Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

وحدة الكتاب المقدس – بحث عملي تدريبي لدراسة الكتاب المقدس

وحدة الكتاب المقدس – بحث عملي تدريبي لدراسة الكتاب المقدس

وحدة الكتاب المقدس – بحث عملي تدريبي لدراسة الكتاب المقدس

وحدة الكتاب المقدس – بحث عملي تدريبي لدراسة الكتاب المقدس

المبدأ الإرشادي: قارن الكتاب المقدس ببعضه البعض لإلقاء الضوء على كل مقطع، واكتشف وحدة تعاليمه.

مقدمة

حيث أن الكتاب المقدس حق وصحيح في كل أجزائه، فعندما نقوم بدراسة مقطع معين، يجب على الدارس أن يسعى لوحدة ذلك المقطع مع كل التعاليم الكتابية الأخرى المرتبطة به. فلا يصلح أن نحدد معنى مقطع بصورة مستقلة عن بقية الكتاب المقدس. في بعض الحالات، عندما نقوم بذلك، يمكننا أن نجد تعليماً كتابياً يتناقض مع تعليم كتابي آخر دون مبرر. لكن بدلاً من ذلك، يجب على الدارس أن يتعامل مع الكتاب المقدس باعتباره أفضل شرح للكتاب المقدس نفسه.

وكما قال المصلحون، يجب أن يتم تفسير الكتاب المقدس بواسطة الكتاب المقدس نفسه. فعندما نقارن مقطعاً ندرسه بمقاطع أخرى فإن ذلك في الأغلب سيقوم بتوضيح المعنى وتصحيح سوء الفهم الأولي، أو بتكميل التعليم كجزء من الكتاب المقدس ككل.

فمثلاً، عندما نكتشف أن “ملكوت الله” يستخدم بواسطة واحد من كاتبي الأناجيل، وفي نفس القصة يتحدث كاتب إنجيل آخر عن “ملكوت السماوات”، فإن معنى كلا المصطلحين يصبح أكثر وضوحاً (انظر متى 13: 31 ومرقص 4: 26-31). فهذه المصطلحات يجب ألا تعني شيئاً مختلفاً عندما يستخدمها المؤلفون المختلفون للكتاب المقدس كمترادفات. فالموعظة على الجبل مثلاً، لا يمكن أن ترجع إلى “ملكوت سماوات” في الماضي أو المستقبل مختلف عن “ملكوت الله”.

والأمر الآخر هو أنه يمكن للمرء أن يأخذ تعليم المسيح عن الصلاة المستجابة، “لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتهم باسمي” (يو 15: 16)، باعتباره وعداً غير مقيد. لكن دراسة التعاليم الأخرى الخاصة بالصلاة، في مقاطع أخرى، سوف تقوم بتصحيح الفهم الأولي الظاهر ووضعه في منظوره الصحيح كجزء من التعليم الكتابي الكامل عن الصلاة، خاصة فيما يتعلق بالصلاة المستجابة.

وهكذا، في سعينا نحو وحدة تعاليم الكتاب المقدس، لا بد أن نفكر في ثلاثة أنواع من النصوص الكتابية: المقاطع المتوازية، والأفكار المتشابهة، والأفكار المتضادة.

المقاطع المتوازية

المقاطع المتوازية هي عبارة عن مقطعين أو أكثر يرويان نفس الحدث أو يقدمان نفس التعليم. فمثلاً، عندما يتم رواية حديث ليسوع في اثنين من البشائر، فإن هذين المقطعين يعتبران متوازيان. كما أن نفس الحدث الذي يدون في صموئيل الأول أو الثاني أو في أخبار الأيام الأول أو الثاني، يعتبران متوازيان.

لذلك لا بد أن نقوم بدمج كل عناصر المقاطع التي تدون نفس الحدث لكي نصل إلى التوافق، بينما لا يكون هذا الأمر ضرورياً بالنسبة للمقاطع التي يكون بها تشابهات فقط. فعندما تحوي المقاطع فقط أفكاراً متشابهة، فإننا نسعى للمزيد من النور في تفسير كل مقطع، ولكننا يجب ألا نضع هذه المقاطع في توازي قاطع مع بعضها البعض.

المقاطع المتوازية بواسطة نفس المؤلف

الخطوة الأولى في تحديد المقاطع المتوازية هو البحث عن مقاطع متوازية بواسطة نفس المؤلف. إذ يميل المؤلف إلى استخدام نفس مصطلحاته وتعبيراته، وفي بعض الأحيان يكرر نفس التعليم. فمثلاً، مقارنة واحدة من رسائل بولس بأخرى يمكن أن تساعد كثيراً في تحديد معاني الكلمات والتعبيرات والمقاطع بأكملها. فأفسس 6: 5 – 9، وكولوسي 3: 22 – 4: 1، يلقيان الكثير من الضوء على أحدهما الآخر، إذ يتعامل كل من المقطعين مع موضوع السادة والعبيد.

فنتيجة الأمانة أو عدم الأمانة من جانب كل من العبد أو السيد يتم التعامل معه فقط من وجهة نظر إيجابية في أفسس، مما يجعل الأمر غامضاً بالنسبة لتعليماته إلى السادة. بينما في كولوسي يقدم بقوة ووضوح شديدين النتائج السلبية للفشل في تلك العلاقة “أيها السادة قدموا للعبيد العدل والمساواة” (كو 4: 1). وهكذا يقوم كل مقطع بإلقاء الضوء على معنى المقطع الآخر وتوسيع معناه.

المقاطع المتوازية بواسطة مؤلفين مختلفين

كل من الأحداث التاريخية في كثير من الأحيان بتغطية نفس الحدث. فصموئيل الأول والثاني، وملوك الأول والثاني، يمكن مقارنتهم بأخبار الأيام الأول والثاني في كل النقاط تقريباً. فقد تم كتابة أخبار الأيام الأول والثاني لتقديم تركيز أكبر على المعنى الروحي للأحداث التاريخية. فمثلاً، بشأن عقاب داود لعده لشعب إسرائيل، قد يعتقد البعض أن الدراسات الإحصائية لتحليل نمو الكنيسة هي ضد إرادة الله. لكن ذلك التفسير يصبح قابلاً للشك تماماً عندما تتم دراسة الروايات الموازية في صموئيل الثاني 24 وفي أخبار الأيام الأول 21، للحصور على صورة مجمعة لكل العناصر الداخلة في هذه العملية.

وفي العهد الجديد، تقوم الأناجيل برواية حياة المسيح من زوايا مختلفة. لذلك فعندما تتم دراسة نفس الحدث في أكثر من إنجيل، تزيد وتتضح أهمية هذا الحدث المحدد. فمثلاً، بالجمع بين روايات القيامة في الأناجيل المختلفة، فإننا نحصل على فهم هائل، ويمكن أن يساعدنا هذا الأمر في تصحيح الكثير من التفسيرات الخاطئة المحتملة لتلك الروايات لو أننا تعاملنا مع كل منها بمعزل عن الأخرى.

الأفكار المتشابهة

كثير من المقاطع لا تكون متوازية، من حيث أنها لا تروي نفس الحدث، لكن يكون لها نقاط متشابهة. على سبيل المثال، علم يسوع تلاميذه أنه “إن كان أحد يأتي إليّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً” (لو 14: 26). يعتبر هذا مقطعاً صعباً بالنسبة للناس في أي مجتمع، ولكنه يكون أصعب بوجه خاص في مجتمع شرقي، حيث تكون مشيئة الله بأن يكرم الأبناء والديهم هي في الأغلب الوصية العظمى.

إننا سنقوم فيما بعد بدراسة الإرشادات الخاصة بالتعامل مع التعاليم المتضادة، ولكننا عند هذه النقطة نلاحظ أن المعنى الذي يقصده المسيح يتضح عندما تتم مقارنته بالمقاطع الأخرى التي بها نقاط مشابهة. ففي متى 10: 37، يقول المسيح، “من أحب أباً أو أماً أكثر مني فلا يستحقني. ومن أحب ابناً أو ابنه أكثر مني فلا يستحقني” فعندما يتم مقارنة التعليمين معاً، يبدأ معنى “البغض” في الوضوح أكثر. فمن الواضح أن هذا التعليم له علاقة بالمقارنة، باختيار أن نعطي الأولوية لمتطلبات الله من حياتنا.

دعونا نفكر في مقطعين آخرين بهما بعض النقاط المتشابهة. يشير لوقا 14 إلى بغض النفس، ويوضح يوحنا 12: 25 هذه الفكرة. “من يحب نفسه يهلكها ومن يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها إلى حياة أبدية” يتضح أكثر فأكثر أن معنى “يبغض” لا يركز على مشاعر الشخص بل بالأحرى على اختياراته وسلوكه.

بهذه الخلفية من بعض المقاطع التي تتعامل مع موضوع البغض، بدأنا تدريجياً في التوصل إلى استنتاج أن هذا المصطلح يستخدم في بعض الأحيان في الكتاب المقدس لوصف علاقة ما، ويتم اختياره عن عند لغرض معين. ففي حالة العلاقات البشرية، يكون هذا الغرض هو مجد الله الأسمى، عندما يكون الاختيار هو بين حقوق الله وحقوق شخص آخر في علاقة بشرية. هذا بدوره يلقي بالضوء على التعليم بأن عيسو كان “مبغضاً” من الله (ملا 1: 2-3؛ رو 9: 13). لذلك فإن المقاطع التي تتعامل مع نفس الموضوع، وتلمس أفكاراً تتداخل معه، كثيراً ما تلقي بالضوء على معنى كل مقطع من هذه المقاطع.

عندما تتم دراسة أفكار متشابهة، يمكن اكتشاف حقائق يتم التشديد والتركيز عليها. فبعد قيامته من الأموات، عاد المسيح إلى موضوع الإرسالية العظمى مرات ومرات. وبذلك نعرف أن هذا الموضوع أبعد من أن يكون نص اثبات منفرد للمتطرفين المنحازين للإرساليات التبشيرية. فقد تحدث يسوع عن هذا الغرض لتلاميذه في الليلة التي قام فيها من الأموا (يو 20: 21)، وعلى جبل الجليل (مت 28: 18-20)، وعند عودته إلى أورشليم (لو 24: 46-48)، وعند صعوده (أع 1: 8).

وحتى لو تم تفسير مقطع لوقا بأنه حدث في نفس وقت رواية يوحنا (وهذا غير مرجح)، فإن مسؤولية الشهادة لا تزال هي الموضوع المحوري في كل مرة كان المسيح يلتقي بهم فيها. أضف إلى تلك المقاطع المقطع الشهير للغاية الخاص بالإرسالية العظمى (مر 16: 15)، ويكون لدينا بذلك تأكيد وتدعيم آخر لهذا الموضوع. وهكذا، كم يبدو هذا الموضوع مهماً عندما نقوم بتجميع كل هذه التعاليم المتشابهة في وحدة واحدة! فالحقيقة يبدو أن توازي هذا الموضوع مع إرسالية المسيح نفسه شخصياً هو الطريقة الوحيدة المناسبة لفهم غرض المسيح لأجلنا: “كما أرسلني الآب أرسلكم أنا” (يو 20: 21).

في بعض الأحيان يكون أمراً شديد الأهمية أن نعرف إن كان المقطعان هما حقاً روايتان متوازيتان، أم أن الروايتين مختلفتين لكن بهما نقاطاً متشابهة. فمثلاً، يصر بعض المفسرين على أن الموعظة على الجبل المدونة في متى 5-7 هي مقطع موازي للوقا 6، على أن كلاً من كاتبي الإنجيلين يسجلان نفس المناسبة. ولكن الحقيقة أن هناك اختلافات بينهما ولكنها لا تظهر على السطح، ففي المناسبة المدونة في متى، أعطى المسيح مبادئ عامة للتلاميذ.

لكن إن اعتبرنا التعليم المدون في لوقا مبادئ عامة، فإنه سيبدو عندئذ كما لو أنه يعلم كل الفقراء سعداء، بل حتى أنه يعلم أنك لو لم تصبح فقيراً، لا يمكنك أن تكون سعيداً. إلا أن كلاً من هذين الأمرين غير صحيح بالطبع، في ضوء كم كبير من التعاليم الكتابية الأخرى. لكن الصحيح هو أن بعض الفقراء سعداء بالرغم من فقرهم، وأن بعضاً من هؤلاء الفقراء هم الذي كان المسيح يخاطبهم في لوقا 6: 20، “طوباكم أيها المساكين لأن لكم ملكوت السماوات” فمن وجهة نظر العالم، ليس من المنطقي أن يكون الفقراء سعداء، لكن يسوع كان يعلم أن هذا الأمر ممكن تماماً.

إننا نعرف أن يسوع تحدث هنا عن الفقر المادي، وليس الفقر الروحي، لأنه قارن تلك الحالة بنقيضها، “ولكن ويل لكم أيها الأغنياء لأنكم قد نلتم عزاءكم” (ع 24). لكن من ناحية أخرى، في متى قدم المسيح حقيقة عامة بأن كل المساكين بالروح هم سعداء. بمعنى أن الله يبارك الناس عندما يكونون مساكين بالروح، وهي حالة يجب أن نرغب فيها وننميها فينا. بينما الفقر المادي لا يتم التعامل معه مطلقاً بهذه الطريقة في الكتاب المقدس.

فكيف يمكن التوفيق بين هذين المقطعين؟ لا توجد مشكلة في ذلك لو أننا اعتبرنا أنهما يصفان مناسبتين مختلفتين، وأن بهما فقط مجرد تعاليم متشابهة، رغم أنها متداخلة. فالسياق يوضح ذلك عندما يخبرنا في متى أن يسوع صعد إلى الجبل، بينما يقول في لوقا أنه نزل إلى موضع سهل. لكنها ممارسة شائعة بالنسبة للواعظ أن يستخدم أجزاء من رسالة ما في رسالة أخرى؛ وأن يأخذ شرحاً أو عبارات من سياق معين ويستخدمها في سياق آخر. لكن البعض يجدون صعوبة في اعتقاد أن يقوم الرب يسوع بذلك.

لذلك فإننا عند مقارنتنا بين الأفكار المتشابهة، نجد أن أكثر الأدوات نفعاً هي فهارس الكتاب المقدس، والكتب المقدسة ذات الموضوعات. ومع ذلك فإن تلك الأدوات لن تمكن الشخص من اكتشاف جميع المقاطع التي بها احداث أو أفكار متشابهة. لكن الشخص الذي يدرس الكتاب المقدس على مدى فترى زمنية طويلة سيكتشف الكثير من مثل هذه المقاطع عبر السنين، ويجد مقارنات مثمرة تلقي بضوء إضافي على المقطع موضوع الدارسة. لذلك فمن المهم بالنسبة للدارس أن يحتفظ بسجل لهذا المقاطع التي تتعامل مع موضوعات تهمه بصورة خاصة.

الأفكار المتضادة

في كثير من الأحيان لا نتمكن من فهم مقطع ما فهماً تاماً إلا عندما يضاد التعليم الموجود فيه التعليم الموجود في مقاطع أخرى. وحيث أن ثقتنا في مصداقية الكتاب المقدس تعني أنه لا يمكن أن يكون هناك تناقض نهائي بين أجزائه، فلا بد أن نبذل المحاولات لحسم التناقضات الظاهرية بين المقاطع. وسوف ندرس الإرشادات الخاصة بذلك بتفصيل أكثر في الفصل التالي، عندما نقوم بدراسة إحدى وسائل بناء لاهوت نظامي. لكننا يجب أن نذكر الآن أن هناك العديد من التعاليم في الكتاب المقدس لا تقف بمفردها بمعزل عن بقية التعاليم الأخرى. يعبر عن ذلك جيداً، أيه دبليو توزر، الناقد الثاقب للتفكير الهزيل، فيقول:

إن الحقائق التي نجبرها على الوقوف بمفردها لا تستمر سليمة ومستقيمة على الإطلاق، ومن غير المرجح أن تدوم طويلاً. فالحق واحد، ولكن الحقائق كثيرة. والحقائق الكتابية متشابكة ويعتمد أحدها على الآخر. وهكذا فالحقيقة نادراً ما تكون سليمة وصحيحة بمفردها بمعزل عن غيرها. فالعبارة قد تكون صحيحة في علاقتها بالحقائق الأخرى، لكنها تكون أقل من صحيحة عندما تنفصل عنها.

قال المسيح: “لا تدينوا لكي لا تدانوا” (مت 7: 1). وقد أكد بولس على نفس الحق: “من أنت الذي تدين عبد غيرك” (رو 14: 4). اعتبر الكثيرون هذا الأمر هو القاعدة المطلقة للسلوك المسيحي، مصرين على أنه ليس من حق أي مسيحي أن يحكم على إنسان آخر. لكن هناك مقاطع مضادة لذلك، واحد منها موجود أيضاً من الموعظة على الجبل: “احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكن بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة. من ثمارهم تعرفونهم” (مت 7: 15-16).

بل أن المسيح قال بوضوح، “لا تحكموا حسب الظاهر بل احكموا حكماً عادلاً” (يو 7: 24)، ويوحنا يدعم هذا الأمر بقوله: “أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله… من هذا نعرف روح الحق وروح الضلال” (1يو 4: 1، 6). وهكذا لكي نفهم كل ما يريد الله أن يعلمنا إياه بخصوص الحكم أو الامتناع عن الحكم على الآخرين، يجب القيام بدراسة نظامية لجميع التعاليم الكتابية الخاصة بهذا الموضوع. لكن عند هذه النقطة، من المهم أن نشير إلى أننا لا يمكن أن نفهم أي من هذه التعاليم بطريقة صحيحة بدون الرجوع إلى المقاطع المضادة.

مثال تقليدي على ذلك هو الجدل الخاص بقضية سيادة الله ومسؤولية الإنسان. فعندما نقوم بتفسير آيات يبدو أنها تعلم عن واحدة من تلك الحقائق أكثر من الأخرى، يكون من الضروري أن نفكر في المقاطع المضادة للوصول إلى فهم متوازن وكامل للحق الكتابي. بكلمات أخرى، يمكن للمرء أن يدرس عن سيادة الله في أفسس 1، ويوحنا 6، ورومية 9، فيخلص إلى نتائج تعفي الشخص من مسؤوليته عن اختباراته الشخصية.

وعندما يحدث ذلك فهذا معناه أننا نسيء فهم الحق الكامل. لكن حيث أن الكتاب المقدس حق وصادق في كل أجزائه، فإن الدارس الملتزم بالسعي نحو وحدة الكتاب المقدس يجب أن يجتهد وأن يدرس ما يقوله الكتاب المقدس عن مسؤولية الإنسان أيضاً. ولكنه يجب ألا يدرس ذلك بمعزل عن الحقائق الأخرى، وإلا فإنه سيشوه حق الله المتوازن. لكن للأسف، يبدو أنه من الأسهل أن يذهب الناس إلى تطرف ثابت عن أن يظلوا في مركز التوتر الكتابي.

كما أن هناك الكثير من الوعود والوصايا يبدو أنها غير مشروطة، لكن من المهم أن نراجع ونفحص إن كانت هناك شروط موجودة في مكان آخر. فالوعود الخاصة بنسل داود وعرشه، كثيراً ما تبدو غير مشروطة، لكن مزمور 132: 12 يقول “إن حفظ بنوك عهدي وشهاداتي التي أعلمهم إياها فبنوهم أيضاً إلى الأبد يجلسون على كرسيك”. في كثير من الأحيان يقدم الشرط في نفس المقطع الذي يذكر فيه الوعد، لكن في أحيان أخرى، يجب البحث عن الشروط في مكان آخر، لأن كل الكتاب المقدس هو صادق وأهل للثقة. لذلك يجب السعي نحو تجانس وتوافق الحق الكتابي.

في مرات قلية، نجد التضاد في نفس المقطع الكتابي. ففي أمثال 26: 4-5، نرى التضاد واضحاً بصورة مباشرة “لا تجاوب الجاهل حسب حماقته لئلا تعدله أنت. جاوب الجاهل حسب حماقته لئلا يكون حكيماً في عيني نفسه”. في هذا المقطع يكون المفسر ملزماً بأن يفسر أحد التعاليم في ضوء التعليم المتوازن.

لكن ماذا عن المقاطع التي تحوي تعاليم متضادة والتي لا توجد معاً؟ توجد طريقتان لاكتشاف هذه المقاطع. الأولى هي أن نقوم بدراسة لاهوت نظامي يتعامل مع الموضوع الذي ندرسه. ومن إحدى الطرق العملية لاكتشاف كل المقاطع التي قد تكون مهمة لدراسة التناقضات، هي مراجعة اللاهوتيين الذين يعتنقون نظرة مضادة للمعنى الظاهري للنص.

فمثلاً، إذا كان المقطع يبدو أنه يعلم عن قدرة الإنسان على اختيار مصيره الشخصي، ويرغب المرء في اكتشاف مقاطع مضادة خاصة بسيادة أغراض الله وبتحكمه في كل شيء، فإن اللاهوتيين الذين يناصرون هذا الأمر يمكن الاعتماد عليهم في تنظيم كل الأدلة الموجودة لصالح الاعتقاد المضاد. لذلك سيحتاج المرء أن يذهب إلى كتابات لاهوتيين من الاتجاه المضاد لكي يتأكد من تعرفه بالكامل على النصوص المحتملة التي تركز على مسؤولية الإنسان عن اختياراته.

أما الوسيلة الثانية لاكتشاف كل التعاليم المهمة المتضادة ظاهرياً عن موضوع ما، فهي أن يقوم الدارس بتطوير ملف دراسي شخصي عن هذا الموضوع. فمثلاً، في الإعداد لعظة من ثلاثين دقيقة عن التوازن الكتابي، يكون من الضروري بالنسبة لي أن أقوم بتجميع البيانات الكتابية على مدى فترة زمنية تمتد لحوالي عشرة سنوات.

فلو بدأ دارس الكتاب المقدس في الاحتفاظ بملف دراسي لتجميع البيانات والشواهد الكتابية عن كل موضوع يعتبر مهما بصفة خاصة بالنسبة له، فإنه على مدى عدة سنوات، وبعد أن يكون قد قرأ الكتاب المقدس عدة مرات، يمكنه أن يثق في معرفته على الأقل بالمقاطع الرئيسية التي تلمس الموضوع.

إن الكتاب المقدس هو أفضل تفسير للكتاب المقدس نفسه. إلا أن هذه ليس هي الطريقة الطبيعية للنظر إلى كتاب كتبه العديد من المؤلفين على مدى أكثر من 1600 عام. فإن كتاباً كهذا يمكن أن تتوقع أن يكون مليئاً بالمتناقضات، وأنه من الحماقة حقاً أن تحاول التوفيق بين أفكاره المتضاربة. لكن الكتاب المقدس ليس مجرد كتاب بشري عادي. فالنظرة الصحيحة إلى كتاب موحى به بالكامل بروح الله تكون بالبحث عن وحدته، فالله لا يناقض نفسه. فقد أعطانا إعلاناً مكتوباً، وليس خليطاً مشوشاً من الأفكار المتضاربة. فالكتاب المقدس متسق ومتوافق، ولا بد أن نقوم بتفسيره على هذا الأساس.

ملخص

يجب على الدارس أن يقارن الكتاب المقدس بالكتاب المقدس نفسه، وأن يسمح للكتاب المقدس بأن يلقي بالضوء على كل أجزائه. ويجب عليه أن يبحث عن المقاطع التي تتعامل مع نفس الحدث أو تقدم نفس التعليم، وعن المقاطع التي تقدم تعليماً مضاداً ظاهرياً. وهو يقوم بذلك لكي يفهم معنى المقطع الذي يقوم بدراسته. ولكي يتيقن من أن تفسيره يتفق وينسجم مع بقية الكتاب المقدس. إن المنهج الذي أشرنا إليه في هذا الفصل هو أساس القيام بدراسة الموضوعات أو بناء لاهوت نظامي. والآن سنتجه إلى تلك الدراسة نفسها.

مراجع مختارة لمزيد من الدراسة

التوافق والانسجام في الكتاب المقدس

– كروكيت، ويليام دي: A Harmony of the Books of Samuel, Kings, and Chronicles: The Book of the Kings of Judah and Israel. Grand Rapids: Baker 1951.

– دانيال، أورفيل إي. A Harmony of the Four Gospels: The New International Version. Grand Rapids: Baker، 1987.

– جودوين، فرانك جي. A Harmony of the Life of Paul: According to the Acts of the Apostles and the Pauline Epistles. Grand Rapids: Baker، 1973.

– نيوسم، جيمس دي. محرر. A Synoptic Harmony of Samuel Kings, and Chronicles: With Related Passages from Psalms, Isaiah, Jeremiah, and Ezra. Grand Rapids: Baker، 1990.

– بنتيكوست، جي دوايت. A Harmony of the Words and Works of Jesus Christ. Grand Rapids: Zondrvan، 1981.

– توماس، روبرت إل، وستانلي إن جندري. The NIV Harmony of the Gospels. Grand Rapids: Zondervan، 1988.

– A Harmony of the Gospels: New American Standard Bible. Grand Rapids: Zondervan، 1978.

وحدة العهدين القديم والجديد

– أرشر، جليسون إل، وجرجيوري سي شيريكيجنو. Old Testament Quotations in the New Testament. Chicago: Moody، 1983.

– جونسون، إس لويس. The Old Testament in the New: An Argument for Biblical Inspiration, Grand Rapids: Zondervan، 1980.

– كايزر، والتر سي. The Uses of the Old Testament in the New Chicago: Moody، 1985.

دراسة الموضوعات

– إلويل، والتر إيه، محرر. Topical Analysis of the Bible: Using the New International Version. Grand Rapids: Baker، 1990.

– جيسلر، نورمان، إل، Christ, the Theme of the Bible. Chicago: Moody The New Nave’s Topical Bible. Grand Rapids: Zondervan، 1986.

– سويهارت، ستيفين دي. Wheaton, III: Victor, The Victor Bible Sourcebook، 1977.

وحدة الكتاب المقدس – بحث عملي تدريبي لدراسة الكتاب المقدس

Exit mobile version