Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

صعود يسوع إلى السماء – الإيمان وموجباته المنطقية

صعود يسوع إلى السماء – الإيمان وموجباته المنطقية

صعود يسوع إلى السماء – الإيمان وموجباته المنطقية

صعود يسوع إلى السماء – الإيمان وموجباته المنطقية

إن كان يسوع قد قام من الأموات في الجسد، فأين هو اليوم؟ فهو لم يعد يجتاز في شوارع مدن هذا العالم العظمى كارزاً داخل حدائقها العامة وأسواقها، كما سبق له أن عمل من قبل. تفترض جميع الانعكاسات لقيامته في الجسد المذكورة أعلاه، أن يسوع بعد أربعين يوماً على قيامته، صعد إلى السماء، كما يذكر لوقا. حقاً بمعنى من المعاني، باستطاعة أحدنا القول إن قيامة يسوع في الجسد، شكلت ببساطة الوسيلة لتحقيق الغاية الأعظم، والتي تتمثل بصعوده إلى المجيد المسياني.

لذا يكون من الضروري، لدى محاججة أحدنا في قضية قيامة يسوع في الجسد، أن يعود ويتناول أيضاً تاريخية هذا الحدث مع أهمية لازمتها أو نتيجتها الطبيعية، أي صعود يسوع إلى السماء.

المعلومات الكتابية

يدون لوقا في كل من إنجيله وسفر الأعمال أن يسوع، وبعد إكماله خدمته التي استغرقت أربعين يوماً قبل صعوده، “صعد في الجسد إلى السماء”. وهو اعتمد ثلاثة أفعال في معرض وصفه لهذا الحدث الجلل: أنيفيريتو، “أُصعد” (لوقا 24: 51)، أنيلمفثي، “رُفع” (أعمال 1: 2، 11؛ راجع أنالمبسيوس في لوقا 9: 51)، وإبرثي، “رُفع” (أعمال 1: 9).

من جملة كُتاب الأناجيل الأربعة، ينفرد لوقا وحده بتدوين الرواية التاريخية المختصة بصعود يسوع[1]، لكنه لا يعد بأي شكل من الأشكال الكاتب الوحيد في العهد الجديد الذي يشير إلى هذا الحدث. فبطرس، كما يذكر لوقا، أشار إليه في العلية بعد حدوثه بوقت قصير (أعمال 1: 22) كما عاد وذكره في عظاته لاحقاً (2: 33-35؛ 3: 21؛ 5: 31)، وهو يكتب عنه أيضاً مباشرة في 1بطرس 3: 22.

كما أن تصريح استفانوس في أعماله 7: 56 يفرض مسبقاً حصوله قبلاً. كذلك، يفترض بولس حقيقة حصوله تاريخياً من خلال اشاراته إلى جلوس يسوع عن يمين الآب في رومية 8: 34 وكولوسي 3: 1، كما أنه يلمح إليه من خلال كلماته في أفسس 1: 20-22؛ 2: 6 وفي فيلبي 2: 9-11.

ثم يعود ويعبر عنه صراحة في أفسس 4: 8-10 و1تيموثاوس 3: 16. يفترض الكاتب إلى العبرانيين حصول هذا الحدث في 1: 3، 13؛ 2: 9؛ 8: 1؛ 10: 12؛ 12: 2، كما أنه يشير إليه صراحة في 4: 14؛ 6: 20؛ 9: 24. يخبرنا يوحنا أن يسوع نفسه غالباً ما أشار إليه (يوحنا 3: 13؛ 6: 62؛ 7: 33، 34؛ 8: 21؛ 13: 33؛ 14: 2، 28؛ 16: 7-10: 20: 17) وكيف علم “أنه من عند الله خرج، وإلى الله يمضي” (13: 3).

وأخيراً، من الواضح أن يسوع افترضه مسبقاً في شهادته أمام السنهدرين خلال محاكمته، عندما قال: “…. تبصرون ابن الانسان جالساً عن يمين القوة” (متى 26: 64؛ مرقص 14: 62؛ لوقا 22: 69).

لا عجب إن جعلت مدرسة التفسير “بلتمان” صعود المسيح في مصاف الأساطير. يكتب “بلتمان” نفسه ما يلي:

بحسب 1كورنثوس 15: 5-8، حيث يعدد بولس ظهورات الرب المقام كما عرضها التقليد، قيامة يسوع عنت في الوقت عينه ترفيعه؛ ولم تفسر القيامة إلا لاحقاً كرجوع مؤقت إلى الحياة على الأرض. ثم تقف هذه الفكرة وراء نشوء قصة الصعود[2].

تعكس تركيبته هذه نفوره الكامل من “تطفل” ما هو خارق وفوق الطبيعة في مجال تاريخ المكان والزمان. والصعود، على نحو خاص، كان يعكس في نظره ما يعرف بمفهوم العالم القديم “للكون الأسطوري” (أي غير العلمي) “والمؤلف من ثلاثة طوابق”. لكن، وكما يصرح “دونالد غثري”، ليست هذه التركيبة هي التي يجب تطبيقها على المعلومات المختصة بالصعود:

التحرك إلى فوق [لهيئة يسوع المادية]، تعد تقريباً الطريقة الوحيدة الممكنة لتصوير عملية الرفع بالكامل. لنا في أمثلة أخنوخ وإيليا من العهد القديم بعض الشبه لهذا الحدث. لقد جرى حتماً إدخال فكرة تتعلق بالمكان، لكن لا يشكل هذا التركيز الرئيس للوصف في سفر الأعمال. فهذا التركيز هو على السحابة التي فصلته عن محيطه، كما حصل في رواية التجلي…. فحقيقة الصعود لا ترى في الحركة إلى فوق هناك، على قدر ما تنبئ بحقيقة وضع حد لفترة الظهورات المثبتة والمؤكدة[3].

“ب. ف. وستكوت”، ومن خلال تعليقه المليء بالمشاعر حول طبيعة الصعود، يساعدنا أيضاً بهذه الكلمات:

اجتاز [يسوع] إلى ما بعد دائرة الوجود البشري المحسوس إلى سعة حضرة الله. شكل الارتفاع المادي مثلاً معبراً، ورمزاً بليغاً، غير أنه لم يكن الحق الذي أشار إليه أو الحقيقة التي هو ظل لها. فالتغيير الذي أعلنه المسيح من خلال الصعود كان…. تغييراً في الحالة. لم يكن تغييراً في المكان، بل روحياً. وبموجب الضرورات التي تفرضها طبيعتنا البشرية، هذا التغيير الروحي، معروض علينا تحت شكل سر مقدس، إن صح التعبير، وبهيئة خارجية[4].

بكلام آخر، التعبير الكتابي عن “الأماكن السماوية”، يجب عدم فهمها من زاوية بعدي المكان والزمان، بمعنى “هناك فوق”، بل بالحري من زاوية الأبعاد الروحية التي بات بإمكان وجود يسوع في الجسد الممجد أن يتكيف معها، من دون الكف عن كونه إنساناً حقاً، كما يظهر من نشاطه الموصوف في لوقا 24: 31، 36، ويوحنا 20: 19، 26. لذا، يصرح “بركوفر” بهذا الكلام في محله:

يبقى باستطاعة النقد الكتابي الصارم وحده التنكر للصعود وحتى لإلغائه وحذفه بالتمام من الكريغما الرسولية في الأصل…. فبالنسبة إلى الكنيسة، ظل هذا الحدث باستمرار مصدر تعزية لدى معرفتها أن المسيح هو في السماء مع الآب. كذلك في وجه إنكار كل من الأسنسيو والسيسيو (الصعود والترفع) لكونهما تتنافيان مع “مفهوم العالم الحديث”، بمقدور الكنيسة أن تستمر، على أساس الأسفار المقدسة، في الكلام عن هاتين الحقيقتين ببساطة الإيمان[5].

تعتبر شلة أخرى من الدارسين النقاد أن التقليد الأبكر الخاص بالصعود في الكنيسة، جعل المسيح يصعد إلى السماء من الصليب مباشرة من دون حصول القيامة أو الخدمة التي سبقت الصعود. هم يزعمون أن آثاراً لهذا موجودة في النشيد المسيحي الباكر الذي ذكره بولس في فيلبي 2: 6-11. فهناك تطالعنا مفارقة ما بين الاتضاع المسيح وترفيعه من دون أي ذكر لدفنه وقيامته.

كما أن انجيل يوحنا، من المفترض أنه يعكس هذا التعليم عن “الصعود انطلاقاً من الصليب” – حيث لا مكان للقيامة أو لخدمة ما قبل الصعود – في آيات من صنف 12: 23 و13: 21 حيث يقتبس يوحنا تصريح يسوع أن ساعته موته تعني أيضاً تمجيده. كذلك، يعتبر الكاتب إلى العبرانيين أنه أيد فكرة صعود يسوع إلى السماء من الصليب، في ضوء بعض التصريحات من صنف 10: 12: “وأما هذا فبعدما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة، جلس إلى الأبد عن يمين الله”. ومن جديد، جرى التركيز هنا على فكرة عدم ذكر قيامة المسيح أو خدمته ما قبل الصعود.

ثمة أمور كثيرة بالإمكان قولها عن هذا المجهود المبذول لتفسير الصعود بتعابير غير حرفية وغير تاريخية.

أولاً، قانون التفسير المعمول به (لكنه خطأ) هو التالي: إن كان أحد كتاب العهد الجديد لا يأتي على ذكر قيامة المسيح في الجسد في كل مجال يتحدث فيه عن ترفيع المسيح أو عن جلوسه عن يمين أبيه، فقد يستخلص أحدهم أنه لم يكن على علم بالقيامة وما تلاها من خدمة سبقت الصعود، أو أن التقليد الذي يقتبسه لم يكن هو على علم بهذه الأحداث. لكن، هذا الادعاء هو من صنف نن سيكويتور بمعنى أن هذه الخلاصة لا ترتبط منطقياً بأي شيء قيل من قبل.

وهو يفرض على كتاب العهد الجديد المستلزم المصطنع بدرجة عالية، أن يذكر دائماً، في حال آمن بذلك، كلاً من القيامة في الجسد، والخدمة السابقة للصعود، والصعود، وذلك في كل مرة يتحدث فيها عن جلوس المسيح عن يمين الله.

ثانياً، يتجاهل هذا الزعم بالكامل حقيقة كون جميع كُتاب العهد الجديد هؤلاء، يعودون ويشيرون في أماكن أخرى – وبالفعل على صعيد الأفعال نفسها حيث ما يعرف بمفهوم “الصعود من الصليب”، يعلم بحسب زعمهم – إلى قيامة المسيح التي تلت الصلب: بواسطة بولس مثلاً، في غلاطية 1: 1؛ 1تسالونيكي 1: 10؛ 4: 14؛ أعمال 17: 31؛ 26: 23؛ 1كورنثوس 15: 4، 12-20؛ رومية 1: 4؛ 4: 25؛ 6: 4، 5، 9؛ 7: 4؛ 8: 11، 34؛ أفسس 2: 19-21؛ 20: 1-29؛ 21: 1-22؛ وبواسطة كاتب الرسالة إلى العبرانيين في عبرانيين 13: 20. إلى ذلك، يأتي بولس على ذكر “الأيام الكثيرة” الفاصلة بين قيامة المسيح وصعوده (أعمال 13: 31).

ثالثاً، ما يصرح به “بركوفر” دفاعاً عن الكاتب إلى العبرانيين، بمعنى أن الطريقة الوحيدة التي بإمكان الدارسين النقاد تفسير الأمر بهذا الشكل، هو العمل بموجب المعادلة التالية: “مجد المسيح في الرسالة إلى العبرانيين ناقص عبرانيين 13: 20 يساوي الصعود انطلاقاً من الصليب”[6]. هذا الكلام ينطبق أيضاً على جميع كُتاب العهد الجديد. فالطريقة الوحيدة التي يمكن اعتمادها لدعم فكرة صعود المسيح إلى السماء من الصليب، وليس لاحقاً بعد أسابيع على ذلك، يعني تجاهل كل الإشارات في كتاباتهم إلى قيامة المسيح في الجسد، وإلى ظهوراته بعد الصلب، وإلى خدمته ما قبل الصعود.

باستطاعة أحدنا استخلاص فقط أنه لا يوجد لدى هؤلاء الدارسين سوى النزر اليسير فقط من الثقة في مصداقية الأناجيل والرسائل. وبالنسبة إليّ شخصياً، لا أرى أي سبب معروض حتى اليوم من شأنه تسويغ ظاهرة تخلي لوقا بالكامل عن ذكر الصعود. وعليه، سأنتقل الآن إلى أهمية صعود المسيح بالنسبة إلى الناس وإلى شخص المسيح.

أهميتها

عنى صعود المسيح، بالطبع، بالنسبة إلى أولئك التلاميذ الأوائل وإلى كل تلميذ آخر منذ ذلك الحين بكل اختصار، انفصاله عنهم لا “من زاوية ألوهيته، وعظمته، ونعمته، وروحه” (Heidelberg Catechism, Ques. 47; see also Ques, 46) (“التعليم المسيح هايدلبرغ” السؤال 47؛ راجع أيضاً السؤال 46) ذلك لأن شركته الروحية معهم تبقى غير مقطوعة ولا يشوبها أي اضطراب، كحقيقة روحية صادقة وحتى مثبتة، لكنه انفصل عنهم فقط عن حضوره معهم في الجسد.

هذا الانفصال، كان المسيح نفسه تحدث عنه في أماكن مثل لوقا 5: 35؛ يوحنا 7: 33؛ 12: 8؛ 13: 33؛ 14: 30: 16: 10 (راجع أيضاً 1بطرس 1: 8؛ 1يوحنا 3: 2)[7].

بالنسبة إلى المسيح نفسه، تستنفد الأسفار المقدسة عملياً ما يتوافر لديها من عبارات “الانتصار” وصوره واستعاراته، لوصف أهمية صعود المسيح بالنسبة إليه. في هذا الوقت، بوسعي فقط تعداد فقط بعض هذه الأوصاف.

وكما أن قيامته كان السبيل إلى صعوده، وبالتالي تشكل جانباً هاماً من ترفيعه بالكامل، هكذا أيضاً شكل صعوده بدوره السبيل لبلوغه ذروة الترفيع وإجلاسه على العرش (سيسو) عن يمين الآب، بصفته القدوس، والرب، والمسيح، والرئيس، ومخلص العالم (أعمال 2: 27، 33-36؛ 5: 31؛ رومية 8: 34؛ كولوسي 3: 1؛ فيلبي 2: 9-11؛ عبرانيين 1: 3).

وما أروع ترفيعه هذا واجلاسه على العرش! إن كان صعوده حصل “في [en] المجد” (1تيموثاوس 3: 16)، بحيث جرى ترفيعه إلى “أعلى من السماوات” (أفسس 4: 10؛ عبرانيين 7: 26)، ها هو الآن أيضاً “مكلل بالمجد والكرامة” (دوكساي كاي تيماي استيفانومينون) (عبرانيين 2: 9)، “وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة له” (1بطرس 3: 22).

“كل شيء تحت قدميه” ما عدا الآب (1كرونثوس 15: 27؛ أفسس 1: 22أ)، وهو جالس “فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة، وكل اسم يسمى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضاً” (أفسس 1: 21). الله “أعطاه” (إيدوكن) أن يكون “رأساً فوق كل شيء للكنيسة، التي هي جسده، ملء الذي يملأ الكل في الكل” (أفسس 1: 22، 23)، وهو “الذي يملأ الكل” (كل الكون، تا بانتا) بقوته وربوبيته (أفسس 4: 10).

باختصار، إنه يحتل الآن “أعلى مكان” (فيلبي 2: 9) من المجد والكرامة (عبرانيين 2: 9) المتوافر في السماء، وله شرعاً وحقيقة (دي جوري ودي فاكتو) الألقاب “رب الكل” (أعمال 10: 36؛ رومية 10: 12) ورب الأرباب (أعمال 2: 36؛ فيلبي 2: 9ب؛ رؤيا 19: 16) “لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب” (فيلبي 2: 10، 11أ). تؤهله طبيعة روبيته في سيادته المطلقة لإغداق على الناس مواهب من أي صنف يريد (أفسس 4: 7، 8، 11).

مما لا شك فيه، وفي ضوء هذه اللغة الواضحة بلا نزاع، يسوع بقيامته وصعوده (لنا كل الحق بأن نتناول هذه الحدثين معاُ، مع أن الحدث الأول سبق الثاني بأربعين يوماً، كالوسيلة الجماعية من مرحلتين للبلوغ إلى ترفيع وربوبيته)، وكثمر ومكافأة لأتعابه على الأرض، يسوع وبصفته المسيا منح أعلى درجة من الربوبية مع سلطان كوني على الناس. هذا الأمر هو ما يوحي به أيضاً

(1) ما صرح به هو في متى 28: 18: “دفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض”، حيث يتحدث عن ربوبيته المسيانية التي حصل عليها شرعاً (دي جوري) بقيامته لكنه كان قد شرع فعلاً في ممارستها بشكل حقيقي (دي فاكتو) على الكون أجمع من السماء لدى صعوده وجلوسه في الوقت الحاضر عن يمين الآب (أقترح أن إشارته في متى 11: 27 ويوحنا 17: 2 إلى سلطان “مدفوع إليه” يجب فهمها في ضوء عهد الفداء ضمن المشورات الأبدية)؛

(2) تصريح بطرس: “الله جعل [إيبويإزن: عين، نصب] يسوع هذا…. رباً ومسيحاً” بعد قيامته وصعوده. وفي هذا إعلان آخر أكيد عن افتراض حقيقة (دي فاكتو) ملكه الذي له طابع وسيطي بصفته الله – الإنسان بما أن يسوع كان بوضوح رباً ومسياً بموجب تعيين إلهي منذ لحظة تجسده؛

(3) تصريح بولس “لذلك [ديو كاي] [من جراء عمله على الأرض] رفعه الله أيضاً، وأعطاه اسماً فوق كل اسم (أي منحه الاسم “رب”) (فيلبي 2: 9).

إننا نقترف خطأ قتالاً لاهوتياً إذا استنتجنا مما سبق أن يسوع كابن الله، الذي (بالرغم من اتحاده معنا باللحم) واصل بشكل لا متناه تساميه فوق كل محدودية المخلوقات، أصبح “رباً” فقط لدى ترفيعه وحصل بصفته ابن الله عندئذ فقط شرعاً (دي جوري) وحقيقة (دي فاكتو) على سلطانه الكوني. يجب ألا ننسى على الإطلاق أنه كان في نظر بطرس “إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح” الذي “يرشنا بدمه” (2بطرس 1: 1؛ 1بطرس 1: 2).

كذلك في نظر بولس، كان رب المجد” (هو كيريوس تيس دوكسيز)، هذه العبارة التي تعني “الرب الذي له المجد كحقه الطبيعي”، والذي هو أيضاً “الكائن على الكل إلهاً” (رومية 9: 5) و“الله العظيم” (تيطس 2: 13) الذي صلب من أجلنا (1كورنثوس 2: 8). إذاً، يسوع وبصفته ابن الله استمر بالطبع، كما فعل دائماً، يحمل كل الأشياء بكلمة قدرته (عبرانيين 1: 3) ومارس أيضاً حقوقه وقدراته كرب، والتي تخصه في صلب جوهره بصفته الكائن الإلهي (راجع “كالفن”، “المبادئ” 2. 13. 4).

لذلك، عندما ينقل إلينا هؤلاء الرسل أن المسيح يسوع قد “تعين” رباً أو جرى “ترفيعه” أو “إعطاؤه” سلطاناً أو إضفاء عليه اللقب “رب” لدى صعوده، من الضروري أن نفهم أن هذه الأمور قيلت فيه بموجب دوره الوسيطي بصفته المسيا. من المناسب أن نقول هذه الأمور عنه، وذلك فقط بما أنه “الابن” الذي هو في أساسه وجوهره “غني”، والذي هي “رب”، حقه الطبيعي، كان قد “تجرأ” أن يتحد معنا في “لحمنا” حيث أمسى بذلك “فقيراً” (2كورنثوس) 8: 9.

إذاً، وبصفته المسيا الإلهي – البشري، “اكتسب” لدى صعوده سلطة حقيقية (دي فاكتو) لممارسة سلطانه كوسيط. إذاً، لم يكن الترفيع بل بالحري “الاتضاع” السابق لذلك الذي يعد “الاختبار الغريب”[8] على الابن لكونه الله.

بالمقابل، لم يكن الاتضاع بل “الترفع” هو “الاختبار الجديد” على الابن بصفته المسيا الإلهي والبشري. إن كنا سنأخذ التاريخ، وبالتحديد التاريخ الفدائي على محمل الجد، علينا أن نقول هذا. يجب أن نكون على استعداد للتصريح بأن الترفيع، بمعنى من المعاني، منح الابن اختباراً لم يكن من نصيبه من قبل. هذا “الاختبار الجديد” كان التسلط الكوني، لا كالله بحد ذاته، بالطبع، بل كالمسيا الإلهي – البشري وكالوسيط الإلهي – البشري بين الله والناس.

هناك، يسوع وبصفته الله الذي جرى ترفيه هو شفيعنا في حضرة الآب (رومية 8: 34؛ عبرانيين 7: 25؛ 1يوحنا 2: 1)، وهناك عندنا لحمنا في السماء: وكما قال اللاهوتي الاسكوتلاندي “جون رابي دنكن”: “تراب الأرض هو على عرش العظمة في الأعالي”.

وهو من هناك يعمد شعبه ويمدهم بالمواهب الروحية. ونتعلم من مكان آخر (1كورنثوس 15: 24-28) أن هذا السلطان الوسيطي هو سلطة معهود إليه مؤقتاً ثم بعد أن يكون هو وأبوه قد أخضعا أخيراً كل أعدائهما وأعدائنا، عندئذ سيسلم، ليس بنويته[9]، بل سلطانه المعهود إليه بصفته المسيا إلى الله الآب. وهكذا “سيبتلع” سلطانه الوسيطي الخاص في السلطة الكونية والأبدية لله المثلث الأقانيم.

باختصار، عنى الصعود بالنسبة إلى الابن، بصفه المسيا الإلهي – البشري، حصوله على امتيازات التنصيب المسياني على صعيد كوني، والحقوق التي كانت من نصيبه قبلاً كحق طبيعي له كالله الابن، لكنه “فاز” بها أو أعطيت له كمكافأة على تتميمه الموجبات المرتبطة بحالة الاتضاع والتي تدخل في صلب التنصيب المسياني.

كان هذا المسيح المقام والممجد، وبالتحديد بالعبارات التي تصف ربوبتيه المجيدة، الذي كان قد احتل مكانة مركزية على صعيد كل كرازة رسولية مبكرة. كان الرسل حريصين على استخراج للناس ما لربوبية المسيح الفريدة من انعكاسات على العالم. لم يوجد في كرازتهم أي شيء من الضجة الحديثة المنادية بالتعددية. فبالنسبة إليهم كان هناك حصرية وبُعد نهائي بشأن الإعلان الإلهي للناس في يسوع المسيح (متى 21: 37؛ مرقص 12: 6؛ عبرانيين 1: 1).

ففي نظرهم، وفي ضوء هوية المسيح، والعمل الذي أكمله، والمكانة التي يحتلها الآن، والألقاب التي يحملها، “ليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء، قد أعطي بين الناس، به ينبغي أن نخلص” (أعمال 4: 12). وبالنسبة إليهم، وكما قال يسوع، هو وحده الطريق، والحق، والحياة (يوحنا 14: 6). وهو أيضاً الوسيط الوحيد بين الله والناس (1تيموثاوس 2: 5). كما أنه هو بصفته الرب، سيدين الأحياء والأموات عند ظهوره (أعمال 10: 42؛ 17: 31؛ رومية 14: 9؛ 2تيموثاوس 4: 1).

إنه بتقديمه نفسه مرة واحدة ذبيحة لإرضاء العدل الإلهي، هو المقبول وحده أمام الله الآب، الممثل “الشرعي” للاهوت، ضمن “العملية العظمى” للفداء وإبطال الخطيئة (عبرانيين 9: 24-26). وهو من شفاعته كرئيس كهنة وحده تحظى برضى الآب (رومية 8: 34؛ عبرانيين 7: 24، 25؛ 1يوحنا 2: 1). فلا عجب إذاً في ضوء ادعاءات الرسل من نحوه المحصورة به وحده، أن تكون بركة الله وقوته قد حلت على الجهود التبشيرية التي كانوا قد بذلوها.

[1] تدون النهاية الطويلة لمرقص (16: 9-20) أن يسوع “ارتفع [انيلمفثي] إلى السماء، وجلس عن يمين الله”. هذه الفقرة مشكوك في صحة نصها، لكنها تعكس تقليداً يتلاءم مع تقرير لوقا. يبدو في الواقع أنها مبنية، بشكل رئيس، على شهادة لوقا.

 

[2] Rudolf Bultmann, Theology of the New Testament, translated by Kendrick Grobel (London: SCM, 1971), 1, 45.

[3] Donald Guthrie, New Testament Theology (Leicester: Inter-Varsity, 1981), 305. See also Gordon H. Clark, “Bultmann’s Three-Storied Universe”, A Christianity Today Reader, ed. Frank E. Gabelein (New York: Meredith, 1966), 173-76.

[4] B. F. Westcott, The Revelation of the Risen Lord (London: Macmillan, 1898), 180.

[5] Gerritt C. Berdouwer, The  Work of Christ, 206, 234.

[6] Berdouwer, The Work of Christ, 208.

[7] من شأن اللاهوتي المتمرس ملاحظة من تصريحي هنا أني أتبع التقليد المصلح وليس التقليد اللوثري. فهذا التقليد الأخير يعتقد انطلاقاً من عقيدته الخاصة حول كومينيكاشيو إيدبوماتم (طريقة تفاعل الطبيعتين في شخص يسوع) أن المسيح وبفضل الاتحاد بين الطبيعتين في شخص المسيح الواحد، هو موجود مادياً في كل مكان، وبالتالي له حضوره المادي “في، ومع، وتحت” عناصر العشاء الرباني.

[8] Warfield, The Lord of Glory (Reprint, Grand Rapids: Baker, 1974 reprint), 225.

[9]  Herman Ridderbos, Paul: An Outline of His Theology, translated by John Richard DeWitt (Grand Rapids: Eerdmans, 1975).

يلحظ أنه لدى ذكر عمل الفداء الذي أكمله المسيح بكلمات 1كورنثوس 15: 28 (ومتى أخضع له الكل، فحينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذي أخضع له الكل، كي يكون الله الكل في الكل)، فهذا لا يعني نهاية البنوية، لكن حري بأحدنا أن يتناول “الوجود اللاحق” للابن المقصود هنا، وذلك في ضوء ما هو مذكور عنه بكل وضوح في أماكن أخر عن وجوده السابق” (69).

صعود يسوع إلى السماء – الإيمان وموجباته المنطقية

Exit mobile version