شكل غريب للغاية من أشكال الألم – مشكلة الشر
شكل غريب للغاية من أشكال الألم – مشكلة الشر
مزمور 42
كما يشتاق الإيل إلى جداول المياه
هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله.
عطشت نفي إلى الله إلى الإله الحي.
متى أجيء وأتراءى قدام الله.
صارت لي دموعي خبزاً نهاراً وليلاً
إذ قيل لي كل يوم أين إلهك.
هذه أذكرها فأسكب نفسي عليّ.
لأني كنت أمر مع الجماع أتدرج معهم إلى بيت الله
بصوت ترنم وحمد جمهور معيد.
لماذا أنت منحنية يا نفسي ولماذا تئنين فيّ.
ارتجي الله لأني بعد أحمده لأجل خلاص وجهه.
يا إلهي نفسي منحنية فيّ.
لذلك أذكرك من أرض الأردن وجبال حرمون من جبل مصعر.
غمر ينادي غمراً عند صوت ميازيبك.
كل تياراتك ولججك طمت عليّ.
بالنهار يوصي الرب رحمته وبالليل تسبيحه عندي صلاة لإله حياتي.
أقول لله صخرتي لماذا نسيتني.
لماذا أذهب حزيناً من مضايقة العدو.
بسحق في عظامي عيرني مضايقي بقولهم لي كل يوم أين إلهك.
لماذا أنت منحنية يا نفسي ولماذا تئنين فيّ.
ترجي الله لأني بعد أحمده خلاص وجهي وإلهي.»
«لو كنت مسيحياً أفضل، لما شعرت بمثل هذا الإحباط الشديد». لقد سمعت هذه العبارة مرات كثيرة من مؤمنين كانوا يشعرون بالإحباط، أو يجتازون بنكسة عميقة. وأنا أعتقد أن هذا أمر لا يثير الدهشة، حيث أنهم يقرأون ذلك في بعض الكتب المسيحية، كما أن بعض الوعاظ يغذون فكرة أنك إذا كنت مكتئباً فهذا علامة على عدم الإيمان، حيث أن الحياة المسيحية الطبيعية هي حياة النصرة التي لا تنتهي. ويتم حثنا بدلاً من ذلك على أن «نمتلك مواعد الله»، «فالله هو المهدئ الوحيد الذي احتاج إليه»، هذا هو ما قاله أحد المشاهدين الذين اتصلوا تليفونياً في برنامج تلفزيوني كان يظهر فيه طبيب نفسي مسيحي معروف. والنتيجة هي أن أولئك الأشخاص المعرضين للاكتئاب من وقت إلى آخر، يشعرون بالنقص، حيث يتم وضعهم ضمن «الذين يتم تحديهم روحياً».
لذلك يدعو الأمر إلى الراحة أن نكتشف الكم الكبير من كتاب الكتاب المقدس الذين عرفوا تماماً ماذا يعني الاكتئاب. فيفكر المرء في الحال في أيوب وهو يجتاز عذاب فقده لأبنائه، ومرضه، أو في إرميا، الذي كانت عدم استجابة مستمعيه لكلمة الله قد جعلته يرغب لو لم يكن قد ولد أبداً. بل وحتى أعظم هؤلاء جميعاً، في وسط الحزن والخوف الذي كان يشعر به في بستان جثسيماني، وقع على كاهله حمل ثقيل من الاكتئاب. لذلك فوسط شعب الله، لا يعتبر الاكتئاب أمراً غريباً أو نادراً. فمارتن لوثر[1]، وديفيد برينرد[2]، وسي إتش سبيرجن[3]، وآمي كارميشل[4]، وديفيد واتسون[5]، وكثيرون غيرهم، كان عليهم جميعاً أن يصارعوا مع ما أطلق عليه ونستون تشرشل “اكتئاب الكلب الأسود”.
وفي هذا الفصل، سنفكر في حالة شخص اجتاز ما يمكن أن نصفه فقط بأنه اكتئاب روحي – وهو كاتب مزمور 42. فإذ نستمع إلى همساته الفكرية لا نكتشف فقط الكثير مما يمكن أن نشابهه فيه، بل أيضاً نتعلم بعض الدروس الثمينة لكيفية تأقلمنا مع هذا النوع من الاكتئاب وتكيفنا معه. فالحقيقة أننا نكتشف أن هناك ثلاث مراحل أساسية لا بد أن نجتاز فيها لكي نتكيف مع الاكتئاب الروحي، وهي: الاعتراف، والتفكير بتروي، والتماسك والرجاء.
الاعتراف
أول كل شيء، يجب أن نعترف بما نشعر به. ألا يثير دهشتنا مدى صراحة وشفافية هذا الرجل بشأن مشاعره، فهو يدع مشاعره تتدفق ببساطة أمام الله، فلا يوجد لديه التحفظ الإنجليزي بزم الشفتين وكبت المشاعر، ولا اللجوء إلى وضع القناع المسيحي البلاستيكي الباسم، بل هو يقوم بالاعتراف بصراحة بكامل مشاعره المخيفة والمحبطة.
انظر إلى نوع التشبيه الذي يستخدمه لوصف حالته الفكرية والروحية، فهو يشعر بالجفاف:
«كما يشتاق الأيل إلى جداول المياه هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله. عطشت نفسي إلى الله إلى الإله الحي. متى أجيء وأتراءى قدام الله.»
فكر معي في تلك الصور لحرب الخليج، والقوات وهي تشعر بالضعف والجفاف في الصحراء الحارة القاحلة، حيث لا ترى العين سوى الرمال الحارقة والسماوات الزرقاء الصافية. تخيل أنك موجود هناك دون أية مياه، وأنك وصلت إلى مرحلة الجفاف. ستشعر بالضعف، وكل ما يمكنك التفكير فيه هو الراحة التي ستشعر بها إذا شرب كوب من الماء المثلج. هذه هي الحالة التي شعر بها هذا الرجل روحياً. فقد كان يشتاق إلى الله مثل رجل ظمآن يتوق إلى المياه. وهذا كان يعني له أن يتقابل مع الله في هيكله «هذه أذكرها فأسكب نفسي عليّ. لأني كنت أمر مع الجماع أتدرج معهم إلى بيت الله بصوت ترنم وحمد جمهور معيد.» (ع 4)، بالطبع، كان المرنم يؤمن أنه يمكنه الاقتراب إلى الله في أي مكان، وإلا لما كان قد صلى على الإطلاق، لكنه يؤمن أيضاً أن الله يسكن وسط شعبه بطريقة خاصة عندما يجتمعون معاً في الهيكل، أو كما يمكننا أن نصيغها بشكل آخر، عندما نلتقي معاً في الكنيسة، ولكنه الآن بعيد عن كل هذا ومعزول عن كل شيء، وهذا يقوده حرفياً إلى الاكتئاب.
الأكثر من ذلك، إنه ممتنع عن الطعام، كما يحدث هذا كثيراً عندما نشعر بالاكتئاب، «صارت لي دموعي خبزاً نهاراً وليلاً إذ قيل لي كل يوم أين إلهك.» (ع 3). فهو لا يستطيع أن يأكل، كما يشعر بالاضطراب وعدم الراحة، فلا يستطيع أن ينام، أو أن يتوقف عن البكاء. وقد يشعر بالتذبذب، ففي لحظة ما يشعر أنه متماسك. وفي اللحظة التالية قد يشعر دون سبب واضح أنه يبكي دون قدرة على التحكم، ولكنه لا يشعر بالخجل من الاعتراف لله بذلك.
لكن ما يجعل الأمور أسوأ، إن كان يمكن أن تكون أسوأ، هو التهكم والسخرية الذي يكون عليه تحمله من الذين يشاهدونه، الذين يفرحون بالإشارة إلى بطلان إيمانه بالله: «صارت لي دموعي خبزاً نهاراً وليلاً إذ قيل لي كل يوم أين إلهك.» (ع 3). فهو يتمنى أنه لو فقط استطاع أن يوضح لهم أمراً ما، نوعاً من عمل الله، فيقول: «إنه ليس هكذا، بل هو إله يعتني». لكما في ذلك نوع من التعزية. لكنه يشعر أنه لا يستطيع القيام بذلك، فيبدو أن أعداءه كان لديهم كل من السبب والخبرة لكي يقولوا، هذا كثير جداً على إيمانك، فما الهدف من وجود إله غير فعال وغير متواجد عندما تحتاج إليه؟» فكيف يمكن للمرء أن يجيب على هذا؟ إنه أمر جارح، فهو يفرك الملح في جرح متقيح بالفعل.
لكن هذا الرجل لا يشعر فقط كما لو أنه في صحراء روحية، ولكنه يشعر كذلك أنه يغرق عاطفياً: «غمر ينادي غمراً عند صوت ميازيبك. كل تياراتك ولججك طمت عليّ” (ع 7). ليس في هذا تناقض مع ما قاله سابقاً عن حالة الجفاف التي يشعر بها، بل هو أمر مرتبط باختباره. فبينما يشير العطش إلى غياب شيء ما – غياب سلام الفكر أو غياب الله – فإن الغرق يشير إلى العجز الذي نشعر به عندما نكون “في الأعماق”. فتجربة الاكتئاب بأكملها تطمو علينا حتى أننا نشعر أننا لا نستطيع أن نبقي رؤوسنا مرفوعة فوق المياه، بل نغوص تحتها بسهولة.
نجد هنا مبدأ شديد الأهمية نحتاج أن نفهمه جيداً إذا أردنا أن نتكيف مع هذا النوع من المشاعر، وهذا المبدأ هو الحاجة إلى الاعتراف بتلك المشاعر. فبدلاً من رفضها وقولنا: «إنها لا تهم»، أو ما هو أسوأ، أن ننكر وجودها كلية، لا بد أن نواجهها ونعبر عنها. واحد من الأمور التي يلاحظها علماء النفس، هو أن الاكتئاب يرتبط في كثير من الأحيان بالغضب المكبوت، بل أن أحد المعالجين النفسيين دعا الاكتئاب بأنه حالة من “الغضب المتجمد”. فإذا تم كبت هذه المشاعر الغاضبة في المؤمن، فمن السهل للغاية أن يتم تحويلها إلى الله، فنشعر داخلياً بالثورة والضيق والغضب تجاه الله. وإذا حدث ذلك، فإننا، مثل كاتب المزمور، نحتاج أن نخبر الله ونشاركه بكل هذه المشاعر التي نحس بها تجاهه: «أقول لله صخرتي لماذا نسيتني. لماذا أذهب حزيناً من مضايقة العدو. بسحق في عظامي عيرني مضايقي بقولهم لي كل يوم أين إلهك.» (العددان 9 -10).
كتب ويليام بليك قصيدة صغيرة تعبر عن هذا الأمر جيداً:
غضبت من صديقي.
فأخبرته بغضبي،
فانتهى غضبي.
غضبت من عدوي.
فلم أخبره بغضبي،
فازداد غضبي.
هذا صحيح. فإننا إذا شعرنا بالغضب تجاه الله وأخبرناه به، فعندها يمكن التعامل مع هذا الغضب. ولكننا إذا لم نفعل، فإنه ببساطة سوف يزداد. لذلك يعتبر أمر حيوي أن نعبر عما نشعر به بدلاً من كبته، فغالباً ما يكون الاكتئاب غضباً تحول إلى الداخل. لذلك فمن الأفضل جداً أن نحوله إلى الخارج، وأن نعبر لله عن هذه المخاوف والهموم.
التفكير بتروي
إلا أن مجرد إخراج مشاعرنا والتنفيس عنها ليس كافياً، بل يجب أن نشغل فكرنا – ونفكر بتروي. وهذا بالتحديد هو ما فعله هذا الرجل في عدد 5: «لماذا أنت منحنية يا نفسي ولماذا تئنين فيّ. ارتجي الله لأني بعد أحمده لأجل خلاص وجهه.»
في كتابه الكلاسيكي، Spiritual Depression، يكتب د. مارتن ليود جونز، طبيب هارلي ستريت الذي تحول إلى واعظ، ما يلي:
لا بد أن نتحدث إلى أنفسنا، بدلاً من أن ندع أنفسنا تتحدث إلينا. فالمشكلة الحقيقية في هذا الاكتئاب الروحي بأكمله هي أننا نسمح لأنفسنا بأن نتحدث إلينا بدلاً من أن نتحدث نحن إلى النفس. لا بد أن تأخذ نفسك بين يديك، وتخاطبها، سائلاً إياها، وقائلاً لها، “ارتجي الله”، بدلاً من أن تتمتم بكلمات الاكتئاب والحزن.[6]
فكيف يتحدث إلى نفسه، ويحث نفسه على أن تضع رجاءها في الله؟
أولاً، يبدأ بالتذكر، والنظر إلى الخلف، وإلى الأيام السالفة في العبادة الجماعية: «هذه أذكرها فأسكب نفسي عليّ. لأني كنت أمر مع الجماع أتدرج معهم إلى بيت الله بصوت ترنم وحمد جمهور معيد.» (ع 4). لكن يجب الاعتراف بأن هذه تجربة حلوة ومريرة في نفس الوقت. فقد كانت هذه أوقات ماضية طيبة، أوقات اللقاء مع الله ومع شعبه، في المناسبات العظيمة التي كان يستمع فيها إلى كلمة الله وهي تقرأ، بكل وعودها، والتي كان يرفع فيها قلبه مع المؤمنين الآخرين في الصلاة والتسبيح. لذلك فهو يفكر في تلك الأوقات العظيمة، ويتأمل فيها.
ومن المهم أنه يبدأ بالعبادة الجماعية بدلاً من العبادة الشخصية، حيث أن هذه تضفي نوعاً من الموضوعية إلى الموقف. فإذا كان قد ركز فقط على حياته الدينية الشخصية، كان يمكن أن يعرض نفسه للشك في أنها كانت كلها تخيلية. لكنه بتفكيره في أشخاص آخرين، وفي كلمة الله التي كانت تعلن بينهم – كان هذا أمراً يصعب إنكاره، فمن غير الممكن أن يكون كل هؤلاء الناس في تلك المناسبات العظيمة مخدوعين أو واهمين. وهذا يعني أن الإيمان المسيحي ووجود الله يظل حقيقة بغض النظر عن مشاعرنا بهذا الشأن. فليس الأمر أن الله «حقيقي بقدر ما أشعر به»، فهذا تفكير ذاتي للغاية. لذلك يرجع الكثير من يأس المسيحيين اليوم، للأسف، إلى أن الناس يقيسون حقيقة وواقعية وجود الله بهذه المقاييس العاطفية، وهذا أمر لا جدوى منه. والآن هل يمكنك أن تفهم لماذا يكون اللقاء المنتظم مع مؤمنين آخرين في الكنيسة، والاشتراك في مجموعات دراسة الكتاب المقدس، أمور مهمه للغاية؟ فهي تقدم لنا النظرة الموضوعية والقوة، وهي الأمور التي نحتاج إليها للحفاظ على ثقتنا في الله، كما أنها تعطينا هذا المنظور المنفتح بأن المسيحية صادقة وواقعية. لذلك نستطيع العودة إلى تلك الأمور، وتذكرها، عندما نجد أنفسنا بمفردنا ونحن نواجه المتاعب والاضطرابات.
كما نجد هذا المبدأ أيضاً في عدد 8: «بالنهار يوصي الرب رحمته وبالليل تسبيحه عندي صلاة لإله حياتي.» (أتذكر الله نهاراً وليلاً، وكيف اعتاد أن يظهر لي محبة عهده: فكنت أسبحه بترنيم، وأصلي إلى الله الذي كان هو حياتي) (بحسب ترجمة المؤلف). فهو يتحدث عن محبة عهد الله، أي الوعد بنعمته كما أعلنها من خلال كلمته، أو كما يمكننا أن نعبر عن ذلك اليوم، وعد محبته الذي لدينا في الإنجيل. فالله قد تكلم، ووعد بأنه سيحبنا بمحبة أبدية، وأنه على الرغم من خطيتنا فإنه لن يتركنا أبداً. هذه حقيقة، وهذا هو الحق الذي أعلنه الله، وهو لا يكذب أو ينكث عهوده.
إحدى المقاطع التي تلقي بالضوء على هذا الأمر هو رومية 8: 37، فهناك يذكر بولس كل الصعوبات التي يمكن أن تواجه المسيحي في هذه الحياة – مثل الاضطهاد، والألم، والجوع – أي الظروف التي يمكن عادة أن تشككنا في محبة الله. وإذ ذكر كل هذه الأمور، يقول الرسول بولس: «في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا». لكننا لو كتبنا ذلك اليوم لما كنا سنكتبه بهذه الطريقة، بل كنا سنقول: «في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي يحبنا». لكن بولس يستخدم الزمن الماضي الذي يشير إلى أن هذا «قد حدث بالفعل مرة واحدة». وليس من الصعب فهم سبب ذلك. لأنه أين يمكننا أن نرى محبة الله معلنة بوضوح شديد إلى في الصليب؟ فإن هذا الحدث التاريخي هو الذي يجب أن ننظر إليه لننال الثقة واليقين في أن الله أحبنا ويستمر في محبته لنا، وهي محبة بدايتها منذ الأزل، وهي التي جعلت ابن الله يعلق على الصليب كفارة لخطايانا، وهي التي ستأخذنا إلى السماء. لذلك نحتاج أن نرجع بعيون أذهاننا باستمرار إلى هناك ونقول «إذا كان الله قد فعل كل هذا لأجلي، فهل سيتخلى عني الآن؟» وستكون الإجابة هي «كلا، بالطبع». فلا يمكن أن يفعل الله ذلك.
لكن هذا اليقين لا يأتي بطريقة تلقائية، فنحن نحتاج أن نفكر فيه، وأن نحلله، وأن نغوص بأفكارنا في الحق الكتابي ونعيش حياتنا في ضوء أمجاده. كما يعبر عن ذلك د. ليود جونز بقوله: «تحدث إلى نفسك، بدلاً من أن تدع نفسك تتحدث إليك.» فالمشاعر تمضي وتجيء، والاختبارات الشخصية قد تكون متذبذبة، لكن الحق لا يمكن إضعافه بسهولة. وهذا هو السبب الذي لأجله أعطانا الله الكتاب المقدس؛ الذي من خلاله يمكننا أن ننال الثقة في أمانه الله ولذلك فإننا نتأمل فيه ونأكله بفرح.
التماسك والرجاء
وأخيراً نأتي إلى المرحلة الثالثة، وهي التماسك والرجاء. من الضروري للغاية أن ندرك أن هذا التماسك يأتي في النهاية. فيجب ألا نقول على الإطلاق لشخص أثناء اجتيازه لهذا النوع من الأزمات: «قم انتفض وتماسك». فهذا أمر قاس وغير حساس رعوياً. بل يجب أن نكون معه ونسانده على التعبير عما يشعر به، مع تقديم تشجيع رقيق من الكتاب المقدس. عندنا فقط بمعونة الله سيكون لديه التصميم على المضي إلى الأمام.
والآن، في عدد 11، هل يقول المرنم أنه عند نقطة معينة في المستقبل سوف يسبح الله، أم أنه سوف يبدأ في تسبيح الله في الحال؟
«لماذا أنت منحنية يا نفسي ولماذا تئنين فيّ. ترجي الله لأني بعد أحمده خلاص وجهي وإلهي.»
لقد فهم المرنم لماذا يشعر بالإحباط، وما الظروف التي جعلته يشعر أنه وحيد وبعيد عن شعب الله وعن وسائط النعمة، لماذا يطارده أعداؤه. لكنه بعد ذلك يرفع عينيه إلى ما هو أبعد من الوقت الحالي، ويحصل على منظور أكبر لله باعتباره صخرة، الله الملئ بمحبة العهد، والذي أظهر أمانته في الماضي، ولذلك فإنه يصمم قائلاً: «ترجي الله لأني بعد أحمده خلاص وجهي وإلهي.» وهذا فعل إرادي، مبني على الحق، فإذا تبعته المشاعر، حسناً، وإذا لم تتبعه المشاعر، فلا بد أن نستمر ونواصل التقدم للأمام.
لقد ذكرت من قبل أن المصلح العظيم مارتن لوثر اجتاز بمثل هذا الاكتئاب. ففي مرحلة ما من مراحل حياته عانى من اكتئاب حاد. فقد كانت الكنيسة تضطهده، وكان ابنه يعاني من مرض شديد، وكانت زوجته تمر بحمل صعب به الكثير من المتاعب، وكان إبليس يجربه بشكل مروع. لذلك يمكننا أن نفهم لماذا بدأ يشك فيما إذا كان الله يعتني ويهتم حقاً. وفيما يلي بعض الكلمات التي يصف بها أحد رواة سيرته الذاتية استجابته تجاه ذلك:
ليس المهم المدة أو شدة حالات الاكتئاب التي شعر بها مارتن لوثر، حيث أنها كانت تتكرر كثيراً طوال حياته، ولكن المهم هو أنه كان يستطيع أن يتغلب عليها من خلال كم مذهل من العمل. فقد كان يشعر أنها أمور حتمية إذا كان المرء يريد فهماً حقيقياً للأمور الروحية، لأنه «لا يعرف ما هو الرجاء الذي يمكن أن يكون لدى شخص لم يخضع فقط للتجارب.» وفي نفس الوقت، كان لا بد من تجنب الوقوع في هذه الحالات إن أمكن. لكن كيف؟ باعتباره رائداً روحياً في عصره، لم يكن يستطيع أن ينظر إلى الآخرين طلباً للتأكيد والمساندة، كما أنه لم يكن يجد في نفسه أي شيء يمكن أن يبني عليه رجاؤه. لذلك كان لا بد أن يأتي تأكيده ومساندته من الله، ولكنه لا يستطيع أن يعرفه معرفة مباشرة، لذلك ففي التحليل الأخير كان لا بد أن يتأصل في الكتاب المقدس. هذا هو السبب في أنه أعطى الأولوية لترجمة الكتاب المقدس؛ وهذا لكي يجد كل إنسان الحق بنفسه. وفي مرات أخرى، كان يقول بطريقة التفكير الأرضية العادية أن أفضل طريقة للتغلب على اليأس هي الخروج والجلوس بين الناس، والضحك، والفكاهة، والترنيم، والانشغال، وحتى الغضب معهم؛ افعل شيئاً نافعاً، مثل تلجيم حصان، أو نثر السماد في الحقول. كما أن الموسيقا فعالة بصورة خاصة لأن إبليس كائن كئيب يهرب من الموسيقا.[7]
إنها نصيحة حكيمة من رجل حكيم بشأن نوع غريب من الألم.
[1] دولينا ماكويش، Luther and His Katie (CFP، 1974).
[2] انظر The Works of Jonathan Edwards, Volume 2، الصفحات 313-447 للتعرف على قصة حياة براينرد (Banner of Truth، 1988)
[3] انظر إي سكوجلاند، Coping، الصفحات 12-38 (Regal Books، 1980).
[4] نفس المرجع السابق.
[5] ديفيد واتسون You Are My God (Hodder & Stoughton، 1983).
[6] دي إم ليود جونز، Spiritual Depression , its cause and cures (Pickering and Inglis، 1974).
[7] Luther and His Katie