ترجمة العهد الجديد
يُقسم علماء اللغة الترجمة الى: شكل و معنى. هذين المُصطلحين هما الأساس لدراسة ترجمة كلمة الله في العهد الجديد عبر التاريخ، فمفهوم الشكل هو مدى حرفية الترجمة عن النص المُترجم عنها، و مفهوم المعنى هو مدى حرفية المعنى عن المُترجم عنها دون الإلتزام بالحرف.
من هذين المفهومين، ينتج لدينا عدة أنواع من أعمال الترجمة[1]:
- الترجمة Translation
- الترجمة الحرفية Literal Translation
- نقل النُطق الحرفى Transliteration
- النُسخة Version
- النُسخة مُنقحة Revised Version
- المُراجعة النقدية Recension
- إعادة صياغة Paraphrase
- الإختصار Abridgement
- التعليق Commentary
الترجمة: عملية الترجمة ببساطة هى نقل المحتوى من لغة الى لغة أخرى. فلو تم نقل نص العهد الجديد اليونانى الى لغة أخرى كالإنجليزية، فهذه هى عملية الترجمة. و إذا تم ترجمة العهد الجديد للعربية عن الترجمة الإنجليزية التى تمت، فهذه ترجمة أخرى[2].
في عام 1516 حينما عزم إيرازموس على نشر نص العهد الجديد اليونانى، كان نص آخر ست أعداد سفر الرؤيا غير موجود في أى مخطوطة يونانية معه، فنقل النص اللاتينى الى اليونانية. في هذه الحالة فالنص اليونانى الذى أنتجه إيرازموس لهذه الإصحاحات ليس اصلاً ولا يُعتبر اصلاً يونانياً، بل هو ترجمة[3].
الترجمة الحرفية: و هى نوع خاص من الترجمة، يعتمد على النقل الحرفى للكلمة و نقل المعنى الحرفى للكلمة من لغة الى اخرى. هى الترجمة التى نستطيع ان نُطلق عليها “ترجمة كلمة بكلمة”، لهذا فهى تُقدم النص بأوضح معانيه افضل من أى ترجمة اخرى، لأنها تلتزم الحرفية النصية و الحرفية المعنوية.
العيب الوحيد الذى قد يُوجد في كهذه ترجمات، هى أنها تنقل العبارات الإصطلاحية كما هى من العبرية و اليونانية، مثل “يهوه” لا يُترجم في الترجمات الحرفية الإنجليزية Jehouvah بل YHWA. من أشهر الترجمات الحرفية الإنجليزية التى تمت للعهد الجديد تلك التى قام بها روبرت يونج Young’s Literal Translation Of The Holy Bible، و الترجمة الأميركية القياسية ASV و الترجمة الأميركية الحديثة NASB.
نقل النُطق اللغوى: هذا النوع من الترجمة، هو نقل نُطق الحرف الى الحرف المُقابل في النطق للغة المُترجم إليها. مثل حرف N يُنقل الى العربية “ن”، و كلمة Egyptian نقل نُطقها اللغوى الى العربية هو “إجيبشيان”. في اليونانية نجد كلمة ملاك αγγελος يجب ان تُترجم للإنجليزية “رسول”، و لكن وجدت كلمة Angel طريقها للإنجليزية عن طريق نقل النُطق اللغوى اليونانى، لتأتى كأفضل تعبير عن كلمة “ملاك”. تماماً كلمة Bible التى أُشتقت من نُطق الأحرف اليونانية لكلمة Βιβλος “بيبلوس”.
النُسخة: النُسخة المُترجمة هى الترجمة التى تتم عن النص بلغته الأصلية التى كُتب بها العمل الأدبى، و لا تتم عن ترجمة أخرى تمت عن اللغة الأصلية للنص.
مثلاً الترجمة التى قام بها وليام تيندل – و هى أول ترجمة إنجليزية عن النص اليونانى للعهد الجديد – يُطلق عليها “نُسخة” Version لأنها تُرجمت عن النص اليونانى الأصلى، بينما ترجمة جون ويكليف – و هى أول ترجمة إنجليزية للعهد الجديد في التاريخ البشرى – لا يُطلق عليها “نُسخة” Version، لأنها تُرجمت عن الفلجاتا، التى بدورها ترجمة عن النص اليونانى.
في الحقيقة، ترجمة كينج جيمس King James Version لا تستحق ان يُطلق عليها لقب نسخة Version لأنها ليست سوى المُراجعة الخامسة للترجمة التى قام بها وليام تيندل.
النُسخة المُنقحة: و هى مُراجعة ترجمة معينة، و غالباً تكون “نُسخة” Version، بغرض تصحيح أخطاء الترجمة و الصرف و الألفاظ، و في العصر الحديث إنضم لهذه الاهداف، عصرنة الألفاظ، أى جعل الألفاظ عصرية تتناسب مع إستخدامات العصر. في عام 1534 صدر “الإصدار المُصحح بإتقان” Diligently Corrected Edition لترجمة تيندل. ترجمة الملك جيمس من هذه الفئة.
هناك حادثة وقعت لمرة واحدة في تاريخ ترجمة العهد الجديد في العصر الحديث، و هى مُراجعة ترجمة ما بهدف التصحيح النصى، أى تعديل الإختيار بين القراءات النصية. هذه الحادثة هى في صدور “النُسخة المُنقحة” Revised Version، و التى صدرت لتنقيح ترجمة الملك جيمس. هذه الحادثة تقع في فئة “النُسخة المُنقحة” و “المُراجعة النقدية”.
المُراجعة النقدية: و هو إعادة مُراجعة ترجمة ما، من وجهة نظر نقدية و نظامية. هذه العملية ليست إعادة ترجمة و لا تستهدف تنقيح الاخطاء اللغوية او الصرفية في الترجمة، و إنما تستهدف تصحيح النص المُترجم من الناحية النقدية، مثل تصحيح القرارات المُتخذة بشأن الإختيار بين القراءات، و عمل المقدمات النقدية للأسفار…إلخ. أشهر الأمثلة لهذا النوع، كما ذكرنا، هى “النُسخة المُنقحة”.
إعادة الصياغة: هذا النوع من الترجمات يُطلق عليه “الترجمة الحرة”، فهو لا يلتزم بحرفية النص بل و قد لا يلتزم إطلاقاً بنقل النص، بقدر ما يكون إهتمامه الاول بنقل المعنى. لذا، ففى هذا النوع قد تجد كلمات بل و عبارات لا وجود لها في النص الأصلى، يُضيفها المُترجم لكى يُوضح المعنى بشكل تام.
من هذه الترجمات في عصرنا الحديث: The New Testament In Modern English، The Living Bible، و Good News for Modern Man. و في مصر، صدرت ترجمة “كتاب الحياة”، و التى لا تلتزم بالنص الأصلى على الإطلاق، بقدر إلتزامها الكبير بتقديم معنى النص بحسب فهم المُترجم. لهذا السبب، يُطلق على هذا النوع من الترجمات” ترجمة تفسيرية”، ولا أنصح بقراءة نصها إلا كتفسير و ليس كنص مُقدس.
الإختصار: الإختصار في الحقيقة لا يُقدم نصاً مُترجماً، و إنما يُقدم مُختارات و تقليصات للنص من ترجمة أخرى تمت. هذا النوع يُشبه الكتيبات التى تُوزع في دار الكتاب المقدس، حيث تجد فيها مُختارات من نصوص الكتاب المقدس تتناسب مع الحالات النفسية للفرد، بشكل مُختصر. أشهر الترجمات الحديث التى تمت من هذا النوع في العصر الحديث، هى تلك التى صدرت عن جمعية القارىء الرقمى: The Reader’s Digest Bible.
التعليق: و هو ليس ترجمة، و لكن تعليق – شرح – تفصيل – نقد، للنص، و غالباً ما يُقدم الكاتب فيه ترجمته الشخصية للنص. أقدم صورة لهذا النوع، هو المدراشات التى كُتبت تعليقاً على نص العهد القديم. حديثاً، صدرت بعض الترجمات التى تتناول في هامشها شرحاً لغوياً، نصياً، دراسياً للنص، مثل الترجمة الإنجليزية الحديثة NET Bible.
هذه هى بإختصار أقسام علم الترجمة…
طبقاً لإحصائية حديثة، قامت بها بربارا جريمس في عام 2000، يُوجد في العالم 6809 لغة و لهجة[4]. و تختلف هذه الأرقام بين عالم و آخر، و يعتمد الخلاف على تحديد كل عالم لمصطلحات: لغة – لهجة. فهناك من يعتبر لغة فصيلة معينة من شعب ما هى بالفعل “لغة” قائمة، و هناك من يعتبرها مجرد لهجة مُتفرعة.
و عن مركز الكتاب المقدس في الترجمة، فمن المُلفت للنظر أن عدد اللغات التى تُرجم لها نص العهد الجديد، و بالتحديد الأربع اناجيل، هو عدد قليل حتى بداية القرن السابع الميلادى. ففى الغرب مثلاً، لا نجد سوى ترجمتين فقط، هما اللاتينية و القوطية!!
من المُمكن ان يكون أغسطينوس قام بترجمة الأناجيل الاربعة الى لغة البرابرة، و من المُمكن ان يكون ايريناؤس قام بترجمة الاناجيل الى اللهجة السلتية لهجة الغال في ذلك الوقت، و لكن لا دليل نظرى او عملى على هذا الإفتراض.
و بعد إختراع الطباعة في القرن الخامس عشر، و حتى القرن التاسع عشر، لا نجد نص العهد الجديد خارج 33 لغة و لهجة. ثم في القرن التاسع عشر نجد إنتشار واسع في نحو 400 لغة و لهجة. ثم في النصف الأول من القرن العشرين يزيد العدد بنحو 500 لغة و لهجة، ليصل الى بداية القرن الحالى الى نحو 3000 لغة و لهجة حول العالم.
ينقسم تاريخ ترجمة العهد الجديد الى ثلاث مراحل رئيسية:
· المرحلة الأولى: و هى الترجمات القديمة حتى القرن الرابع و الخامس.
· المرحلة الثانية: و هى الترجمات المُتوسطة من القرن السادس الى منتصف القرن الثالث عشر.
· المرحلة الثالثة: و هى مرحلة الترجمات المطبوعة مع بداية حركة الإصلاح في القرن الخامس عشر.
و تنقسم ترجمات العهد الجديد جُغرافياً الى:
· ترجمات شرقية: و هى الترجمات التى تمت في العالم المسيحى الشرقى، مثل: مصر، سوريا، فلسطين، شمال افريقيا…إلخ. و منها خرجت الترجمات: القبطية، السيريانية، الأرمينية، الجيورجية، السلافية، و الإثيوبية.
· ترجمات غربية: و هى الترجمات التى تمت في العالم المسيحى الغربى، و تُعتبر روما هى مركز الترجمات الغربية، مثل: اللاتينية القديمة، الفلجاتا، و القوطية.
من المُفيد ان نعرف ايضاً، ان حركة الترجمة لم تكن غريبة عن افراد المُجتمعات المسيحية. فاليهودية سبقت المسيحية في حركة ترجمة الكتب المقدسة، و صدرت الترجمة السبعينية اليونانية لنص العهد القديم، و بعدها صدرت ترجمات اخرى مثل سيماخوس و اكويلا…إلخ.
يبدأ عصر ترجمة العهد الجديد الى لغات حية أخرى غير اليونانية مع بداية النصف الثانى من القرن الثانى الميلادى، مثل الترجمات اللاتينية و القبطية و السيريانية. الترجمات الاخرى مثل القوطية و السلافية، مُرتبطة بشكل كبير و مُباشر بحركات التبشير و الكرازة المسيحية في العصور الاولى، و تتسم هذه الترجمات بتأخر مرحلة إتمامها و ذلك لتأخر حركة التبشير الكرازية في البلاد التى أنتجت هذه الترجمات. أغلب هذه الترجمات المتأخرة وُجدت في بلاد لا يُوجد بها أبجدية اساساً، و تُعتبر هذه الترجمات أولى الإنتاجات الأدبية لهذه اللغات.
الترجمات المُؤثرة بشكل مُباشر في النقد النصى، أو تلك التى يُمكن إستخدامها في النقد النصى، هى التى نستطيع إطلاق لقب “نُسخة” عليها، أى التى تمت عن الأصل اليونانى. أو تلك التى تمت مُراجعتها على النص اليونانى[5].
فى عملية النقد النصى للعهد الجديد، فإن الترجمات أهميتها لا تكمن فقط في أنها ترجمة، و لكنها أيضاً تقدم شهادة المخطوطات التى تُرجمت عنها في زمنها، في هذا يقول نيستل :”إن ترجمة لاتينية تعود للقرن الثانى مثلاً، سوف تُمثل بالتأكيد مخطوطة القرن الثانى التى تُرجمت عنها، حتى لو أن النسخة التى بين أيدينا اليوم لهذه الترجمة ليست أقدم من القرن السادس او ما بعده”[6].
و لكن قبل إستخدام الترجمة في عملية النقد النصى للعهد الجديد، يجب وضع عدة إعتبارات :
· لنُسخة الأصلية للترجمة غير موجودة: و ان ما بين أيدينا الآن هو مجرد نُسخ من النُسخة الأصلية، لذا فنحن في حاجة اولاً الى وضع الترجمة تحت قواعد النقد النصى قبل إستخدامها للوصول الى النص الأصلى لها.
هذا النص الأصلى الذى يصل له العالِم يستخدمه بعد ذلك في التوصل الى النص الأصلى الذى كتبه كاتب السفر نفسه. لذا فإن علماء النقد النصى يرون ان الترجمة الأدبية قيمتها أقل قيمة من الترجمات التى تنقل التعبيرات اليونانية كما هى قدر المُستطاع.
· عدد الترجمات القديمة: فكلما زاد عدد الترجمات فكان هذا أفضل، و كلما زاد عدد الترجمات للغة واحدة فإن هذا أفضل في معرفة القاسم المُشترك بينهم، النص اليونانى. تمت عدة دراسات لمعرفة نوع النص الذى تنتمى له الترجمات، و لكن مازال أمامنا الكثير في هذا الفرع.
يتمتع العهد الجديد بالعديد من الترجمات التى تمت في عصور قديمة جداً، الى عدة لغات. و هناك من الترجمات أكثر من ترجمة تمت الى لغة واحدة. فلدينا ترجمتين الى اللغة اللاتينية و هما: اللاتينية القديمة Itala و الفلجاتا Vulgate، و لدينا خمس ترجمات سيريانية للعهد الجديد هم: السيريانية القديمة، البسيطة Peshitta، الفيليكسونية، الهيراقلية و الفلسطينية.[7] و لدينا كذلك أكثر من ترجمة للغة القبطية هم: الصعيدية، البحيرية و الأخميمية.
و يوجد عدة ترجمات اخرى للغات اخرى مثل: الأرمينية، الجورجية، الإثيوبية، القوطية، العربية، الفارسية، السلافية و الفرنكشية Frankish [8]. عدد الترجمات الضخم هذا جعل بروس ميتزجر – صاحب أكبر كتاب عن الترجمات القديمة – يقول :” حتى لو لم يكن لدينا اليوم مخطوطات يونانية فإننا بتجميع المعلومات من هذه الترجمات من تواريخ قديمة نسبياً، يُمكننا ان نعيد إنتاج محتويات العهد الجديد حقاً”[9]!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] هذه التعريفات مأخوذة بتصرف عن:
Geisler & Nix: A General Introduction To The Bible، Revised & Exbanded Edition (Mody Press: Chicago 1986)، P. 493 – 496
[2] الترجمة البيروتية تمت بهذا الشكل، فقد تُرجمت عن نُسخة الملك جيمس، المنقولة بدورها عن النص اليونانى لإيرازموس.
[3] أنظر كتابنا: المدخل الى علم النقد النصى، ص 225
[4] Cited By Metzger: The Bible In Translation، P. 8
[5] Aland: The Text Of The NT، P. 185
[6] Introduction to the textual criticism of the Greek New Testament، P. 31
[7] هناك من يضم دياترسون تاتيان للترجمات السيريانية.
[8] لغة في غرب – وسط أوروبا
[9] القضية للمسيح (تحقيق صحفى شخصى للشهادة عن يسوع)، تأليف لى ستروبل، ترجمة الأستاذ سعد مقارى، إصدار مكتبة دار الكلمة LOGOS، الطبعة الاولى: القاهرة 2007، الفصل الثالث، ص 75