كيف كان روح الله يرف على وجه المياة؟
كيف كان روح الله يرف على وجه المياة؟
“وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ”(تك 1:2)
إن كان روح الله يرف فوق المياه، فهل هذا يعني أن روح القدس ليس كائنًا عاقلاً حيًا، أم هو قوة فاعلة، كما يقول شهود يهوه؟
ويقول أحمد ديدات: “الروح القدس” غامض في الكتاب المقدس، فهو تعبير غامض خلاب فضفاض خِلوّ من المعنى المحَّدد…ولكن الغموض هدف مقصود لذاته، وأن المُضلّلين دائمًا، يهربون من الوضوح، ويعتمدون على الغموض، وعليك أنت أن تسمو بمداركك؛ لتكشف الغموض، وتفهم الطلاسم، وتحل المتناقضات، وتحاول التوفيق بينها…ما هو الروح القدس على وجه التحديد؟![1]
وللإجابة على هذه الأسئلة أقول:
أولاً: ما معنى الفعل “يَرِفُّ”؟
إن الفعل ” يَرِفُّ” قد ورد في معظم التراجم الإنجليزية فنقرأ (moved):
(ASV) and the Spirit of God moved upon the face of the waters.
(YLT) and the spirit of God fluttering on the face of the waters,
(NLT) and the Spirit of God was hovering over the surface of the waters.
والفعل ذاته ورد في (تث 32:11) “كَمَا يُحَرِّكُ النَّسْرُ عُشَّهُ وَعَلَى فِرَاخِهِ يَرِفُّ، وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ وَيَأْخُذُهَا وَيَحْمِلُهَا عَلَى مَنَاكِبِه” وقد وردت آية حوارنا في ترجمة أخرى كالآتي:
(MSG) God’s Spirit brooded like a bird above the watery abyss.
إن الفعل ” يَرِفُّ” يشير إلى الروح القدس كالطائر الذي يحلق فوق فراخه؛ لحمايتهم، وطمأنتهم، ويشير إلى أن روح الله موجودة في الكون؛ ولكنه أعلى منه، وصاحب السلطان عليه، وهو ذات متسامية، وفي حالة القوة، والعمل المُستمر للعناية، والرعاية، إنه مصدر الحياة، والنور للكون كله[2].
وقد تكرر ظهور الروح القدس بهذا الرمز، أعني الطائر أو الحمامة. في معمودية المسيح من يوحنا العمدان، إذ انفتحت السموات، وروح الله نزل من السماء بهيئة جسمية مثل حمامة، واستقر عليه. وترد الإشارة إلى هذا الأمر في الإناجيل الأربعة (من 3:16، مر1: 10، لو 3، 22، يو1: 32).
وبلا أدنى شك، هذا الظهور أو التجلي للروح القدس هو مجرد رمز؛ لأن الله الروح القدس، لا يُحد في كائن محدود بزمان، ومكان، وهو الذي يملأ كل الكون.
ثانيًا: من هو الروح القدس؟
إن مفهوم الروح القدس في الكتاب المقدس بطوله، وعرضه واضح كل الوضوح؛ حتى أنك لو سألت طفلاً مسيحًا: وقد وردت آية حوارنا في ترجمة أخرى كالآتي:
نحن نؤمن أن الروح القدس هو الأقنوم الثالث في اللاهوت. وفي قانون الإيمان النيقوي القسطنطيني نقول: “نؤمن بالروح القدس الرب المحي”. ويقول اللاهوتي الألماني هانز ينج: “إن الروح القدس ليس سائلاً سحريًا، ولا كائنًا خياليًا، ولا قوةً وهميةً، إنه الله نفسه”.
وكون الروح القدس ليس له جسد مادي، وظهر على هيئة طائر يَرِفّ فوق المياه؛ فهذا شيء عادي، ومنطقي؛ لأننا نؤمن أنت الروح القدس هو الأقنوم الثالث في اللاهوت، وهو قادر على كل شيء، غير محدود، وبذلك يستطيع أن يظهرفي أي مكان، وفي أي زمان، وبأي شكل يشاء؛ فليس صعبًا على اللامحدود أن يظهر في صورة محدودة، وهذا لا يؤثر على حضوره الفعال في كل الكون.
ولا أريد أن أستطرد في شرح عقيدتنا في الروح القدس، ولكن سأذكر أمرين اثنين فقط:
(1) الروح القدس له الألقاب الإلهية نفسها، مثل:
– المساواة مع الآب، والابن: (يو 14:16، مت 28: 19)
– كلي القداسة: (مز 51: 11، أف 4: 30، رو 1:4)
– القدرة على كل شيء: (إش 40: 28، زك 45: 6، مي 3:18، أ ع1: 8، رو 15: 10، 2 تي 1:7، 1 بط 3: 18، رو 8:11)
– فاحص كل شيء: (يو 14: 26، 1 كو 2:11)
– غير المحدود: (مز 139: 7-10)
– معطي الحياة: (أي 33: 4)
– العِلم بكل شيء: (1 كو 10، يو 14: 26، 16: 13)
– غافر الخطايا: (1 كو 6: 11)
– القدوس: (أف 1:13)
– كلي التواجد: أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ؟ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ، وَإِنْ فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ إِنْ أَخَذْتُ جَنَاحَيِ الصُّبْحِ، وَسَكَنْتُ فِي أَقَاصِي الْبَحْرِ فَهُنَاكَ أَيْضًا تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ” (مز 139: 7 – 10)
– الأزلي: (عب 9: 14)
– كلي السلطان: وهو مطلق الإرادة ( يو 3: 8، 1 كو 12: 11)
(2) الروح القدس له أيضًا الأعمال الإلهية، مثل:
1- هو الخالق: (تك 1: 2، أي 26: 13، 33: 4، مز 33: 6، 104: 30)
2- هو إله العناية: ( إش 40: 13- 15، أع 16: 6، 7)
3 – أوحى بالكتاب المقدس: “لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوح الْقُدُسِ” (2 تي 3: 16)
4 – يعطي الولادة الجديدة: (يو 3: 7، 5، 6: 63)
5 – أقام المسيح، وسيحي أجساد المؤمنين: (رو 8: 11)
الآب، والابن، والروح القدس:
نرى وحدة الروح القدس مع الآب، والابن في العديد من الفصول الكتابية التي تؤكد لنا اتحاد أقانيم اللاهوت معًا.
ففي صيغة المعمودية، أمرنا المسيح أن نعمّد المؤمنين (باسم) الآب، والابن، والروح القدس، وليس (بأسماء) أي باسم الإله الوتحد الثالوث الأقدس، وهذا يدل على أقنومية كلٍ منهم، ومساوتهم (من 28: 19)، وفي صيغة البركة الرسولية، نقرأ: نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِين” وهنا نرى البركة تتضمن الإقرار بأقنومية كلٍ من الآب، والابن، والروح القدس، وألوهيتهم (2 كو 13: 14و 1 بط 1: 2 ويه 21).
لذلك نؤمن أن الله واحد مثلث الأقانيم، ففي قانون الإليمان نقول: “بالحقيقة نؤمن بإله واحد” وعندما سأل واحد من الكتبة الرب يسوع: آية وصية هي أول الكل؟ أجابه:
اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِد.
[1] أحمد ديدات، عتاد الجهاد، ترجمة على الجوهري، ص28
[2] The Bible Knowledge Commentary, P.351