قائم كأنه مذبوح» (ع 6). ومع ذلك، فالاثنان هما واحد. لأن يسوع المسيح الذي هو جالس الآن في السماوات فوق كل قوة وسلطة ورياسة، يلبس الجلال والبهاء، يشغل هذا المكان بالتحديد لأنه هو الوحيد الذي تألم ومات على الصليب. وحتى وهو في السماء، لا يزال يحمل جروح وندبات موته، يديه المثقوبتين، وجنبه المطعون. فالأسد هو الخروف. فقد قدم يسوع حياته كالحمل المذبوح لكي يغسل كل نجاسات خطيتنا، ولكي يرد عنا غضب الله، بأن تحمله هو نفسه، وبذلك هزم الخطية والموت والشيطان. فهو الحاكم المطلق، كلي المعرفة، كما تشير إلى ذلك القرون السبعة (فالقرون تشير إلى الحكم)، والعيون السبعة (التي ترمز إلى العلم والمعرفة الكلية). لا يوجد أحد آخر مستحق أو قادر على كشف وتنفيذ إرادة الله الآب إلا يسوع المسيح وحده، لذلك نجد التسبيح يقدم له في عدد 9:
«مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنة».
لقد عاش يسوع في طاعة تامة ومحبة كاملة للآب، حتى إلى مرحلة الموت صلباً دون أن يستحق ذلك، لكي يتمكن خطاة أشقياء مثلي ومثلك أن يذوقوا الحياة الأبدية. إن شخصاً مثل ذلك لا يستحق فقط أن يحكم كإله، ولكنه أيضاً قادر على ذلك. فيمكنك أن تثق في أن شخصاً مثله سيفعل الصواب. إنه أمر مذهل، كيف أنه عبر التاريخ كان الناس يبحثون عن قادة ونماذج، عن أشخاص لكي يتبعوهم – لكن الكتاب المقدس يقول لا تبحث أكثر من ذلك، فالقائد المطلق، يسوع المسيح، قد جاء.
الخطة التامة الكاملة
إن السؤال الذي يجب أن يرد على أذهاننا بقراءتنا لهذه الأعداد هو: «لماذا كان من الضروري لشخص ما أن يفتح السفر وينفذ خطط الله؟ لماذا لم يقم الله بذلك بنفسه، فهو الله على أية حال؟» تكمن الإجابة على ذلك السؤال في أن الكتاب المقدس يعلمنا عن قصد الله الأصلي لعالمه، ففي تكوين 1، 2، نرى أن خطة الله كانت أن يحكم عالمه ويعتني به من خلال الإنسان. لكن آدم، مع بقيتنا، قد أفسدنا هذا المخطط بتحولنا بعيداً عن الله، محاولين أن نعيش ونسلك كما لو كنا آلهة، محدثين فوضى عارمة في كل شيء حولنا! لكن الله كان مصراً على تحقيق قصده الأصلي، بأن يكون هناك شخص يملك على خليقته تحت سلطانه، ولكن كان عليه أولاً أن ينفذ تلك الخليقة ويخلصها، لكي يسلم الناس حياتهم إليه بحب، وكان هذا الشخص هو الإله الإنسان – يسوع المسيح.
وهذه هي الطريقة التي يعبر بها كاتب العبرانيين عن هذا الأمر، بقوله:
«فإنه لملائكة لم يخضع العالم العتيد الذي نتكلم عنه. لكن شهد واحد في موضع قائلاً ما هو الإنسان حتى تذكره وابن الإنسان حتى تفتقده. وضعته قليلاً عن الملائكة. بمجد وكرامة كللته وأقمته على أعمال يديك. أخضعت كل شيء تحت قدميه. لأنه إذ أخضع الكل له لم يترك شيئاً غير خاضع له. على أننا الآن لسنا نرى الكل بعد مخضعاً له. ولكن الذي وضع قليلاً عن الملائكة يسوع نراه مكللاً بالمجد والكرامة من أجل ألم الموت لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد.» (عبرانيين 2: 5-9)
إننا لا نرى كل شيء مخضع له بعد، لكن يسوع لا يزال على العرش، وبالإيمان نراه هناك، يوجه ويقود ويحرك كل الأحداث بحسب حكمته الفائقة إلى أن يأتي اليوم الذي سيعود فيه لكي يختم المسرحية كلها، ويصحح كل الأخطاء، ويأخذ أتباعه لكي يكونوا معه في “العالم الآتي” إلى الأبد، إذاً يوجد الآن مستقبل نتطلع إليه بشوق!
لاحظ الطريقة التي يطور بها الرسول بولس نفس الفكرة في رومية 8: 28: «ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله الذي هم مدعوون حسب قصده.» هذا هو ما يرمي إليه رؤيا 5. إن الله يعمل كل شيء ويحقق كل شيء من خلال المسيح، لأجل خير أولئك الذين يحبونه (حيث أن “الخير” هو أن نشابه صورة يسوع، كما يواصل القول في عدد 29). كل الأشياء؟ حتى الآلام والصعوبات؟ هذا هو ما يقوله تماماً.
وإذ يتأمل في سيادة الله من خلال استخدامه للألم لأجل تقديس شعبه، يكتب جون نيوتن، مؤلف الترانيم العظيم، والذي كان فيما سبق تاجراً من تجار الرقيق، هذه الكلمات، فيقول:
طلبت من الله أن أنمو |
| في الإيمان والمحبة، في كل نعمة، |
عندما نؤمن بذلك (ولا يمكن إلا للمسيحي الحقيقي أن يؤمن بذلك)، يصبح عندها من الممكن أن ننظر إلى الحياة والعالم بعيون مختلفة. ورغم أن الألم لا يزال موجوداً (حيث سيظل موجوداً دائماً في هذا العالم الساقط)، ومهما شعرنا بالضعف والتقلب، من الممكن بنعمة الله أن نواجه الحياة بيقين كامل بأن الله سيفعل ما هو صواب، فنحن لا نعرف ما يحمله لنا المستقبل، لكننا نعرف الشخص الذي يحمل المستقبل – الخروف الجالس على العرش.