سبت لعازر-الأب وديد المقاري
سبت لعازر-الأب وديد المقاري
إقامة لعازر من الأموات كانت آخر معجزة للسيد المسيح ذُكرت في إنجيل يوحنا (يو11)، قبل أن يدخل أورشليم (يو12)، ثم تبدأ أحاديث الوداع والصلب. القديس يوحنا اللاهوتي في كل إنجيله لا يحكي معجزات لكي نتعجب لها كمعجزات باهرة؛ وإنما كان اختياره لهذه المعجزات بالذات التي يقصها([1]) (وهي سبعة معجزات) بهدف لاهوتي. وسنشير هنا إلى خطين لاهوتيين اتبعهما في تقديمه لمعجزة إقامة لعازر .. اقرأ الموضوع كاملًا من هنا
1- إظهار محبة المسيح الفائقة:
محبة المسيح للعالم وللبشرية التي يمثِّلها لعازر وأسرته الصغيرة. فهذا الإنجيل عاطر بعبارات الحب:
+ «يا سيِّد هوذا الذي تحبُّه مريض» (ع3).
+ «وكان يسوع يحب مرثا وأختها ولعازر» (ع5).
+ «لعازر حبيبنا قد نام» (ع11).
+ «انظروا كيف كان يحبُّه» (ع36).
هكذا يركِّز ق. يوحنا في هذا الإنجيل على إظهار محبة المسيح، بلمسات صغيرة متتالية، والذي يقرأها بطريقة سطحية تمر عليه ولا يلاحظها. ولكن عندما نجمعهم معاً نستطيع أن نفهم ونحس قصد هذا الإنجيلي من سرده لهذه ”الآية“ بهذه الصورة. فهي ”آية“ تشير إلى محبة المسيح الشديدة للإنسان المائت، أو المحكوم عليه بالموت، ثم مجازفته بحياته لإقامة هذا الإنسان المائت. وهذه هي النقطة الثانية التي قصد ق. يوحنا أن يُبيِّنها بهذه ”الآية“.
2- المسيح قدم حياته من أجل إقامة البشرية الممثَّلة في لعازر
من بداية القصة نلمح هذا الخط: المسيح جازف بحياته في سبيل إقامة لعازر الذي كان يحبه. فيوحنا الإنجيلي يتعمَّد أن يُظهر أن إقامة لعازر كانت هي المناسبة التي على أثرها تم القبض عل يسوع وتسليمه ليُصلب. وكأنه يريد أن يقول عن طريق قصة: «هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له. هو أخذ موتنا وأعطانا حياته!» ويتكرر هذا المعنى خمس مرات في هذه القصة:
+ عندما أراد يسوع أن يعود إلى اليهودية لإقامة لعازر، اعترض التلاميذ قائلين: «يا معلم، الآن كان اليهود يطلبون أن يرجموك وتذهب أيضاً إلى هناك!!» (ع8). بمعنى أن المسيح ذاهب ليواجه الموت.
+ «أما قومٌ منهم فمضوا إلى الفريسيين وقالوا لهم عمَّا فعل يسوع، فجمع رؤساء الكهنة والفريسيون مجمعاً (على أثر إقامة لعازر!) وقالوا ماذا نصنع فإن هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة، إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به … فقال لهم واحد منهم وهو قيافا، كان رئيساً للكهنة في تلك السنة: أنتم لستم تعرفون شيئاً ولا تُفكِّرون إنه خيرٌ لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها» (ع46-50).
يتضح من ذلك أن المجمع الذي عقدوه ليحكموا على يسوع بالموت، كان على أثر إقامته للعازر… وكأن يوحنا يريد أن يقول: ”هو مات ليحينا! أخذ موتنا وأعطانا حياته!“ هذه هي غاية هذا الإنجيلي اللاهوتي من اختيار هذه المعجزة، أو بالأصح هذه ”الآية“، ليضعها في إنجيله كآخر معجزات المسيح، مباشرة قبل أسبوع آلامه وموته.
+ «فمن ذلك اليوم (يوم إقامة لعازر) تشاوروا ليقتلوه!» (ع53).
+ «فعلم جمع كثير من اليهود أنه هناك، فجاءوا ليس لأجل يسوع فقط؛ بل لينظروا أيضاً لعازر الذي أقامه من الأموات. فتشاور رؤساء الكهنة ليقتلوا لعازر أيضاً لأن كثيرين من اليهود كانوا بسببه يذهبون ويؤمنون بيسوع» (12: 9-11).
+ وفي قصة دخول المسيح أورشليم، فإن القديس يوحنا هو الوحيد الذي يذكر أن هتاف الجمع كان بسبب أنه أقام لعازر: «وكان الجمع الذي معه يشهد أنه دعا لعازر من القبر وأقامه من الأموات. لهذا أيضاً لاقاه الجمع لأنهم سمعوا أنه كان قد صنع هذه الآية. فقال الفريسيون بعضهم لبعض: إنكم لا تنفعون شيئاً، هوذا العالم قد ذهب وراءه» (12: 17-19).
هنا أيضاً إشارة من ق. يوحنا أن الذي أثار حسد الفريسيين هو إقامة لعازر وهتاف الشعب أنه دعا لعازر من القبر… وهذا هو آخر ما دفعهم ليُنفِّذوا فيه مشورتهم الرديئة.
كل هذه الإشارات إذا جمعناها معاً، يتضح منها أن القديس يوحنا يريد أن يقول عن طريق قصة، أن المسيح مات لأجلنا نحن أحبائه، لكي يقيمنا ويحيينا. نفس الحقيقة اللاهوتية التي قالها المسيح له المجد بنفسه:
«هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يو3: 16).
«ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه» (يو15: 13).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) مع العلم أن ق. يوحنا لا يسميها معجزات، ولكن ”آيات“ σημε‹α أي إشارات لحقائق أعمق وأهم من مجرد مظهر المعجزة.