آلام القديسين – مشكلة الشر
آلام القديسين – مشكلة الشر
1بطرس 4: 12-19
«أيها الأحباء لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة لأجل امتحانكم كأنه أصابكم أمر غريب بل كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضاً مبتهجين. إن عيرتم باسم المسيح فطوبى لكم لن روح المجد والله يحل عليكم. أما من جهتهم فيجدف عليه وأما من جهتكم فيمجد. فلا يتألم أحدكم كقاتل أو سارق أو فاعل شر أو متداخل في أمرو غيره. ولكن إن كان كمسيحي فلا يخجل بل يمجد الله من هذا القبيل. لأنه الوقت لابتداء القضاء من بيت الله. فإن كان أولاً منا فما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله. وإن كان البار بالجهد يخلص فالفاجر والخاطئ أي يظهران. فإذاً الذين يتألمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين في عمل الخير.»
واحد من أكثر المواقف المحزنة التي كان عليّ أن أتعامل معها عندما كنت قساً لكنيسة جامعة كيلي، هو موقف طالبة شابة، جاءت هذه الطالبة إلى الجامعة مليئة بالحياة والحماسة المسيحية، فقد قادت الكثيرين من أصدقائها إلى الإيمان الخلاصي بيسوع المسيح، وكانت قائدة لواحدة من مجموعات دراسة الكتاب المقدس، كما تم ترشيحها لتكون النائبة التالية لاتحاد الشباب المسيحي. لم يكن من الممكن أن تبدو الأمور واعدة ومبشرة بالخير أكثر من ذلك. لكن بعد ذلك، بدأ الناس تدريجياً يلحظون تغيراً، فلم تعد تهتم بالدراسة الكتابية، كما أن حضورها لاجتماعات اتحاد الشباب المسيحي والكنيسة أصبح غير منتظم، إلى أن توقفت في النهاية عن الحضور تماماً. بل أنها بدأت تقضي في حانة الشباب نفس قدر الوقت الذي اعتادت أن تقضيه في الاجتماعات المسيحية. كما بدأت أيضاً علاقة مع شخص غير مسيحي.
لذلك فقد طُلب إليّ أن أذهب لكي أتحدث معها. عندما التقيت بها أخيراً كانت محبطة للغاية وغير سعيدة. فسألتها بلطف بشأن التغيير الذي حل بها، ولماذا بدا عليها أنها قد ابتعدت عن الإيمان الذي كان في وقت ما ثميناً للغاية بالنسبة لها. فكانت إجابتها: «لقد تعرضت ببساطة للخداع. فقد كنت أعتقد أن المرء عندما يصبح مسيحياُ فإنه يكون سعيداً دائماً، لكني وجدت الأمور صعبة، وقد مررت بصراعات حقيقية، وأنت تعرف أن الله لا يجيب الصلاة دائماً. لذلك فقد فكرت: ما معنى كل هذا؟»
ربما نشعر ببعض التعاطف مع ما تقوله تلك الفتاة الشابة، خاصة في ضوء ما يقال في العظات التبشيرية هذه الأيام، حيث يعطى انطباع أن يسوع هو نوع من العلاج لكل الأمراض، ويقال الكثير عن بركات كون المرء مسيحياً، بينما لا يقال إلا القليل عن التكلفة والنفقة. إن النقطة التي أخطأت فيها تلك الشابة هي اعتقادها أن اهتمام الله الأعظم هو أن نكون سعداء – خالين من المتاعب ونشعر بمشاعر جيدة – بينما يوضح الكتاب المقدس تماماً أن إرادة الله هي أن نكون قديسين، بمعنى أن نصبح أكثر فأكثر شبه يسوع المسيح (1تسالونيكي 4: 3).
هل يمكنك أن تفكر في أحد أكثر صلاحاً وعطفاً من يسوع؟ هل هناك شخص أكثر رحمة ومحبة من يسوع؟ هل كان هناك شخص أكثر طاعة ورضى في علاقته بالله الآب أكثر من يسوع؟ لكي أيضاً، هل تعرض إنسان قط للاضطهاد أكثر من يسوع، أو تألم بأسوأ مما يمكن أن نتخيل، بالصلب والهزء، والجلد، والتعليق على خشبة والمسامير في يديه ورجليه؟ يخبرنا الكتاب المقدس أن يسوع «تعلم الطاعة مما تألم به» (عبرانيين 5: 8).
بكلمات أخرى، يستخدم الله الألم بصورة ما لكي يشكل شخصيتنا، بالتخلص من الأنانية وبناء الصفات المحببة مثل الصبر واللطف والتفهم. ومن خبرتي الشخصية، أجد أن أولئك المسيحيين الذين تألموا أكثر، يحبون أكثر، وتوجد بداخلهم سمات المسيح الرائعة، ولكن تلك السمات قد تم تحقيقها بتكلفة كبيرة.
يركز 1بطرس 4: 12-19 على الطريقة التي بها يستخدم الله شيئاً مثل الاضطهادات لجعل المؤمنين أشخاصاً أفضل. فكم من المرات التي صرخ فيها الناس: «لماذا يحدث هذا لي يا رب؟» وإحدى الإجابات على هذا السؤال، تقدمها لنا هذه الأعداد.
قاعدة إلهية
«أيها الأحباء لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة لأجل امتحانكم كأنه أصابكم أمر غريب بل كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا…» (ع 12). هذا يعني أن على المسيحي أن يتوقع حدوث مقاومة أو اضطهاد فقط على أساس أنه تابع للمسيح. ويسوع نفسه أخبرنا بذلك عندما قال: «إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم… ليس عبد أعظم من سيده. إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم.» (يوحنا 15: 18-20).
فالبشر، كما يخبرنا الكتاب المقدس كثيراً، ليسوا متعادلين في علاقتهم بالله، بل هم في حالة من التمرد والعصيان. فالرجال والنساء الذين يريدون أن يديروا حياتهم بأنفسهم بدون الله، ولا يستطيعون أن يحاربوا الله مباشرة، يكون أفضل شيء يمكنهم أن يفعلوه بعد ذلك هو أن يحاربوا أتباعه.
في حالة الناس الذي كان يوجه لهم بطرس رسالته، كان هذه المحاربات تعني الاضطهاد العنيف لهم. فقد كان نيرون يقوم بغمر المسيحيين بالقار وإشعار النار فيهم لإنارة حفلاته التي كان يعقدها في حديقته الإمبراطورية! كما كان يلقيهم إلى الكلاب المتوحشة ويحرقهم على شباك حديدية ساخنة. كما كانت هناك أشكال أخرى خبيثة من الاضطهاد تتمثل في حرمان المؤمنين من الحصول على وظائف، مما يعني بالتالي عدم تمكنهم من دفع فواتيرهم، ويؤدي بالتالي إلى مصادرة ممتلكاتهم، ثم سجنهم بسبب الديون. كانت هذه هي أنواع الاضطهاد والآلام التي يجتازها هؤلاء الناس.
لكنك قد تقول: «لكن بالتأكيد الأمر مختلف في مجتمعنا، فالمهم هو أن تعيش وتترك غيرك يعيش، فلن يتعرض المسيحيون لهذا النوع من الضغوط بسبب إيمانهم، أليس كذلك؟ «هل تعتقد ذلك فعلاً؟ قل ذلك للصبي اليهودي الذي أصبح مسيحياً، ودفنته أسرته لذلك. قل ذلك للممرضة التي حُرمت من ترقيتها الوظيفية لأنها رفضت إجراء عمليات إجهاض غير مشروعة.
هل تفترض أنه لن تكون هناك اضطهادات للشاب الذي يعمل في عالم التجارة، والذي يجد أن آفاقه المهنية تتضاءل لأنه لم يشترك في صفقات ومعاملات تجارية مشبوهة؟ بالنسبة لآخرين، قد يتمثل الأمر في أن يتخلى عنهم أصدقاؤهم القدامى، ويتهامسون عليهم من خلف ظهروهم: «ماذا حدث له؟ لقد أصبح غريب الأطوار مؤخراً، فهو لم يعد يشاركنا النكات القذرة في العمل، كما أنه أصبح مهووساً دينياً.» هذا جارح، أليس كذلك؟
لكن بطرس يريدنا أن ندرك أنه عندما يحدث هذا، فإننا بذلك نشارك في آلام المسيح. بكلمات أخرى، إن العلاقة بين المؤمن وبين المسيح المقام هي علاقة شديدة الحميمية، حتى أنه عندما يتم محاربة المؤمن، فإن المسيح نفسه هو الذي تتم محاربته.
تذكر كلمات يسوع لشاول في طريقه إلى دمشق، عندما كان ذاهباً للقبض على المسيحيين ووضعهم في السجن: «شاول شاول لماذا تضطهدني.» (أعمال 9: 4). كان شاول يضطهد المسيحيين، ولكنه إذ كان يمسهم كان يمس حدقة عين المسيح. وهذا هو السبب في أن محاربة المؤمنين هي أمر شديد الخطورة.
الغرض الإلهي
الأكثر من ذلك، أنه عندما يجتاز المسيحيون في آلام، خاصة عندما تكون في شكل اضطهادات، يكون هناك غرض إلهي وراءها: «التي بينكم حادثة لأجل امتحانكم» (ع 12)؛ «لأنه الوقت لابتداء القضاء (أي عملية الغربلة) من بيت الله.» (ع 17). وتكمن الفكرة هنا في حرق الشوائب من المعادن الثمينة، أو غربلة حياتنا من كل ما يلوثها. باختصار، يهدف كل ذلك إلى تنقيتنا.
فإذا كنت مؤمناً بيسوع المسيح، فإن الله يحبك لدرجة أنه يصمم على تغييرك لكي تكن الشخصية الرائعة الجميلة أخلاقياً، التي في يوم ما في السماء، حتى الملائكة سوف يتعجبون بالنظر إليها. فهو يصمم على صنفرة الحواف الحادة في حياتنا، حتى أنه يكون مستعداً لاستخدام الصعوبات والمقاومات كأدوات بين يديه الماهرتين للقيام بذلك.
يصف سي إس لويس تلك الطريقة التي يعمل بها الله بقوله:
«عندما كنت طفلاً، كنت أعاني كثيراً من آلام الأسنان، وكنت أعرف إنني إذا ذهبت إلى والدتي فإنها ستعطيني مسكناً لتهدئة الألم طوال فترة الليل. ولكني لم أكن أذهب إليها إلا عندما يصبح الألم شديداً ويصعب احتماله. وكان السبب في عدم ذهابي مبكراً هو الآتي. لم أكن أشك في أنها ستعطيني الأسبرين، ولكني كنت أعرف أنها ستفعل شيئاً آخر. فهي ستأخذني إلى طبيب الأسنان في الصباح التالي. فلم أكن أستطيع الحصول على شيء أرغبه منها، دون أن أحصل كذلك على شيء آخر لم أكن أريده. وأنا أعرف أطباء الأسنان؛ كنت أعرف أنهم يبدأون في فحص الأسنان الأخرى التي لم تبدأ في الوجع بعد، فهم لا يتركون الأمور على حالها، فإذا أعطيتهم الفرصة لشيء صغير فإنهم يستغلونها للقيام بعمل أكير في بقية الأسنان. وربنا مثل طبيب الأسنان. فإذا سمحت له بمكان ما فإنه سيطلب المزيد من العمل. عشرات من الأشخاص يذهبون إليه لكي يشفيهم من خطية معينة تضايقهم. فيقوم بعمله في تلك الخطية، ولكنه لا يتوقف عند هذه النقطة. ربما كان ذلك هو كل ما طلبت، ولكنك إذا طلبت الرب مرة للدخول إلى حياتك، فإنه سيعطيك علاجاً كاملاً، هذا هو السبب الذي لأجله حذر الناس “بحساب النفقة”، قبل أن يصبحوا مؤمنين. فهو يقول لك: لا يخطئن أحد، فإنك إذا دعوتني إلى حياتك، فسأجعلك كاملاً.»[1]
فعندما نجد أنفسنا في مواقف صعبة – ربما بسقوط أحد أفراد أسرتنا تحت وطأة مرض ما فجأة، أو المعاناة الشديدة في العمل، أو التعرض للاضطهاد بسبب كوننا مسيحيين – كيف يمكن لله أن يستخدم هذه الأمور لجعلنا أشخاصاً أكثر تقوى؟ يخبرنا عدد 19: «فإذاً الذين يتألمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمير في عمل الخير.» وقد وجدت شخصياً أن أكثر الأوقات الثمينة وذات المغزى والحميمية مع الله، قد استمتعت بها خلال تلك الأوقات التي كنت أجتاز بها بأشد الصعوبات والآلام.
نعم، لقد استمتعت بها خلال تلك الأوقات التي كنت أجتاز بها بأشد الصعوبات والآلام. نعم، لقد استمتعت بالله في الأوقات الطيبة، ولكني عندما كنت أتعرض للمحاربات من كل الجهات، وعندما كانت تحدث أمور تجعلني أدرك أنه ليس لدي موارد داخلية في نفسي، عندها كنت أقترب للمسيح أكثر في الصلاة، بطريقة مختلفة تماماً. فكنت أشعر أنني مضطر أن أستودع نفسي للخالق، لأنه هو وحده الذي يستطيع أن يحفظها.
وأيضاً عندما تنتزع منا أمور معينة، يجب علينا أن نمارس الإيمان. ففي تلك الحالة تنكشف ما هي حالتنا الروحية الحقيقية، وكما يقول بطرس، يكون علينا أن نفعل الصلاح، فهذه هي الاستجابة المسيحية السليمة، عندما نجتاز في أمور صعبة.
هناك مثل مؤثر على ذلك قدمه القس جون آرثر من كاليفورنيا، في مؤتمر حضرته منذ بضع سنوات. فقد أخبرنا عن أسرة من أصدقائه، عن خادم وأسرته، كانوا يعملون في كنيسة صغيرة مجاهدة في يوتا لكي يربحوا المرمون للمسيح.
وفي أحدا الأيام اتصلت تلك الأسرة هاتفياً بماك آرثر وقالوا إنه يرغبون في الذهاب لزيارة كنيسته، وإدراج ابنتيهما المراهقتين اللطيفتين في كلية لدراسة الكتاب المقدس. وكانوا سيحضرون معهم اثنين من الطلاب الإيطاليين كانوا يرغبون في تعريفهما بالمسيح. وهكذا انطلق الأب والأم والابن والفتاتان الشابتان والطالبان الإيطاليان في سيارتهم الاستيشن واجن، ووصلوا يوم السبت. كانوا يشعرون بالإثارة لحضور اجتماع الأحد، لأنهم كانوا يرغبون في رؤية الاجتماع الكبير – الذي كان يتمثل في بضعة آلاف، مع فريق ترنيم ضخم. فوصلوا إلى هناك وقضوا وقتاً رائعاً في البركة والشركة المسيحية، وكانوا يشعرون بفرح غامر.
لكن في طريق العودة إلى المنزل، لسبب ما لا يمكن معرفته، اندفع الأب بسرعة عند نقطة تقاطع الإشارة الحمراء، في نفس الوقت الذي كان فيه شاحنة ضخمة تندفع أسفل التل. فما كان إلا أن صدمت الشاحنة سيارتهم وهي منطلقة بأقصى سرعتها أسفل الطريق، فاندفعت الفتاتان من النافذة الخلفية للسيادة واصطدمتا بالحاجز الحجرة فماتتا في الحال. وتم أخذ الابن والطالبان الإيطاليان إلى العناية المركزة وهم يعانون من جروح داخلية خطرة. انشطرت السيارة إلى نصفين تقريباً، ثم انفجرت ككرة من النار، لكن الوالدان نجيا بأعجوبة، فما بدأ كيوم من الفرح الغامر، انتهى إلى محرقة رهيبة.
بمجرد أن وصل ماك آرثر إلى المستشفى، ذهب ليرى الأب، وسأله: «بم تفكر يا جون؟». أجاب جون والدموع تملأ عينيه: «أحاول أن أقنع نفسي أن هذا ربما كان حلماً، وأني سأستيقظ منه سريعاً، لكن أعلم أن هذا ليس صحيحا.» ثم قال بعد ذلك: «أما ما فكرت فيه بعد ذلك، فهو: أليس الله صالحاً؟ فقد أبقى على حياة هذين الشابين الإيطاليين غير المؤمنين، وأخذ ابنتي المسيحيتين.» كان هذا الأب يعرف أن ابنتيه في محضر الله الآن، فقد كان يتعامل مع الكتاب المقدس بجدية – وكان إيمانه حقيقياً. لكنه قال بعد ذلك: «لقد أردت لابنتيّ أن تستمتعا باجتماع كنسي كبير، لكني لم أتوقع أن يكون بمثل هذه الضخامة. وأردت لهما أن تستمعا بالترنيم مع فريق ضخم للتسبيح، ولكن لم أتوقع أنه سيكون مع الملائكة.»
أترى ما فعله هذا الرجل؟ كان يفعل ما هو صواب، فكان يستودع نفسه ونفسي ابنتيه إلى إله أمين. وهذا إيمان قوي، تم اختباره وتنقيته، فخرج نقياً مائة بالمائة من بوتقة الألم. وإني أتحدى أي إنسان يفسر ذلك، إلا بأن الله كان يعمل في حياة هذا الرجل من خلال كلمة الله.
لكن قد يسأل المرء: «هل تقول إن الألم، بل وحتى الاضطهاد، هو مشيئة الله؟» أنا لا أقول ذلك، بل لنحاول أن نفهم ما يقوله بطرس. فهذه الأمور تقع داخل مجال سماح الله. وإذا توقفت وفكرت في هذا للحظات، فأين ستجد راحة أفضل من ذلك، من أنه لا يوجد شيء خارج نطاق سلطانه؟ أليس من المعزي أن نعرف، أنه بسبب سيادة وسلطان أبينا السماوي المحب على كل الأمور، هناك حدود للألم، سواء في شدته أو في مدته، وهي حدود وضعها خالقنا ومخلصنا؟ ألا توجد تعزية في معرفتنا أننا ونحن في يديه، تكون الآلام لأجل خيرنا، وتنقيتنا، وجذبنا أكثر إليه، لكي يمسح بعطفه الدموع من أعيننا؟ لكن فوق كل هذا، ألا توجد تعزية في معرفتنا أننا لسنا بمفردنا عندما نتألم، بل أننا يمكن أن نعتمد على إله أمين؟ بالتأكيد توجد تعزية في ذلك، وإذا فقدنا تلك النظرة، فلن نتمكن من التكيف مع الصعوبات بطريقة مسيحية ولو للحظة واحدة.
يمثل هذا الأمر معنى عميقاً لنا في الطريقة التي نرى بها أبناءنا. ففي بعض الأحيان نكون شديدي الحماية بشكل مبالغ فيه، ونرغب في حمايتهم من الصعوبات بسرعة شديدة. لكني أسأل الوالدين المسيحيين، ألا تريدان النظر إلى أبنائكما وترغبان في أن يلاقوا ما يكفي من الصعوبات التي تجعلهم أقوياء، وما يكفي من الإهانات التي تجعلهم يختارون، وما يكفي من الاختيارات الصعبة التي تجعلهم يرون أن اتباع يسوع يتضمن تكلفة وحساب النفقة، وأن تلك التكلفة أمر يستحق للغاية، ولكنها مع ذلك لا تزال مكلفة؟
البركات الإلهية
إن الألم هو الطريق الأكيد لنوال بركات الله:
«بل كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضاً مبتهجين. إن عيرتم باسم المسيح فطوبى لكن لأن روح المجد والله يحل عليكم.» (العددان 13-14).
أليس هذا أمراً رائعاً؟ كان المسيحيون الأوائل يعتبرونه وسام شرف على صدورهم أن يتعرضوا لظروف صعبة بسبب اتباعهم للمسيح. لم يكن هذا مثار ضيق أو حرج، بل مبعث فرح، أنهم حُسبوا مستأهلين أن يتبعوا خطوات المسيح.
لاحظ كيف يعمل بطرس مراراً وتكراراً على جذب انتباهنا إلى المستقبل المجيد الذي ينتظرنا: «وإله كل نعمة الذي دعانا إلى مجده الأبدي في المسيح يسوع بعد ما تألمتم يسيراً هو يكملكم ويثبتكم ويقويكم ويمكنكم.» (1بطرس 5: 10)، فلو كانت هذه الحياة هي كل شيء، لكان المسيحيون بالطبع يحسبون مخبولين إن هم احتملوا وتقبلوا الألم. وكان بالطبع أناس، مثل هذه الطالبة الشابة، سيصابون سريعاً بالإحباط، وسيشعرون أنهم قد تعرضوا للوهم والخداع. لكن هذه الحياة ليس هي كل شيء، كما أنها ليست هي أهم شيء. بل أهم شيء هو الحياة الآتية، «ثقل المجد الأبدي» الذي سيختبره المؤمنون، والذي يجعل هذه الحياة تبدو وكأنها ليست أكثر من مجرد حلم. هذا هو ما ينتظرنا، وهذا هو السبب الذي يجب لأجله أن نثبت أنظارنا على المستقبل، وألا نرى أي شيء بمنظور تلك الحياة هنا والآن.
لكننا إذن نقول ذلك، نقول إننا يمكن أن نعرف شيئاً عن ذلك الفرح الآن، حتى وسط الآلام. اقرأ القصة المؤثرة لريتشارد ورمبراند “Tortured for Christ”[2]. كان ورمبراند قسيساً رومانياً، قضى سنوات كثيرة في السجون الشيوعية بسبب إيمانه. تم أخذ زوجته بعيداً في معسكر عمل، وأجبرا على ترك ابنهما ذو التسعة أعوام تائهاً في الشوارع. وفي كتابه تقرأ عن كل من فساد الأشرار الذي يغرق فيه البشر في معاملتهم لإخوتهم في البشرية، وأيضاً عن تفوق وسيادة الله، إذ تكتشف أن الرجال المسيحيين الذين تعرضوا للضرب المبرح، استمروا في الصلاة والكرازة لخاطفيهم. وستذهل لوجود ريتشارد ورمبراند في زنزانته الباردة، وهو يرقص حرفياً من الفرح، لأن لديه هذا الشعور المجيد بحضور المسيح وبطعم السماء، وهو في جحيمه على هذه الأرض. هذا هو روح المجد الذي يعمل في حياة كل الذين يرغبون في اتباع المسيح. والسؤال الآن هو، هل ترغب أنت في اتباعه؟
[1] سي. إس لويس Mere Christianity (Fount، 1978(
[2] آر وورمبراند Tortured For Christ (Hodder & Stoughton، 1967).