سوء تحليل النقد النصى: مراجعة لكتاب بارت ايرمان “سوء اقتباس يسوع” بين ويزرنجتون و دانيال والاس | ترجمة: عاطف وجيه
سوء تحليل النقد النصى
مراجعة لكتاب بارت ايرمان “سوء اقتباس يسوع”
بين ويزرنجتون و دانيال والاس
ترجمة: عاطف وجيه
كتب العالم بين ويزرنجتون الثالث، هذه المقالة رداً على كتاب بارت ايرمان “سوء اقتباس يسوع” Misquoting Jesus، فى عام 2006. و يقتبس فيها نص المسودة الأولى لمراجعة دانيال والاس لكتاب ايرمان، ثم يضع تعليقاته الخاصة بعدها. بين ويزرنجتون هو أستاذ العهد الجديد فى قسم الدكتوراه بمعهد أسبرى اللاهوتى، بالولايات المتحدة، و فى هيئة التدريس فى قسم الدكتوراه بجامعة القديس اندراوس بسكوتلاند، المملكة المتحدة. حصل على رسالة الدكتوراه من جامعة دورهام بانجلترا، و له أكثر من ثلاثين كتاب علمى، و هو حالياً من ضمن أكبر علماء العهد الجديد فى العالم. يُذكر أن بارت ايرمان وصف ردود دانيال والاس و بين ويزرنجتون بـ “النقد الأكثر من ذكى”، فى كتابه الأخير، يسوع أُعتِرض، ص 289.
قام بترجمة هذه المقالة الخادم الأمين الايبودياكون عاطف وجيه، أستراليا. نصلى أن يعوضه الرب تعب محبته، و يرى ثمرة عمله و تعبه و سهره على اتمام هذه الترجمة.
تمت الترجمة بتصريح خاص من العالم بين ويزرنجتون، نقلاً عن مدونته.
فادى اليكساندر
يُعتبر بارت ايرمان من الشخصيات المثيرة للإهتمام، تماماً كما أنه محاضر لبق. فهو يتكلم جيداً، يكتب جيداً، و واضح أنه موهوب فيما يفعله. أنا أحب بارت ايرمان بالرغم من أننى أجد رحلته الدينية مثيرة للقلق، و كخريج فى جامعة شمال كارولينا، فإنى حزين أن أراه خلفاً لبرنارد بويد Bernard Boyd فى كارولينا. فقد كان لبويد أثر ايجابى على أشخاص كثيرين، و منهم أنا، حينما كان فى كارولينا. و فى الحقيقة، فقد قِيل لى أن حوالى 500 شخصاً ذهبوا مبتدئين فيما يشبه الإرسالية، نتيجة لتدريس بويد Boyd الكتاب المقدس فى كارولينا لعقود كثيرة.
و بالرغم من ذلك، فأنا سعيد أن بارت أميناً بالنسبة لموضوع رحلته الإيمانية. و كنت حقاً أتمنى أن يكون بنفس الأمانة و يعترف أنه بمنهجه التعليمى هذا، فإنه يحاول اخراج المسيحية الأرثوذكسية من فكرة المعنى الواحد للنص، و هى الفكرة التى طالما دافع عنها فى يوم من الأيام، بدلاً من تقديم نقداً نصياً محايداً فى قيمته. (فكرة المعنى الواحد للنص هى أن النص المكتوب قُصِد به معنى واحد محدد، أما من ينكرون هذه النظرية، فينادون بأن النص ليه فكرة معينة، و إنما كل واحد بحسب فهمه و رؤيته).
و فى وجهة نظرى، فقد حاول بارت الخروج من فكرة المعنى الواحد للنص، إعتماداً على دليل هزيل، و هو القراءات المختلفة للنص، و التى لا تثبت ما يريد بارت إثباته أبداً.
كتابه الأخير “سوء إقتباس يسوع” قد نجح فى الوصول لقائمة أكثر الكتب مبيعاً فى نيويورك تايمز. و يظهر أن له جمهور كبير، إلا أنك لا تستطيع أن تتأكد إذا كان كل هؤلاء الناس يقرأون فعلاً الكتاب كله و يفهمونه. و يقدم بارت ايرمان فى أول أربعة فصول من كتابه، دليلاً مبسطاً للنقد النصى للعامة. و رغم أن البعض قد يجد صعوبةً فى فهم أمر أو آخر، فإن ايرمان يقدم لنا مفهوماً واضحاً للمبادىء المطبقة فى هذا المجال المعرفى.
و بالنسبة لى، فإنى استطيع أن اقدم هذا الجزء للطلاب الراغبين فى فهم قواعد النقد النصى، بسعادة و راحة، و ليس لدىّ أى مشكلة أو موقف من كمية المعلومات المقدمة من ايرمان هنا.
و لكن للأسف، فإن هذا الكتاب مثله مثل شفرة دافينشى، نجده يأخذ منعطفاً خطيراً فى منتصفه، و نجد أننا أمام نسخة مبسطة من الكتاب الذى كان قد ألفه ايرمان فى حقبته الدراسية الأولى، و هو “الإفساد الأرثوذكس للكتاب المقدس”، بجانب وجود بعض الاختبارات الشخصية له و التى أدت به إلى تحوله و تركه للمسيحية إلى اللاأدرية.
و لقد راجع دان والاس (و الذى يعرفه الكثيرين من خلال الترجمة الإنجليزية الحديثة NET Bible أو موقع www.bible.org)، و كتب تعليقاً على هذا الكتاب. و قد تفضل دان مشكوراً بالسماح لى بنشر تعليقه هنا، و يتبعه بعض التعليقات الشخصية لى. و شكر خاص للزملاء فى موقع Christusnexus.org لسماحهم لى بإعادة نشر تعليق دان والاس، و خاصةً إد كوموسيزويسكى.
مراجعة لكتاب بارت د. ايرمان، سوء اقتباس يسوع: القصة وراء من غيًّر الكتاب المقدس و لماذا (سان فرانسيسكو 2005)
دانيال ب. والاس
المدير التنفيذى، مركز دراسة مخطوطات العهد الجديد Csntm.org
يُعتبر بارت ايرمان اليوم، واحداً من أبرز نقاد النص فى أميركا الشمالية. و هو كمدرس و كاتب، فهو منطقى، بارع، مثير، و أحياناً يقوم بالمغالاة، تماماً كما يحتج بدون وضع فروقات دقيقية.
يُعتبر كتابه الأحدث “سوء اقتباس يسوع” بالنسبة لأغلب الناس، هو ببساطة تمهيد لعلم النقد النصى. و يحتوى الكتاب على سبعة فصول، بالإضافة إلى المقدمة و الخاتمة. و تُعد أغلب فصول الكتاب (من الفصل الأول للرابع) بمثابة مقدمة للمبتدئين فى هذا المجال.
و بحسب ايرمان، فإن هذا الكتاب هو أول كتاب كُتِب عن النقد النصى للعهد الجديد (و هو الفرع المعرفى الذى صار له أكثر من ثلاثمائة عام الآن) مُوجه للقراء المبتدئين.
عنوان الكتاب مستفز أزيد من اللازم، كما أنه مضلل أيضاً. ذلك لأنه لا يوجد تقريباً أى من القراءات المختلفة التى ناقشها ايرمان فى كتابه تتضمن أقوالاً ليسوع! و عليه، فإن هذا الكتاب ببساطة لا يقدم لنا ما يعدنا به العنوان.
و لكننا نلاحظ أن هذا الكتاب يُباع كثيراً، و منذ طبعته الأولى فى نوثمبر 2005، احتل مكاناً متقدماً جداً فى قائمة أمازون لأكثر الكتب مبيعاً. و منذ ظهور ايرمان فى برنامجين فى شبكة الإذاعة الوطنية العامة فى اسبوع واحد ( برنامج ديانا ريم و و الهواء النقى)، فقد أصبح الكتاب فى قائمة الخمسين كتاب الأكثر مبيعاً فى أمازون.
سوف أقوم بسرد بعض التعليقات بترتيب من أجل التعليق المختصر. بالنسبة للأربعة فصول الأولى، لا نجد أى شىء جوهرى مزلزل، بل على العكس، نرى فى المقدمة دوافع ايرمان، و فى الفصول الثلاثة الأخيرة نرى أجندته. و فى هذه الأماكن، كان ايرمان مثيراً جداً و مُغالى جداً و كلامه غير مُتوقع.
يتحدث ايرمان فى المقدمة عن خلفيته الإنجيلية (معهد مودى الكتابى، و كلية ويتون) و يتبعها حصوله على درجة الماجستير فى اللاهوت و الدكتوراه فى معهد برينسيتون. و قد كان فى معهد برينسيتون، أن بدأ ايرمان فى رفضه لبعض المبادىء الإنجيلية التى تربى عليها، خاصةً حينما كان يتصارع مع التفاصيل الخاصة بالنقد النصى للعهد الجديد.
و تُعتبر الفصول 5 – 6 – 7 هى قلب الكتاب. فهنا يناقش ايرمان النتائج الى توصل إليها فى كتابه الرئيسى الذى أورد فيه نتائج أبحاثه “الإفساد الأرثوذكسى للكتاب المقدس” (أكسفورد 1994). و ينتهى فصله الختامى عند النقطة التى كان يحاول ايرمان أن يسوقها فى هذه الفصول ( 5 – 6 – 7)، ألا و هى:”أنه من الخطأ…القول – كما يفعل الناس احياناً – أن التغييرات التى حدثت فى النصوص الموجودة لدينا لا تؤثر تأثيراً حقيقياً على ما تعنيه هذه النصوص، أو على النتائج اللاهوتية، التى يستخرجها الفرد من هذه النصوص. فقد رأينا، فى الحقيقة، أن هذا هو العكس تماماً فى هذه الحالة”.
بعض أهم الأمثلة للإختلافات اللاهوتية الموجودة فى القراءات المختلفة التى اوردها ايرمان، تناقش الآتى:
1- المقطع الذى قِيل فيه عن يسوع أنه غضب (مرقس 1 : 41).
2- نص “ولا إبن الله نفسه يعرف متى ستأتى النهاية” (مت 24 : 36).
3- عبارة عن الثالوث (1 يو 5 : 7 – 8).
فبالنسبة للنص الأول، فإن بعض المخطوطات القديمة تتحدث عن يسوع أنه غضب فى مرقس 1 : 41، بينما الأغلبية تتحدث عنه على أنه “تحنن”. و لكن فى مرقس 3 : 5، قِيل عن يسوع أنه غضب – بكلمات لا خلاف عليها أنها من النص الأصلى لإنجيل مرقس. لذا فإنه ليس إكتشافاً ثورياً أن نرى يسوع قد غضب فى موقع آخر (غير مرقس 3 : 5) فى هذا الإنجيل.
و بالنسبة للنص الوارد فى متى 24 : 36، فبالرغم من ان كثيراً من الشواهد تسجل كلام يسوع عن جهله النبوى “و لكن هذا اليوم و تلك الساعة فلا يعرفها أحد – ولا الملائكة الذين فى السماوات – ولا الإبن، إلا الآب وحده”، فإن كثيراً من الشواهد لا ترد فيها عبارة “ولا الإبن”. و سواء كانت عبارة “ولا الإبن” أصلية أم لا فهو أمر مشكوك به، إلا أننا نجد أن العبارة الموازية الواردة فى مرقس 13 : 32 لا يوجد خلاف مُثار حول صحتها:”و لكن هذا اليوم و تلك الساعة، فلا يعرفها أحد ولا الملائكة الذين فى السماء، ولا الإبن إلا الآب”. و لهذا فلا يوجد شك أن يسوع نفسه تكلم عن جهله النبوى فى عظته على جبل الزيتون.
و بالتالى، ما هى المشكلات العقيدية الموجودة هنا؟ لا يستطيع المرء أن يتقبل بسهولة أن الكلمات فى مت 24 : 26 تستطيع أن تغير القواعد اللاهوتية الأساسية عند شخص ما، و ذلك لأن نفس النص موجود أيضاً فى انجيل مرقس.
بكلمات أخرى، فكرة أن القراءات المختلفة لمخطوطات العهد الجديد تغير الحقائق اللاهوتية للعهد الجديد، هى فكرة مُغالى فيها فى أفضل حال. و للأسف، فمع كون ايرمان باحثاً مدققاً، فإن تعامله مع التعبيرات اللاهوتية الكبيرة فى نص العهد الجديد، يوجه إليه انتقادين: اما أن القراءات و النتائج التى توصل إليها من خلال نقده للنصوص هى قراءات و نتائج خاطئة، أو أن تفسيره للنصوص خاطىء.
هذه الانتقادات كانت قد وُجِهت قبلاً لبحثه القديم “الإفساد الأرثوذكسى للكتاب المقدس”، و هو الكتاب الذى أخذ منه كتاب “سوء اقتباس يسوع” أشياء كثيرة. و حتى النتائج التى قدمها ايرمان فى ذلك الكتاب، قد أعاد تقديمها فى كتابه الأخير، متغاضياَ عن العديد من الإنتقادات الحادة جداً التى وُجِهت لعمله الأول.
و بالنسبة لكتاب مُوجه للقارىء المبتدىء، فإن المرء يتوقع أن يناقش افكاره بإسلوب أسهل فى الفهم، و خاصةً مع كل هذا الثقل اللاهوتى الذى يحاول ايرمان وضعه فى كتابه. و هذا يجعل المرء يشعر تقريباً أنه يشجع “الأفراخ الصغيرة” فى المجتمع المسيحى إلى الفزع من معلومات، هم ببساطة غير مستعدين للتعامل معها و مناقشتها. و مرة بعد مرة فى هذا الكتاب، نجد عبارات ثقيلة جداً لا يستطيع الشخص الغير مدرب التعامل معها. و هذه الطريقة فى الوصول للقارىء، يمكن أن تعبر عن عقلية مثيرة للمخاوف، لا عن عقلية مدرس ناضج عاقل و قادر أن يقدم المعلومة بشكل صحيح.
أما بالنسبة للأدلة، فإنه يكفى أن نقول أنه إلى الآن لم يستطع أحد أن يقدم دلائل كافية أن القراءات المختلفة لنصوص العهد الجديد يمكن أن تغير عقيدة أساسية فى العهد الجديد.
أخيراً، بالنسبة لـ 1 يوحنا 5 : 7 – 8، فتقريباً لا يوجد أى ترجمة حديثة للكتاب المقدس نجدها تتضمن الصيغة الثالوثية، لأن العلماء، لقرون عديدة، تفهموا أن هذا الجزء قد أُضِيف لاحقاً. قلة قليلة من المخطوطات المتأخرة تحتوى على هذه الأعداد. و يحق لنا أن نستعجب: لماذا نُوقش هذا المقطع فى كتاب ايرمان. السبب الوحيد الذى أجده هو أنه استخدمها كوقود لزيادة الشكوك. فقد وجدت هذه القطعة طريقها إلى كتبنا المقدسة من خلال ضغوط سياسية، و قد ظهرت لأول مرة عام 1522. و مع هذا، فالعلماء آنذاك و الآن أيضاً يعرفون عدم أصالتها. فلم تعرف الكنيسة الأولى هذا النص، إلا أن مجمع خلقيدونية فى عام 451 م. قد أكد صراحةً على الثالوث القدوس. فكيف تكلموا آنذاك عن الثالوث بدون الإستدلال بنص لم يدخل النص اليونانى للعهد الجديد إلا بعد أكثر من ألف عام؟ قطعاً لم تأتى عبارات مجمع خلقيدونية و لم تُكتب من فراغ، فقد وضعت الكنيسة الأولى ما رأته فى العهد الجديد، فى صياغة لاهوتية ما.
و هنا يجب أن نميز أمراً هاماً: ليس لأن نص معين لا يؤيد عقيدة معينة، فذلك لا يعنى أن هذه العقيدة غير موجودة فى العهد الجديد. و فى هذه الحالة، فإن أى فرد لديه بعض المعرفة عن المباحثات الآبائية القوية عن ذات الله، يعرف أن الكنيسة الأولى وصلت إلى فهمها هذا من خلال دراستها لنصوص العهد الجديد. و عليه، فإن الصيغة الثالوثية لخصت فقط ما قد وجده آباء الكنيسة الأولى، و لكن لم تخبرهم بما يجب أن يؤمنوا به.
و الخلاصة أن كتاب ايرمان الأخير لا يخيب الآمال فى اثارته، و لكنه فشل فى تحقيق الجوهر الحقيقى لخلافه الأول. فالعلماء يتحملون مهمة مقدسة ألا و هى عدم ازعاج المبتدئين بأمور لا يفهمها المبتدئين جيداً. و للأسف، فبالنسبة للقارىء العادى، فسوف يترك هذا الكتاب و لديه شكوك كبيرة جداً فى داخله بخصوص كلمات و تعاليم العهد الجديد، أكثر من أى ناقد نصى. المدرس الجيد لا يكتفى بأن يشرح لتلاميذه كل الأمور، لكنه يعرف أيضاً كيف يجمع المعلومات جنباً إلى جنب لكى لا يدع مشاعر تلاميذه تقف فى طريق الحقائق. المدرس الناجح لا ينتج تلاميذاً ضعافاً.
+ + +
أتفق عامةً مع ما يقوله والاس فى نقده لايرمان، و هذا هو ما دفعنى لإعادة عرض نقده هنا. و ببساطة شديدة، فإنه لا توجد أى حقيقة لاهوتية نجدها تتأثر بالقراءات المختلفة للنصوص و التى يحاول ايرمان جعلها موضوعاً هاماً. و الحقيقة فأننى أتذكر قول بروس ميتزجر مرة (و بروس هو الذى دربنى و درب بارت فى هذه الأمور) أن اكثر من 90 % من العهد الجديد مُؤسس جيداً من ناحية نصه الأصلى، ولا شىء من الـ 10 % الباقية يمدنا ببيانات قد تقودنا إلى أى مراجعات صادمة لقانون الإيمان المسيحى أو العقيدة المسيحية. فإنه ليس حقيقياً أبداً أن نفترض أن الـ 10 % الباقية قد تكون بهذا التأثير السىء، بل على العكس، فمن الممكن أن نقول عكس هذا تماماً.
لنأخذ مثالاً على هذه المجادلات التى يعرضها ايرمان فى الفصل الخامس فى كتابه. هل عدم وجود الصيغة الثالوثية فى 1 يوحنا 5 يثبت بطريقة ما أن العهد الجديد لا يوجد به اشارة إلى ثلاثة أقانيم فى الله الواحد؟ قطعاً لا يثبت. فعندنا الكثير من النصوص الأخرى التى توجد بها هذه الفكرة (أنظر مثلاً متى 28). بالإضافة إلى هذا، فالأمر المهم ليس هو وجود صيغة ما هنا أو هناك، و لكن الأمر المهم هو ما إذا كانت هناك دلائل على الوهية يسوع، و ألوهية الروح القدس، مؤكدة فى مواضع مختلفة فى العهد الجديد، بالإضافة إلى ألوهية الآب. و فى الحقيقة، فإن هذه الدلائل موجودة و متكررة أيضاً. و حتى فى أقدم مخطوطات العهد الجديد زمنياً، فإننا نجد رسائل بولس واضحة تماماً فى هذه النقطة.
و لنأخذ مثالاً أخر. فإن ايرمان يُشير إلى حقيقة أنه فى نسخة متى من موضوع “عدم معرفة الإبن اليوم ولا الساعة” (قارن مر 13 : 32 مع متى 24 : 36)، نظهر كنوع من الإثبات أن يسوع لا ينبغى ان يُرى كإله، على الأقل فى انجيل متى. يمكننا ان نناظر فى مسألة القراءات المختلفة للنص، و لكن حتى لو قبلنا قراءة “ولا الإبن أيضاً”، و التى هى مؤكد وجودها فى مرقس 13 : 32، فإن هذا لا يثبت بأى طريقة أن متى يقدم يسوع على أنه بشراً مجرداً. فإننا نجد أن عمانوئيل (عقيدة الله معنا) و التى نجدها فى بداية و نهاية هذا الإنجيل تحكم هذا الدليل تماماً، و هكذا تفعل نصوص مختلفة كثيرة فى انجيل متى و التى فيها يقدم يسوع نفسه كحكمة الله الظاهر فى الجسد (أنظر تفسيرى القادم لإنجيل متى).
و الأكثر من هذا أن ايرمان لا يتعامل مع اللاهوت العميق للإخلاء الإلهى فى ترنيمة مثل فى 2 : 5 – 11، و التى تقدم فكرة أن ابن الله الموجود مسبقاً، أخلى “ذاته” لكى يستطيع أن يكون انساناً كاملاً مع احتفاظه بإلوهيته الكاملة. و أعنى بهذا أنه قَبِلَ حدودنا الطبيعية للزمان، المكان، المعرفة، و القوة لكى يكون إنساناً كاملاً. و لاحظ أنه كما يقول فى الرسالة إلى العبرانيين أنه شابهنا فى كل شىء ماعدا الخطية، و الخطية ليست صفة وراثية خلقها الله أساساً فى البشرية. و لكن ايرمان يكتب و كأنه لم يتعامل بجدية من قبل مع مبدأ حدود الذات الإلهية و التجسد، و هى فكرة نجدها فى العهد الجديد، من أول أقدم المصادر لرسائل بولس، و انتهاء بأحدث مصادر رسائل يوحنا. و الأكثر من هذا، فإنه من الخطأ القول بأن يسوع قد قُدِّم على أنه ليس إلهاً فى الأناجيل الإزائية عموماً، أو حتى فى مصادرهم الأولية الأقدم (L, M, Q)، بينما فى انجيل يوحنا تم تقديم يسوع على أنه إله. بالتأكيد، الإنجيل الرابع يقدم الجانب الإلهى فى يسوع بطريقة أوضح و أكثر علواً، إلا أن هذا لا يعنى بأى حال من الأحوال عدم وجود هذه الحقيقة فى الأناجيل الأخرى. بالإضافة إلى هذا، فإنه لا توجد أى قراءات نصية تقترح بأنه كان هناك انجيل أو مصدر من مصادر الأناجيل قدم يسوع على أنه مجرد انسان أو معلم أو نبى مسيانى فقط.
تأمل مثلاً حقيقة أن أكثر جملتين استخدمهما يسوع هما “ابن الإنسان” (و هى إشارته عن نفسه) و “ملكوت الله” (الذى أحضره هو). و هذا يطرح سؤالاً هاماً: أين نجد فى العهد القديم هاتين الإشارتين، و تحديداً، أين نجدهما معاً؟ فى دانيال 7 : 13 – 14، حيث أخذ إبن الإنسان وعداً بأن يملك للأبد فى مملكة على الأرض. و هنا يتسائل المرء: أى شخص هذا هو الذى يستطيع أن يملك للأبد فى مملكة؟ لمن يعطى الله هذا الإستحقاق؟ و الإجابة هى أن الله سيعطيه لشخصى أزلى أبدى يكون أيضاً “إبناً للإنسان”.
لقد وضعت إحتجاجاً مطولاً أن يسوع شرح نفسه و مهمته من دانيال 7 : 13 – 14 فى كتابى “كريستولوجية يسوع”. و قد رأى يسوع نفسه كحكمة الله الظاهر فى الجسد، و هذا يعنى أن يسوع التاريخى رأى نفسه كإنسان و قطعاً أكثر من أنسان، فقد رأى نفسه كإله فى نفس الوقت. و عليه، فإن الكنيسة لم تكن مخطئة بأى حال حينما رأته على هذا النحو أيضاً. فالنغمة القديمة القائلة بأن الوهية يسوع كانت شيئاً أُختِرع مؤخراً فى القرن الأول بعد الميلاد، هى خطأ تاريخياً. و سواء رضينا أو لم نرضى، فإن يسوع كان هو الذى قدَّم هذا المفهوم بنفسه، و ما كان من الكنيسة إلا أنها قامت ببساطة بإيضاحه و توضيح هذه الأفكار.
على الجانب الآخر، أريد أن اذكر شيئاً واحداً كان ايرمان على حق فى الشكوى منه. ايرمان على حق حينما يقول أن النساخ المتأخرين، أفسدوا النص فى بعض الأحيان. ففى بعض الأحيان، قاموا بمراجعة النص لكى يلقوا الضوء على العقائد المسيحية، مثل الثالوث و بعض الحقائق الأخرى. إلا أن هذا فى الحقيقة غير مؤثر و ذلك لأن المرء حينما يزيل الإضافات المتأخرة، فإن صورة يسوع تتضمن:
1- الحبل و الميلاد العزراوى.
2- موت يسوع.
3- قيامة يسوع بالجسد.
4- الحقائق المجردة عن الثالوث و غيره.
و ما يقول عنه ايرمان أنه دليل على أن هذه الأفكار قد أُضِيفت مؤخراً على النص بواسطة إفسادات النساخ، هو ببساطة خطأ: تاريخياً خطأ…نصياً خطأ…و لاهوتياً خطأ.
و لنأخذ موضوع أخر. فإن ايرمان يجعل موضوعاً كبيراً من أن انجيل مرقس ينتهى عند 16 : 8. أو على الأقل نهايته الأصلية مفقودة، و لهذا فإننا ليس لدينا دليل على قيامة يسوع فى هذا الإنجيل. مبدأياً، ليس من الأرجح على الإطلاق أن مرقس 16 : 8 هى نهاية انجيل مرقس الأصلية، كما شرح كلايتون كروى ذلك بوفرة فى كتابه الأخير. المقطع اليونانى “لأنهن كن خائفات” ليس نهاية سليمة لأى كتاب، فهو مقطع ضعيف نحوياً ولا يصلح كخاتمة. و قد شرحت أنا أيضاً فى تعليقى على إنجيل مرقس بإستفاضة، أن الخاتمة الأصلية قد فُقِدت و أن المادة المضافة متأخراً فى مرقس 16 : 9 – 20 لا تمثل النص الأصلى. أظن أن ايرمان سوف يتفق معى فى هذه النقطة.
لكن لنأخذ الطريق الأصعب. فلنفترض أن انجيل مرقس ينتهى فعلاً فى مرقس 16 : 8، فهل معنى هذا أننا لا نجد أى دليل مبكر على قيامة يسوع من الأموات؟ قطعاً يوجد. نحن لدينا دليلاً اقدم بعقد من الزمان على الأقل. ففى 1 كو 15 يمدنا بولس بقائمة طويلة من الشهود على الرب القائم، بما فى ذلك بولس نفسه. فبولس هنا يشهد بصحة تقليد، ولا يخلق تقليداً جديداً. و هذا ما آمن به الكنيسة الأولى. سواء كان المؤمنون تلاميذ بولس أو بطرس أو يوحنا أو يعقوب. لاحظ مثلاً الصلاة الآرامية الموجودة فى نهاية 1 كو 16 “ماران آثا” (الرب قريب)، يسجل بولس هنا صلاة يرددها المسيحيين من أصل يهودى، المتكلمين بالآرامية. و هذه صلاة تُصلى ليسوع ليعود. لقد كان كل التلاميذ المبكرين جداً ليسوع من اليهود، و لهذا فقد كانوا يصلون ليسوع لكى يعود، فلم يكونوا يصلون لمعلم يهودى متوفى ليعود.
أنا سعيد بوجود كتاب مثل “سوء اقتباس يسوع” لكى يحفز عقولنا على التفكير، بالرغم من أن قليلاً جداً من هذا الكتاب له صلة بأى قول أو تعليم ليسوع نفسه. فالعنوان – مثله مثل الكتاب نفسه – محفزاً أكثر منه مقدماً لدليل حقيقى على “التلفيق الأرثوذكسى للإيمان المسيحى”. أنا أقول للقارىء ببساطة وضوح: فليحترس القارىء. هذا الكاتب له فأس قوية للضرب. و الحقيقة أنه يضرب بها جيداً فى نثر سلس، يجعلها خادعة أكثر.
و كما تقول جدتى: لا تكن منفتح العقل لدرجة أن يسقط عقلك خارجاً عن رأسك.