مثال كنيسة العهد الجديد ونشاطها
مثال كنيسة العهد الجديد ونشاطها
مثال كنيسة العهد الجديد ونشاطها
اللذان كانا قد حظيا بموافقة الرسل
العمود الرابع الذي يرتكز تسويغ اللاهوت المسيحي كمادة تعليمية وفكرية، هو مثال كنيسة العهد الجديد ونشاطها، اللذان كانا قد حظيا بموافقة الرسل، وبذلك من خلال إنشائها اعترافات وتصريحات إيمان من خارج الكتاب المقدس وغير موحى بها. فالعهد الجديد يحوي ألفاظاً وتعابير واصفة من صنف “التعاليم” (التقاليد) (2تسالونيكي 2: 15)، “صورة التعليم” (رومية 6: 17)، “الإيمان المسلم مرة للقديسين” (يهوذا 3)، “الوديعة” (1تيمو 6: 20)، والمرات الخمس التي فيها يذكر الرسول بولس في الرسائل الرعوية العبارة “صادقة هي الكلمة” (1تيمو 1: 15؛ 3: 1؛ 4: 7-9؛ 2تيمو 2: 11-13؛ تيطس 3: 4-8). كل هذا يظهر أن النشاط اللاهوتي كان قد بدأ حتى في أيام الرسل، وينطوي على التأمل، وعلى مقارنة الكتب بالكتب، وجمع التصريحات العقيدية، واستنتاجها، ووضعها ضمن أطر وصيغ عقيدية شبيهة بطابع الاعترافات الكنسية التي ظهرت لاحقاً. بالإمكان الوقوف على أمثلة عن هذه الصيغ العقيدية في الأعداد التالية:
– رومية 1: 3، 4: “… عن ابنه. الذي صار من نسل داود من جهة الجسد، وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة، بالقيامة من الأموات: يسوع المسيح ربنا”.
– رومية 10: 9: “… لأنك إن اعترف بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت”.
– 1كورنثوس 12: 3: “يسوع رب”.
– 1كورنثوس 15: 3-5: “فإنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضاً: أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دفن، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب، وأنه ظهر لصفا ثم للإثني عشر”.
– 1تيموثاوس 3: 16: “وبالإجماع عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد، تبرر في الروح، تراءى لملائكة، كرز به بين الأمم، أومن به في العالم، رفع في المجد”.
– 1تيموثاوس 1: 15: “صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول: أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة”.
– 1تيموثاوس 3: 1: “صادقة هي الكلمة: إن ابتغى أحد الأسقفية، فيشتهي عملاً صالحاً”.
– 1تيموثاوس 4: 7-9: “…. روض نفسك للتقوى، لأن الرياضة الجسدية نافعة لقليل ولكن التقوى نافعة لكل شيء، إذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة. صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول”.
– 2تيموثاوس 2: 11-13: “صادقة هي الكلمة، أنه إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضاً معه. إن كنا نصبر فسنملك أيضاً معه. إن كنا ننكره فهو أيضاً سينكرنا. إن كنا غير أمناء فهو يبقى أميناً، لن يقدر أن ينكر نفسه”.
– تيطس 2: 4-8: “ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس، الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا. حتى إذا تبررنا بنعمته، نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية. صادقة هي الكلمة، وأريد أن تقرر هذه الأمور…”.[1]
هذه الصيغ العقيدية جميعها من خارج الأسفار القانونية، كانت قد طورتها كنيسة العهد الجديد مع علم رسل المسيح الملهمين الكامل بذلك وموافقتهم عليها بما أنهم يقتبسونها في كتاباتهم. فلقد كان الرسل حقاً منخرطين شخصياً في نشاط صياغة قوانين الإيمان هذا. مثلاً، في مجمع أورشليم بحسب أعمال 15: 1-16: 15 والذي لنا الحق في نظري بأن ندعوه “الهيئة العامة الأولى للكنيسة المشيخية على الأرض”، يطل علينا الرسل، وهم يعملون لا كرسل بل كشيوخ جنباً إلى جنب مع شيوخ آخرين لإرشاد الكنيسة، من طريق التداول والتشاور معاً، في معرض الإعداد لرد مجمعي مكتوب وغير موحى به، يتناولون فيه المسألة التي كانوا يواجهونها في ذلك الوقت، أي إن كانت الكنيسة ستلزم الأمم من أجل الانضمام إلى الكنيسة، أن يؤمنوا بالمسيح فقط، أم الإيمان بالمسيح مع إخضاع أنفسهم لفريضة الختان مع حفظ ناموس موسى. وهكذا كتبوا في معرض انسياقهم وراء الخيار الأول: “لأنه قد رأى الروح القدس ونحن…”[2]. من الواضح إذاً أن الكنيسة لم تضل لدى كتابتها قوانين إيمان، لكنها تضل عندما تكف عن كتابتها.
لذا، بوسعنا اليوم أن ندنو من الأسفار المقدسة بإرشاد روح الله والإيمان، للعمل مع أفضل أدواتنا الفكرية وبموجب قوانين التفسير اللغوية/ التاريخية على شرح تصريحات الكتاب المقدس ومبادئه باعتماد لاهوتنا التفسيري، وعلى تعقب فعلها في العالم من خلال لاهوتنا التاريخي، وعلى تنظيمها تحت شكل قوانين إيمان واعترافات بواسطة لاهوتنا النظامي، وعلى القيام بالترويج لها والدفاع عن رسالتها المنظمة أمام العالم من خلال لاهوتنا العملي. إننا بفعلنا هذا، نكون قد انخرطنا بشكل مباشر في العملية اللاهوتية الموجودة قبلاً وقد جرى ممارستها في كنيسة عصر الرسل بموافقة معشر الرسل أنفسهم.
طبيعة الأسفار المقدسة نفسها
العمود الخامس الذي إليه يرتكز تسويغ اللاهوت المسيحي كمادة تعليمية وفكرية، هو أمر مدهش حقاً: إنه استنتاج جيد وضروري من طبيعة الأسفار المقدسة نفسها بصفتها كلمة الله المعلنة (2تيموثاوس 3: 16، 17؛ 2بطرس 1: 20، 21). لقد افترضت منذ البداية في كتابي هذا أن الأسفار المقدسة هي كلمة الله المعلنة. غير أني افترضت هذا، لأنه من جملة الأسباب الأخرى التي يمكن أن نوردها، أن المسيح الإلهي نفسه، رب الكنيسة، اعتبرها كذلك وأعطى كنيسته الأسباب الكافية للنظر إليها هكذا. هذا يعني أن الله المثلث الأقانيم الذي يتحدث عنه الكتاب المقدس، هو “موجود حقاً، وقد تكلم” الآن، إن كان هذا الإله موجداً حقاً، وإن كان قد تكلم إلينا في الأسفار المقدسة كما علم المسيح ورسله الملهمون، فإنه في هذه الحال يكون ذلك الكائن الذي ينبغي للبشرية أن ترغب في التعرف به. تقدم هذه الحقيقة وحدها المسوغ الكافي لدراسة العهدين القديم والجديد.
الأمر هو بهذه السهولة: إن كان الله الحي والحقيقي قد أعلن الحق المجرد عن ذاته، وعنا، وعن العلاقة بيننا وبينه في الأسفار المقدسة وحدها، فيلزمنا في هذه الحال معرفة الأسفار المقدسة. إن كنا نأخذ على محمل الجد الحق الكتابي القائل بأننا في ضوء كلمة الله وحدها، يتسنى لنا فهم أي شيء بشكل أكيد كما يجب (المزمور 36: 9)، فيلزمنا عندئذ دراسة إعلانه المجرد لنا، أو بكلام آخر، يلزمنا تشغيل أذهاننا في السعي وراء الحق اللاهوتي المستخرج من أقوال الله بعد تفسيرها.
الآن، سأصرح بشيء قد يصعق بعضنا. هذا الأمر هو التالي: عندما لا نكون مهتمين لدرجة الشغف – وهذا يصح على رجال الدين وعلى العلمانيين على السواء – أكرر، عندما لا نكون مهتمين لدرجة الشغف في دراسة الأسفار المقدسة، وإن كان الله الحي والحقيقي قد أعلن ذاته فيها، فإن ذلك يعد ذروة الحماقة الروحية، كما أن عدم الاكتراث هذا، هو ضرب من ضروب الجنون، أنا لا أتردد قط في وصف هذا النوع من اللامبالاة بهذا الشكل، ذلك لأن يسوع كان قد علم هذا قبلي. ففي مثل الابن الضال، علم يسوع أن الابن القابع في الكورة النائية، بعيداً عن بيت أبيه، والذي يمثلنا جميعنا في حالتنا الخام والطبيعية، لم يكن يكابد عوزاً مادياً عظيماً وحسب، بل كان مجنوناً! هذا واضح من تصريح يسوع عن هذا الابن الذي يعيش حياة الشقاء في بلد بعيد معرضاً نفسه للخطر، أنه أخيراً “رجع إلى نفسه” وقال: “أقوم وأرجع إلى أبي” (لوقا 15: 17).
فالعبارة التي استخدمها يسوع “رجع إلى نفسه” تعني حرفياً “رجع إلى صوابه”، أي إن الابن الضال كان فاقد العقل في ظنه أنه كان بإمكانه التمتع بشبع دائم وحياة سعيدة خارج الشركة مع أبيه. يجزم بولس هذا الأمر عينه عند يذكر في 2تيموثاوس 2: 22-26 كيف أن عبد الرب يجب أن يؤدب “بالوداعة المقاومين، عسى أن يعطيهم الله توبة [تغييراً في الفكر] لمعرفة الحق. فيستفيقوا [يستعيدوا صوابهم ويهربوا] من فخ ابليس إذ قد اقتنصهم لإرادته”[3]. حقاً، بسبب رفض البشرية الساقطة الإبقاء على الله في معرفتهم، كما يصرح بولس، أسلم الله شعوب هذا العالم في تمردهم عليه إلى ذهن مرفوض (رومية 1: 28) “إذ هم مظلمو الفكر، ومتجنبون عن حياة الله لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم” (أفسس 4: 18).
كما أن الله نفسه يشير ضمناً إلى أن تمرد الجنس البشري عليه ينطوي على أمر غريب، من زاوية فلسفة المعرفة، بما أنه يصرح بما يلي: “الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه، أما إسرائيل فلا يعرف. شعبي لا يفهم [من صنعهم، ويعيلهم يومياً]” (إشعياء 1: 3). الآن، أقل ما يقال إن في هذا ضرباً من الجهل البشع! لذا، أكرر: ألا يكون لدى أحدهم أي اهتمام بما يفتكر فيه الله الواحد الحي والحقيقي ويقوله عنه، وألا يبالي باكتشاف العلاج الذي دبره الله لقلب الحالة المأساوية التي يتخبط فيها البشر، فهذا إنما يعكس حقيقة كونه يعاني جنوناً من النوع الإجرامي ومن الدرجة الأولى. إنه من الزاوية الروحية، مختل العقل!
هذا العمود يصمد حتى ولو لم يكن أحدنا متأكداً من كون الكتاب المقدس هو كلمة الله. ذلك لأنه ولو كان الكتاب المقدس ربما كلمة الله، كما يصرح بهذا الأمر كل من يسوع ورسله، فالضرورة في هذه الحال موضوعة على المشكك أن يقرر صحة هذا أم لا. وفي حال رفض أن يدرس الدليل الداعم للطبيعة الإلهية للكتاب المقدس، أو بعد وقوفه على الدليل، يرفضه عن عبث سوف يبقى في الكورة البعيدة لجنونه، معرضاً بذلك نفسه للخطر. لكن، إن كان بنعمة الله، قادته دراسته إلى استخلاص عن حق أن الكتاب المقدس هو كلمة الله، فسيرغب في هذه الحال أن يعرف كل ما في وسعه عما يفتكره الله عنه كما يعلم الكتاب، كما أنه سينخرط في العملية اللاهوتية. أما عدم مراعاة أي اهتمام بما تعلمه الأسفار المقدسة، مهما كان السبب، ففي هذا جنون في المطلق.
اللاهوت كفعل عبادة
حسناً، بات الأمر واضحاً لك: اللاهوت المسيحي كمادة تعليمية وفكرية مدعومة بخمسة عواميد حصينة ومنيعة، مصدرها الأسفار المقدسة. هذه المادة التعليمية والفكرية، تدعم بدورها “الفرائد” العظمى للإيمان المصلح والمختصة بالخلاص، والتي كان المصلحون قد استخرجوها من تفسيرهم للأسفار المقدسة بكل عناية ودقة، ومن ثم أعلنوها للعالم.
إذاً، لماذا علينا نحن اليوم الانخراط في اللاهوت المسيحي؟ ذلك لأن المسيح رب الكنيسة فعل هذا، ولأن مأمورية المسيح العظمى توصي به، ولأن الرسل أقدموا على ذلك، ولأن كنيسة العهد الجديد فعلت ذلك تحت إشراف الرسل، وبما أن الأسفار المقدسة بحكم طبيعتها ككلمة الله المعلنة تحث الناس على ضرورة القيام بذلك. أستودعك هذه العواميد الخمسة لكي تتأمل فيها بكل عناية، وأنا مقتنع بأنها تعطي الكنيسة التسويغ الكافي وأكثر، لكي تستمر في التزامها العملية اللاهوتية كمادة تعليمية وفكرية.
وبإمكانها البقاء ملتزمة جداً بهذا الأمر مع تأكدها الكامل من أن تعبها في هذا المضمار، لن يكون بمثابة مضيعة للوقت والطاقة. إن هذه الأعمدة تمنحكم أنت الذين انخرطتم في التدريب اللاهوتي التأكيد نفسه بأن تعبكم لن يكون باطلاً في الرب. بوسعي حتى جزم ان هذا السعي الفكري سيتبرهن في نهاية المطاف أنه سيعود عليكم بالفائدة أكثر من اكتسابكم المعرفة عن الله وطرقه، وأعماله، في ضوء الأسفار المقدسة. ما أوضح التوصية الكتابية التي تدعونا إلى الانخراط في العملية اللاهوتية، بما أن رب الكنيسة طرحه، يجب ألا يتعلق بمسألة إن كانت ستنخرط في المهمة اللاهوتية أم لا. بالطبع، يلزمها ذلك، وستفعله إن كانت أمينة للمسيح ولرسله لكونهم معلمين للعقيدة أصحاب سلطة. لكن، ما ينبغي أن يشغل الكنيسة حتى أكثر من هذا الانخراط بحد ذاته. هو إن كانت في معرض انخراطها في اللاهوت كمادة تعليمية وذهنية تقصد أن تصغي بكل خضوع، كما يترتب عليها، إلى صوت ربها مخاطباً كنيسته في الأسفار المقدسة.
لذا، وفي ضوء هذه الأعمدة التي عرضتها، يجب أن يكون اهتمامكم الرئيس ليس بشأن ضرورة الانخراط في العملية اللاهوتية – بالطبع يترتب عليكم القيام بذلك – لكن إن كان اللاهوت الذي تكتسبونه هو صحيح؟ هل هو مستقيم؟ أو ما هو أفضل من هذا، هل هو كتابي؟ هنا دورنا كأعضاء في الجسم التدريسي لكلية اللاهوت المصلحة. فنحن نجدد سنوياص من خلال النذر المقدس، ما نؤمن بأنه دعوتنا الإلهية لبذل قصارى جهدنا للتأكد من كون تلامذتنا يحصلون على لاهوت من شأنه اجتياز الامتحان الكتابي مع “ذهن للحق، وقلب لله”.
نحن نقوم بذلك النذر بكل جدية ومن القلب (إكس أنيمو). كما أننا نتوسل إليكم الانضمام إلينا في تلك المهمة اللاهوتية إذ نسعى لإضرام من جديد نيران الإصلاح في زمننا الحاضر من خلال ما رافقه من الفرائد الخمسة العظمى، وأحثكم على ضرورة تكريس نفوسكم من خلال انكبابكم على الدرس الشاق في معظم الأحيان، والذي يتطلبه منكم تحصيل لاهوت عظيم يليق بالله والدفاع عنه. ولا تخطئوا التقدير في هذا الأمر: إن لاهوتكم ودفاعكم عنه هما فعلاً عبادة إلى جانب كونهما أي شيء آخر. وبينما أختم هذا الفصل، سأطرح عليكم سؤالين:
– هل يليق إلهكم بلاهوتكم ودفاعكم عنه؟ سيصبح الله كذلك فقط متى كان إله الأسفار المقدسة السيد والمثلث الأقانيم؛ وما من إله آخر يستحق مجهوداتكم.
– هل لاهوتكم ودفاعكم عنه يليقان بالله؟ سيصبحان كذلك متى أسستموهما على الأسفار المقدسة وحدها؛ وما من أساس آخر يليق بالله الواحد، الحي والحقيقي.
عليكم أن تتذكروا دائماً أنكم تعملون وتتعبون لكي تسمعوا مخلصكم المبارك ذات يوم يخاطب كل واحد منكم بالقول: “نعماً أيها العبد الصالح والأمين! كنت أميناً في القليل فأقيمك على الكثير ادخل إلى فرح سيدك”. إلى ذلك، تكون عزيزي قد اجتهدت “أن تقيم نفسك لله مزكى، عاملاً لا يخزى، مفصلاً كلمة الحق بالاستقامة” (2تيموثاوس 2: 15). حبذا لو يصار إلى الإعراب عن هذه المشاعر لكل واحد منا في يوم الدين العظيم والأخير.
[1] بالإمكان الوقوف على مسح شامل ممتاز لهذه المادة في:
J.N.D. Kelly, “Creedal Elements in the New Testament, “in Early Christian Creeds (London, Longmans, Green, 1950.
[2] التصريح الصادر عن المجمع “لأنه قد رأى… ” لا يعني أن الرسالة المضمنة فيه كانت بمثابة وثيقة إلهية موحى بها. لكنه يعني أن ما كتبوه كان منسجماً مع إرادة الله، الروح القدس. من الواضح بكل تأكيد أن خلاصاتهم “بدت حسنة” [بحسب الترجمة الإنجليزية] للموفدين من قبل المجمع أنفسهم، لكن كيف علموا أن خلاصاتهم هذه “بدت حسنة” للروح القدس أيضاً؟ لأن الكلام الذي دار في المجمع، أوضح بشكل مسهب للحاضرين هناك أن الروح القدس قد وضع ختمه على الخلاصات التي بلغوا إليها. هذا التأييد من الروح القدس لخلاصاتهم، بالإمكان رؤيته من خلال انخراطه الثلاثي بشكل جماعي ومجرد ولا جدال حوله، في:
(1) اهتداء كرنيليوس غير المختون مع جميع الأمم الآخرين الذين سمعوا عظة بطرس في تلك المناسبة (راجع أعمال 10: 19، 44-47). وكان بطرس قد أشار إلى هذا الحدث لاحقاً في أورشليم في مناسبة سابقة والآن في المجمع (11: 12، 15-17؛ 15: 8)؛
(2) خدمة برنابا وبولس بتفويض من الروح القدس (13: 1) وتأييد الروح القدس لخدمة برنابا وبولس (13: 9 [راجع غلاطية 3: 5]؛ 14: 27؛ 15: 3) وعرضهما لاحقاً أمام المجمع للدلائل على دعم الروح القدس لخدمتهما من خلال الآيات والعجائب التي قواهما حتى يصنعانها بين الأمم (15: 12)؛
(3) والنص الكتابي الموحى به من الروح القدس من عاموس 9: 11، 12، والذي اقتبسه يعقوب. هذا النص الذي أيد بروح النبوة أنشطة بطرس الإرسالية في حادثة كرنيليوس، كما أنشطة برنابا وبولس بين الأمم (15: 13-19).
[3] راجع الملحق ب، “شرح مختصر للنص من 2تيموثاوس 2: 23-26″، للوقوف على تفسير موجز لهذا النص.