أبحاث

علم الدفاع المسيحي – ما هو وما مكانته – بحث شامل

علم الدفاع المسيحي - ما هو وما مكانته - بحث شامل

علم الدفاع المسيحي – ما هو وما مكانته – بحث شامل

علم الدفاع المسيحي - ما هو وما مكانته - بحث شامل
علم الدفاع المسيحي – ما هو وما مكانته – بحث شامل

علم الدفاع المسيحي – ما هو وما مكانته – بحث شامل

في أفضل لحظاتها. شقت المسيحية طريقها في العالم من خلال إعلانها وتعليمها الإيمان العقلاني الوحيد في العالم. إن المسيحية التي تعد بشكل بارز ومن دون منازع “ديانة المنطق”. هي أيضاً دفاعية، حيث تشعر في العمق وبشغف بثقف نقل إلى البشرية ما يجب أن يؤمنوا به، من جهة، لكي يخلصوا من مذنوبية الخطيئة ومن سلطانها، وبمدهم، من جهة أخرى، بالأسباب والموجبات لإيمانهم هذا، إذ تجيب الباحثين عن السؤال، لماذا يجب أن يؤمنوا.

تنتقل الكرازة المسيحية في معظم الأحيان إلى الاجتهاد “لأجل الإيمان المسلم مرة [هابكس] للقديسين” (يهوذا 3). إذاً، علم الدفاع المسيحي هو ذلك الفرع من المعرفة الذهنية الذي يبذل بموجبه مجهود ذكي بكل حرص، للتعريف بادعاءات الإيمان المسيحي بالحق والاجتهاد لأجلها أمام العالم غير المؤمن. وهذا يصح بالتحديد على ادعائه حصر به وحده المعرفة الحقة بالله الواحد الحي الحقيقي، وذلك بما ينسجم مع تعليم الأسفار المقدسة.

علم الدفاع المسيحي apologetics بالإنجليزية، لفظة مشتقة من الجذر اليوناني (-apolog) بمعنى “دفاع” أو “رد على اتهام رسمي” من صنف كتاب سقراط بعنوان Apology، يرد هذا الجذر بصيغة الفعل، أو الاسم، أو الصفة أكثر من عشري مرة في العهد الجديد اليوناني[1]. إلا أن هذه اللفظة تطورت بحكم الاستخدام حتى باتت تشير، بمعناها الضيق، إلى دفاع الفرد المسيحي عن إيمانه وسلوكه، هذا مع أنه من الأفضل ربما الإشارة عن دفاع كهذا بالإنجليزية بعبارة “apology” عوضاً عن “apologetic”.

المسألة بمعناها الأوسع، تفيد رد الشخص المسيحي على الهجمات التي يشنها العالم على ادعاءات الحق في الأسفار المقدسة. أما الأمر في أكمل معانيه، فيشير إلى عملية الدفاع عن الإيمان المسيحي ورد التهم الموجهة إليه، وذلك في وجه الهجمات التي يتعرض لها من قبل معشر المشككين وغير المؤمنين. كما يتضمن ذلك أيضاً عرضاً لمنطقية ما تدعى المسيحية بأنه حق.

مع التركيز على أن في هذا أكثر مما يكفي لسد الاحتياجات الروحية عند الجنس البشري. من هنا، فإن علم الدفاع بهذا المعنى الأخير لا يتوقف عند الحد الدفاعي، لكنه يشكل أيضاً مادة هجومية، لاعتماده ليس فقط في معرض الدفاع عن الإنجيل، بل أيضاً لنشر رسالته.

في اعتقاد بعض المسيحيين أنهم ليسوا تحت أي التزام للدفاع عن إيمانهم أمام عالم معاد، بل تقتصر مسؤوليتهم فقط على مجرد الكرازة بالإنجيل للعالم، هذه الكرازة التي تعد بحد ذاتها كافية تماماً للدفاع عن الإيمان. هذا الرأي لا يمكن إرساؤه على أسس كتابية.

فإلى جانب المثلين الواضحين المتعلقين بكل من يسوع وبولس اللذين كان قد دأبا على الدفاع، بالنسبة إلى يسوع عن ادعائه بأنه المسيا (متى 22)، وبالنسبة إلى بولس عن رسوليته (غلاطية 1-2؛ 1كورنثوس 9؛ أعمال 22-26)، عندنا مناشدة بطرس الكلاسيكية: “… قدسوا الرب الإله في قلوبكم مستعدين دائماً لمجاوبة (للدفاع) [pros apologian] كل من يسألكم عن سبب[2] الرجاء الذي فيكم، بوداعة وخوف، ولكم ضمير صالح…” (1بطرس 3: 15، 16أ). فحتى التحليل السطحي لتصريح بطرس هذا، يظهر كيف أن هذا النص:

–   يأمر بضرورة جعلنا من روبية المسيح أعلى وأسمى التزام قلبي عندنا. يجب أن يكون إيماننا به مؤكداً أكثر من إيماننا بأي شخص آخر. حيال هذا الواقع، كلمته هي المقياس، بمعنى أنها تشكل المعيار النهائي للحق والذي يثبت ويصادق على كل سلطان لها في كل ناحية من نواحي الحياة.

بكلام آخر، سلطان الرب علينا هو شامل؛ حتى إنه يلزمنا طلب رضاه في كل ما نقوم به (1كورنثوس 10: 31؛ كولوسي 3: 17، 23). بالطبع هذا يتضمن أيضاً ناحيتي تفكيرنا ومعرفتنا. “مخافة الرب رأس المعرفة” (أمثال 1: 7؛ المزمور 111: 10).

–   يفترض موقف إيمان قلبي (“الرجاء الذي فيكم”). فمن جهة التزام من قبل المسيحي مبني على الوعي الذاتي ليسوع المسيح بصفته الرب. ومن جهة أخرى الإقرار بهذا الالتزام من قبل الشخص غير المؤمن الذي يسأل المسيحي عن سبب هذا الرجاء؛

–   يشير ضمناً إلى كون الرجاء المسيحي هو أهل بالتمام للدفاع عنه بشكل منطقي، ذلك لأن الرسول لم يكن ليأمر المسيحي بأن يدافع عما لا يدافع عنه بشكل عقلاني.

–   يفترض إمكانية التواصل بين المؤمن وغير المؤمن؛ وإلا كانت المناشدة عديمة الجدوى. أما الأساس الدقيق وراء احتمال حصول هذا التواصل، فيشكل المعضلة الدفاعية المتعلقة بطيعة “القاسم المشترك” أو “نقطة الاتصال” (انكنبفانغسبونكت) ما بين المؤمن وغير المؤمن.

–   يدعو كل مؤمن إلى الاستعداد في كل مناسبة لإعطاء كل سائل السبب وراء التزامه الإيمان بيسوع المسيح كرب.

–   ويشير إلى الموقف الصحيح الذي من خلاله على المسيحي تقديم “دفاعه”: يجب ألا يحصل بعجرفة فكرية بل بالحري بوداعة، وضمير صالح، واحترام للشخص غير المؤمن الحامل أيضاً صورة الله. كذلك يجب أن يرافق دفاعه هذا إدراك كونه هو أيضاً خاطئاً مخلصاً بالنعمة، مع سلوك مقدس أمام الله. في هذه الحال فقط، يمكنه توقع أن يغدق الله بركته بالكامل على مجهوداته الدفاعية.

إلا أن وصية بطرس هذه يجب عدم تفسيرها بمعنى أن باستطاعة الشخص المسيحي اعتماد “المنطق” لإدخال الناس إلى ملكوت الله. فعمل تجديد النعمة المطلقة السلطة، وبمبادرة إلهية، والمرافق للكرازة بالإنجيل، يستطيع وحده تمكين الناس من دخول ملكوت السماوات. توضح قرينة مناشدة بطرس أن المسيحيين الذين يكابدون الاضطهاد من أجل شهادتهم التَقَوية (راجع 1بطرس 1: 3-7؛ يعقوب 1: 2، 12)، يستفهم منهم جيرانهم الوثنيون من حين إلى آخر عن “سلوكهم الغريب” في ظروف صعبة كهذه.

ومتى حصل هذا بموجب تدبير إلهي، على المسيحيين أن يكونوا قادرين على الإفصاح عن الأساس العقلاني وراء رجائهم المسيحي. على أن جوابهم هذا يجب أن يتضمن تصريحاً واضحاً عن نشاط الله الفدائي من خلال عمل يسوع المسيح الخلاصي.

إذاً من الواضح أن المسيحي لا يستطيع تجنب القيام بدفاع ذكي وفطن عن الإيمان المسيحي، إن كان مطيعاً للأسفار المقدسة. الدفاع المقنع والقوي الحجة عن الإيمان المسيحي أبعد من ألا يتلاءم مع هذا الإيمان، بل هو في الواقع مطلوب منه. هذا لا يسوغ بالطبع، إمكانية اعتماد أية وسيلة وكل أسلوب في معرض الدفاع هذا.

فمن الواضح أنه لا يمكننا الدفاع عن اقتناعاتنا الدينية بواسطة العنف. ولا يترتب علينا ابتكار أسلوب دفاعي لا ينسجم مع المضمون نفسه للإنجيل الذي نركز به. والمقصود قوله هنا هو: إن كان الإيمان المصلح هو في الواقع الإيمان الذي تعلمه الأسفار المقدسة، يتحتم في هذه الحال على المدافع المصلح تطوير واعتماد نظام دفاع مصلح، أي اسلوب مصلح للدفاع عن الإيمان المصلح. هذا من قبيل الانسجام مع أنفسنا.

مكان علم الدفاع ضمن الموسوعة اللاهوتية

الغرض الأساسي وراء علم الدفاع، هو دعم صوابية الالتزام المسيحي. إلا أن الطريقة المحددة للقيام بهذا تختلف بين مدافع وآخر وتتوقف إلى حد كبير على نظرة المدافع إلى علم الدفاع كداعم للموسوعة اللاهوتية ككل. يقسم هذا العلم عادة إلى أربعة مواضيع أو دوائر، أي التفسيري، والتاريخي، والنظامي، والعملي.

وبموجب هذا الترتيب، قام كل من “ف. شلايرماخر”، و”ج.هـ. أ. إيبراود”، و”ب.ب. وارفيلد”، و”ف. رز بياتي”، ونادوا بضرورة إنشاء دائرة لعلم الدفاع على أن تسبق الدوائر الأربع الأخرى كموضوع منفصل، يجب أن تقوم بعملها أولاً وباستقلالية تامة، لأنها ببساطة تعد المادة التعليمية الوحيدة التي “لا تفترض مسبقاً أي شيء”.

فقبل أن تتمكن أي من المواد التعليمية الأخرى من تحقيق نتائجها، يترتب على دائرة علم الدفاع أن تؤكد وجود الله، والطبيعة الدينية للإنسان، وحقيقة الإعلان، والأصل الإلهي للمسيحية، وموثوقية الكتاب المقدس. وإلا فاللاهوتي النظامي مثلاً، وبعد شرحه النظام المسيحي، قد يكتشف أنه كان يتعامل كل الوقت مع أوهام. بالمقابل وعلى نقيض ذلك، فإن كلاً من “ابراهام كوبير”، و”هرمن بافينغ”، و”فالنتاي هب”، و”لويس برخوف”، يحاججون في ضرورة أن يلي علم الدفاع علم اللاهوتي النظامي.

وإلا في حال سمح للمدافع بإرساء قواعد كل من إمكانية وجود اللاهوت المسيحي وافتراضاته المسبقة، فالمدافع المسيحي في هذه الحال قد نسب فعلياً للإنسان الساقط العامل بمفرده من دون مساعدة، القدرة على تقرير حق المسيحية بمعزل عن الإعلان. ففي هذا تنكر ضمني للعقائد الكتابية المختصة بفساد الإنسان وعجزه عن معرفة الله بمعزل عن المعونة القوية التي تأتيه أب إكسترا (“من الخارج”) أو أنوثن (“من فوق”).

إلى ذلك، يصر هؤلاء اللاهوتيون على أنه يتوجب على أحدنا أولاً تقرير أي إله الذي تنادي به المسيحية قبل أن يكون بوسعه التساؤل حقاً وبطريقة ذكية إن كان هكذا إله له أي وجود. بكلام آخر، على المدافع أن يعنى بما هي عليه المسيحية. كما أنه يهتم في الوقت عينه، على أقل تقدير، إن لم نقل قبل ذلك، بمسألة صحتها.

من الواضح أن التعريف بعلم الدفاع المسيحي، كما فعلت قبلاً، على كونه الدفاع عن الإيمان المسيحي، يجعلني أتفق مع “كويبر” وآخرين على ضرورة أن يترافق علم الدفاع أو يلي تلك المواد التعلمية التي تقرر مضمون الإيمان المسيحي. يبدو هذا المنحنى أيضاً الأكثر منطقية، بما أن على المرء معرفة ما يدافع عنه قبل الإقدام على ذلك. إن كان يبدو، أو متى بدا أن علم الدفاع المسيحي من حين إلى آخر يسبق المواد التعليمية الأخرى، أحاجج في أنها تفترض مسبقاً حقائق الإعلان الخاص في اللاهوت النظامي ونتائجه.

أوجه المهمة الدفاعية

المهمة التي تواجه المدافع المسيحي في معرض دفاعه عن الإيمان المسيحي تقع تحت أربعة عناوين:

1 – الرد على اعتراضات محددة

غالباً ما يجد المدافع المسيحي نفسه وهو يواجه اعتراضات محددة تثار ضد الإيمان المسيحي، من صنف وجود تناقضات مزعومة بين التصريحات الكتابية يترتب عليه إيجاد حل لهكذا تناقضات ونزع الاعتراض على أساس البحص العلمي والتفسير الدقيق. هذا العمل الجاد من شأنه تشديد الأمناء وتقويتهم. ورفع العوائق التي تقف في سبيل المشكك وتحول دون إكمال بحثه عن الحق.

كما أنه ينزع سلاح المعارضة التي قد تبدو لأول وهلة في محلها، وذلك من خلال اسكات اعتراضات، ومفاهيم مغلوطة، وأمور غير دقيقة يراعيها المشكك في ذهنه حول المسيحية هذه المهمة ليس حكراً فقط على علم الدفاع وحده. او إن كان أحدنا يفضل حصر هكذا مهمة ضمن نطاق علم الدفاع، فمن الضروري الإقرار بأن هنا تكمن مهمة علم الدفاع بالمعنى الأوسع. هذا لأن كل واحدة من دوائر الموسوعة اللاهوتية يجب أن تشرك نفسها في تنفيذ هذه المهمة.

سوف يطور المختصون في العهد القديم وفي العهد الجديد، ردوداً دفاعية على النقد المدمر للنص الكتابي وتعلميه. وعلى النظريات المعادية له. “ج. غريشام ماشين”، استاذ العهد الجديد في كلية اللاهوت “برينستون” مثلاً، دافع بشكل مقنع عن الإيمان المسيحي، لدى كتابته دراستيه الرائعتين The Virgin Birth (الولادة العذراوية)، وThe Origin of Paul’s Religion (أصل ديانة بولس). وكلاهوتي نظامي، سوف أدافع في النص الأول من هذا الكتاب عن حقيقة وتاريخية بعض الأحداث المركزية في المسيحية.

من صنف قيامة المسيح في الجسد في اليوم الثالث بعد صلبه. وصعوده إلى السماء، وولادته العذراوية، وعجائبه المقتدرة، وهداية بولس الخارقة وفوق الطبيعية على طريق دمشق. بالمقابل، سيحرص المؤرخ الكنسي على كشف وتصحيح أية قراءة مغلوطة للتاريخ الكنسي على حساب مصداقية الإيمان المسيحي.

غير أنه من المحتمل أكثر أن ردوداً مباشرة كهذه اعتراضات وصعوبات محددة تثار على الإيمان المسيحي، تكون ممكنة فقط في بداية أية محادثة مع غير المؤمن. فيرجح أن تنتقل المسألة سريعاً وتتحول إلى مقدمات منطقية جوهرية أكثر، بل في الواقع ذات بعد نهائي وحاسم. ثم تدعو الحاجة إلى ما هو أكثر من هذا. فالدفاع عن الإيمان سيجند نفسه على المستوى الأعمق للفرضيات المسبقة، حيث علم الدفاع كمادة تعليمية مستوحاة من الفلسفة أو المعرفة تثبت وجودها على أكمل وجه. هذا ما سأتناوله في النصف الثاني من الكتاب.

2 – للإخبار عن أساسات الإيمان المسيحي

على المستوى الأعمق للمقدمات المنطقية ذات البعد النهائي، أو المسائل الأساسية، غالباً ما يتطرق المدافع المسيحي إلى مسائل من صنف:

– هل الله موجود؟

– هل أعلن عن ذاته؟ إن كان نعم، أين وكيف؟

– لماذا أومن بهذه الأمور؟

– كيف أعرف أن ما أومن به هو صحيح؟

ما إن ترى هذه الأسئلة على أنها تقع بالتحديد في مكانها الصحيح ضمن نطاق علم الدفاع المسيحي، يصبح من الواضح أن علم الدفاع المسيحي كمادة تعليمية، غالباً ما يستلزم تمريناً في اللاهوت الفلسفي، كما أنه يأخذنا إلى نطاق فلسفة المعرفة.

في ضوء هذه المهمة المنوطة بعلم الدفاع المسيحي، يجب أن يكون من الواضح أن الحوار الدفاعي لن يقتصر دائماً على مجرد إعلان لمضمون الإنجيل. بالطبع، على المدافع افتراض طيلة فترة عمله، ما تتمتع به كل مشورة الله في الأسفار المقدسة من مصداقية بالكامل، كما أنه سيستقي من فطنتها في الطريق، من دون أي تردد.

سوف يُشير غالباً إلى الحقائق المختصة بالله، والخطيئة، وعمل المسيح، والخلاص. لذا، مما لا شك فيه، سيبدو أحياناً بالنسبة إلى غير المسيحي أن المدافع يكتفي “برمي صخور من الإنجيل على نفسه”. بالطبع، بمعنى من المعاني، سيفعل هذا. إلا أن الدفاع الكتابي عن الإيمان، مع شموله لمضمون الإنجيل، سيعنى أيضاً بأسئلة الدين الأكثر عمقاً، وسيسعى لبرهان كيف أن الإيمان المسيحي وحده يقدم إجابات عقلانية لها.

3 – لتحدي الأنظمة غير المسيحية

إن بعضاً من أوائل آباء الكنيسة بعد العصر الرسولي، عرفوا باسم “المدافعين” (يوستينوس الشهيد، تاتيانوس، إيريناوس، أثيناغوراس، وثيوفيلوس الأنطاكي). هؤلاء، حاولوا الرد على تعم موجهة ضد المسيحيين من صنف أكل لحوم البشر، وممارسة الفجور. لكن بدا تدريجياً أن أي دفاع عن الإيمان، يجب أن يبنى على التوكيد الإيجابي للإيمان المسيحي وانعكاساته على الأنظمة غير المسيحية (راجع كتاب أغسطينوس “مدينة الله”).

في الآونة الأخيرة، قام بعض المدافعين الأكثر تبصراً من سواهم ومن رؤيتهم للمهمة الدفاعية هي أكثر انتظاماً مسيحياً من سواهم، هؤلاء لم يكتفوا بالرد على اعتراضات غير المؤمنين، بل فضحوا أيضاً اللاعقلانية الكامنة داخل أنظمة التفكير غير المسيحية. كما أنهم تحدوهم أن يسوغوا من زاوية فلسفة المعرفة وجودهم نفسه ناهيك أيضاً بتصريحاتهم العقيدية التي لا أساس لها.

هذا الهجوم الإنجيلي بقيادة رجال من صنف “كرنيليوس فان تل”، وعوردو هـ كلارك”، و”كارك ف. هـ هنري”، و”فرنسس شايفر”، هو الذي تحدى العديد من اللاهوتيين الأصغر سناً للوقوف بالكامل على الانحراف الذي شهده الفكر الحديث، وكشف النقائص الكامنة داخل أي نظام يرفض أن يجعل كأساسه كلمة الله الآتية إليهم من العالم الروحي غير المنظور، وفضح عدميته من زاوية فلسفة المعرفة.

4 – لإقناع الناس بادعاءات الحق في الإيمان المسيحي

كنتيجة طبيعية للاهتمامات السابقة، يبقى القصد النهائي من علم اللاهوت المسيحي هو اقناع الناس بادعاءات الحق في الإيمان المسيحي. هذا الجانب من المهمة الدفاعية يبين ضرورة ألا يعتمد علم الدفاع المسيحي الأسلوب الصحيح في ضوء فلسفة المعرفة وحسب، بل أن يكون أيضاً في جوهره تبشيرياً وكرازياً.

المدافع المسيحي، وبالرغم من إدراكه بالكامل لسقوط الإنسان ولما للخطيئة من تأثيرات وخيمة في الذهن[3] وعجزه الشخصي عن أقناعه الناس بمعزل عن عمل الروح القدس المجدد، فإنه يبقى يسعى لتقديم، بشكل مقنع، الإيمان المسيحي من كل أوجهه وفي كامل جماله وكوحدة هامة من الحق منسجمة مع نفسها ومتماسكة، والتي تعرض وحدها أساساً عقلانياً لفهم الإنسان وكونه.

بكلام آخر، كما أن المدافع المسيحي سيعمل على دمج مضمون الإنجيل في أي أسلوب دفاعي مصمم بشكل صحيح، هكذا أيضاً سينظر بوعي ذاتي إلى مجهوداته الدفاعية ببساطة كجزء من التبشير المسؤول!

المسألة الرئيسية التي تواجه علم الدفاع المسيحي

أهم مسألة تواجه المدافع المسيحي هي التي تتعلق بالأسلوب: فهل على المدافع في سعيه للدفاع عن الإيمان وإقناع غير المؤمن بادعاءات المسيحية بالحق أن يجادل باتجاه الإعلان الخاص او منه؟[4] أو بكلام آخر، هل على المدافع المسيحي أن يبدأ دفاعه عن الإيمان واقفاً داخل دائرة الإعلان، أم هل يقف مع غير المؤمن خارج دائرة الإعلان؟ علم الدفاع البرهاني/ التاريخي يأخذ على عاتقه برهان أساسات الإيمان من دون افتراض وجود أي إعلان خاص، أي أنه يسعى لتثبيت بواسطة موجبات تحاكي المنطق البشري بمعزل عن نور الإعلان الخاص (1) وجود الله و(2) حقيقة الإعلان المسيحي.

إنه في سعيه هذا لعرض هكذا برهان، يعد بمثابة شكل منهجي من اللاهوت الطبيعي[5]. بالمقابل، علم الدفاع العقيدي أو المبني على الافتراض المسبق بأن المسيحية تشكل وحدها الأساس الوحيد للتفكير العقلاني (أنا أفضل تسميته ببساطة “علم الدفاع الكتابي”) يندرج، بلا خجل، ضمن دائرة الإعلان الخاص ويحاجج من موقعه هذا في (1) الكفاية بلا جدل من الزاوية الإيمانية ومن زاوية فلسفة المعرفة، للمفهوم المسيحي المختص بالعالم وبالإنسان، و(2) استحالة كل ما هو معاكس لهذا.

رد أحدنا على هذه المسألة الأساسية والهامة، سيظهر بوضوح في كل المسائل الأخرى المرتبطة على نحو خاص بعلم الدفاع المسيحي، والتي هي من صنف:

– ما هي طبيعة الإعلان العام وما هو عمله؟

– ما هي طبيعة الإعلان الخاص وما هو عمله؟

– للخطيئة نتائجها الوخيمة: أية أهمية تكتسبها هذه الحقيقة على مدى قدرة الإنسان على معرفة الله؟

– ما هي صفة الإيمان؟

– ما هو امتحان الحق؟

– أي صنف من التأكيد تقدمه المسيحية؟

– أية قيمة تكتسبها البراهين المبنية على الإيمان بالله؟

– أية قيمة تكتسبها الأدلة المسيحية؟

– ما هي طبيعة القاسم المشترك بين المؤمن وغير المؤمن، والتي تصلح كنقطة تواصل في معرض المحادثة الذكية بينهما؟

الأنظمة الدفاعية الرئيسة

المنهجية التي يعتمدها المدافع، أملت عليه ردوده، بشكل منتظم، على الأسئلة التسعة أعلاه. لذا، ما إن تحسم المسألة الرئيسة حتى تميل الأنظمة الدفاعية، بموجب ردودها، إلى الإندراج ضمن الفئات الأربع المميزة التالية:

1 – النظام المبني على الدلائل، غالباً ما توصف منهجيته بواسطة العبارة اللاتينية “إنتليجو إي كريدو” (“أنا أفهم وأومن”).

تركز هذه الفئة على شكل ما من منهجية اللاهوت الطبيعي يصلح كنقطة البداية لعلم الدفاع. أما خصائص هذه الفئة فهي: (1) الإيمان الصادق بقدرة المنطق البشري وموثوقيته في معرض بحثه عن المعرفة الدينية؛ (2) بذلك جهد لتأسيس الإيمان على حجج تستند إلى الاحتمالات ومبنية على حقائق اختبارية و/أو تاريخية للتحقق منها؛ و(3) الإصرار على اخضاع الحقائق الدينية المطلقة لأسلوب التحقق نفسه المعمول به مع التأكيدات العلمية، أي للبرهان العملي.

التقليد الأكويني ضمن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، والتقليد غير المنتظم والمبني على الدلائل ضمن الكنيسة المصلحة، يشكلان مع التقليد الأرميني ممثلين عن هذا النظام.

2 – النظام المبني على الفرضية المسبقة بأن المسيحية تشكل وحده الأساس الوحيد للتفكير العقلاني (أو النظام المؤسس على الكتاب المقدس أو الكتابي)، غالباً ما توصف منهجيته بواسطة العبارة اللاتينية “كريدو أُت إنتليجام” (“أنا أومن لكي أفهم”).

هذه الفئة تفترض مسبقاً إعطاء أولوية للإعلان الخاص كأساس للعملية اللاهوتية. خصائص هذه الفئة هي: (1) الاقتناع بأن مخافة الرب تسبق فهي أي شيء آخر (أمثال 1: 7)؛ (2) الاقتناع بأن هذا النظام يقوم على التزام الإيمان الذي يتحكم بهذا النظام؛ (3) الاقتناع بضرورة تأسيس الاختبار الديني على كلمة الله الموضوعية وعلى عمل المسيح الموضوعي.

(4) الاقتناع بأن حالة الفساد التي يتخبط فيها الجنس البشري قد جعلت المنطق المستقل بحد ذاته، عاجزاً عن إرساء ادعاءاته بالحق بشكل مرض على أي شيء أكيد بتجرد وموضوعية؛ و(5) الاقتناع بأن فعل تجديد من نوع خاص بالروح القدس لا غنى عنه للإيمان المسيحي وللتنوير. التقليد المنتظم ضمن الكنيسة المصلحة، يمثل هذه الفئة.[6]

3 النظام التجريبي، غالباً ما توصف منهجيته بواسطة العبارة اللاتينية “كريدو كيا أبسردم إست” (“أنا أومن لأن الأمر عبثي”).

هذه الفئة، التي لا تبنى على الدلائل ولا على الفرضيات المسبقة، تشدد على الاختبار الديني الداخلي كالأساس للبنية اللاهوتية. أما خصائص هذه الفئة فهي: (1) الإصرار على الإعلان “كمقابلة” خالية من الحقائق المطلقة؛ (2) التشديد الكبير على الاختبار الديني الشخصي وغير الموضوعي كأساس للحق والمعنى، مع العلم أنه يصار إلى التعريف بالحق والمعنى من الزاويتين الداخلية والشخصية؛ (3) الإصرار على الطابع التناقضي للتعليم المسيحي، بمعنى أن الحق المسيحي غير قابل للتحليل العقلاني؛ و(4) التركيز الشديد على “غيرية” الله وتساميه واختفائه في الاختبار الديني.

من جمله الممثلين عن هذه الفئة، ثمة التقليد الأرثوذكسي المستحدث وجماعة من لسان حالهم: “كنت هناك لدى حصول ذلك، وأعرف بالتالي، مع ألا أحد آخر قد يعرف ذلك”.

4 – الحركة الإنسانية المستقلة، غالباً ما توصف منهجيتها بواسطة العبارة اللاتينية “إنتليغو أت كريدم” (“أنا أفهم لكي أتمكن من الإيمان”).

الفئات الثلاث الأولى، إلى جانب مساعيهم لإقناع بعضهم بعضاً، يعملون على إقناع هذه الفئة الرابعة من المفكرين، الذين لا يتظاهرون أبداً بأنهم حتى متدينون، بادعاءات كل فئة منهم. أما خصائص هذه الفئة فهي: (1) إنكار كامل وتام لأية حاجة إلى الله أو إلى الإعلان الإلهي كأمرين ضروريين لفهم كل من العالم وطبيعة الإنسان؛ (2) الثقة الكاملة بالعملية العقلانية البشرية وبعلومها لاكتشاف كل معرفة؛ (3) الاقتناع بأن ما يلزم الإيمان به لكونه حقاً، هو الذي يقتصر فقط على ما يشبع مستلزمات المنطق المستقل؛ و(4) رفض المسيحية الكتابية او الفوق الطبيعية.

هذا كله، ليس أقل أو أكثر من الحركة الإنسانية المناهضة لكل ما هو خارق أو فوق الطبيعة. والممثلون عن هذه الفئة هم الموقعون على “المانيفستو I” أو البيان الرسمي الأول للحركة الإنسانية و”المانيفستو II” أو البيان الرسمي الثاني للحركة الإنسانية. لكن وللأسف، بعض المدافعين المسيحيين، وفي محاولتهم البلوغ إلى هذه الفئة، يسلمون عن غير قصد منهم بالشيء الكثير من الأمور التي تميز دعاة الحركة الإنسانية، وتدعمهم في تمردهم على الله.

هذه الملاحظات تكفي كمقدمة لموضوعنا. من جهتي، أعرف بعلم الدفاع المسيحي على أنه الدفاع عن الإيمان المسيحي؛ لكنه دفاع غالباً ما يفترض اتخاذ مبادرة لتحدي أنظمة التفكير المناهضة لضرورة تسويغ حتى وجودها بحد ذاته في ضوء فلسفة المعرفة. يفترض هذا التعريف أن تكون الدوائر التفسيرية، والتاريخية، والنظامية من اللاهوت، قد أنجزت عملها وأن نظام الحق المسيحي قد جرى استخراجه بشكل كاف من الأسفار المقدسة ومن ثم التعبير عنه. أيضاً، علم الدفاع مدعو إلى الدفاع عن ذلك النظام.

هذا يعني أن المدافع المصلح لن يكتفي بمجرد الدفاع عن قطع الصورة على “علبة الأحجية” الخاصة بالإيمان المسيحي كقيامة المسيح في الجسد أو اهتداء الرسول بولس على طريق دمشق، بل سوف يقدم على دفاعات كهذه، وهذا ما سنفعله نحن بدورنا. لكن المدافع المصلح، وبموجب اقتناعه بأن الكتاب المقدس يعلم بنظام يقر “بالوجود الإلهي بالكامل”، أي بنظام من الحق شامل لكل الحياة من زاوية النظرة إلى العالم وإلى الحياة، الـ ولتانشونغ، يؤمن بأن الإيمان المسيحي بأكمله، من الضروري الدفاع عنه أخيراً.

لأن علينا ألا ننسى أن أحداث الـ كريغما، أي الكرازة المسيحية، لم تحصل بمعزل عن الرواية الأوسع[7] للأسفار المقدسة، حتى انها ستفسر خطأ بكل تأكيد ما لم نحرص على ابقائها ضمن تلك الرواية الأوسع.

أعتقد مع “كرنيليوس فان تك” أنه يترتب علينا “جعل رسالة الصليب ضمن إطار [الأسفار المقدسة ككل]، لأننا إن كنا لا نفعل ذلك. فلا نكون عندئذ كارزين حقاً وبالكامل بيسوع وبالقيامة. ذلك لأن الحقائق المختصة بيسوع وبالقيامة هي ما هي عليه فقط ضمن إطار عقائد الخلق، والعناية الإلهية، ونهاية التاريخ في الدينونة الأخيرة”[8].

لكن هذا يعني أننا “إن كنا ندافع عن المسيحية كدياننة تاريخية، فعلينا في الوقت عينه الدفاع عن الإيمان بوجود الله. هذا الأمر الذي يشكل أساساً لها”[9].

لا يزال هناك أمر واحد من الضروري ذكره قبل أن أختم هذا الفصل التمهيدي. فبصفتي لاهوتياً مصلحاً، أنا مقتنع بأن الإيمان المصلح يقد أفضل تعبير متماسك عن المسيحية الكتابية. اعتبر الدفاع عن الإيمان المصلح واجباً جليلاً بشكل ينسجم مع ذلك الإيمان. بكلام آخر، على اللاهوتي المصلح أن يكون مدافعاً مصلحاً.

عليه ألا يصبح أرمينياً في دفاعه عن الإيمان. يحتاج أيضاً أن يكون دائماً خلال تقديمه لدفاعه. صاحب وعي ذاتي من زاوية فلسفة المعرفة. بكلام آخر، عليه ألا ينسى هويته بالإيمان. وما يؤمن به. أقصد بذلك القول إن المدافع المصلح من خلال تقريره لكل من مضمون الإيمان المصلح وللأسلوب الصحيح للدفاع عن ذلك الإيمان، يترتب عليه أن يكون كتابياً راديكالياً. عليه التحفظ من اعتماد أي أسلوب للدفاع عن الإيمان من شأنه إضعاف حتى أدنى جزء من مضمون ذلك الإيمان.

سنوضح ما نقصد في سياق الفصول التالية إذ نتناول أولاً التسويغ للإيمان المسيحي ككل (الفصل الثاني)، ثم للكتاب المقدس ككلمة الله (الفصل الثالث). من ثم سنتطرق إلى الدليل[10] على حقائق وتاريخية أربعة من الأحداث المركزية للإيمان المسيحي: قيامة يسوع المسيح في الجسد (الفصل الرابع)، ولادته العذراوية (الفصل الخامس)، معجزاته العظيمة (الفصل السادس)، واهتداء بولس على طريق دمشق (الفصل السابع).

في الفصلين التاليين (الثامن والتاسع على التوالي) سنتطرق إلى المنهج الدفاعي لـ “بنيامين ب ورفيلد” (المعروف أحياناً باسم “أسلوب الدفاع برنستون القديم”) والمنهج الدفاعي الذي يعتمد الفرضية المسبقة بأن المسيحية تشكل الأساس الأوحد للتفكير العقلاني (والذي أفضل أن أسميه “الكتابي”).

ثم سنتناول بعضاً من انعكاسات هذه النظام الأخير على الإيمان والحياة لدى اعتبار الكتاب المقدس الأساس الكافي والوافي وحده للمعرفة وللأهمية الشخصية (الفصل العاشر)، طبيعة الحق الكتابي (الفصل الحادي عشر) والقيمة الدفاعية للآداب المسيحية المبنية على الإيمان بوجود الله (الفصل 12). وسنختم من خلال المحاججة في ضرورة اعتمادنا المنهج الدفاعي لبولس، في معرض سعينا لتبشير الناس بالمسيح في جيل ما بعد الحداثة هذا (الفصل الثالث عشر)، قبل أن ننهي بخاتمة.

 

[1] لوقا 12: 11؛ 21: 14؛ أعمال 19: 44؛ 1: 22؛ 24: 10؛ 25: 8، 16؛ 26: 1، 2، 24؛ رومية 2: 15؛ 1كورنثوس 9: 3؛ 2كورنثوس 7: 11؛ 12: 19؛ فيليبي 1: 7، 16؛ 2تيموثاوس 4: 16؛ 1بطرس 3: 15؛ راجع أيضاً رومية 1: 20؛ 2: 1.

[2] اللفظة اليونانية المترجمة “سبب” هي logon المشتقة من logos، حيث جذرها يتضمن فكرتي العقلانية والمنطق، وذلك بمعزل عن ترجمتها إلى “كلمة”، أو “شرح”، أو “خطاب”، أو “جملة”….

[3] إن سقوط الإنسان بحسب تكوين 3 من حالة الاستقامة (Status Integritaitis) التي كان قد خلق فيها، إلى حالة الراهنة من الفساد الأدبي (Status Corruptionis) لم يجعل البشرية تتخبط في حالة من السقوط والعجز عن تغيير هذا السقوط وحسب (رومية 1: 18-32؛ 3: 10-18؛ 5: 12-19؛ 8: 7، 8؛ 1كورنثوس 2: 14؛ أفسس 4: 17-19) بل أيضاً في حالة من المذنوبية الحقيقية أمام الله من جراء خطيئتها. إن سبباً رئيسياً وراء عجزه عن تغيير وضعه هو ما خلفته الخطيئة من نتائج وخيمة على تفكيره.

وعلى إثر ذلك، بات الناس يسلكون “ببطل ذهنهم، إذ هم مظلمو الفكر، ومتجنبون عن حياة الله لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم” (أفسس 4: 17، 18). إن بحثاً في العمق لنتائج الخطيئة الوخيمة، يمكن العثور عليه في المرجع التالي بقلم “ابراهام كويبر”:

Principles of Sacred Theology (Grand Rapids, Eerdmans, n. d.), 106-14.

هناك، يظهر أن الناس وهم يبنون علومهم، وبسبب نتائج الخطيئة على الذهن الساقط، عليهم التسليم باحتمالات أن يشوب كل ذلك، الكذب والباطل، والأخطاء غير المقصودة، وخداع الذات، اقتحام الأوهام للمخيلة، وتأثيرات سلبية مقصودة مصدرها أذهان أخرى، مثلاً في حقل التربية على ذهن العالم، والضعف الجسدي الذي يؤثر في الذهن البشري ككل، وعلاقات الحياة غير المنظمة، والمعلومات المغلوطة وغير الدقيقة والتي جرى تعلمها في مجال ما من الحياة وتأثيرها في أفكار من مجالات أخرى، والمصلحة الذاتية البشرية، والوهن الذي يفتك بالطاقات الفكرية، وظلام الوعي، والفوضى الداخلية التي تضرب التجانس في الحياة، وفقدان المعرفة المعلنة لله المتعالي، والتي على أساسها يكون بإمكان أحدنا إدراك الكون وإدراك نفسه.

والآن يجب أن يواجه الناس، في نظر “كويبر”، إمكانية أن تقودهم أي من تأثيرات الخطيئة هذه. أو جميعها إلى الجهل وذلك في معرض بحثهم عن المعرفة. لعل مثلاً كلاسيكياً على هذا هو “برتراند راسل”، الفيلسوف وعالم الرياضيات والحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1950، والذي كتب قبل مماته: “كل مجهودات العصور وكل إشراقة العبقرية البشرية في أبهى لمعانها، مصيرها الفناء والانقراض في موت النظام الشمسي الشاسع.

كما أن هيكل إنجازات الإنسان بأكمله يجب، بشكل لا مفر منه، أن يدفن تحت أنقاض كون في حالة دمار”. كم هو مأساوي هذا الكلام! كل عظمة “راسل” الخالية من الإيمان. إلى أين قادته؟ هل إلى الله، وإلى تعزياته الأبدية؟ كلا، لقد كان ملحداً صراحة، وكملحد ما أقل ما نفعه كل علمه في نهاية المطاف!

[4] من خلال العبارة “الإعلان الخاص” أشير إلى الكتاب المقدس على أنه ما يفترض بأنه إعلان الله عن ذاته. فكل من المدافع الذي يبني على البراهين، والذي يفترض مسبقاً كون الإيمان المسيحي هو الأساس الأوحد للتفكير العقلاني، سيعتمدان كليهما الكتاب المقدس في تعاملهما مع غير المؤمن، لكن الأول ينظر إلى الكتاب المقدس في البداية كوثائق من القرن الأول جديرة بالثقة على وجه العموم. فيما الأخير يستخدم الكتاب المقدس منذ بداية حججه بصفته كلمة الله الموحى بها.

[5] أقصد بـ “اللاهوت الطبيعي المنهجي” ذلك الأسلوب اللاهوتي حيث المقدمة الفلسفية “لقصة أولى” تبنى أولاً بالمنطق الطبيعي العامل بشكل مستقل مع ما يوصف بـ “المعلومات المحايدة”. بعد هذا توضح على هذا “قصة ثانية” مجموعة من المعتقدات المشتقة من الإعلان الخاص. في هذا الصنف من “اللاهوت الطبيعي”، الإعلان المسيحي الذي لا يُقصد منه إزاحة المقدمة الفلسفية أو العمل كأساس لها، يفترض مسبقاً وجود المقدمة الفلسفية، وعلى ما يبدو تثبتها وتكملها.

[6] عنوان هذا الكتاب “الإيمان وموجباته المنطقية” وعنوان الكتاب المصلح التابع للنظام المبني على الدلائل “جون هـ غرستنر” Reasons for Faith (“موجبات الإيمان”) يسلطان الضوء على الفرق بين المنهجيات الدفاعية المصلحة المنتظمة وغير المنتظمة على التوالي من خلال عكس اللفظتين.

[7] إن كانت علوم ما وراء الطبيعة (metaphysics) تعد أحد أشكال “الفيزياء الكبرى” والتي تفسر جميع الشعب الأخرى للفيزياء. هكذا أمر الرواية الأوسع التي هي بمثابة “القصة الكبرى” التي تشكل القرينة لكل “القصص الصغرى”

[8] Cornelius Van Til, Paul at Athens ( a Pamphlet Published by Lewis J. Grotenhuis; Phillipsburg, New Jersey, n. d.)13.

[9] Cornelius Van Til, The Defense of the Faith (Philadephia: Prebyterian and Reformed, 1955), 24.

[10] آمل من خلال هذه الفصول الأربعة، دحض المفهوم المغلوط عند الذين يرتكزون إلى الدلائل في دفاعهم، ومفاده أن دعاة الفرضية المسبقة بأن المسيحية تشكل الأساس الأوحد للتفكير العقلاني (أو “الكتابيين”) غير معنيين بالدلائل على الإيمان المسيحي، بما أن هذا ببساطة غير صحيح. فمناصرو هذه الفرضية المسبقة، يستخدمون بانتظام الدلائل على الإيمان المسيحي في معرض مساعيهم الدفاعية.

إلا أنهم لا يستخدمونها تحت شكل احتمالات، الأمر الذي يسمح لغير المؤمن باستخلاص كون الدليل، في أفضل حالاته، يبرهن أن المسيحية يرجح فقط أن تكون صحيحة. شكل هذا خطأ فادحاً ورئيسياً لأسلوب الدفاع “برنستون القديم” ولا يزال يعد خطأ فادحاً ورئيساً لأسلوب الدفاع المبني على الدلائل اليوم. الغلطة الرئيسة في هكذا نظام دفاعي، هو افتراض أن لدى غير المؤمن بما يكفي من الصدق لتفحص الدليل بشكل عادل.

علم الدفاع المسيحي – ما هو وما مكانته – بحث شامل