Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

هل الله موجود؟ لغز الحياة والحصول على الصورة الكاملة

هل الله موجود؟ لغز الحياة والحصول على الصورة الكاملة

هل الله موجود؟ لغز الحياة والحصول على الصورة الكاملة

هل الله موجود؟ لغز الحياة والحصول على الصورة الكاملة

“ من يزعم أنه يشك في مجموعة معينة من المعتقدات هو في الواقع مؤمن حقيقي بمجموعة أخرى من المعتقدات”.

فيليب إي. چونسون Phillip E. Johnson

حذر أستاذ الأديان طلابه المترقبين تحذيراً صريحاً منذ أول يوم في الفصل الدراسي:ِ” من فضلكم، اتركوا معتقداتكم الدينية في البيت. فعندما نتناول العهد القديم، قد أبدي بعض الملاحظات المخالفة تماماً لما تعلمتموه في مدرسة الأحد. ولست أقصد من ذلك إهانة أحد، ولكني أقصد أن أجري تحليلاً موضعياً للنص قدر المستطاع”.

أعجبني الكلام. فعلى أي حال، أنا (فرانك) سجلت فى تلك المادة لأني كنت في رحلة بحث روحي. ولم أرد أن أسمع كلاماً دينياً. كل ما أردته أن أعرف إن الله موجود أم لا. وهل من مكان للحصول على فكر موضوعي عن الله والكتاب المقدس أفضل من معهد علماني مثل”جامعة روتشسير”University of Rochester ؟ هكذا كنت أفكر.

ومن البداية اتخذ الأستاذ نظرة تشككية جداً للعهد القديم. وعلى الفور أكد نظرية أن موسى ليس هو كاتب أول خمسة أسفار في الكتاب المقدس، وأن الكثير من نصوص الكتاب التي يفترض أنها نبوية كتبت بعد وقوع الأحداث. وقد رجح أيضاً أن اليهود كانوا في الأصل يؤمنون بالكثير من الآلهة (الإيمان بتعدد الآلهة)، ولكن إلهاً واحداً فاز بالمنافسة؛ لأن آخر محرري العهد القديم كانوا “موحدين متعصبين دينياً”.

معظم الطلاب لم يجدوا غضاضة في تحليله، عدا شاباً واحداً كان يجلس أمامي بعدة صفوف. وبمرور الفصل الدراسي، اتضح أن ذلك الطالب يزداد غضباً تجاه نظريات الأستاذ التشكيكية. وذات يوم، عندما بدأ الأستاذ ينقد نصوصاً من إشعياء، لم يستطيع الطالب أن يتمالك نفسه.

وانفجر قائلاً: ليس صحيحاً. هذة كلمة الله.

فهمست بصوت خفيض للطالب الجالس بجوراي: ذلك الشاب متدين أكثر من اللازم.

فذكَّر الأستاذ الجميع: اسمعوا. لقد أخبرتكم جميعاً من البداية أنكم يجب أن تتركوا معتقداتكم الدينية في البيت. وإلا لن نكون موضوعيين.

فوقف الطالب ورد: ولكنك لست موضوعياً. إنك مفرط التشكك.

بدأ بعض الطلاب يقاطعونه ويصيحون فيه.

“دع الأستاذ يدرس”.

“اجلس”.

“لسنا في مدرسة الأحد”.

وحاول الأستاذ تهدئة الموقف، ولكن الطالب انطلق غاضباً من قاعة المحاضرات ولم يعد أبداً.

ورغم أنى شعرت بشيء من التعاطف مع الطالب، وأدركت أن الأستاذ متحيز شخصياً ضد الدين، أردت أن أسمع منه المزيد عن العهد القديم، وخاصة عن الله. وعند نهاية الفصل الدراسي، كنت مقتنعاً نوعاً ما أن الأستاذ على صواب، فالعهد القديم لا يجب أن يؤخذ كما يبدو في ظاهره.

الإ أنني لم أحصل بعد على إجابة لسؤالي الأساسي: هل الله موجود؟ فحتى نهاية المحاضرة الأخيرة لم أكن قد حصلت على إجابة شافية، وهذة المسألة الصعبة لم تحسم. فتوجهت إلى الأستاذ الذي تحلق الطلاب حوله يسألونه أسئلتهم الأخيرة.

وانتظرت حتى انصرف الجميع تقريباً، وقلت: أستاذ. شكراً على المادة. أظن أني تعلمت منظوراً جديداً. ولكن لايزال عندي سؤال جوهري.

فأجاب: بكل سرور. تفضل.

ودون أن يتردد لحظة واحدة انطلق قائلاً: لا أعرف.

Uni-: بادئة تدخل على بعض الكلمات الإنجليزية وتعني واحد، أو مكون من واحد. (المترجمة)

Plural+: تعني جمع، أو مكون من أكثر من واحد. (المترجمة)

صدمت، وتمنيت لو أمكنني ان أوبخه قائلاً: “لحظة من فضلك. أنت تعلم بأن العهد القديم خاطئ، وأنت لا تعلم إن كان الله موجود أم لا؟ العهد القديم يمكن أن يكون صحيحاً إن كان الله موجود بالفعل”. ولكن بما أننا لم نكن قد أخذنا التقديرات النهائية للمادة. تراجعت، واكتفيت بمغادرة القاعة محبطاً من الفصل الدراسي بأكمله. كنت سأحترم الإجابة بكلمة “نعم” أو “لا” مصحوبة ببعض الأسباب، ولكني لم أقبل “لا أعرف”.

كان يمكنني أن أحصل على تلك الإجابة من شخص في الشارع قليل المعرفة. ولكني كنت أتوقع أكثر من ذلك بكثير من أستاذ دين جامعي.إلا أني عرفت فيما بعد أن توقعاتي كانت أعلى كثيراً من حدود الجامعة الحديثة. إن مصطلح “جامعة” “University” هو في الواقع مركب من كلمة “unity” (وحدة)، وكلمة “diversity”تنوع.

فعندما يذهب المرء إلى الجامعة، يفترض أن يجد من يرشده في مسعاه للعثور على الوحدة في التنوع، أي كيف أن كافة مجالات المعرفة المتنوعة (الفنون، والفلسفة، والعلوم الطبيعية، والرياضيات… إلخ) تتوافق معا لتكون صورة موحدة للحياة. مؤكد أنها مهمة شاقة، ولكن الجامعة الحديثة لم تهجرها فحسب بل فعلت عكسها.

فبدلاً من أن يكون عندنا University أصبح عندنا Pluraversities، مؤسسات تعتبر كل وجهة نظر، مهما كانت تفاهتها، تتمتع بنفس القدر من القبول والمعقولية مثل غيرها من الأفكار، ماعدا الفكرة القائلة بأنه لا يمكن أن توجد إلا ديانة واحدة صحيحة أو منظور worldview واحد صحيح للحياة. فهذة هي وجهة النظر الوحيدة التى تعتبرها معظم الجامعات فكرة متعنتة لا تقبل الاختلاف.

 ورغم الإنكار الذي ينساب من جامعاتنا، فإننا نؤمن بوجود طريقة لاكتشاف الوحدة في التنوع. وإن تمكن المرء من اكتشاف هذه الوحدة، سيكون كمن يرى الصورة الكاملة المبينة على سطح علبة لغز الصور المقطعة Puzzle.

فكما أنه من الصعب تجميع القطع المكونة للغز دون الرجوع للصورة الموضحة على سطح العلبة، هكذا يصعب إيجاد معنى في قطع الحياة الكثيرة المتنوعة دون صورة كاملة توحد هذه القطع. والسؤال: هل هناك من يملك سطح علبة هذا اللغز الذي نسميه الحياة؟ تزعم الكثير من ديانات العالم أنها تملك سطح العلبة. فهل أي منها على صواب؟

الدين وسطح العلبة

أديان العالم تمثل غالباً محاولات لتقديم سطح العلبة الذي يسمح لك أن ترى كيف أن القطع الكثيرة التي يتألف منها لغز الحياة تشكل صورة كاملة متناسقة. وعادة ما تبدأ هذه الصورة بزعم ما عن الله، وهي بداية منطقية. فما يؤمن به المرء عن الله يؤثر في سائر معتقداته الأخرى كافة.

وعندما سئل “مورتيمر آدلر” Mortimer Adler عن السر وراء أن الجزء الذي يتحدث عن “الله” هو أكبر جزء في سلسلة “كتب الغرب العظيمة” Great Books of the Western World (التي حررها)، جاء جوابه عميقاً ثابقاً؛ إذ أشار إلى أن النتائج المترتبة على موضوع الله تتجاوز ما يترتب على أي موضوع آخر. ومؤكد أن أهم خمسة أسئلة في الحياة تترتب على هذا الموضوع هى:

وإجابة كل من هذة الأسئلة تتوقف على وجود الله. فإن كان الله موجود، يكون لحياتك معنى وغرض نهائي. وإن كان لحياتك غرض حقيقي، عندئذ يكون هناك بالفعل أسلوب صحيح وأسلوب خاطئ للحياة. واختياراتك اليوم لا تؤثر عليك هنا فحسب، ولكنها تؤثر عليك في الأبدية.

وعلى العكس، إن لم يكن الله موجود، فحياتك يلا معنى. وما دامت الحياة ليس لها غرض نهائي بعيد، فما من أسلوب صحيح وأسلوب خاطئ للعيش. ولا يهم كيف تعيش أو بما تؤمن، فمصيرك إلى التراب.

فإن كان أي دين في العالم يمتلك الأجابة الصحيحة عن سؤال الله، فما هو؟ هل من ديانة تمدنا بسطح العلبة الصحيح للحياة؟ الحكمة الشائعة تقول لا، لعدة أسباب.

أولاً، يقول الكثيرون إنه ليس منطقياً أن تصدق أن ديناً واحداً يمكن أن يكون وحده الدين الصحيح. فلو كان دين بعينه صحيحاً، إذن مليارات المتدينين في سائر الأديان الأخرى جميعاً مخطئون اليوم، وكانوا مخطئين على مدى قرون. (وهي مشكلة كبيرة إن كانت المسيحية صحيحة؛ لأن المسيحية فيما يبدو تعلم بأن غير المسيحيين مصيرهم الجحيم!) هذا بالإضافة إلى الخوف المنطقي من أن مَن يعتقدون أنهم يمتلكون الحق لن يقبلوا آراء من لا يقبلونه.

والأمريكيون المتساهلون أكثر ميلاً للاعتقاد بأنه ليس هناك ديانة واحدة هي “الحق”، بأل التعريف. وهو موقف يعبر عنه غالباً مثل مفضل لدى الكثير من أساتذة الجامعات: مثل الستة رجال العمي والفيل. كل رجل من الستة يتحسس جزءاً مختلفاً من الفيل ومن ثم يتوصل إلى استنتاج مختلف بشأن الشيء الموجود أمامه. فأحدهم يمسك بالناب ويقول: “إنه رمح!” ويتحسس آخر الخرطوم ويقول: “هذا ثعبان!” أما من يحتضن الساق يزعم قائلاً: “هذه شجرة!”

والأعمى الذي يمسك الذيل يقول: “معي حبل!” أما من يتحسس الأذن يظن”أنها مروحة!” ومن ينحني على جانب الفيل يقول واثقاً: “أنه حائط!” ويقال إن هؤلاء الرجال العميان يمثلون ديانات العالم لأن كلاً منهم يتوصل إلى استنتاج مختلف عما يتحسسه. ويقال لنا إنه ما من دين واحد يمتلك”الحق” بأل التعريف، مثل كل رجل من الستة العمي. فما من ديانة واحدة تمتلك سطح العلبة الكامل. ولكن الأديان تمثل ببساطة طرقا مختلفة تؤدي إلى قمة الجبل نفسها. وهو طبعاً موقف جذاب جدا للعقل الأمريكي الذي يقبل الاختلاف قبولاً تاماً.

ففي أمريكا يعتبر الحق الديني تعبيراً متناقضاً. ولكنهم يقولون لنا إنه لا حق فى الدين. فهي مسألة أذواق وآراء أنت تحب الشوكولاتة.أنا أحب الڨانيليا. أنت تحب المسيحية، أنا أحب الهندوسية. إن كانت البوذية تناسبك، فهي صحيحة بالنسبة لك. ثم إنه ينبغي ألا تحكم على بمعتقداتي!

أما ثاني المشكلات الكبرى فى قضية الحق الديني هي أن بعض قطع الحياة يبدو أنها تستعصي على التفسير، يبدو أنها لا تتوافق مع أي سطح علبة ديني. ومنها وجود الشر وصمت الله حياله. وهي ما تمثل اعتراضات قوية لأي شخص يزعم بوجود إله كلي القدرة (يؤمن بوجود الله). فالكثير من المتشككين والملحدين يحاجون بأنه إن كان هناك إله حقيقي قدير، لتدخل لإزالة كل هذا الارتباك.

فإن كان الله موجود بالفعل، فلماذا يحتجب؟ لماذا لا يظهر نفسه ويبين خطأ الديانات الزائفة وينهى كل هذا الجدل؟ لماذا لا يتدخل ويوقف كل الشر المنتشر في العالم، بما فيه كل الحروب الدينية التي تلطخ اسمه؟ ولماذا يسمح بالضرر للأشخاص الصالحين؟ كلها أسئلة صعبة على أي شخص يزعم بأن دينه الذي يؤمن بوجود الله دين صحيح.

الموضوعية هي وجود الشيء مستقلاً عن الأفكار والآراء الشخصية وغير متأثر بها، وتشير في الفلسفة إلى الاعتقاد بأن الموجودات توجد مستقلة عن معرفة البشر بها أو إدراكهم لها. أما الذاتية فهي موقف فلسفي يرى أن المعرفة تتوقف على وجود الذات المدركة وأنه ليس هناك حقيقة موضوعية أو خارجية. (المترجمة)

وأخيراً، يشير الكثير من المفكرين المحدثين إلى أن أي سطح علبة يقوم على الدين يفتقد للمشروعية. لماذا؟ يقولون لأن العلم وحده هو ما يقدم الحق. فهم يقولون إن التطور لم يلغ الحاجة الى الله فحسب، بل ما يمكن اختباره في المعمل هو فقط ما يمكن اعتباره حقيقياً. أي أن العلم وحده هو الذي يتعامل مع الأمور الحقيقية، في حين أن الدين يظل محصوراً في نطاق الإيمان.

فلا معنى لمحاولة حشد الأدلة أو الحقائق لتأييد الدين لأن ذلك يشبه من يجمع حقائق لإثبات أن آيس كريم الشوكولاتة أحلى مذاقا من آيس كريم الڨانيليا. لا يمكنك إثبات الاستحسانات. ولذلك، بما أنهم يصرون على أن الدين ليس مسألة حقيقية موضوعية على الإطلاق ولكنه مجرد ذوق ذاتي، إذن أي سطح علبة مستمد من الدين لا يمكنه تقديم الصورة الموضوعية للحياة التي نبحث عنها.

فإلى أين يأخذنا كل هذا؟ هل البحث عن الله وعن سطح علبة الحياة مهمة ميئوس منها؟ هل يجب أن نفترض أنه ما معنى موضوعي للحياة، وأن كلاً منا يخترع سطح علبته الذاتي؟ هل يجب أن نقنع بإجابة الأستاذ: “ لا أعرف”؟ إننا لا نعتقد ذلك. بل نعتقد بوجود إجابة حقيقية.

وبالرغم مما رصدنا من اعتراضات قوية (سنناقشها في الفصول القادمة)، نؤمن أن الإجابة منطقية للغاية. بل إننا نعتقد حقيقة أن هذه الإجابة أكثر منطقية وتتطلب إيماناً أقل من أى إجابة أخرى من الإجابات المطروحة، بما فيها إجابة الملحد. فهيا بنا نبين لك ما نعني بذلك.

أي نوع من الآلهة؟

قبل أن نتقدم في مناقشتنا، لا بد أولاً أن نفهم المصطلحات. تندرج معظم ديانات العالم الرئيسية تحت واحد من ثلاثة منظورات دينية للحياة religious worldviews: الإيمان بالله الخالق الحافظ theism، وحدة الوجود pantheism، الإلحاد atheism.

المؤمن بوجود الله الخالق الحافظ theist هو من يؤمن بإله شخصي Personal God خلق الكون ولكنه ليس جزءاً من هذا الكون: وهو ما يمكن تمثيله بالرسام واللوحة. فالله مثل الرسام وخليقته مثل اللوحة. الله صنع اللوحة، وصفاته تنعكس فيها، ولكن الله ليس اللوحة. والديانات الرئيسية التي تؤمن بالله الخالق الحافظ هي: المسيحية، واليهودية، والإسلام.

على العكس من ذلك، المؤمن بوحدة الوجود pantheist هو من يؤمن بإله غير شخصي بأن الله صنع اللوحة، بل بأن الله هو اللوحة. وفي الواقع المؤمنون بوحدة الوجود يعتقدون أن الله هو كل الموجودات: الله هو العشب، الله هو السماء، الله هو الشجرة، الله هو هذا الكتاب، الله هو أنت، الله هو أنا…إلخ. والديانات الرئيسية التي تؤمن بوحدة الوجود هي مجموعة الديانات الشرقية مثل الهندوسية، وبعض أشكال البوذية، والكثير من أشكال” العصر الحديث”“New Age”.

أما الملحد atheist هو بالطبع من لايؤمن بأي نوع من الآلهة. وتمشياً مع المشابهة، فالملحد يؤمن أن ما يبدو وكأنه لوحة كان موجوداً باستمرار ولم يرسمه أحد. ويندرج ضمن هذه الفئة “الإنسانيون الدينيون”“ Religious humanists “.

وإليك طريقة سهلة لتذكر هذه المنظورات الدينية الثلاثة: الإيمان بالله الخالق الحافظ: الله صنع كل شيء. وحدة الوجود: الله هو كل شيء. الإلحاد: لا إله على الإطلاق.

والشكل 1-2 يصور الإيمان بالله الخالق الحافظ على هيئة يد تحمل العالم، ووحدة الوجود على هيئة يد في العالم، والإلحاد على هيئة العالم فقط دون سواه.

وسنستخدم كثيراً مصطلحاً أخر وهو لاأدري agnostic. وهو شخص لا يحسم موقفه بخصوص قضية الله.

المقصود الإيمان بوجود إله خلق الكون ويحفظه باستمرار، وغالباً سيشار إلى المصطلح في الفصول التالية بتعبير ’’الإيمان بالله الخالق‘‘ للتخفيف.(المترجمة).

وبعد أن عرفنا مصطلحاتنا، لنعد إلى قضية الإيمان والدين.

الإيمان والدين

الزعم القائل بأن الدين مجرد مسألة إيمان، على ما يبدو فيه من إقناع ظاهري، ليس إلا أسطورة حديثة، فهو زعم خاطئ. فرغم أن الدين يتطلب الإيمان بكل تأكيد، فالدين لا يقتصر على الإيمان. فالحقائق أيضاً تلعب دوراً جوهرياً في كل الأديان لأن كل المنظورات الدينية، بما فيها الإلحاد، تتضمن مزاعم تتعلق بالحق، والكثير من تلك المزاعم المتعلقة بالحق يمكن تقييمها بالفحص العلمي والتاريخي.

فمثلاً المؤمنون بالله الخالق الحافظ (مثل المسيحيين، والمسلمين، واليهود) يقولون إن الكون له بداية، في حينأن الكثير من الملحدين والمؤمنين بوحدة الوجود (مثل أتباع حركة العصر الجديد، والهندوس) يقولون إن الكون لا بداية له (الكون أزلي). وكل زعم منهما يلغي الآخر.

فلا يمكن أن يكون كلاهما صحيحاً. فإما أن الكون له بداية أم لا. وعندما نبحث في طبيعة الكون وتاريخه، يمكننا أن نستنتج منطقياً أن إحدى النظرتين صحيحة والأخرى خاطئة.

وتعتبر قيامة المسيح المزعومة مثالاً آخر على ذلك. فالمسيحيون يزعمون أن يسوع قام من الأموات، بينما يقول المسلمون إن يسوع لم يمت أصلاً. وبالمثل، يجب أن يكون أحد هذين الموقفين صحيحاً والآخر خاطئاً. فكيف نحدد الموقف الصحيح؟ بتقييم كل من هذين الزعمين المتضادين بشأن الحق بناء على الدليل التاريخي.

لاحظ أن الأديان المختلفة ليست الوحيدة التي تحاول أن تجيب عن هذه الأسئلة، ولكن العلماء أيضاً لهم رأي في هذه المسائل. أي أن العلم والدين غالباً ما يتناولون الأسئلة نفسها، من أين أتى الكون؟ من أين أتت الحياة؟ هل المعجزات ممكنة؟ وهكذا. أي أن العلم والدين لا يقصي أحدهما الآخر كما يرجح البعض.

ولكن من المؤكد أنه لا يمكن إخضاع كل المزاعم الدينية للفحص العلمي أو التاريخي. فبعضها يمثل عقائد لا يمكن التحقق منها. إلا أن الكثير منها يمكن إخضاعه للاختبار. فبعض المعتقدات منطقي، أي يمكن إثباته بيقين كبير، ولكن يتضح أن البعض الآخر غير منطقي.

معضلات المسيحية

هل المسيحية منطقية؟ نحن نؤمن أنها كذلك. إلا أنه لم يفحص المرء الأدالة فحصاً دقيقاً وبذهن منفتح، قد يبدو الاعتقاد في المسيحية إشكالياً. فأولاً، هناك الكثير من الاعتراضات الفكرية المفهومة، مثل ما ذكرناه آنفاً (مشكلة الشر، واعتراضات الكثير من العلماء).

وثانياً، هناك عوائق نفسية أحياناً ما تحول دون قبول المسيحية. فاعتقاد المسيحية أنها تنفرد بالحق Christian exclusivism، والاعتقاد في جهنم، ورياء المسيحيين؛ تمثل حواجز نفسية أمام الجميع تقريباً. (الواقع أن الرياء في الكنيسة غالباً ما يمثل أكثر العوامل المنفرة للناس. فقد قال أحدهم إن أكبر معضلة في المسيحية هي المسيحيون!).

وأخيراً، هناك أسباب إرادية لرفض المسيحية، ألا وهي الأخلاق المسيحية التى تبدو وكأنها تحد من خياراتنا في الحياة. فبما أن معظمنا لا يحب أن يحاسب، إذن إخضاع حريتنا لإله غير منظور ليس من الأشياء التى نميل إليها بطبيعتنا.

ولكن بالرغم من هذه العوائق الفكرية، والنفسية، والإرادية، نؤكد أن الإيمان بالمسيحية ليس هو الصعب، بل الصعوبة تكمن في الإيمان بالإلحاد أو بأي دين آخر. بمعنى أنه ما إن يمتحن المرء الأدلة، حتى يكتشف أن ما يحتاجه من إيمان ليعتقد في غير المسيحية يفوق الإيمان المطلوب للمسيحية. وهو ما قد يبدو زعماً مخالفاً للفهم الطبيعي المعتاد، ولكنه متجذر في حقيقة مفادها أن كل منظور ديني religious worldview يتطلب الإيمان، حتى المنظور الذي يقول بعدم وجود إله.

لماذا؟ لأننا بصفتنا بشر محدودين، لا نمتلك نوعية المعرفة التي تزودنا بالبرهان المطلق على وجود الله أو عدم وجوده. فخارج إطار معرفتنا بوجودنا (أنا أعرف أنى موجود لأني لا بد أن أكون موجوداً حتى أتمكن من التفكير في هذه المسألة)، نحن نتعامل مع احتمالات. وأياُ كان استنتاجنا عن وجود الله، يحتمل دائماً أن يكون الاستنتاج المضاد صحيحاً.

وفي الحقيقة، من المحتمل أن تكون استنتاجاتنا في هذا الكتاب خاطئة. ولكننا لا نعتقد أنها خاطئة لما لها من أدلة قوية تؤيدها. بل إننا نعتقد أن اسستنتاجاتنا صحيحة بما يتجاوز أي شك منطقى. (وهذا االنوع من اليقين، الذي ربما يتجاوز 95% هو أفضل ما يمكن لكائنات بشرية ناقصة محدودة أن تبلغه في معظم القضايا، وهو أكثر من كاف حتى في أهم قرارات الحياة.) إلا أنه لا بد من توافر قدر من الإيمان للتغلب على احتمالية أننا على خطإ.

إيمان الملحد

رغم أن قدراً من الإيمان ضروري لتصديق استنتاجاتنا، فالأمر المنسي غالباً أن الإيمان ضروري أيضاً لتصديق أي منظور للحياة، بما في ذلك الإلحاد ووحدة الوجود. وهو ما تذكرناه قريباً عندما التقينا بملحد يدعى “باري” “Barry” فى إحدى حلقاتنا النقاشية. لم يستطيع” باري” أن يصدق أن صديقاً مشتركاً بيننا يدعى “ستيڤ” Steve أصبح مسيحياً.

وقد قال:” لا يمكنني أن أفهم “ستيڤ”. فهو يزعم أنه مفكر، لكنه لا يستطيع أن يرد على كل الاعتراضات التي أطرحها عليه بخصوص المسيحية. وهو يقول أنه لا يعرف كل الإجابات لأنه مستجد وما زال يتعلم”.

فقلت(فرانك): “باري”، إن معرفة كل شيء عن موضوع ما تكاد تكون مستحيلة، وهي بالتأكيد مستحيلة إن كان الموضوع هو الله غير المحدود. لذا، لا بد أن تصل إلى نقطة حيث تدرك أنك امتلكت من المعلومات ما يكفي للوصول إلى استنتاج، حتى لو ظلت لديك أسئلة دون إجابات”.

وافقني “باري”، ولكنه لم يدرك أنه كان يفعل تماماً ما كان ينتقد “ستيڤ” عليه. فقد قرر”باري” أن منظوره الإلحادي صحيح رغم أنه لم يمتلك معلومات كاملة لدعمه. هل هو متيقن من عدم وجود الله؟ هل بحث كل الحجج والأدلة المؤيدة لوجود الله؟ هل يمتلك معلومات شاملة عن قضية الله؟ هل يمكنه الرد على كل اعتراض على الإلحاد؟ بالطبع لا. بل إنه من المستحيل أن يفعل ذلك. وبما أن “باري”، مثله مثل “ستيڤ”، يتعامل في مجال الاحتمالات لا اليقين المطلق، لا بد أن يمتلك قدراً معيناً من الإيمان ليصدق أن الله غير موجود.

ورغم أن “كارل ساجان” Carl Sagan كان يزعم أنه لاأدري، فقد نطق بالتصريح النموذجي عن الإيمان بالمادية الإلحادية عندما زعم أنه”لا ولم ولن يوجد شيء سوى الكون”. كيف علم ذلك علم اليقين؟ لم يعلم. وكيف أمكنه أن يعلم ذلك؟ لقد كان كائناً بشرياً محدوداً ذا معرفة محدودة. لقد كان”ساجان” يتحرك في محيط الاحتمالات تماماً مثل المسيحيين عندما يقولون إن الله موجود، ولكن السؤال هو: أيهما يمتلك مزيداً من الأدلة على استنتاجاته؟ أي الاستنتاجين أكثر منطقية؟ سنرى عندما نتناول الأدلة أن الملحد عليه أن يجمع قدراً من الإيمان يفوق كثيراً ما يحتاجه المسيحي.

وقد تقول في نفسك: “الملحد عليه أن يجمع قدراً من الإيمان يفوق كثيراً ما يحتاجه المسيحي! ترى ماذا يقصد جايسلر وتورك بذلك؟” نقصد أنه كلما تناقص ما لديك من أدلة تدعم موقفك، تزايد ما تحتاج إليه من إيمان لتصديق هذا الموقف (والعكس صحيح).

فالإيمان يسد ثغرة معرفية. وفي النهاية يتضح أن الملحد لديه ثغرات معرفية أكبر لأن الأدلة الداعمة لمعتقداته أقل كثيراً من أدلة المسيحي على معتقداته. أي أن الأدلة التجريبية والشرعية والفلسفية تؤيد بقوة الاستنتاجات المتوافقة مع المسيحية والمخالفة للإلحاد. وإليك بضعة أمثلة على تلك الأدلة التي سيأتي تفصيلها في الفصول القادمة:

والآن يحتمل أن هذه النقاط الثلاث أثارت في ذهنك بعض الأسئلة والاعتراضات. من المفترض أن يحدث ذلك؛ لأننا تركنا الكثير من التفاصيل التي سنشرحها على صفحات هذا الكتاب. ولكن ما يهمنا الآن أن تفهم ما نقصده بقولنا إن كل منظور للحياة، بما في ذلك المنظور الإلحادي، يتطلب قدراً من الإيمان.

وحتي المتشككين لديهم إيمان. فهم يؤمنون أن الشك صحيح. وبالمثل اللاأدريون يؤمنون أن اللاأدرية صحيحة. فالمعتقدات لا مكان فيها للمواقف الحيادية. وهو ما عبر عنه “فيليپ چونسون “ Phillip Johnson ببراعة فائقة عندما قال:”من يزعم أنه يشك في مجموعة معينة من المعتقدات هو في الواقع مؤمن حقيقي بمجموعة أخرى من المعتقدات”.

أي أن الملحد الذي يتشكك في المسيحية بطبيعة الحال هو في الواقع يؤمن إيماناً حقيقياً بالإلحاد. وكما سنرى، إن كان الملحد أميناً أمام ما يعرض له من أدلة، فهو يحتاج لمقدار من الإيمان للاحتفاظ بمعتقداته الإلحادية يفوق بمراحل ما يحتاج إليه المسيحي من إيمان للاحتفاظ بمعتقداته.

اكتشاف سطح العلبة

نزعم وجود ادلة قوية تؤيد المسيحية. فكيف سنتقدم في هذه الأدلة؟ منذ حوالي سنة 1996 ذهبنا سوياً إلى مناطق عديدة لإدارة حلقة نقاشية بعنوان “الاثنتا عشرة نقطة التي تثبت صحة المسيحية”“ The Twelve Points Show Christianity Is True‘‘ True Points Show Christianity ثبت صحة المسيحية‘‘ ’’ لإدارة حلقة نقاشية تثبت صحة المسيحيةقيقي بمجموعة أخرى من المعتقدات‘‘. لكن “.

وفي هذه الحلقة ننطلق من مسألة” الحق” ثم نتقدم منطقياً في المناقشة حتى نصل إلى الاستنتاج بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله. وهذا الكتاب يتبع بوجه عام ذلك المنهج المنطقي ذا النقاط الاثنتي عشرة:

أ) بداية الكون(الحجة الكونيةCosmological Argument )

ب) تصميم الكون (الحجة الغائيةTeleological Argument/ المبدأ الإنساني Anthropic Principle)

ج) تصميم الحياة(الحجة الغائية)

د) القانون الأخلاقي(الحجة الأخلاقية Moral Argument)

أ) الشهادة الأولى

ب) شهادة شهود العيان

ج) الشهادة غير المفبركة(الصادقة)

د) شهود العيان الذين لم يكونوا مخدوعين

أ) تحقيقه للكثير من النبوات المختصة به

ب) حياته الخالية من الخطية وأعماله المعجزية

ج) تنبؤه بقيامته وإتمامه لها

وقبل أن نبدأ في تقديم هذا المنهج الفكري، يرجى ملاحظة خمس نقاط:

أولاً: نحن لا نقول إن النقاط سالفة الذكر صحيحة في ذاتها. ولكن معظم هذه النقاط فرضيات يجب تعليلها بالأدلة. فمثلاً النقطة الثالثة تزعم أن “وجود إله خالق حافظ حق”. وذلك الزعم ليس حقاً لمجرد أننا نقول إنه حق. ولكن ينبغي دعمه بأدلة مقنعة، وبأسباب منطقية وجيهة. وسوف نقدم تلك الأسباب المنطقية عندما نصل إلى تلك النقطة في الكتاب.

ثانياً: لاحظ أننا ننطلق من نقطة شك كامل. أي أننا نبدأ مع شخص يقول إنه حتى لايؤمن بالحق. وينبغي أن نبدأ من هذه النقطة لأنه إن كانت النظرية السائدة في كثير من الثقافة صحيحة، ألا وهي أنه لا يوجد حق، إذن لا يمكن أن يكون حقاً القول بوجود إله خالق حافظ، أو كلمة حقيقة من ذلك الإله. ولكن إن كان الحق موجوداً، وهذا الحق يمكن معرفته، إذن يمكننا أن نتقدم نحو فحص الحق المتعلق بوجود الله وما يلي ذلك من نقاط (مثل إمكانية المعجزات، والمصداقية التاريخية للعهد الجديد، وهلم جراً).

ثالثاً: إن كان هذا المنهج الفكري سليماً(وهو افتراض كبير سيحاول هذا الكتاب إثباته)، فهو يثبت حتما خطأ ما تقوله الديانات الأخرى فيما تختلف فيه مع ما يقوله الكتاب المقدس.(وهو ما يبدو غروراً وكبرياء غير عادي، ولكننا سنتناول ذلك لاحقاً). ولكنه لا يعني أن كل الديانات الأخرى خاطئة تمامً أو أنها خالية من أي حق. فكل الديانات تقريباً تحوي شيئاً من الحق.

ولكن كل ما نقوله إنه إن كان الكتاب المقدس صحيحاً، إذن أي زعم بعينه يتناقض مع الكتاب المقدس لا بد أن يكون خاطئاً. فمثلاً، إن كان الكتاب المقدس صحيحاً، وهو يقول بوجود إله يتجاوز الكون وقد خلق الكون ويحفظه(الإيمان بالله الخالق الحافظ)، عندئذ فإن أي زعم ينكر الإيمان بالله الخالق الحافظ(مثل الإلحاد) لا بد أن يكون خاطئاً.

وبالمثل، إن كان الكتاب المقدس صحيحاً، وهو يزعم أن يسوع قام من الأموات، إذن إنكار تلك الحقيقة(في أي دين) لا بد أن يكون خاطئاً. (بالمناسبة، العكس أيضاً صحيح. فإن تبين بالدليل أن الزعم الآخر صحيح، إذن الكتاب المقدس مخطئ في ذلك).

رابعاً: إننا نقدم أدلة على المسيحية لأننا يجب أن نعيش حياتنا بناء على الحق. وقد قال سقراط ذات مرة إن الحياة التي لا تفحص لا تستحق أن تعاش. ونحن نري أن الإيمان الذي لا يفحص لا يستحق أن يصدق. وخلافاً للرأي الشائع، ليس مطلوباً من المسيحيين أن” يؤمنوا فحسب”. ولكن المسيحيين مأمورون أن يعرفوا ما يؤمنون به ولماذا يؤمنون به.

وهم مأمورون أن يقدموا إجابات لمن يسألهم (1بط15:3)، وأن يهدموا الحجج المضادة للإيمان المسيحي (2كو4:10-5). وبما أن الله منطقي (إش 18:1) ويريدنا أن نستخدم عقولنا، فهو لا يكافئ المسيحيين على غبائهم. بل إن استخدام العقل يمثل جزءاً من الوصية العظمى التي تقول: ((تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك)) (مت37:22) كما علم يسوع.

وأخيراً، غالباً ما نسأل:” إن كان للمسيحية الكثير من الأدلة المؤيدة، فلماذا لا يصدقها عدد أكبر من الأشخاص؟” وإجابتنا: رغم أننا نعتقد أن الأدلة التي سنقدمها بعد قليل تبين أن الكتاب المقدس صحيح بما يتجاوز أي شك منطقي، فالأدلة مهما كثرت لا يمكنها أن تجبر أي شخص على تصديقها. وذلك لأن التصديق يتطلب لا موافقة العقل فحسب، بل موافقة الإرادة أيضاً.

ورغم أن الكثير من غير المسيحيين لديهم أسئلة فكرية صادقة، فقد اكتشفنا أن أعدداً أكثر من هولاء تقاوم المسيحية إرادياً. أي أن المشكلة لا تكمن في قلة الأدلة، بل في أنهم لا يريدون أن يصدقوا. ويمثل الملحد العظيم “فردريك نيتشه”‏ Friedrich Nietzsche نموذجاً على هذا النوع من الأشخاص. فقد كتب: “إن أثبت لنا أحدهم وجود إله المسيحيين هذا، يجب أن نصير أقل قدرة على الإيمان به”؛ وقال أيضاً:”إننا نرفض المسيحية بناءً على استحساناتنا، لا بناءً على الحجج المنطقية”.

وهكذا يتضح أن عدم إيمان “نيتشه” كان مبنياً على إرادته لا على فكره فقط. وعند هذه النقطة قد يعكس المتشكك الحجة ويزعم أن المسيحي هو من يريد أن يؤمن. صحيح، الكثير من المسيحيين لا يؤمنون إلا لأنهم يريدون أن يؤمنوا، ولا يمكنهم تعليل إيمانهم بالأدلة. ولكنهم يؤمنون ببساطة أن الكتاب المقدس صحيح. إلا أن إراداتهم أن يكون الشيء صحيحاً لا تجعله صحيحاً.

ولكننا نقول إن الكثير من غير المسيحيين يفعلون الشيء نفسه: يقفزون “قفزة إيمان عمياء” تتمثل في أن معتقداتهم غير المسيحية صحيحة لمجرد أنهم يريدونها صحيحة. وفي الفصول القدامة سنلقي نظرة فاحصة على الأدلة لنرى أي الفريقين عليه أن يقفز قفزة أكبر.

الكلمات المبرزة بالخط الأسود العريض في كل الآيات الكتابية المذكورة في هذا الكتاب من إضافة الكاتبين.

وعندئذ قد يتساءل المتشكك: “ولكن لماذا يريد أي شخص أن تكون المسيحية خاطئة؟ ما الذي يجعل أي شخص لا يريد هبة الغفران المجانية؟” سؤال وجيه، ولكننا نعتقد أن الإجابة تكمن في العوامل الإدراية التي لمسناها فيما سبق. أي أن الكثيرين يعتقدون أن قبول حق المسيحية يتطلب منهم تغيير تفكيرهم، أو أصدقائهم، أو أولوياتهم، أو أسلوب حياتهم، أو أخلاقهم، وهم لا يريدون أن يتنازلوا عن السيطرة على حياتهم بإجراء تلك التغييرات.

فهم يرون أن الحياة أسهل وأكثر إمتاعاً دون هذه التغييرات. وربما يدركون أنه في حين أن المسيحية تتمحور حول الغفران، فهي تتمحور أيضاً حول إنكار النفس وحمل الصليب. فالواقع أن المسيحية مجانية، ولكنها قد تكلفك حياتك.

هناك فرق بين إثبات فرضية وقبول فرضية. فقد يمكننا أن نثبت صحة المسيحية بما لا يرقى إليه أي شك منطقي، ولكن أنت فقط من تستطيع أن تختار قبولها. نرجو منك أن تفكر في هذا السؤال لتعرف إن كنت منفتحاً على قبولها: إن تمكن أحدهم من تقديم إجابات منطقية على أهم ما لديك من أسئلة واعتراضات بشأن المسيحية، منطقية إلى الحد الذي تبدو معه المسيحية صحيحة بما لايدع مجالاً للشك المنطقي، هل ستصبح مسيحياً؟ فكر في ذلك دقيقة.

إن كانت إجابتك الصادقة هي لا، إذن مقاومتك للمسيحية نفسية أو رإرادية، ولا تقتصر على المقاومة الفكرية. وما من أدلة مهما بلغت كثرتها يمكنها أن تقنعك، لأن الأدلة ليست هي العائق، ولكنك أنت العائق. وفي النهاية، أنت وحدك من يعرف إن كنت بالفعل منفتحاً على الأدلة المؤيدة للمسيحية.

ومن مظاهر جمال خليقة الله هو أنه: إن لم ترد أن تقبل المسيحية، لك الحرية أن ترفضها. وحرية الاختيار هذه التي تجعلنا مخلوقات أخلاقية وتمكن كلاً منا أن يختار مصيره النهائي. وهو ما يلمس غرض وجودنا في الصميم، ويفسر سبب عدم وضوح الله في كشفه عن ذاته لنا بالقدر الذي يتمناه البعض منا. لأنه إن كان الكتاب المقدس صحيحاً، إذن فالله أتاح لكل منا فرصة لاتخاذ قرار أبدي إما بقبوله أو برفضه.

ولكي يضمن أن اختيارنا حر بحق، يضعنا في بيئة زاخرة بأدلة وجوده، ولكن دون حضوره المباشر، وهو حضور شديد القوة حتى إنه يمكن أن يطغى على حريتنا، ومن ثم يلغي قدرتنا على رفضه. أي أن الله قدم أدلة في هذه الحياة كافية لإقناع أي شخص يريد أن يصدق، إلا أنه ترك أيضاً شيئاً من الغموض حتى لا يجبر من لا يريد. وهكذا يتيح الله الفرصة لنا أن نحبه أو أن نرفضه دون أن ينتهك حريتنا.

والحقيقة أن غرض هذه الحياة هو أن نتخذ هذا القرار الحر دون قسر. لأن الحب بطبيعته لا بد أن يعطى مجاناً. ولا يمكن الحصول عليه عنوةً. ولذلك كتب”سي.إس.لويس” C.S.Lewis: “إن طبيعة مخطط [الله] تمنعه من استخدام سلاحين، ألا وهما: ما يستعصي على المقاومة وما يستعصي على الشك.

فمجرد إبطال الإرادة البشرية (الذي لا بد أن يحدث إن شعر الإنسان بأقل وأخف درجة من درجات حضور الله) عديم الفائدة لله. فهو لا يستطيع أن يجبر ويغتصب. ولكنه يستطيع فقط أن يبهر ويجذب”.

ونتمنى أن ما سنقدمه من أدلة في هذا الكتاب يجذبك، ولو بقدر قليل، إلى الله. ولكن ضع في حسبانك أنها ليست أدلتنا، ولكنها أدلته. وكل ما نفعله أننا نجمعها معاً في نسق منطقي. ونحن نقصد من استخدام قصص وتشبيهات واقعية قدر المستطاع أن نقدم كتاباً سلساً ومنطقياً سهلاً مفهوماً.

الملخص والخلاصة

كما رأينا، يمكن فحص الكثير من المزاعم الدينية بشأن الحق وتحديد معقوليتها. وبما أن كل الاستنتاجات المختصة بهذه المزاعم تقوم على الاحتمالات أكثر ما تقوم على اليقين المطلق، إذن جميعها، بما فيها المزاعم الإلحادية، تتطلب قدراً من الإيمان. وبدراستنا للأدلة في الفصول التالية، سنرى أن استنتاجات من قبيل: “الله موجود” أو” الكتاب المقدس صحيح” استنتاجات مؤكدة بما لا يدع مجالاً للشك المنطقي. إذن تصديق ما هو بخلاف المسيحية يتطلب إيماناً يفوق بكثير ما يتطلبه تصديق المسيحية.

إلا أننا نقر أيضاً أن الأدلة وحدها لا تستطيع أن تقنع شخصاً أن يصبح مسيحياً. ولكن بعض الملحدين وغير المسيحيين قد يرفضون المسيحية لا لقلة الأدلة، ولكن لأنهم لا يريدون أن يقبلوها. فالبعض يفضلون أن يحجزوا الحق عن أن يعيشوا به. والحقيقة أننا نحن البشر لدينا ميل قاتل نحو محاولة تكييف الحق على رغباتنا بدلاً من تكييف رغباتنا على الحق.

ولكن مهلاً، أليس من بديل ثالث؟ ما المانع من أن نظل لاأدريين مثل أستاذ العهد القديم المذكور في بداية الفصل؟ قال إنه لا يعلم إن كان الله موجود. قد يعتقد البعض إنه شخص منفتح العقل. ربما. ولكن الفرق شاسع بين انفتاح العقل وفراغ العقل. ففي ضوء الأدلة نعتقد أن اللاأدرية قرار بأن تكون فارغ العقل. فمهما كان أليس الغرض من انفتاح العقل أن نتمكن من التعرف على الحق عندما نصادفه؟ نعم.

إذن ماذا يجب أن نفعل عندما نجد من الأدلة ما يكفي لإرشادنا إلى الحق؟ فمثلاً، ماذا يجب أن نفعل عندما نرى أدلة لا يرقى إليها الشك المنطقي على أن چورچ واشنطن كان أول رؤساء الولايات المتحدة؟ هل يجب أن نظل “منفتحي العقل” بخصوص أول رئيس للولايات المتحدة؟ لا، لأننا في هذه الحالة نكون فارغي العقل. فبعض الأسئلة أغلقت وحسمت. وسنرى أن الأدلة المتعلقة بالمسيحية كافية للتوصل إلى استنتاج مؤكد منطقياً.

وكما أشار”مورتيمر آدلر”، أن استنتاجنا بشأن الله يؤثر على كل جوانب حياتنا. فهو مفتاح العثور على الوحدة والتنوع ومعنى الحياة النهائي. إنه حقاً أهم سؤال ينبغي على كل إنسان أن يجيب عنه. ولحسن الحظ، إن كان منطقنا صحيحاً، سنكتشف سطح علبة لغز الحياة في نهاية رحلتنا. فلنخطُ أول خطوة في تلك الرحلة. وهي تبدأ بمسألة الحق.

هل الله موجود؟ لغز الحياة والحصول على الصورة الكاملة

Exit mobile version