إن كان الله موجوداً، فلماذا الشر؟
إن كان الله موجوداً، فلماذا الشر؟
الملحد: إن كان هناك حقاً إله كلي الصلاح وكلي القدرة خلق العالم ويحفظه، فلماذا يسمح الله بالشر؟
المسيحي: كيف تعرف ما هو الشر إلا إذا عرفت ما هو الخير؟ وكيف تعرف ما هو الخير إلا إذا وجد مقياس موضوعي للخير أعلى منك؟
الملحد: لا تحاول التهرب من السؤال.
المسيحي: أنا لا أحاول أن أتهرب من السؤال. ولكني أبين لك ببساطة أن شكواك تفترض مسبقاً أن الله موجود. فالواقع أن وجود الشر لا يدحض وجود الله. ربما يثبت وجود شيطان إلا أنه لا يثبت عدم وجود الله.
الملحد: لعبة ماهرة، ولكني لست مقتنعاً.
المسيحي: قد لا تكون مقتنعاً. ولكن شكواك ما زالت تفترض مسبقاً وجود الله.
الملحد: لغرض هذه المناقشة. افترض أني أوافقك أن الله موجود. هل تجيب عن السؤال الآن؟
المسيحي: بالتأكيد. رائع هذا التقدم الذي تحرزه.
الملحد: تذكر أنه لأجل المناقشة فقط. إذن لماذا إلهك المدعو “كلي القدرة” لا يوقف الشر؟
المسيحي: هل حقاً تريده أن يوقف الشر؟
الملحد: طبعاً!
المسيحي: ماذا لو بدأ بك؟
الملحد: كن جاداً.
المسيحي: أنا جاد فعلاً. إننا نتكلم عن إيقاف الله للشر، ولكننا ننسى أنه لو فعل، سيوقفنا نحن أيضاً. فكلنا نفعل الشر.
الملحد: يا رجل! نحن لا نتكلم عن الخطايا البسيطة التي نفعلها أنا وأنت، ولكننا نتكلم عن الشر الحقيقي، مثلما فعل هتلر.
المسيحي: لست أتكلم عن درجة الشر، بل مصدر الشر. مصدر الشر هو قدرتنا على الاختيار الحر. فإن كان يجب أن يقضي الله على الشر، يجب كذلك أن يقضي على حرية الاختيار، وعندئذ لن تكون عندنا القدرة على حب الخير أو فعله. ولن يكون هذا العالم عالماً أخلاقيا.
الملحد: ولكن حرية الاختيار ليس مصدر كل الشر. فلماذا يموت الرضع؟ لماذا تحدث الكوارث الطبيعية؟
المسيحي: الكتاب المقدس يرجع كل ذلك إلى سقوط الإنسان. فما من أحد بريء بحق لأننا جميعاً أخطأنا في آدم (رومية 5: 12)، والنتيجة أننا نستحق الموت (رومية 6: 23). فالكوارث الطبيعية والموت في أعمار مبكرة كلها نتيجة مباشرة للعنة التي أتت على الخليقة بسبب سقوط الجنس البشري (تكوين 3؛ رومية 8). وهذا العالم الساقط لن يعاد لوضعه الصحيح إلا عندما يعود المسيح (رؤيا 21: 22). ولذلك، ما من أحد يمنح ضماناً بأن يعيش حياة خالية من التعب، ولا عمراً مديداً يبلغ سبعين عاماً.
الملحد: يا سلام! ما أسهل هذا الكلام! عندما لا تجد مخرجاً تسرع للكتاب المقدس وتخبرنا أن الله سيصحح كل شيء في النهاية! لا يعنيني المستقبل. إني أريد نهاية للألم والمعاناة الآن. لماذا لا ينهي الله كل ذلك؟
المسيحي: سينهينه ولكن ليس طبقاً لجدولك. فكون الله لم ينه الشر حتى الآن لا يعني أنه لن ينهيه أبداً.
الملحد: ولكن لماذا لا يعود المسيح الآن لينهي كل هذا الألم؟ إن مجموع الألم البشري هائل.
المسيحي: أولاً، لا أحد يختبر “مجموع الألم البشري”. فإن كان درجة الحرارة في مانهاتن 27 درجة مئوية، وفي بروكلين 29 درجة مئوية، وفي كوينز 27 درجة مئوية، فهل أي شخص في نيويورك يمكن أن يشعر بحرارة تبلغ 83 درجة مئوية؟
الملحد: لا.
المسيحي: هذا صحيح. كل شخص يختبر ألمه فقط.
الملحد: ولكن كل هذا لا يخبرني لماذا لا ينهي الله كل هذا الألم الآن. لماذا ينتظر؟
المسيحي: إن الله بإمكانه أن ينهي الشر الآن إن أراد. ولكن ألم يخطر على بالك أنه من المحتمل أن الله يريد أن يحقق أهدافاً أخرى في وجود الشر؟
الملحد: مثل ماذا؟
المسيحي: أول شيء، يريد مزيداً من الناس يختارون السماء قبل أن يسدل الستار على هذا العالم. ويبدو أن بولس يوضح أن يسوع سيأتي ثانية بعد أن “يكتمل عدد” من سيؤمنون به (رومية 11: 25).
الملحد: حسناً، بينما ينتظر الله “اكتمال عدد” المخلصين، هناك آخرون يتألمون!
المسيحي: نعم، هم يتألمون. وهو ما يعني أن المسيحيين عليهم مهمة يجب أن يقوموا به. لقد نلنا امتياز مساعدة المتألمين. نحن سفراء للمسيح هنا على الأرض.
الملحد: جميل، ولكني لو كنت أعاني أفضل أن يساعدني الله لا أنت.
المسيحي: لو منع الله الألم كلما واجهنا مشكلة، لأصبحنا أشقى مخلوقات الكون وأكثرها تمركزاً في الذات. ولن نتعلم أبداً من الألم.
الملحد: نتعلم من الألم. ماذا تقول؟
المسيحي: لقد لمست سبباً آخر يفسر عدم إنهاء الله للشر الآن. هل يمكن أن تذكر لي درساً واحداً استمر في حياتك تعلمته من اللذة؟
الملحد: أمهلني دقيقة.
المسيحي: أمهلك ساعة، ولكني أشك أنك ستأتي بالكثير. إن فكرة في الأمر، ستكتشف أن كل ما تعلمت تقريباً من دروس قيمة نتج من صعوبة اجتزتها في حياتك. وفي معظم الحالات، قسوة الظروف تعلم في حين أن سهولة الظروف تخدع. وفي الحقيقة أنت لا تتعلم دروساً من الألم فحسب، بل الألم يكاد يكون السبيل الوحيد لتنمية الفضائل.
الملحد: ماذا تقصد؟
المسيحي: لا يمكنك أن تنمي فضيلة الشجاعة إلا في وجود الخطر. ولا يمكنك أن تمني فضيلة المثابرة إلا إذا واجهت عواقب في الطريق. ولن تتعلم أن تكون خادماً إلا في وجود شخص تخدمه. ولن تكون حنوناً إن لم يكن هناك شخص متألم أو محتاج. إنها الحكمة القديمة: “مافيش حلاوة من غير نار”.
الملحد: ولكني لن أحتاج كل تلك الفضائل لو حجر الله على الشر الآن.
المسيحي: ولكن بما أن الله عنده أسبابه لعدم الحجر على الشر الآن، فأنت تحتاج أن تنمي بعض الفضائل لهذه الحياة وللحياة الآتية. فهذه الأرض وطن غير مريح، ولكنها صالة تدريب ممتازة للحياة الآتية.
الملحد: أنتم المسيحيين دائماً ما تقفزون إلى الحياة الأبدية. كل تفكيركم منصب على السماء لدرجة تجعلكم عديمي النفع للأرض.
المسيحي: ربما يكون تفكيرنا منصباً على السماء، ولكننا نعلم أن ما نفعله على الأرض مهم في الأبدية. فالفضائل التي ينميها المؤمن بالألم تزيد قدرته على الاستمتاع بالأبدية. وبولس يقول إن «خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً» (2كورنثوس 4: 17، قارن رومية 8: 18).
الملحد: كيف تساعدني الصعوبات التي أجتازها هنا أن أسعد في مكان لن يكون فيه أي ألم أساساً؟
المسيحي: أنت تحب كرة القدم، أليس كذلك؟
الملحد: شاهدت بضع مباريات.
المسيحي: ما شعور كل لاعب في الفريق الفائز بكأس السوبر بول بعد المباراة؟
الملحد: يشعر بالسعادة طبعاً!
المسيحي: هل كابتن الفريق الفائز الذي فاز هو أيضاً بجائز أفضل لاعب، يستمتع بالفوز أكثر من الظهير الثالث الذي لم يحرز هدفاً واحداً طيلة العام؟
الملحد: أظن ذلك.
المسيحي: بالطبع. فرغم أن لاعب الظهير الثالث سعيد لأنه في الفريق الفائز، فالفوز أطيب مذاقاً عند الكابتن الذي فاز بجائزة أفضل لاعب لأنه ساهم في الفوز وثابر طوال العام حتى يصل إلى هذا المستوى. وبإصراره وسط صعوبات اللعب وآلامه، زاد من قدرته على الاستمتاع بالفوز الذي ازداد حلاوة بجائزة أفضل لاعب.
الملحد: وما علاقة كرة القدم بالسماء؟
المسيحي: السماء ستكون مثل غرفة تغيير ملابس الفريق الفائز (ولكن بدون الرائحة الكريهة!). كلنا سنسعد بوجودنا هناك، ولكن البعض سيكونون أقدر على الاستمتاع بها وسينالون مكافآت أكثر من غيرهم. ومهما كان من أمر، عدالة الله تقتضي درجات من المكافآت في السماء كما سيكون هناك درجات من العقاب في النار.
الملحد: إذن تقصد أن الحياة مثل بطولة السوبر بول؟
المسيحي: إلى حد ما. وهي تشبه السوبر بول في أن لها قواعد، وحكماً، ومكافآت. ولكن الحياة ليس فيها متفرجون، الكل على أرض الملعب ونحن نعرف الفائز مسبقاً. المسيح سيفوز، وأي شخص يمكنه أن يكون من الفائزين بالانضمام إلى الفريق، بصرف النظر عن قدراته. ورغم أنه كل من في الفريق سيستمتع بموكب الفوز، فالبعض سيكونون أكثر تقديراً له نظراً لما اختبروه من صعوبات أثناء المباراة وما ينالون من مكافآت لأنهم لعبوا حسناً. وهو ما يعني أن الشعور بالفوز يكون أعظم كلما كانت المعركة أشد.
الملحد: إذن أنت تعني أن الشر له غرض يحمل تداعيات في الأبدية.
المسيحي: نعم.
الملحد: لماذا تصر أن تضع كل شيء في ضوء الأبدية؟
المسيحي: لأن الفترة التي سنقضيها جميعاً بعد الموت أطول كثيراً من فترة حياتنا! والكتاب المقدس يعلمنا أن ننظر للأبدي، والحياة لا تكتسب معنى إلا في ضوء الأبدية. فإن لم تكن هناك أبدية، فليس هناك غرض نهائي لأي شيء، سواء أكان مسرة أو ألماً.
الملحد: افترض أنه ليس هناك أبدية. افترض أننا نعيش ونموت، وهذا كل ما في الأمر.
المسيحي: ممكن. ولكن ليس عندي من الإيمان ما يكفي لتصديق هذه الفكرة.
الملحد: ولم لا؟
المسيحي: ألم تقرأ هذا الكتاب؟
الملحد: لا، لقد قفزت إلى الملحق مباشرة.
المسيحي: أنت هكذا، أليس كذلك؟ لا تريد أن تلعب المباراة. تريد أن ترى النتيجة النهائية فقط.
الملحد: أظن إن أعاني من مرض الإشباع الفوري الأمريكي.
المسيحي: وأغلب الظن أن هذا هو ما يجعلك تجد صعوبة في إدراك قيمة الألم، ولكن “فافيش حلاوة من غير نار”.
الملحد: عند حق. قراءة هذا الكتاب مؤلمة للغاية. فهو طويل جداً.
المسيحين: كان من الممكن أن يقصر عن ذلك لولا أننا مضطرون لتناول كل تلك المحاجات المجنونة التي تثيرونها أنتم الملحدين. ثم إن عندك وقتاً للقراءة. فأنت ليس مشغولاً صباح أيام الأحد.
الملحد: يمكنني القيام بالكثير من الأشياء الأقل إيلاماً صباح الأحد.
المسيحي: اسمع، أنا أعرف أن قراءة هذا الكتاب قد تكون مؤلمة، ولكن الأكثر إيلاماً أن ترفض الخلاصة التي يتوصل إليها. إن أردت أن تتعرف على كل الحجة المؤيدة للمسيحية يجب أن تقرأ هذا الكتاب من أوله إلى آخره. والقضية مطروحة بترتيب منطقي. فكل فصل مبني على سابقه.
الملحد: موافق. سأقرأ الكتاب. ولكن في الوقت الحالي، دعنا نعود إلى مسألة الشر. إن كانت هناك أبدية، إذن بعض الشرور في هذا العالم قد يكون لها غرض أبدي. ولكن مؤكد أن بعض الأفعال الشريرة في هذا العالم ليس لها أي غرض على الإطلاق.
المسيحي: كيف تعرف؟
الملحد: شيء واضح! فما الغرض الخير الذي يمكن أن ينتج من الهجمات الإرهابية في 11 أيلول/سبتمبر مثلاً؟
المسيحي: رغم أني أتمنى لو لم تقع هذه المأساة، فنحن نعرف ببعض الأمور الخيرة التي نشأت من تلك الأحداث البشعة. مثلاً، اتحدنا معاً كأمة وأخذنا نساعد من يحتاجون للمساعدة، وعزمنا على محاربة شر الإرهاب. وقد دفعتنا الصدمة أن نمعن التفكير في أسئلة الحياة الجوهرية، والبعض رجعوا للمسيح نتيجة لهذه الأحداث. فكما قال سي. إس. لويس: «الألم هو “مكبر الصوت” الذي يستخدمه الله “ليوقظ عالماً أصم”». ومؤكد أن أحداث 11 سبتمبر أيقظتنا.
الملحد: نعم، يمكنك أن تجد جانباً مضيئاً في كل شيء تقريباً. ولكن هذا “الجانب المضيء” يستحيل أن يفوق الألم والمعاناة.
المسيحي: كيف لك أن تعرف؟ ما لم تكن كلي المعرفة وتتمتع بمنظور أبدي، كيف تعرف أن أحداث 11 سبتمبر لن تعمل معاً للخير في النهاية؟ محتمل أن الكثير من الأشياء الخيرة ستحدث في حياة الأفراد نتيجة لهذه الكارثة، ولن نسمع بها أبداً. والحقيقة أن النتائج الإيجابية قد تأتي بعد أجيال من الآن دون علم أولئك الذين سيجنونها.
الملحد: لو أطلعني الله على أسبابه، قد أستطيع أن أصدقك.
المسيحي: لقد جرب أيوب ذلك الأسلوب قبلك. فبعد أن سأل الله عن سبب معاناته. حيره الله بأسئلة عن عجائب الخليقة (أيوب 38-40). وكأن الله يقول له: «أيوب، لا تستطيع حتى أن تفهم كيف أدير العالم الطبيعي الذي تستطيع أن تراه. فكيف يمكنك أن تفهم العالم الأخلاقي الأكثر تعقيداً بما لا يقاس الذي لا تستطيع أن تراه، عالم فيه تتفاعل نتائج مليارات القرارات الحرة التي يتخذها البشر يومياً؟» حقاً يستحيل علينا أن نستوعب هذا التعقيد. بالمناسبة، هل شاهدت فلم “حياة مدهشة” It’s a Wonderful Life؟
الملحد: تقصد فيلم جيمي ستيوارت Jimmy Stewart الذي يعرض في الكريسـ…. أقصد بداية الشتاء؟
المسيحي: نعم. جيمي ستيوارت يمثل دور جورج بيلي الذي ييأس من الحياة لأن صفقاته التجارية تعثرت ويبدو أن حياته تنهار. وينقذه من الانتحار على آخر لحظة ملاك يعرض له كيف كان يمكن أن تكون حياة الآخرين لو لم يولد. ويرى أن الكثيرين في مدينته كانوا سيعشون حياة مأساوية. إلا أن جورج لم يعرف ذلك طيلة حياته. فهو لم يدرك مطلقاً ما كان لحياته من أثر مذهل على الآخرين. ومن هنا يأتي العنوان “حياة مدهشة”.
الملحد: ها! خدعة!
المسيحي: يا رجل. لقد فهمت الفكرة، أليس كذلك؟
الملحد: نعم، فهمت الفكرة: نحن لا نعرف الأثر الذي يمكن أن ينتج عن أي شخص أو حدث على المدى البعيد، وخاصة في وجود العديد من القرارات المتفاعلة التي يتخذها البشر.
المسيحي: نعم، وحتى القرارات التي تهدف للشر يمكن أن تتحول للخير (تكوين 50: 20). محتمل أن الكثير من الناس الآن أو أجيال من الآن سيأتون إلى المسيح بسبب آثار الشر المباشرة أو غير المباشرة.
الملحد: ولكنها تبدو حجة مبنية على الجهل argument from ignorance.
المسيحي: لا. فالأمر ليس أننا لا نملك معلومات عن سبب حدوث أشياء سيئة. ولكننا نعلم أننا نعيش في عالم ساقط، ونعلم أن الخير يمكن أن ينتج من الشر، لذا، نحن نعلم أنه من الممكن أن يكون عند الله سبب وجيه لوقوع الأحداث السيئة، حتى إن كنا لا نعلم تلك الأسباب. ونحن نعلم أنه يستطيع أن يخرج من الشر خيراً. إذن فهي ليست حجة مبنية على الجهل، ولكنه استنتاج منطقي مبني على ما نعرفه من معلومات. ورغم أننا لا نعلم سبب كل حدث شيء على وجه التحديد، فنحن نعلم سبب عدم علمنا: نحن لا نعلم بسبب محدوديتنا البشرية.
الملحد: وما رأيك في إجابة المعلم اليهودي كوشنر Kushner على السؤال؟ أنت تعرف أنه صاحب كتاب “عندما تحل السيئات بالصالحين” When Bad Things Happen to Good People.
المسيحي: أعتقد أن إجابته خاطئة.
الملحد: خاطئة؟ لماذا؟
المسيحي: لأنه يقول إن الله لا يملك من القدرة ما يمكنه من التغلب على الشر الموجود على الأرض. لذا، يجب أن نغفر لله سماحه بالشر.
الملحد: ما الخطأ في ذلك؟
المسيحي: هناك أدلة قوية على أن قدرة الله غير محدودة. فالله يوصف 56 مرة في الكتاب المقدس بأنه “القدير”، ويوصف بأنه كلي القدرة بعدة تعبيرات أخرى. ونحن نعرف أيضاَ من الأدلة العلمية أنه خلق هذا الكون من العدم (ألق نظرة على الفصل الثالث من الكتاب). فالإله المحدود الذي يؤمن به المعلم اليهودي كوشنر لا يتفق مع الحقائق.
الملحد: إن كانت قدرة الله غير محدودة كما تقول، فلماذا إذن يسمح بحدوث أشياء سيئة للأشخاص الصالحين؟
المسيحي: لقد أوضحنا أن الألم والمعاناة يأتيان بنتائج صالحة. ولكن يجب أن نوضح أيضاً أن السؤال يفترض افتراضاً خاطئاً؟
الملحد: ما هو؟
المسيحي: ليس هنا أناس صالحون!
الملحد: نعم؟
المسيحي: أنا أعني ما أقول. بعض الناس أفضل من غيرهم، ولكن ليس أحد صالحاً بحق كلنا نميل بالطبيعة إلى الأنانية. كلنا نرتكب الخطايا بشكل اعتيادي.
الملحد: ولكن أعمالي الصالحة أكثر من السيئة.
المسيحي: بمقياس من؟
الملحد: بمقياس المجتمع. فأنا مواطن أحترم القانون، ولست قاتلاً ولا لصاً.
المسيحي: تلك هي المشكلة. نحن نعتبر أنفسنا صالحين مقارنة بالأردياء فقط. إننا نقيم أنفسنا بالمقارنة مع الآخرين لا بالمقارنة مع مقياس مطلق للصلاح. بالمناسبة، هل سبق وسرقت أي شيء؟
الملحد: الحقيقة، نعم.
المسيحي: هل سبق وكذبت في أي شيء؟
الملحد: لا.
الملحد: آه. واضح أني لن أستطيع أن أخدعك.
المسيحي: إذن أنت لص كاذب.
الملحد: ولكن ذلك لا يعني أنا سيء تماماً.
المسيحي: لا، ولكنه يعني كذلك أنك لست صالحاً تماماً. فكر فيها: أنت تكون سيئاً أسهل كثيراً من أن تكون صالحاً، فميلك الطبيعي يتجه نحو الأنانية أكثر مما يتجه نحو الكرم. وكلنا نحمل هذه الطبيعة البشرية الفاسدة. وكما قال أوغسطينوس: «كلنا مولودون بميل نحو الخطيئة وبحتمية الموت». فهذا الميل متأصل فينا من الولادة. وهو ما يفسر السلوك الطبيعي للطفك عندما ينتزع الشيء ويصرخ: «بتاعي». ويفسر كذلك قول جيمز ماديسون James Madison: «لو كان البشر ملائكة، لما كانت هناك حاجة للحكومات».
الملحد: إذن كوشنر يفترض افتراضات خاطئة بشأن طبيعة الإنسان وطبيعة الله.
المسيحي: بالضبط. فالسؤال ليس “لماذا تحل السيئات بالصالحين؟” بل “لماذا تحدث الصالحات للأردياء؟”
الملحد: إن كان الله فعلاً كلي القدرة كما تقول، فما زلت لا أفهم لماذا لم يمنع 11 سبتمبر. فلو كنت تعلم أنها ستحدث وكنت تملك من القدرة ما يمنعها، أما كنت ستمنعها؟
المسيحي: بلى.
الملحد: إذن أنت أفضل من الله!
المسيحي: لا، إن منعت هجمات 11 سبتمبر، أكون بذلك قد منعت الشر. ولكن الله صاحب المنظور الأبدي غير المحدود يسمح باختيارات شريرة وهو عالم أنه يستطيع في النهاية أن يصلحها. ولكننا نحن لا نستطيع أن نصلح هذه الاختيارات. لذا، نحاول أن نمنعها جميعاً.
الملحد: نعم ولكن بناءً على عقيدتك المسيحية نفسها، الله لا يصلح كل الاختيارات الشريرة في النهاية. فمهما كان، البعض يذهبون إلى الجحيم.
المسيحي: نعم، ولكن ذلك لأن الله لا يستطيع أن يأتي بالخير الأبدي إلا لمن يقبلون هذا الخير. البعض يتجاهلون الحقائق أو يختارون أن يلعبوا المباراة على نحو يأتي لهم بالهزيمة. وبما أن الله لا يستطيع أن يجبرهم على أن يختاروا بحرية أن يلعبوا المباراة على النحو الصحيح، فالخير النهائي لا يأتي إلا لمن يختارونه. وهو ما يفسر قول بولس: «ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده» (رومية 8: 28). لاحظ أنه لا يقول إن “كل الأشياء خير”. ولكنه يقول إن كل الأشياء تعلم معاً لأجل خير الذين يحبونه.
الملحد: إذن كيف عملت كل الأشياء لخير الذين ماتوا في 11 سبتمبر؟
المسيحي: من أحبوا وقبلوا عطية الخلاص المجانية هم الآن مع الله في الأبدية. ومن هم غير ذلك، فإن اختيارهم الحر للانفصال الأبدي عن الله يحترم أيضاً.
الملحد: وماذا عن الباقين منا؟
المسيحي: من بقي منا في هذا الحياة ما زال أمامه وقت لاتخاذ قراره. ومن كانوا مسيحيين حقيقيين بالفعل عند حدوث هجمات 11 سبتمبر من المحتمل أن شخصياتهم الأدبية ازدادت قوة نتيجة الأحداث.
الملحد: لكن إن كان الله كلي الصلاح وكلي المعرفة، لماذا يخلق أناساً يعرف أنهم سيذهبون إلى جهنم؟
المسيحي: سؤال وجيه. لم يكن عند الله سوى خمسة خيارات. كان بإمكانه: 1) ألا يخلق على الإطلاق. 2) أن يخلق عالماً بلا حرية حيث البشر كالإنسان الآلي. 3) أن يخلق عالماً حراً حيث البشر لا يخطئون. 4) أن يخلق عالماً حراً حيث البشر يخطئون. ولكنهم جميعاً سيقبلون خلاص الله. 5) أن يخلق العالم بالحالة التي هو عليها الآن. حيث البشر يخطئون، والبعض منا سيخلصون ولكن الباقون سيهلكون.
الملحد: نعم، ويبدو أن الله اختار أسوأ البدائل الخمسة! إذن الله ليس كلي الصلاح.
المسيحي: لا تستعجل الحكم. الخيار الأول لا يمكن حتى أن يقارن بالأربعة الأُخر لأنه ليس هناك وجه شبه بين الشيء واللاشيء. مقارنة عالم حقيقي باللاعالم لا يشبه حتى مقارنة التفاح بالبرتقال، لأن الاثنين من الفواكه. ولكنه يشبه مقارنة التفاح باللاتفاح، مع الإصرار على أن التفاح ألذ. وهو ما يطلق عليه في المنطق خطأ تصنيفي category mistake. إنه كن يسأل: «ما لون الرياضيات؟» الرياضيات ليست لوناً، فالسؤال بلا معنى.
الملحد: إن كانت مقارنة الوجود باللاوجود خطأ تصنيفياً، إذن يسوع ارتكب خطأ تصنيفاً عندما قال إنه كان خيراً ليهوذا لو لم يولد (متى 26: 24).
المسيحي: لا، يسوع لم يكن يتكلم عن أفضلية اللاكينونة على الكينونة. ولكنه كان يعبر تعبيراً قوياً عن بشاعة خطية يهوذا.
الملحد: فلماذا لم يختر الله البديل الثاني – بشراً كالإنسان الآلي؟
المسيحي: كان بإمكانه أن يفعل ذلك، ولكن العالم بهذا الشكل لا يمكن أن يكون عالماً أخلاقياً. سيكون عالماً يخلو من الشر، ولكنه يخلو من الخير الأخلاقي أيضاً.
الملحد: فلماذا لم يخلق العالم بالشكل الثالث أو الرابع؟ عالم يسمح بالحب، ومؤكد أنه أفضل من الذي نعيش فيه الآن.
المسيحي: نعم، ولكن ليس كل ما يمكن تخيله يمكن تحقيقه مع المخلوقات الحرة. فمثلاً، يمكننا أن نتخيل أنه بإمكاني أن أسرق بنكاً بدلاً من أن أتحدث إليك. ولكنه أمر لا يمكن تحقيقه لأني اختر بحريتي أن أتحدث إليك. وهكذا الله لا يمكنه أن يقهر المخلوقات الحرة على ألا تخطئ. فالحرية القهرية تناقض.
الملحد: ولكن عالمنا هذا كان يمكن أن يكون أفضل لو تناقصت جرائم القتل أو الاغتصاب. إذن الله فشل في خلق أفضل عالم ممكن.
المسيحي: تمهل. رغم أني أعترف أن هذا العالم ليس أفضل عالم ممكن، قد يكون أفضل طريقة للوصول إلى أفضل عالم ممكن.
الملحد: ما هذه اللغة النفسية الخلقية الغريبة؟
المسيحي: محتمل أن الله سمح بالشر لكي يهزمه. فكما قلت، لو لم يسمح الله بالشر، لما أمكن بلوغ الفضائل العليا. فالأشخاص الذين افتدوا من الألم يتمتعون بشخصيات أخلاقية أقوى من الذين لم يمتحنوا بالألم. إن بناء النفس يتطلب شيئاً من الألم. فأيوب في أصحاح 42 رجل أكثر عمقاً وفرحاً من أيوب في أصحاح 1. إذن الشر في هذا العالم يخدم فعلياً غرضاً خيراً في النهاية. إنه يخلق أفضل عالم أبدي ممكن.
الملحد: ولكن لماذا يخلق الله أناساً رغم معرفته بأنهم سيختارون جهنم؟
المسيحي: هل عندك أطفال؟
الملحد: نعم. وأنا نفسي كنت طفلاً!
المسيحي: لماذا أنجبتهم رغم معرفتك أنهم سيعصونك يوماً ما؟
الملحد: زوجتي كثيراً ما تسألني ذلك السؤال!
المسيحي: أنا أعرف لماذا أنجبت أبنائي. لأن الحب لا يخشى المخاطرة. كنت مستعداً أن أخاطر بالفقد في سبيل أن أختبر فرح الحب. وهو ما ينطبق على كل بطولة سوبر بول. كلا الفريقين يعرفان أن أحدهما سيخسر، ومع ذلك كلاهما مستعدان أن يلعبا رغم المخاطرة.
الملحد: ينبغي أن أعترف أن إجابتك منطقية على المستوى الفكري، ولكن الشر ما زال يزعجني.
المسيحي: ويزعجني أنا أيضاً، ويجب أن يزعجنا. فكلنا نعرف أن هذا العالم ليس في الوضع الصحيح، وكلنا نشتاق للسماء. وربما اشتياقنا للسماء مؤشر آخر على أنها حقيقة (ناقشنا بعض المؤشرات الأخرى التي تدلل على ذلك في هذا الكتاب).
الملحد: محتمل، ولكني لا أظن أن إجابتك الفكرية يمكنها أن تساند شخصاً يعاني من الشر.
المسيحي: قد تكون على صواب. ولكنك لست مضطراً أن تصمد أمام الشر بالإجابات فقط. يمكنك أن تستند على المعزي الإلهي، أي الروح القدس، ليساعدك وسط حياة الألم والمعاناة التي تبني النفس.
الملحد: أفضل ألا أعاني على الإطلاق عن أن أستند على مُعَزِّ
المسيحي: ربما لذلك لا يضع الله الألم والمعاناة تحت سيطرتك. ولو فعل، من سيختار أن يجتاز فيهما؟
الملحد: لا أحد؟
المسيحي: هذا ليس صحيحاً بالتمام. مؤكد أن رجلاً اختار الألم. يسوع المسيح اختار الألم طوعاً حتى يصالحك ويصالحني مع الله. وكان ذلك هو النموذج الحقيقي الوحيد للشر الذي يحل بشخص صالح بحق. لذا، يمكننا أن نشكو لله من الألم والمعاناة، ولكن يجب أن نعترف أنه لم يعف نفسه منهما. أما أنت وأنا، فالله أحياناً ما ينقذنا من الشر، ولكنه أحياناً يعزينا وسط الشر. وفي أي من الحالتين، سواء عرفنا أسبابه أو لم نعرفها، يمكن للمؤمنين أن يثقوا في الله من حيث أنه يجعل كل الأشياء تعمل معاً للخير حسب خطته الأزلية.