هل كانت الكتابة معروفة في زمن موسى النبي؟ – كتاب أصعب الآيات في سفر التكوين
هل كانت الكتابة معروفة في زمن موسى النبي؟ – كتاب أصعب الآيات في سفر التكوين
قال بعض النقاد: إن الكتابة لم تكن معروفة في زمن موسى، لذلك من المستحيل أن يكون موسى قد كتب الأسفار الخمسة التي ينسبها اليهود إليه؟
وللإجابة على هذا السؤال أقول:
هناك عشرات الاكتشافات التي تؤكد أن الكتاب كانت معروفة قبل زمن موسى بمئات السنين، وسأذكر أهم هذه الاكتشافات:
يقول الأب بولس الفغالي: «لقد عُرفت الكتابة في مصر حيث استخدمت اللغة الهيروغليفية وهي لغة تصويرية، أي أنها تستخدم الصور للتعبير عن الحروف، وظهر منها الديموطيقية ثم الهيراطيقية، وتعود أول الكتابات في مصر إلى سنة 3150 ق.م. تقريباً، ومنذ سنة 3080-3040 ق.م. نجد نصباً تحيط بقبر الملك “جار” وتشهد على نظام كتابة متطور»[1].
في المتحف البريطاني رسالة على البردي، كتبها كاهن مصري اسمه “أحميس” تاريخها 3400 ق.م، وعنوانها “حل المشكلات” وهي مجموعة مسائل حسابية وهندسية بالكسور والدوائر ومقاييس الهرم وبعض المثلثات وإشارات جبرية. وهذه الرسالة بخط اليد وتلقب برسالة “رند”.
في سنة 1888 م اكتشف المنقبون في دير تل العمارنة (محافظة المنيا في مصر) أكثر من ثلاثمائة قالب طوب، مكتوب عليها بالقلم المخروطي، نقلوا أكثرها إلى برلين، ونقلوا باقيها إلى لندن، وتاريخها قبل موسى بنحو 150 سنة، مما يبرهن أن الكتاب كانت معروفة عند المصريين قبل النبي موسى. ويشهد الكتاب المقدس أن موسى تهذب في مدارس مصر الكبرى، وتعلم حكمة المصريين (أع 22: 7)[2].
قال جريبو في رسالته التي كتبها على رسالة شمبوليون الشهير (أول من قرأ اللغة الهيروغليفية) أن موسى النبي كان يكتب على البردي. ويوجد في متحف “تورين” بردية مكتوبة بالقلم المصري، تشتمل على وثيقة مكتوبة في عهد تحتمس الثالث الذي كان قبل موسى بقرنين. وهذا يبرهم أن الكتابة كانت معروفة قبل عصر موسى.
في سنة 1902 م وتحت إشراف د. جاك دو مورجان، اكتشفت البعثة الأثرية الفرنسية مجموعة قوانين حمورابي، الملك البابلي الذي حكم في الفترة 1795-1750 ق.م، في موقع سوسا القديم إيران حالياً، حيث عثرت على مسلة بطول 2,25 متراً، وعليها 282 قانوناً منظومة في 12 مقطعاً، تشكل بمجملها تشريعات حمورابي وقوانينه، وتعد من أطول الكتابات القديمة المكتشفة وأكثرها أصالة، حيث ألقى ذلك التشريع الضوء على الحضارة البابلية القديمة.
لقد جاء هذا الاكتشاف ليدحض انتقادات المشككين التي تدعي أن أسفار موسى الخمسة لا يمكن أن يكون كاتبها موسى، بحجة أن الكتابة لم تكن قد عرفت بعد في حياة النبي، بل طورت في سنين تلت وفاته بقدر ليس بضئيل.
ويقول كل من (Free Joseph P. and Howard F. Vos)[3] «لقد سبق تشريع حمورابي الذي يعود إلى الفترة ما بين (2000-1700 ق.م) والذي يحتوي على قوانين متقدمة مشابهة لما في ناموس موسى، زمن موسى بمئات السنين (1500-1400 ق.م)، وعلى ضوء هذا الدليل الأثري، لا يمكن للمنتقدين أن يصروا على كون الكتابة لم تكن معروفة في زمن موسى».
في سنة 1925 م تم اكتشاف نحو 4000 لوح مكتوب عليه في منطقة “نوزي” بالقرب من نينوى القديمة، ويرجع تاريخ هذه الألواح إلى 1500 -1300 ق.م.
في سنة 1929 م تم اكتشاف ألواح في منطقة “أوغاريت” في الساحل السوري الشمالي مدون عليها كتابات بأسلوب شعري يشبه ما سجلته التوراة في ترنيمة مريم (خر 15) وترنيمة دبورة (قض 5) ويرجع زمن تاريخ كتابتها إلى القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد.
يقول الأب بولس الفغالي لقد عُرفت خمسة أشكال للكتابة في بلاد الرافدين، ففي مدينة “إبلا” التي تبعد 40 كم عن حلب استعملت الكتابة سنة 2400 ق.م. وقد أبرزت اكتشافات رأس شمرا (أوغاريت) ورأس ابن هاني على الشاطئ السوري الشمالي كتابات مدونة على خمسة أشكال: المسمارية الآشورية البابلية، المسمارية الأبجدية، الهيروغليفية الحثية، الهيروغليفية المصرية، الكتابة القبرصية المنيوية (أو الكريتية).
وهذه الكتابات تنقل إلينا لغات: السومرية، الأكادية، الأوغاريتية، الحثية، الحورية، المصرية، القبرصية المنيوية، وتعود هذه الكتابات إلى القرنين الرابع عشر والثالث عشر ق.م، والكتابة المستعملة لهذه اللغة السامية الغربية هي الأوغاريتية وهي أبجدية مسمارية تتضمن 30 علامة و28 حرفاً صامتاً، و2 حرف مصوتة[4]. في سنة 1933م تم اكتشاف حفريات في منطقة “ماري” في سوريا حيث وجدت آلاف الألواح، مدون عليها بالخط المسماري، ويرجع تاريخها إلى 1700 ق.م.
هناك المسلة المصرية المقامة في ميدان الكونكور بباريس مدون عليها كتابات باللغة الهيروغليفية، وترجع إلى عصر رمسيس الثاني.
ولدينا أيضاً في مصر كتابة قدماء المصريين بالنقش على حجارة مقابرهم ومعابدهم، كما في الأهرامات التي ترجع تاريخها إلى ما قبل إبراهيم بمئات السنين[5].
جاء في جريدة الأخبار المصرية: «اكتشف علماء المصريات أثناء اقتفائهم أثر طريق قديم في الصحراء الواقعة غربي نهر النيل نقوشاً على حجر جيري يقولون أنها نماذج للكتابة من الألف بائية – الأبجدية، حيث كان الجنود وحملة الرسائل والتجار يسافرون من طيبة إلى أبيدوس، عبر هذا الطريق.
ومن المتوقع أن يساعد الكشف في تحديد زمان ومكان أصل الأبجدية، التي تعد أول تجليات الحضارة، وقد قدر تاريخ الكتابة التي حفرت في صخور غير صلدة بأحرف سامية تحمل تأثيرات مصرية بأنها فيما بين سنة 1900، 1800 ق.م. ويقول العلماء أن أول تجارب الأبجدية فيما يبدو، أجريت على أيدي أناس ساميين يعيشون في أعماق مصر[6].
وقال دكتور درايفر: “لا ينكر أحد أن الآباء كانوا يعرفون فن الكتابة”[7].
يشهد القرآن بأن الله طلب من موسى النبي أن يكتب التوراة: «قال يا موسى إني أصطفيتك على الناس برسالتي وبكلامي… وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لك شيء” (الأعراف 144، 145).
[1] المدخل إلى الكتاب المقدس ج1 ص 384، 385.
[2] د. القس منيس عبد النور. شبهات وهمية حول الكتاب المقدس، ص 49.
[3] Free Joseph P. and Howard F. Vos, Archaeology and Bible History. 1992, p. 103, 55.
[4] الأب بولس الفغالي المدخل إلى الكتاب المقدس. ج1، ص 386، 287.
[5] برسوم ميخائيل. حقائق كتابية، ج 1، ص 11، 12.
[6] جريدة الأخبار يوم الثلاثاء الموافق 16/1/1999 طبعة ثانية ص 1.
[7] دائرة المعارف الكتابية ج1، ص 180.