المنهج الوجودي لتفسير الكتاب المقدس
المنهج الوجودي لتفسير الكتاب المقدس
لم تقدم العقلانية الإجابات التي توقعها أنصارها بشأن معنى وهدف الحياة، فقد تجاهلت نواحي الحياة التي تمتد إلى ما هو أبعد من المنطق. أما الوجودية، التي تركز على مكان الإرادة والمشاعر، فقد ظهرت في بداية القرن العشرين كرد فعل للعقلانية. وقد قدمت الوجودية افتراضاتها بداية من حقيقة الوجود الإنساني، لكي تفسر الحياة بأكثر حماسة وشمولية.
من ناحية، تعتبر الوجودية بالفعل مضادة للفلسفة، إذ ان أنصارها يرفضون فرض صيغ أو أنظمة خارجية تقوم بتقيد التعبير الحر عن الوجود الإنساني. لذلك، فبخلاف المناهج الطبيعية وفوق الطبيعية التي قد تتميز بأنها “ذاتية نظرية” كثيراً ما تكون غير واعية لمنهجها الذاتي في التفسير، فإن الوجودية تكون “ذاتية متعمدة وظاهرة بوضوح” كمبدأ عمل أساسي لها.
يوجد للوجودية تعبيراتها العلمانية والمسيحية. فالوجوديون العلمانيون، من أمثال جان بول سارتر (1905-1980)، وألبرت كاموس (1913-1960)، كانوا يعتقدون أن الحياة ليس لها معنى موضوعي بعيداً عن الخبرة الحالية. وبدون نقطة موضوعية مرجعية، قادت الوجودية العلمانية إلى العدمية، واليأس من وجود أي معنى للحياة.
الوجودية المسيحية أيضاً تستقي المعنى والحق من الخبرة الشخصية، لكنها تزعم أن أكثر التجارب الأساسية في الحياة هي اللقاء مع الله. فهم يزعمون أن إعلان الله للبشر هو إعلان شخصي، وداخلي، واختباري. الليبرالية اللاهوتية، التي طغى عليها المنهج العقلاني، تم تحديها واستبدالها شرعياً بالوجودية في السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى.
وقد كان المنهج السائد في الخط الرئيسي من اللاهوتيين البروتستانت خلال النصف الثاني من القرن العشرين في فهم الكتاب المقدس، هو المنهج “الوجودي”.
اللاهوتيون الوجوديون
كارل بارث
يُعتبر سورن كيركجارد (1813-1855)، الفيلسوف الدنماركي، هو أب الوجودية المسيحية. لكن كارل بارث (1886-1968) ربما كان هو أكثر الأشخاص المؤثرين في هذه الحركة. كان بارث بوضوح من أنصار المنهج فوق الطبيعي، من حيث أنه كان يؤكد بشدة على العناصر المعجزية، مثل قيامة المسيح (رغم أنه لم يعتبر القيامة حدثاً يمكن التحقق منه تجريبياً في المكان والزمان، كما فعلت العقيدة الكلاسيكية). لقد اعترف بارث في منهجه بما هو فوق طبيعي؛ ومع ذلك، فقد كان أيضاً من الأنصار المدققين للمنهج الطبيعي.
وبدمج الطبيعي مع ما هو فوق الطبيعي، تم تسمية الحركة “التقليدية الجديدة”. فهي “تقليدية” في تأكيدها على ما هو فوق طبيعي، و”جديدة” في تمسكها بالافتراضات الطبيعية فهي تفسير الكتاب المقدس. استطاع بارث أن يدمج هذين المنهجين غير المتفقين بواسطة فصل الحق الكتابي عن المنطق والتاريخ.
فقد علم بارث أن العناصر فوق الطبيعية في الكتاب المقدس لا يمكن أن تكون حقيقية بالفعل إلا عندما يتم قبولها بواسطة المفسر، بالإيمان، على أنها كلمة من الله. وعندها تصبح “القفزة غير العقلانية للإيمان” ضرورية لكي يختبر الإنسان شخصياً كلام الله.
وهكذا فإن الوجودية المسيحية هي محاولة لأن يكون الإنسان في منتصف الطريق بين العقيدة التقليدية والليبرالية، وبين المنهج فوق الطبيعي والمنهج الطبيعي. تعتقد النظرة الوجودية للكتاب المقدس أن الكتاب المقدس هو بالحقيقة أداة إعلان الله للبشر. فالله يوصّل رسالته بواسطة الكتاب المقدس.
لكن الكتاب المقدس، في حد ذاته، لا يمكن أن نسميه إعلان الله. لأنه لكي يصبح الكتاب المقدس كلمة الله بالكامل، يجب أن يتم قبوله بواسطة شخص ما؛ تماماً مثل الصمغ الذي يصنع من الإيبوكسي والمقوي، فهو يصبح صمغاً فقط عندما يختلط العنصران معاً بطريقة سليمة. بنفس الطريقة، يصبح الكتاب المقدس إعلاناً، فقط عندما يتم مزجه بصورة سلمية مع إيمان القارئ أو السامع، فالكلمة في حد ذاتها لن تلصق.
وإلى أن يستجيب عقل بشري لكلمات الكتاب المقدس، لا تكون إلا كلمة الله “المحتملة”. وهكذا فإن “المزج” هو حقاً الذي يقرر حق وسلطة النص. لهذا السبب، فإن الوجودي الذي يقوم بالتفسير لا يجب أن يتحدث عن الكتاب المقدس على أنه “كلمة الله”، بل على أنه “يصبح” كلمة الله.
رغم أن المنهج الوجودي للكتاب المقدس يزعم أنه فوق طبيعي أولاً وقبل كل شيء، إلا أن توجهه الأساسي طبيعي من زاويتين. الأولى، أن المفسرين الوجوديين يستخدمون عامة الوسيلة النقدية – التاريخية، التي كما رأينا، تكون مبنية على افتراضات طبيعية مسبقة.
ثانياً، أن المفسر بادعائه السلطة الناجمة عن أهمية وضعه، يقوم في النهاية بالتحكم في المعنى، إذ ان الكتاب المقدس وحده ليس إعلاناً، فهو يصبح إعلاناً في عملية التقاء المفسر معه. وبذلك، فبافتراضاتهم الطبيعية، يعتنق الوجوديون نظرة للكتاب المقدس لا تماثل النظرة التي يعتقدها الكتاب المقدس نفسه عن نفسه.
لأنه بالنسبة لهم، يعتبر الكتاب المقدس سلطة غير مستقلة، لكنها خاضعة لحكم المفسر الذي يحدد أي من عناصر الكتاب المقدس هو الحق، وبالتالي هو كلمة الله الجديرة بالثقة.
رودلف بلتمان
إن المفسرين الذين يتعاملون مع الكتاب المقدس بحسب المنهج الوجودي يحاولون عادة أن يطهروا الكتاب المقدس من جميع العناصر التي لا تتفق مع نتائج نقدهم التاريخي الطبيعي. فإذا كان هناك أي شك بشأن الأساس الطبيعي للتفسير الوجودي، فإن مثل هذا الشك تم استعباده تماماً بواسطة تصاعد حركة رودلف بلتمان (1884-1976) وتلاميذه.
ذهب منهج بلتمان “بتخليص اللاهوت من الأسطورة” إلى ما هو أبعد من الوجوديين الأوائل، في إنكار المصداقية التاريخية لجميع العناصر فوق الطبيعية في الكتاب المقدس، بما فيها قيامة المسيح. فقد جادل بلتمان أنه على الرغم من السمة الطبيعية الكلية لكتب المقدسة، إلا أن تلك العناصر الطبيعية تشير إلى واقع أسمى، كان مخفياً في أسطورة.
فإن بعض العناصر في الكتاب المقدس لا يمكن أن يتم التعامل معها على أنها تاريخ رصين. فعملية فصل الأسطورة عنه وتقرير الأمور المهمة الباقية كان مهمة المفسر، كما يزعم بلتمان، وهكذا أصبحت عملية تخليص اللاهوت من الأسطورة هي الموضوع السائد للوجوديين بعد الحرب العالمية الثانية.
لا يكون واضحاً دائماً عملية استخدام أحد مفسري الكتاب المقدس أو الوعاظ لمنهج وجودي. فإحدى سمات هذا المنهج هي استخدام كلمات تقليدية بمعان غير تقليدية. فمثل هذا الشخص قد يعلم عن الميلاد الجديد، لكن يكون في ذهنه مفاهيم روحية تتكرر مرات ومرات. وقد يحدث عن أمور شيطانية لكنه لا يشير إلى أي كائن فوق طبيعي لكن يشير إلى قوى شريرة في المجتمع.
النظرة العالمية للمفسر
انتقل القادة في المنهج الوجودي مؤخراً إلى تحليل كيفية عمل التواصل البشري. وهذا يتبع الاتجاه العام للمحدثين، بأن يصرفوا الانتباه عن النص القديم وعن مؤلفه، وأن يزيدوا من التركيز على المفسر؛ أي أن يقوموا بالتركيز على دور المتلقي للمعلومات أكثر من تركيزهم على دور المرسل.
إن الله يرغب بالتأكيد أن تتغلغل كلمته بعمق وبطرق مغيرة للحياة في مفسري القرن العشرين، لكن تطبيق الكتاب المقدس يجب أن يتبع تفسيراً أميناً لمعنى النص، وليس أن يقرره. يخطئ المنهج الوجودي في إعطاء المفسر سلطة مساوية لسلطة النص، إن لم تكن أكثر. بهذه النظرة، يكون إسهام المفسر جزءًا سلطوياً في المزيج الذي يشكل الكلمة التي من الله.
إن الذين يدرسون ظاهرة فهم فكر شخص آخر يدركون أن المتلقي لأية معلومات يسمع بمجموعة من الافتراضات المسبقة التي تشكل نظرة عالمية. هذه النظرة العالمية هي عدسة يرى الشخص من خلالها كل الواقع. فهي تمثل قنوات للفكر، تفسر الخبرات، وتوجه السلوك. تعمل هذه العدسة باستمرار، لكن نادراً ما يتم ملاحظتها.
الأكثر من ذلك، إن اللغة التي يستخدمها المرء يكون لها معنى، فقط بالنسبة للشخص الذي يفهم النظرة العالمية للمتحدث أو الكاتب. لذلك فإن التواصل الفعال لا يحدث إلا عندما تكون اللغة المستخدمة بواسطة المرسل (مؤلفي الكتاب المقدس في هذه الحالة) متصلة مباشرة بالنظرة العالمية للمتلقي (مفسر الكتاب المقدس). فاللغة تصبح مفهومة فقط عندما يستطيع المتلقي أن يفهم النظرة العالمية للمرسل، وبذلك يسمع الكلمات في سياق النظرة العالمية للمرسل.
وحيث أن تأثير النظرة العالمية للشخص يكون شديد العمق والتغلغل، فقد يئس البعض من إمكانية وجود تواصل مفهوم بين البشر من حقب وثقافات مختلفة. بل الحقيقة أن أصحاب النظريات الأكثر تطرفاً قد يئسوا من إمكانية وجود تواصل دقيق بين الذكور والإناث من نفس الثقافة أو حتى بين أي شخصين.
لكن الوجودي المتدين يؤمن أن المشكلة تحل عندما يأتي الدارس للنص الكتابي القديم بحياته الشخصية إلى تلك العملية من الفهم، بحيث ينتج “المزج” بين النص القديم والاستجابة الشخصية المعاصرة، كلمة صحيحة من الله.
يزعم المنهج الوجودي أن الحياة الشخصية للمفسر تلعب دوراً تشكيلياً في معنى أي عملية توصيل للمعلومات. فالمفسر يصل دائماً إلى تفسير يتكون إلى درجة ما من مزيج من أفكاره الخاصة وأفكار المؤلف الأصلي. فحيث أن المفسر قد تفاعل مع النص، فإن النص يعيد تشكيل فكر المفسر، لكن بسبب تفاعل النص مع المفسر، يعيد المفسر تشكيل رسالة النص.
بحسب هذا الاتجاه الوجودي، لا تعد الفجوة بين النص والمفسر أمراً مؤسفاً، بل أنها تمثل الديناميكية التي تنشط كل تفسير. السبب في ذلك هو أن المنظور الجديد، المفترض أنه أوسع، الذي يحدث نتيجة التفاعل بين النص والمفسر، يصبح هو الأساس الذي عليه يحدث اللقاء التالي مع النص.
التفسير الجديد والدائرة التفسيرية
تم إعطاء اسم “التفسير الجديد” لعملية تطبيق المنهج الوجودي على ظاهرة الفهم البشري. ويطلق عليه “جديد” لأنه يأتي بالمفسر إلى دور تشكيلي في عملية التفسير. ويطلق عليه “تفسير” في صيغة المفرد، لأنه لا يعنى بالإرشادات أو الوسائل التي بها يعين المرء معنى النص – وهي المهمة التقليدية للتفسيرات (بصيغة الجمع) – ولكنه يعنى فقط بهذا المنهج أو النظرية المنفردة في فهم الفكر البشري.
يوضح التفسير الجديد مشكلة “الدائرة التفسيرية”. تتضح الناحية الدائرية للتفسير عندما يسأل المرء “أيهما جاء أولاً، النص أم سياق المفسر؛ أفكار المؤلف القديم أم أفكار المفسر؟” وهذا سؤال مشروع ويمكن أن ينبه المفسر لخطأ افتراض أن الكتاب المقدس يمكن قراءته بطريقة شديدة الموضوعية مما يجعل التفسير حراً من التحيز أو البقع المظلمة.
لكن هناك اختلاف جوهري بين منظور التفسير الجديد والمنهج التاريخي لفهم الكتب المقدسة، كما هو معروض في هذا الكتاب. يقول التفسير الجديد أنه لا يوجد طريق للخروج من هذه الدائرة، فلا توجد موضوعية في التفسير، ولا معنى ثابت في النص بمعزل عن مدخلات المفسر. لكن الكتاب المقدس هو توصيل لمعلومات من الله، واللغة البشرية الموحى بها في النص مؤيدة ومدعّمة بحقه ومصداقيته وعدم تغيّره.
فالنص صادق بطريقة موضوعية، ومستقل عن تفسير أي شخص له. وهكذا فإنه بالنسبة للذين يقبلون السلطة المستقلة للكتاب المقدس، لا يحاول المفسر أن يختلق معنى جديداً، رغم أنه يحاول أن يفهم ويطبق المعنى الموضوعي لمقطع كتابي بطريقة أكثر أصالة مما كان يحدث في الماضي. ربما يكون هناك بهذه الطريقة تفسير جديد سليم. للكن لا يكون هناك إعلان سلطوي جديد لحق الله.
لكن قبول الحق المستقل الموضوعي للكتاب المقدس لا يحل بالكامل المشكلة التي تثيرها “الدائرة التفسيرية”. فكيف يمكن لأي مفسر يعنق حشداً من الافتراضات المسبقة الواعية واللاواعية، أن يعرف أنه ينظر للنص من منظور الله، غير متأثر بتحيزاته الشخصية؟ يصدق التفسير الجديد عندما يزعم أن النص ليس سلبياً. بمعنى أن النص ليس مجرد موضوعاً للفهم، لكن الكتاب المقدس كتاب حي، يفحص ويفسر المفسر.
كما يصدق التفسير الحديث أيضاً عندما يرضى بأن يشترك النص مع المفسر في العملية. فكما أن المسيحي الحديث لا يولد في العائلة كامل النمو، ولكنه ينمو في التقوى طوال حياته، كذلك أيضاً النمو في الفهم وتطبيق الكتاب المقدس، يستمر طوال رحلة المسيحي. لكن التفسير الجديد معيب بصورة خطرة، لأنه ينكر موضوعية الحق ويرفض السلطة المستقلة للكتاب المقدس.
رغم أن الجزء القديم من عملية التفسير (النص الموحى به) والعنصر الحديث (دور المفسر) لا يمكن الفصل بينهما، إلا أنه يمكن ويجب التمييز بينهما. فسلطة الله تقف خلف الكلمة التي تم التحدث بها في السياق القديم؛ ولكنها لا تقف خلف ما يأتي به المفسر إلى النص. الكتاب المقدس حق وسلطوي؛ لكن التفسير قد يكون كذلك أو لا يكون.
بحسب التفسير الجديد، يقفز المفسر إلى عملية دائرية دائمة في التفسير، ويتحرك فيها بواسطة عدم يقينية وتعقيدات السياق الحالي، متأثراً بالنص القديم. لكن بحسب الوسيلة التي ينادي بها هذا الكتاب، يعترف المفسر بحق ومصداقية وسلطوية الكتاب المقدس الذي أعطي في السياق القديم، ويستخدم ويوظف الإرشادات لأجل التفسير المناسب الذي يجعل النص يتحدث عن نفسه.
رغم أن المفسر لا يكون حراً على الإطلاق من تأثير السياق الحالي، إلا أن معنى النص السلطوي يكون موجوداً ويكون عليه اكتشافه. يمكن للمسيحي أن يكون واثقاً من تقدمه نحو الفهم والتطبيق السليم للكتاب المقدس، لأن المسيحي يتحرك نحو هدف ونقطة ثابتة، وليس نحو هدف متحرك بالتفسير الوجودي.
الأكثر من ذلك، يمكن للمفسر المسيحي أن يكون على يقين تام من معنى التعاليم الأساسية العظيمة للكتاب المقدس – مثل وضوح إعلان الله. إن اليقين لا يتطلب معرفة مرهقة بكل حق الله. بكلمات أخرى، يمكن للمسيحي أن يفهم حق الله ويعيش في ضوئه بدون أن يزعم أنه فهم واستوعب بالكامل كل حق الله. هذا التمييز يساعد المسيحي على تجنب الشك القوي من ناحية، على عدم التهاون في العقيدة في التفسيرات موضع الخلاف، من ناحية أخرى.
تنشأ العديد من المفاهيم والتحذيرات عند تقييم التفسير الحديث. أولاً، يجب على المفسر أن يحمي الاستقامة والسلطة المستقلة للنص الكتابي بأي ثمن. ثانياً، إن تفسير الكتاب المقدس لا يمكن أن يتم بموضوعية كاملة. ثالثاً، يجب على المفسر أن يقترب إلى النص ويتعامل معه باتضاع.
رابعاً، حيث أن المفسر ليس هو الشخص الوحيد الذي يقوم بتفسير الكتاب المقدس، فإنه يجب أن يدرك قيمة وأهمية الكنيسة في التفسير. خامساً، تفسير الكتاب المقدس هو عمل يستمر طوال الحياة، حيث ينتقل بنا الله من درجة من المعرفة إلى أخرى. سادساً، يمكن للكنيسة أن تنال اليقين بدون الحاجة لأن تفهم تفسير الكتاب المقدس كله. وسابعاً، يجب تجنب الجزم بالرأي في الأمور التي لم تتضح بواسطة الكتب المقدسة.
إن التفكير الوجودي، السائد بواسطة بارث، ثم بلتمان، وأخيراً بواسطة التفسير الحديث، لم يعد له اتجاه سائد. بل بدلاً من ذلك، ينقسم مجال النقد التاريخي بين الكثير من المناهج والاتجاهات، ليس جميعها وجودي.
ففي البحث عن نماذج جديدة لعبور الفجوة من الوثائق القديمة إلى الفكر الطبيعي المعاصر، يسعى العلماء نحو النقد الأدبي، واللغوي، وفلسفة اللغة، والعلوم الاجتماعية. لكن لم يأت منهج ما إلى وضع السيادة والهيمنة بعد. من ناحية أخرى، يتجه العديد من العلماء الإنجيليين السابقين نحو منهج بارث القديم.
رغم أن الوجوديين في القرن العشرين قد شرعوا في استعادة كلمة الله من حطام العقلانيين، فإنه بنهاية القرن أصبحوا في مثل ذلك التدمير لأية كلمة موضوعية صادقة وسلطوية من الله. ربما يكون هذا نتيجة حتمية لمحاولة بشر محدودين ساقطين أن يبحثوا في أنفسهم عن إجابات، الأمر الذي يعتبر عيب قاتل للمنهج الوجودي. ففي النهاية لا يمكن أن نهرب من الذاتية، وخاصة ذاتية المنهج الطبيعي.
مراجع مختارة للمزيد من الدراسة
أكتيميير، بول جي. An Introduction to the New Hermeneutic. Philadelphia: Westminster. 1974.
بارث، كارل. Church Dogmatics المجلد الأول، The Doctrine of the Word of God ترجمة جي تي طومسون. New York: Scribners, 1936.
برونو، إميل. Truth as Encounter. ترجمة إيه دبليو لوس ودي كارنز Philadephia: Westminster, 1964.
بولتمان، رودلف. The Problem of Hermeneutics في Essays Philosophical and Theological ترجمة جي سي جي جريج، الصفحات 234-61. London: SCM.1955.
جرونلر، وريس جوردون. Meaning and Understanding: The Philosophical Framework for Biblical Interpretation. Grand Rapids: Zondervan. 1990.
سيلفا، مويزس. Has the Church Misread the Bible? The History of Interpretation. In the Light of Contemporary Issues. Grand Rapids: Zondervan, 1987.
روبينسو، أنتوني. The Two Horizons: New Testament Hermeneutics and Philosophical Description. Grand Rapids: Eerdmans, 1980.