الإيمان وموجباته المنطقية بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله
الإيمان وموجباته المنطقية بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله
تؤمن الكنيسة المسيحية الحقة بأن الكتاب المقدس هو كلمة إعلان من عالم آخر، مصدرها الله، إله السماء المثلث الأقانيم. الدليل على كونها كلمة معلنة، منتشرة على صعيد واسع ومتكرر على صفحات الأسفار المقدسة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مصدرها الإلهي، وعصمتها، وحقيقة كونها منزهة عن الخطأ.
كنت في الفصل الثاني تناولت تعليم يسوع بخصوص المصدر فوق الطبيعي للكتاب المقدس، واكتساب تعليمه بالطبع أهمية بالغة. وفي هذا الفصل الثالث، أود الاستفاضة أكثر في شهادة الكتاب المقدس عن نفسه، الأمر الذي يظهر أنه فعلاً كلمة الله المعلنة والموحى بها. سنرى كيف أن الكتاب المقدس ولو أقدم رجال على كتابته بأكمله، فهو يظهر لنا أيضاً على أنه كلمة الله بالتمام، ذلك لأن روح الله الحي هو الذي أوحى لرجال كتابته على صعيدي الكل والأجزاء. إلا أن العلاقة بين كُتاب الكتاب المقدس من جهة وروح الله من جهة أخرى.
لم تكن من قبيل مجرد التعاون أو المشاركة في التأليف. فالرجال ما كان بوسعهم أن يكتبوا الكتاب المقدس (ولا كانوا ليحاولوا الإقدام على ذلك) بمعزل عن عمل الإشراف الذي قام به الروح القدس. فالروح القدس هو مؤلف الأسفار المقدسة بشكل أساسي وأعمق مما كان بمقدور الكتاب البشريين أن يكونوا عليه (أو يتمنون ذلك). كان الله هو المؤلف الرئيس للأسفار المقدسة (أوكتر بريماريوس سكريبتورا ساكرا). أما الكتاب البشريون فيعتبرون كتاب الكتاب المقدس على قدر ما كلفهم الروح القدس بذلك، وأطلقهم ودفعهم إلى الكتابة (مانداتم أوت إمبلسم سكريبندي). فالكتاب المقدس في الكل أو في الجزء، لم يكن ليوجد للحظة واحدة لولا تكليف الروح القدس وطابع الوحي فيه.
لذا، فإن اعتبار الكتاب المقدس مجرد مكتبة من الوثائق القديمة الجديرة بالثقة على وجه العموم (كيف بوسع أحدهم التحقق من هذا؟) من نتاج مؤلفين بشر، كما يرغب بعض المدافعين الإنجيلين في القيام به (على الأقل في البداية) كجزء استراتيجيتهم الدفاعية[1]، فإن هذا ينطوي على تجاهل الحقيقة الأكثر جوهرية حول الكتاب المقدس مع الادعاء الرئيس للكتاب المقدس حول نفسه.
إن اقتناع الكنيسة بكون الروح القدس هو المؤلف الرئيس للأسفار المقدسة يحتم اقتناعاً آخر، هو أن تأثير إشراف الروح القدس في أذهان الكتاب فيه الضمان على أنهم سيكتبون بكل دقة ما أرادهم الله أن يقولوه. بكلام آخر، بما أن إله لاحق، من خلال روح الحق، أوحى إلى كتاب الكتاب المقدس كتابة ما أرادهم أن يكتبوا، فيكون قد أسفر عن ذلك في النهاية نتاجاً منزهاً عن الخطأ في صيغته الأصلية.
أما الشخص الذي يؤمن بأن الله، إله الحق، أوحى بالكتاب المقدس، لكن الكتاب المقدس لم يكن منزهاً عن الخطأ في صيغته الأصلية، فأقل ما يقال فيه أنه يعاني مشكلة رئيسية من زاوية فلسفة المعرفة. إلى ذلك، إن فاتنا إدراك صوت السيد من خلال الأسفار المقدسة وهو يخاطبنا بحقه المعصوم من عالمه إلى عالمنا، نحن بذلك ندمر نفوسنا ليس من زاوية المعرفة وحسب، بل شخصياً أيضاً.
ذلك لأننا بفعلنا هذا إنما نتخلى عن الأساس الأوحد لمعرفتنا اليقينية “والركيزة ذات معنى” الوحيدة التي تمكننا من المعرفة الحقة لله الواحد اللامتناهي والشخصي، وبالتالي أنفسنا كأشخاص أصحاب كرامة وقيمة[2]. والآن، لماذا على المسيحيين أن يؤمنوا بكل هذا؟ ولماذا عليّ أنا وأنت ان نؤمن به؟
[1] راجع
Benjamin B. Warfield, The Inspiration and Authority of the Bible (Philadelphia: Presbyterian and Reformed, 1948), 210; John Warwick Montgomery, History and Christianity (Downers Grove, Illinois: InterVarsity Press, 1972) 25-26; R. C. Sproul, John Gerstner, and Lindsley, Classical Apllogetics (Grand Rapids: Zondervan, 1984), 137-55.
[2] راجع كتابي
The Justification of Knowledge (Phillipsburg, N. J. : Presbyterian and Reformed, 1976)
حيث حاججت حول كون الكتاب المقدس يبقى الأساس الأوحد للمعرفة اليقينية عند الإنسان. إن جزءًا ضرورياً من كامل حجتي هناك، هي أن الكتاب المقدس كإعلان إلهي، يقوم بالضرورة بإثبات صحته بنفسه أو يصادق بنفسه على نفسه، بما أنه يحمل في طياته مؤشراته الإلهية (انديسيا) (15-16؛ راجع في هذا الصدد Westminster Confession of Faith I/v أنا أصر أيضاً على أن الكتاب المقدس، بفضل عقيدته عن الخلق، يمنح الإنسان الأساس الأوحد لتسويغ وجود وقيمة لشخصه وسنسهب أكثر في الحديث عن هذا لاحقاً.