أخطاء الكتاب المقدس؟ هل يحتوى الكتاب المقدس على أخطاء؟ – بول د. فينبرج
أخطاء الكتاب المقدس؟ هل يحتوى الكتاب المقدس على أخطاء؟ – بول د. فينبرج
“لماذا تؤمن بالكتاب المقدس؟ أنه كتاب قديم ملئ بالأخطاء والتناقضات”، لقد سمعنا كلنا هذه العبارة مرات كثيرة. لكن غالبية المسيحيين الإنجيليين المحافظين يختلفون مع هذا الزعم. فهم يعتقدون في عقيدة تُسمى: عصمة الكتاب المقدس.
يليق بنا أن نبدأ بتعريف العصمة والخطأ. نحن نقصد بالعصمة، أنه إذا توفرت كل الحقائق، فإن الكتاب المقدس – في مخطوطاته الأصلية، وبتفسيره بشكل مناسب – سوف يكون “حقيقي” في كل ما يقوله، ولن يكون هناك به شيء خاطئ، سواء كان مرتبطاً بالعقيدة، الأخلاق، أو العلوم الاجتماعية، الفيزيائية، والحياتية. هناك ثلاثة أشياء يجب ملاحظتهم في هذا التعريف.
أولاً: ضرورة إدراك أننا لا نمتلك كل الحقائق لإثبات أن ما يحتويه الكتاب المقدس هو حقيقة. هناك بيانات كثيرة فُقِدت مع مرور الزمن، وغير موجودة الآن. وهناك بيانات أخرى مازالت منتظرة الكشف الأثري عنها.
ثانياً: تم وضع تعريف العصمة في ضوء مصطلح “الحقيقة” الذي يعتمده غالبية الفلاسفة اليوم، وهو أنها صفة جُمل وليست صفة كلمات. هذا يعنى أن كل الجمل التي لها دلالات، أو التصريحات، الموجودة في الكتاب المقدس، حقيقية. لهذا، وبحسب هذا التعريف، فإن وجود خطأ في الكتاب المقدس يستلزم أن يكون الكتاب قد احتوى على تصريح خاطئ.
ثالثاً: كل المعلومات المذكورة في الكتاب المقدس، أي كان موضوعها، حقيقية. بكلمات أخرى، الكتاب المقدس يسجل الأحداث والحوارات بدقة، بما فيهم كذب الناس والشيطان. وهو يعلم الحقيقة عن الله، الظروف الإنسانية، والسماء وجهنم.
يرتكز الاعتقاد في العصمة على أربعة خطوط من الاحتجاج على الأقل: الاحتجاج الكتابي، الاحتجاج التاريخي، الاحتجاج المعرفي، والاحتجاج الانحداري.
الاحتجاج الكتابي: مأخوذ عما يقوله الكتاب المقدس عن نفسه، وهو الاحتجاج الأكثر أهمية. وهذا الاحتجاج يمكن صياغته في شكل استدلال دائري وفى شكل استدلال غير دائري.
[1]. فهو استدلال دائري حينما يزعم أي فرد أن الكتاب المقدس يقول عن نفسه أنه مُوحى به ومعصوم وهذا حقيقي لأننا نجد ذلك في الكتاب المقدس المُوحى به والمعصوم! لكنه استدلال غيرى دائري، حينما تكون ادعاءات [2] الكتاب المقدس من الممكن إثباتها من خارج وثائقه. وهذا ممكن لأن الكتاب المقدس يحتوي على بيانات تاريخية وجغرافية، والتي من الممكن إثباتها باستقلالية عنه. تنبع العصمة مما يقوله الكتاب المقدس عن ماهية وحيه. أنه زفير نفسّ الله (2 تي 3: 16) وهو نتيجة إرشاد الروح القدس للمؤلفين البشريين (2 بط 1: 21).
انه كتاب إلهي – بشرى. بالإضافة إلى ذلك، فإن تصديق أي نبي في العهد القديم، يتطلب الثقة به (تث 13: 1 – 5؛ 18: 20 – 22). هل يمكن أن يكون هناك معيار آخر لقياس كلمة الله المكتوبة؟ لكن يجب الإشارة أن سبل اتصال الله بالبشر، الشفوية والمكتوبة، تتضمن عنصراً بشرياً. ولكن هذا يبين أن وجود العنصر البشرى، لا يتضمن بالضرورة وجود أخطاء.
كذلك يعلم الكتاب المقدس عن سلطته الخاصة. متى 5: 17 – 20 يُعلِم بأن السماء والأرض قد تزولان قبل أن تسقط أصغر تفاصيل الناموس عن التمام. يوحنا 10: 34 – 35 يعلم أنه لا يمكن كسر الكتاب المقدس.
بالإضافة إلى ذلك، الطريقة التي يستخدم بها أحد أسفار الكتاب المقدس أي سفر آخر، تدعم عصمة الكتاب المقدس. في بعض الحالات في الكتاب المقدس، نجد أن الاحتجاج يقوم على كلمة واحدة (مز 82: 6؛ يو10: 34 – 35)، أو زمن الفعل (مت 22: 32)، أو عدد اسم ما (غل 3: 16).
أخيراً، فإن شخصية الله هي التي تقف وراء كلمته، والله لا يمكن أن يكذب (عد 23: 19؛ 1 صم 15: 29؛ تي 1: 2؛ عب 6: 8).
الاحتجاج التاريخي: وهو الاحتجاج الثاني. بينما أن هناك من يختلفون في ذلك، فإن العصمة كانت هي النظرة المسيحية المعيارية خلال التاريخ. كتب أغسطينوس قائلاً: “لقد تعلمت أن أوفر هذا الاحترام والتكريم فقط للكتب القانونية في الكتاب المقدس؛ وفى هذه الكتب فقط أن أؤمن بحزم أن المؤلفين لم يخطئوا أبداً”. ويقول لوثر: “كل شخص يعرف بالفعل، أنهم (الآباء) قد أخطأوا بالفعل كأي بشر؛ لذا فأنا مستعد أن أثق بهم، فقط حينما يثبتون آرائهم من الكتاب المقدس، الذي لم يخطأ أبداً”. وعبرّ جون ويسلى عن رأى مشابه قائلاً: “إذا كان هناك أية أخطاء في الكتاب المقدس، فربما يكونون ألف خطأ. وإذا كان هناك خطأ واحد في الكتاب المقدس، فإنه لم يأتي من الله الحقيقي”.
الاحتجاج المعرفي: وهو الاحتجاج الثالث، المبنى على ماذا وكيف يمكننا أن نعرف الأشياء. الطريقة السهلة لصياغة هذا الاحتجاج، هي إدراك أن الكتاب المقدس لو لم يكن حقيقي بكامله، فإن أي جزء فيه قد يكون خاطئ. وهذا قد يكون إشكالاً في بعض الأوقات، حينما لا نستطيع إثبات بعض المعلومات الهامة، عن طريق حقائق مستقلة عن الكتاب المقدس. فالكتاب يعلم عن الله الغير مرئي، الملائكة، والسماء. ولكن العصمة تعنى أن ادعاءات الكتاب المقدس التي يمكن اختبارها عن طريق البيانات المستقلة المتوفرة، سوف تثبت حقيقتها حينما تكون كل المعلومات ذات الصلة بالموضوع متوفرة.
نقاد صحة الكتاب المقدس يُشيرون إلى الكثير من الأخطاء المزعومة. ولكن في هذه الحالات، فإنه من الممكن أن المقطع محل التساؤل قد أساء الناقد تفسيره، أو أن كل الحقائق التي ذات صلة بالموضوع ليست موجودة. ففي خلال القرن العشرين، ثبت أن الكثير من الادعاءات الكتابية حقيقية في ضوء المزيد من المعلومات الجديدة المكتشفة، وهي تلك التي أُعتِقدَ أنها تحتوي على أخطاء.
إذا كان كذلك، فلما على الفرد أن يؤمن فيما لا يمكن إثباته؟ أن يكون كتاب مقدس معصوم فقط، هو الذي يضمن لنا أن ما نقرأه حقيقي.
الاحتجاج الانحدارى: وهو ليس مغالطة في هذه الحالة. الاحتجاج يقول بأن العصمة هي عقيدة تأصيلية حتى أن هؤلاء الذين يقرون بوجود أخطاء في الكتاب المقدس، سوف يتنازلون قريباً عن عقائد أخرى مركزية، مثل ألوهية المسيح، و/ أو، الفداء الكفاري. فرفض العصمة سوف يؤدى إلى خطأ عقيدي أكبر. هذا لا يحدث في كل الحالات بالطبع، ولكن ثبت أنه اتجاه بالفعل.
كل احتجاج من هذه الاحتجاجات قد تم نقده من قبل. غير أن الاعتراض الأساسي والمشترك لهم، هو أن عقيدة العصمة لا معنى لها، حيث أنها حقيقية فقط للأصول الغير موجودة (المخطوطات الأصلية). ولكن هل ستصبح لا معنى لها بالفعل؟ لا إذا كان هناك شرطين:
أن نملك في حوزتنا عدد كافي من مخطوطات عالية الجودة من المخطوطات الأصلية.
وأن يكون هناك منهجية حكيمة للنقد النصي، لاستخدام هذه النسخ في تحديد ما الذي يجب أن تكون الأصول قد قالته.
هذين الشرطين متوفرين في حالة الكتاب المقدس.
إن الموضوع الأساسي هو تعليم الكتاب المقدس عن عصمته. ولهؤلاء المتشككين، فإن البرهان من العلم، الآثار، والتاريخ، قد دعمّ هذا الادعاء أكثر وأكثر!
[1] الاستدلال الدائري أو المنطق الدائري، هو الاستدلال لأمر ما بناء على أمر آخر، والاستدلال لذلك الأمر الآخر بناء على الأمر الأول. مثال: أنا أؤمن أن الكتاب المقدس مُوحى به من الله، ولماذا أؤمن بالله؟ لأن الكتاب المقدس يقول ذلك! هذا هو الاستدلال الدائري (المترجم).
[2] حينما يستخدم العلماء لفظ “ادعاءات” أو “مزاعم” عما يحتويه الكتاب المقدس، فهم لا يقصدون أن ما به غير حقيقي. غاية الأمر، أي أن أي تصريح معرفي يظل زعماً حتى يتم إثباته، فيكون حقيقة. وحينما يستخدم العلماء هذه الألفاظ، يكونوا مازالوا يتحدثون في مرحلة ما قبل الإثبات، مثل هذه الحالة (المترجم).
انجيل توما الأبوكريفي لماذا لا نثق به؟ – ترجمة مريم سليمان