مبادئ أساسية لفهم الكتاب المقدس
مبادئ أساسية لفهم الكتاب المقدس
مبادئ أساسية لفهم الكتاب المقدس
سياق المؤلف
حيث أن الكتاب المقدس من تأليف بشري، يجب التعامل معه بنفس الطريقة التي نتعامل بها مع أية معلومات أخرى. والهدف من ذلك هو تحديد المعنى الذي كان يقصده المؤلف. لكن هناك عوائق معينة – مثل اختلافات اللغة والثقافة – تفصل بين المؤلف والقارئ.
فلكي نفهم المعنى الذي قصده المؤلف، يجب على القارئ أن يفهم السياق والبيئة التي يكتب منها المؤلف. بهذه الطريقة فقط يمكن التغلب على تأثير الاختلافات بين المؤلف والمتلقي، ويصبح في الإمكان الوصول إلى الفهم الحقيقي.
في فصول تالية سنقوم بدراسة الوسائل وتطوير المهارات اللازمة للتغلغل في سياق النصوص الكتابية، وسوف نستخدم فهم هذه الدراسة في تفسير الكتاب المقدس، وأخيراً، في تطبيقه على حياتنا. عند هذه النقطة سنقوم ببساطة بتشكيل المبدأ نفسه، وهو أن أختار الله أن يكشف عن نفسه وعن مشيئته، وليس في قائمة من الحقائق الافتراضية المدونة بلغة سماوية، بل أن يكشف عن ذلك للبشر في التاريخ باستخدام لغة بشرية.
لذلك فمن مسؤوليتنا أن ندرس الكتاب المقدس كما نفعل مع أية معلومات بشرية أخرى لكي نحدد بأكثر دقة ممكنة ما كان يقصد المؤلفون أن نفهمه ونؤمن به ونطيعه.
لكن نقوم بذلك، سوف نفكر في سياقين: السياق التاريخي والسياق الأدبي. يشمل السياق التاريخ السياق المادي والجغرافي والثقافي والأيديولوجي للمؤلفين وللناس الذي كتب إليهم. والأحداث التاريخية كذلك. ويشمل السياق الأدبي، اللغة نفسها، وأسلوب الصياغة الأدبية، والسياق المباشر للمقطع موضوع الدراسة.
صدق الكتاب المقدس
حيث أن الله هو المؤلف خلف مؤلفي الكتاب المقدس – وهو المصدر النهائي للإعلان – يجب تفسير الكتاب المقدس على أنه حق وصادق في كل أجزائه، ويجب السعي نحو وحدة كل أجزائه.
صادق في كل أجزائه
حيث أن الكتاب المقدس هو صادق في كل أجزائه، فلا يصلح تشويه تفسيره، أو رفض جزء منه لأنه يبدو أنه يتناقض مع نظرية علمية، أو مصدر تاريخي، أو نظرية معاصرة سواء في علم النفس أو علم الاجتماع أو علم الأجناس البشرية. فعلى سبيل المثال، الله هو الذي خلق العالم، فالعالم لم ينشأ بصورة تلقائية. لذلك فإن أي تفسير للأصحاحات الأولى من سفر التكوين يجب أن يتم التعامل معها على أنها صادقة، وإلا يكون المفسر قد استخدم افتراضات طبيعية مسبقة.
هل حقاً أمر الله إسرائيل أن يهلكوا شعوباً معينة، أم أن هذه فكرة موسى؟ من الذي كتب سفر إشعياء؟ هناك العديد من المقاطع التي يعتمد تفسيرها على إجابات على مثل هذه الأسئلة، لكن المفسر الذي يقبل تقييم يسوع المسيح للكتاب المقدس، يجب أن يقوم بكل تفسير على أساس الافتراض بأن الكتاب المقدس هو حق وصادق.
وحدة أجزائه
إن الكتاب المقدس هو حق بالفعل في كل أجزائه، يجب السعي إلى الوحدة الحقيقية لها بواسطة الشخص الذي سيفسر الكتاب المقدس. فيجب مقارنة الكتب المقدسة ببعضها البعض، كما يجب فحص سياق الكاتب والمتلقي الأول للكتابات. قد تثار أسئلة مثل: كيف يرتبط العهد القديم بالعهد الجديد؟ ماذا يفعل المرء بالسجلات التاريخية التي يبدو أنها لا تتفق معاً، مثل بعض الأنساب في العهد القديم أو في الروايات الخاصة بحياة يسوع في العهد الجديد؟
تتطلب عملية تنسيق ومجانسة الكتاب المقدس مهارات معينة سوف ندرسها بنوع من التفصيل في الفصل 15. لكننا يجب أن نبدأ بالمبدأ الأساسي وهو أنه حيث أن كل أجزاء الكتاب المقدس حق وصادقة. فالتناسق موجود بالفعل، ومهمتنا هي البحث عنه والعثور عليه.
إن الباحث عن الحق مسؤول عن تجميع كل ما يقوله الكتاب المقدس في موضوع معين. بل أكثر من ذلك، تعتبر مهمة جديرة بالعناء أن يسعى الباحث لربط كل التعاليم الكتابية في تفسير شامل للهيكل الكلي للحق الكتابي. سيكون جزءًا من دراستنا في الفصل 16 هو أن ندرس الإرشادات والوسائل الخاصة بتفسير الكتب المقدسة بمقارنتها ببعضها البعض، وإنشاء ترتيب شامل لعقيدة الكتاب المقدس كله (لاهوت نظامي).
في الوقت الحالي، يمكننا أن نخلص إلى أن الكتاب المقدس بأكمله هو جدير بالثقة، ببساطة لأن الله هو مؤلفه. لذلك، فليس فقط أمراً مشروعاً بل أنه من الضروري أن نسعى لإيجاد الوحدة بين جميع تعاليمه لكي نفهم مشيئة الله أكثر.
سلطة الكتاب المقدس
إن الكتاب المقدس، والكتاب المقدس وحده، هو السلطة النهائية المطلقة للإيمان والحياة. لذلك، جميع المبادئ والتقنيات المستخدمة لاستخراج معنى مقطع كتابي يجب أن تتفق مع المبدأ القائل بأن الكتاب المقدس نفسه هو السلطة النهائية. فكر معي في أربعة معان رئيسية لذلك المبدأ:
غرض الإعلان الإلهي
لقد أعلن الله عن نفسه في الكتاب المقدس لأجل غرض خلاص البشرية. وذلك “الخلاص” هو كامل – فهو يمتد منذ بداية المصالحة مع الله، وعبر تغيير المؤمن إلى الشبه الأخلاقي لله، وحتى اتحاد المحبة النهائية مع الله في الأبدية. فغرض الله هو خلاص الإنسان.
“وإنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع. كل الكتاب موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح”. (2تيموثاوس 3: 15-17).
إن قولنا أن الخلاص هو غرض الكتاب المقدس يعني أن الإعلان محدد. فالكتاب المقدس لم يعط لنا لكي يعلمنا كل شيء عن الله غير المحدود أو كل شيء عن الكون الذي خلقه. فالله لم يوحي لمن كتبوا الكتاب المقدس لكي يقدموا سجلاً محدداً للتاريخ القديم، أو حتى لكي يعلمونا كل شيء عن طبيعة الإنسان.
لذلك فإن استخدام الكتاب المقدس ككتاب دراسي في علم الأحياء أو علم النفس أو علم الاجتماع معناه إساءة استخدامه وتقويض سلطته. إلا أن الأمر الأكيد هو أنه عندما يلمس الكتاب المقدس تلك المناطق، فإنه يكون جدير بالثقة تماماً، فهو لا يعلم خطأ، لكن ليس هذا هو غرض الإعلان، بل غرضه هو مصالحة الناس مع الله، ومن خلال تلك المصالحة، يردهم لكل ما قصد الله لهم أن يكونوا.
الهدف من دراسة الكتاب المقدس
حيث أن الكتاب المقدس هو الإعلان السلطوي للحق الروحي، فإن الهدف الأول لدراسة الكتاب المقدس يجب أن يكون فهم المعنى الذي قصده المؤلف. فلكي تكون للكتاب المقدس سلطة مستقلة، يجب أن نقرر المعنى الذي قصده المؤلف.
فإن كان غرض الكتاب المقدس هو خلاصنا، فإن هذا الغرض لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تم فهم رسالة الله، وتلك هي مهمة المفسر. ومع ذلك، فإن فهم الكتاب المقدس لا يأتي بالخلاص، إذ أن الرسالة يجب أن يتم الإيمان بها وطاعتها، وتلك هي مهمة التطبيق.
لكي يكون التفسير مطابقاً لقصد الكاتب، يجب أن يشتمل على تطبيق.[1]
يمكن أن تصح معرفة وتعلم كلمة الله فقط بواسطة تغيير الحياة…. إن التعليم الوحيد الذي يمكن عن حق أن نطلق عليه “تعليم كتابي” هو الذي يركز ليس على تشغيل المعلومات، لكن على سماع صوت الله المحب والاستجابة له.[2]
باختصار، غرض الإعلان الإلهي هو خلاص الأفراد. لذلك، فكي يكون الكتاب المقدس فعالاً في خلاص الإنسان، فإن أول خطوة هي فهم المعنى الذي قصده المؤلف. أما الخطوة التالية فهي تطبيق ذلك المعنى على الخلفية المعاصرة بالإيمان والطاعة. عندها فقط سيتحقق غرض الإعلان الإلهي، ويكون الكتاب المقدس سلطوياً بالكامل في حياة الناس.
مدى السلطة
لقد رأينا حتى الآن أن سلطان الله لا يؤسس على تفسيرنا غير المعصوم للكتاب المقدس، لكن فقط على الكتاب المقدس نفسه. لكن هل هذه السلطة تستقر فقط على تعاليم الكتاب المقدس، أم أنها تمتد أيضاً إلى كلمات الكتاب المقدس؟ وإن كانت كذلك، هل تمتد إلى كل جزء من الكتاب المقدس بالتساوي؟ أولاً، افتراضنا هو أن كل الكتاب المقدس هو موحى به من الله ومعصوم من الخطأ، فليس هذا هو مكان الدفاع عن وضع الوحي اللفظي أو عصمة الكتاب.
لكن من الملائم أن نتذكر أن نماذجنا في التفسير هم يسوع المسيح والأشخاص الذين كتبوا العهد الجديد. فقد تعاملوا مع العهد القديم ليس فقط على أنه ذو سلطان، بل على أنه بالكامل جدير بالثقة كذلك –حتى بالنسبة لكل كلمة فيه. ونحن باتباعنا لذلك النموذج، فإننا نؤكد أن سلطة الكتاب المقدس تغطي الكلمات كما تغطي المفاهيم. بعض المفسرين يؤكدون على صدق مفاهيم الكتاب المقدس، بينما يعتقدون أن بعض الكلمات بها خطأ.
لكن لا يوجد معنى بدون كلمات تصدق في المعنى وتتفق معه. الأكثر من ذلك، فإن لاهوت “المفهوم الموحى به” يتعدى على السلطة المستقلة للكتاب المقدس. فمعايير التمييز بين المعاني أو المفاهيم الحقيقية، وبين الكلمات غير الصادقة التي من خلالها يتم تقديم المعنى، تنقل السلطة إلى تلك المعايير أو للشخص الذي يستخدمها.
يستخدم جون وورويل مونتجمري تشبيها بالوثيقة القانونية لكي يوضح هذه النقطة، فيقول:
بخصوص تفسير الوثائق القانونية عامة، قدم اللورد بيكن هذه الحكم الصادقة:
“إن التفسير الذي يبتعد عن حرف النص لا يعتبر تفسيراً بل تكهناً”.
“عندما يبتعد القاضي عن الحرف فإنه يتحول إلى مشرع.”
يشرح السير رولاند بوروز هذه النقطة بوضوح يثير الإعجاب:
“يجب على المحكمة أن تعنى بألا يستخدم الدليل لإتمام وثيقة تركها أحد الأطراف غير كاملة، أو بأن تناقض ما قاله هذه الطرف، أو بأن تثير الشكوك، التي بدون ذلك لا تكن موجودة؛ أما بالنسبة للتفسير، فإنه يكون مقصوراً دائماً على تلك الأمور، مما يساعد المحكمة على الوصول إلى معنى الكلمات المستخدمة، وبالتالي أن تعطي سلطة للمعنى المقصود كما يتم التعبير عنه.”
كما هو الحال بالنسبة للرغبات والأفعال والقوانين، المفسر الأمير للكتاب المقدس يقوم بتفسير النص بطريقة تعطيه “شرعية وليس عدم شرعية”؛ ويعمل” بافتراضات ضد السخف ومنافاة العقل”؛ وبمجرد أن يتم تقرير المعنى الواضح للنص، فإنه يقبل تطبيقه وتفعيله في حياته “رغم أن النتائج قد تبدو قاسية أو غير عادلة أو غير مناسبة.” (سي إي أودجرز، The Construction of Deeds and statutes الطبعة الرابعة، 1956، الصفحات 186، 188).
إن المفسر المسيحي المؤمن لوصايا الكتب المقدسة سيفترض أنه بالإشارة إليها أيضاً “كل جزء من وصية يعني شيئاً، ويجب أن يعطى السلطة وأن يتناغم، إن أمكن، بربطه ببقية الأجزاء الأخرى كلها.” (إف إتش تشيلدز)؛ ويقوم بتفسير العهد القديم دائماً في ضوء العهد الجديد على أساس أن “التعبير الأخير عن الوصية هو الذي يغلب”.[3]
لكن على الرغم من أن الكتاب المقدس كله هو من الله، وبالتالي فهو أهل للثقة، إلا أن ليس كل الكتب المقدسة لها سلطة متساوية بالنسبة لطاعة المسيحيين في عهد الكنيسة. سوف نقوم بمناقشة هذا المبدأ بنوع من التفصيل عند دراسة مبادئ تطبيق الكتاب المقدس في الفصل 19.
الكتاب المقدس نفسه، كالسلطة النهائية، يجب أن يحدد أي جزء منه هو الذي له الدوام والعمومية في التطبيق، وأي جزء هو المحدود. فإذا تم التمييز بين التطبيق العام والمحدود بواسطة أي مبدأ أو شخص آخر. فإن ذلك المبدأ أو الشخص يصبح هو السلطة، مستبدلاً بذلك الكلمة الأخيرة للكتاب المقدس عن نفسه.
الحدود المتضمنة في مبدأ السلطة.
تضع سلطة الكتاب المقدس حدوداً معينة على مبادئ سياق المؤلف ووحدة الكتب المقدسة. لو لم يكن هذا صحيحاً، لما كان الكتاب المقدس نفسه هو السلطة النهائية. فدعونا نلقي نظرة على تلك الحدود.
حدود السياق البشري.
كما أشرنا من قبل، حيث أن الكتاب المقدس قد جاء إلينا من خلال مؤلفين من البشر، فإن المفسر يتعامل حتمياً مع سياقين: (1) إنه يسعى لفهم سياق الذين كتبوا الكتاب المقدس بأفضل طريقة ممكنة، و(2) يسعى أيضاً لتفسير وتطبيق الحق الكتابي في ضوء السياق المعاصر.
غالباً ما يتم دمج هذين الأمرين ومن المعتاد أن يحدث تداخل بينهما. السؤال المفتاحي هو: كيف يمكن استخدام هذه الأدوات المفيدة والمشروعة لفهم الكتاب المقدس بدون التعدي على سلطة الكتاب المقدس؟ وعلى أي أساس يقوم المرء بالتمييز بين الرسالة السلطوية والدائمة للمؤلف، وبين السياق التاريخي المؤقت؟
هناك عدة مناهج تم اقتراحها للقيام بذلك. البعض يعتقد أن التعليم يجب أن يتم الإيمان به وطاعته إن كان في نظام الخليقة أو من طبيعة الله (مثلاً، المحبة). فإن لم يكن التعليم الكتابي في نظام الخليقة أو من طبيعة الله، فيمكن افتراض أنه تعليم مؤقت مقصور على الشكل الثقافي الانتقالي أو على سياق تاريخ محدد. وهنا يجب على المفسر في العصر الحاضر أن يحرر الحق الباقي لكي يتم تطبيقه او رفضه اليوم.
بينما يعتقد آخرون أن أي أمر يرتبط بمبدأ عام، أو مطلب أخلاقي يُطلب من كل الثقافات في أي وقت (مثلاً، عدم السرقة)، يمكن تطبيقه بصورة عامة بسلطة مشيئة الله الأكيدة، لكن التعليم الخاص الذي يكون محدوداً بثقافة معينة، قد لا يتم تطبيقه بهذه الصورة. فالأوامر الخاصة بالدور في علاقات الزواج هي أمور خاصة محدودة بالثقافة، يمكن ألا يتم تطبيقها بسلطان على أنها مشيئة الله الأكيدة في كل الثقافات وفي كل الأزمان.[4]
كما أن هناك آخرون يقولون إن التعليم الذي يكون أخلاقياً بالفطرة ولاهوتياً هو التعليم السلطوي، لكن التعليم غير الأخلاقي وغير اللاهوتي لا يكون له بالضرورة نفس السلطة.[5]
المشكلة في كل من هذه المناهج هي، كيف يمكن للمرء أن يقرر؟ حيث أن الكتاب المقدس لم يعطنا مثل هذا الأساس لتفسيره، ربما يغتصب المفسر لنفسه، عن غير عمد، سلطة الكتاب المقدس، عن طريق فرض معاييره الخارجية الخاصة بما هو تعليم مقبول وسلطوي، وما هو تعليم يمكن الاستغناء عنه. هذه مشكلة حقيقية، وحلها ليس سهلاً. لكن المبدأ الثابت الذي يضع حدوداً صارمة على الفهم الثقافي هو سلطة الكتاب المقدس نفسه.
عند هذه النقطة دعونا نميز بين التفسير والتطبيق. المهمة الأولى هي أن نفسر، أي أن نحدد بثقة المعنى الذي قصده المؤلف. لأجل ذلك، يكون الفهم الثقافي مهماً في تفسير النص وإلقاء الضوء عليه. أما عند القيام بتطبيق النص على خلفية معاصرة، فمن الضروري أن نفحص المبدأ العام الذي يكمن خلف أي تعليم محدد. بهذه الطريقة يمكن للباحث أن يقرر ويطيع مشيئة الله كما هي معلنة في كلمة الله السلطوية.
فكر في مثال تم التلميح إليه من قبل “أيتها النساء أخضعن لرجالكن”. (أفسس 5: 22) إنها وصية واضحة بما يكفي. لا يصلح أن نقول إن هذه عبارة مشروطة ثقافياً، لذلك فهي لم تعد تطبق. فقولنا هذا يعني أن الوصية التالية كذلك “أيها الأولاد اطيعوا والديكم” (أفسس 6: 1)، يجب التعامل معها أيضاً بصورة نسبية، والوصية الأولى بطاعة الله، يمكن أن تعاني من نفس هذا المصير.
إن المعنى الذي يقصده بولس لأي ملاحظ موضوعي هو شديد الوضوح. وهذا المعنى لا يمكن تغييره من خلال التفسير إذا كان المفسر يدرك السلطة المستقلة لكلمة الله. لكن عندما يأتي الأمر إلى التطبيق، فإن الطريقة التي يعلم بها الكتاب المقدس عن دور الزوج كرأس للبيت تختلف بالتأكيد من ثقافة لأخرى. فعلى سبيل المثال، سيسود بالتأكيد في البيت الأمريكي جو أكثر ديموقراطية مما في البيت الياباني، بينما يكون كل منها طائعاً للتعليم الكتابي الواضح.[6]
إن عملية تمييز المبدأ من وراء التعليم الكتابي المشروط ثقافياً هو أمر مشروع وضروري للغاية في تطبيق الكتاب المقدس على الإيمان والطاعة في الوقت الحاضر. هذا الأمر لا يتعدى على سلطة الكتاب المقدس، لكنه يحققها. من ناحية أخرى، فإن استخدام هذا المنهج في التفسير بحيث يتم استبعاد المعنى الواضح، يقوم باستبدال النص السلطوي بالفهم الثقافي المعاصر.
وهذا الأمر لا يتعدى فقط على سلطة الكتاب المقدس، ولكنه يصبح أداة يمكن بها إساءة استغلال تعاليم الكتاب المقدس بتحويلها إلى أي صيغة تقريباً يرغب فيها المفسر.
حدود السعي لوحدة الكتاب المقدس كله.
يضع مبدأ سلطة الكتاب المقدس حدوداً معينة على تنفيذ مبدأ معاملة الكتاب المقدس باعتباره معلومات بشرية مفهومة. كما يضع حدوداً أيضاً على المبدأ القائل بأن المفسر يجب أن يسعى لتناغم واتساق تعاليم الكتاب المقدس. وسوف نقوم فيما بعد بدراسة الإرشادات والوسائل التي تعمل على تناسق وتوافق الكتاب المقدس (الفصلان 15-16).
أود أن أقول باختصار أن سلطة الكتاب المقدس يتم التعدي عليها بوسيلتين أساسيتين بواسطة أولئك الذين يعملون على التوفيق بين مقاطع تبدو أنها غير متفقة في التعليم:
1 – يتم تفسير المقاطع بصورة منافية للمنطق، وبتفسيرات غير أكيدة، أو يتم جعل التركيز الكتابي الثانوي يسود على المقاطع الواضحة المعنى أو على التعليم الأكثر شمولية. فعلى السطح، يبدو أن الوسيلة تسمح ببساطة للكتاب المقدس بأن يقارن نفسه بنفسه، لكن عندما يتم جعل تعليم غير أكيد يسود على الإعلان الأكثر وضوحاً، يكون عندها المفسر أو تفسيره هو السلطة النهائية.
2 – يقوم المفسر بالتعدي على سلطة الكتاب المقدس من خلال الاستنتاج المنطقي من التعليم الكتابي الواضح. هذا النوع من الاستنتاج يتعدى على سلطة الكتاب المقدس عندما: (1) يتم التعامل معه باعتباره حق معصوم من الخطأ؛ أو الأسواء، (2) عندما يتم تحويله ضد تعليم كتابي آخر واضح للكتاب المقدس. عندئذ يصبح وضعاً فلسفياً خارج الكتاب المقدس، والذي يتم استخدامه لتشويه القصد الواضح لمؤلفي الكتاب المقدس.
لكن لكي يتم فهم كلمة الله والإيمان بها وطاعتها، يجب أن تسود سلطة الكتاب المقدس وتتفوق هي وحدها.
[1] ويليام لاركن Faculty Handbook (Columbia, S. C.: Columbia Bible college and Seminary, 1990) صفحة 3.
[2] لاري ريتشاردز، Church Teaching: Content Without Context Christianity Today 15 أبريل 1977، صفحة 16.
[3] جون ورويك مونتجومري، Testamentary Help in Interpreting the Old and New Testaments Christianity Today، 5 مايو 1978، صفحة 55.
[4] تشارلز إتس كرافت، Interpreting in Cultural Context Journal of the Evangelical Society، ديسمبر 1978، صفحة 257.
[5] جوردن في، The Genre of thw New Testament Literature and Biblical Hermeneutics, in Interpreting the Word of God، تحرير صمويل جي شولتز وموريس إيه إنش (Chicago: Moody, 1976) صفحة 133.
[6] انظر جي روبرتسون ماكويلكن، The Limits of Cultural Interpretation, Journal of the Evangelical Theological Society, June 1980، صفحة 113.