حوار مع دانيال والاس| ترجمة: فادى اليكساندر
حوار مع دان والاس
ترجمة: فادى اليكساندر
هذا هو حوار المُحقق المسيحى، لى ستروبل، مع العالم دانيال ب. والاس. نُشِر هذا الحوار كالفصل الثانى من كتاب “القضية ليسوع الحقيقى”، و الذى يحتوى على العديد من الحوارات مع العديد من العلماء. بفحص ذكى، يُعرِض لى ستروبل أهم الشكوك التى ظهرت مُؤخراً، و يفتح الباب أمام الإبداع العقلى فى تقييم الدليل المتوفر. شهد العام 2005 صدور الكثير من الكتب المُهاجمة للإيمان المسيحى، بشكل غير مسبوق؛ خاصةً أن أغلبها صدر من أساتذة جامعيين. ليجىء العامين 2006 و 2007، ليشهدا صدور التصدى الإنجيلى لهذا الهجوم العنيف، بواسطة مجموعة من العلماء المؤمنين. بدايةً من شفرة دافينشى، مروراً بجيمس تالبوت و بارت ايرمان، إلى عودة المؤلف مايكل بيجنت، من الجانب الليبرالى، ثم ظهور الإهتمام الإنجيلى بالرد على هذه الكتب بدايةً من جارى هابيرماس، مروراً بداريل بوك، دانيال والاس، كريج إيفانز، إلى ظهور عَلم العِلم الكتابى فى بريطانيا و أوروبا توم رايت، من الجانب الإنجيلى. و مثلما كان النقد التاريخى لحادثة القيامة هو جوهر النقد الليبرالى للإيمان المسيحى، ظل كذلك فى الأعوام الأخيرة؛ و ظهر نقد حاد لحقيقة قيامة الرب من الموت.
إلى جانب القيامة، أصبح الإهتمام بنص العهد الجديد، و مدى موثوقيته، فى جوهر الإهتمام بعد ظهور كتاب بارت ايرمان “سوء إقتباس يسوع”. فهناك إختلافات فى المخطوطات، و هناك دوافع لبعض هذه الإختلافات، بل و هناك أسباب لاهوتية لتغيير النص. هل يُمكننا الثقة بعد ذلك فى النص؟ و هل يُمكننا أن نثق بأن صورة يسوع كما هى بين أيدينا، هى نفس الصورة التى سجلها المؤلفين؟ نعم، أعتقد أنه يُمكننا. جرّد نفسك من كل نزعاتك و توجهاتك و خلفياتك المُسبقة، مسيحى كنت أو مسلم، فإخلع عنك إعتقادك بموثوقية النص أو تحريفه، و أنفض عنك الإيمان بقدسية العهد الجديد أو بشريته التامة، لنبدأ فى تحرى ما الذى يقوله الدليل، و لنحاول الوصول إلى أفضل تفسير ممكن للبيانات المتوفرة بين أيدينا.
المناظرة بين دانيال والاس و بارت ايرمان كبيرة جداً، سواء فى كتابات الإثنين أو مناظرتهما الصوتية أو حواراتهما على الإنترنت. و كما أصبحت كتابات إيرمان فى متناول القارىء العربى، رأيت أنه من الواجب على الباحث العلمى الحقيقى أن يقرأ كل وجهات النظر، و يرى كل التفاسير المتوفرة للدليل، لذا ترجمت كتابات والاس. و رغم أن هذا الحوار هو آخر ما ترجمت لوالاس، فقد رأيت أنه أهم ما كُتِب، لأنه لا يتعامل مع مفاهيم النقد النصى فحسب، بل مع مفاهيم الوحى و العصمة، الإحتمال و اليقين، الحادث و المؤامرة.
تمت الترجمة، بإذن من لى ستروبل المؤلف، و دار زونديرفان، الناشر، عن كتاب:
The Case for The Real Jesus: A Journalist investigates Current Attacks on The Identity of Christ, By Lee Strobel, Zondervan; USA 2007, Pp. 65-100
القضية ليسوع الحقيقى: صحفى يتحقق الهجوم الحالى على هوية المسيح، لى ستروبل، إصدار دار زونديرفان للنشر، الولايات المُتحدة 2007، ص 65 – 100.
المُتَرجِم
“لا يُمكن الثقة فى صورة الكتاب المقدس عن يسوع لأن الكنيسة تلاعبت بالنص”
حينما كنت مُحققاً فى صحيفة شيكاغو تريبيون، كانت هناك طالبة جامعية من مدينة صغيرة فى وسط شرق البلاد، بدأت العمل فى القسم الداخلى لفترة الصيف. كان والديها غير راضيين عن عملها فى مدينة كبيرة و سريعة الحال كهذه، لذا إعتادت والدتها على أن تكلمها هاتفياً بإنتظام لتطمئن عليها.
و فى أحد الأيام، رن هاتف القسم الداخلى، فرد على الهاتف مُحقق كان عابراً من أمامه. ثم حينما سألت الوالدة إذا كانت تستطيع ان تكلم إبنتها، أجاب المُحقق قائلاً:”آسف، إنها فى المشرحة الآن”.
الصراخ الذى جاء عبر الهاتف جعل المُحقق يتذكر بأنه ليس كل شخص يألف اللغة الصحفية. فهو لم يكن يُشير الى مشرحة الدولة، حيث تُوجد جثث الموتى؛ لكن فى لغة الصحافة، المشرحة تعنى مكتبة الصحيفة حيث تُوجد الأعداد و المقالات القديمة.
مُصطلح المشرحة مازال يُستخدم لليوم، لكن التكنولوجيا غيّرت كيفية تعامل الصحف مع أرشيفاتها. حينما كنت مُحققاً فى جريدة تريبيون شيكاغو، كان أمناء المكتبات يلتقطون المقالات من الصحف بدقة، ثم يقوموا بطيهم بإتقان شديد، ثم يضعونهم بداخل مظروفات صفراء، بحسب عنوان المقال، كل شخص تم ذكره فى المقال، و إسم المُحقق. لكن الباحثين من خارج الجريدة كان نادراً ما يتم منحهم فرصة للدخول الى المشرحة بهدف حماية هذا المخزن التاريخى القيّم.
أما اليوم، فأرشيفات صحف كثيرة يُمكن البحث فيها إلكترونياً عن طريق الإنترنت. فى عام 2006، أعلنت صحيفة نيو يورك تايمز بأنها ستعطى مُنتفعيها المنزليين، دخول مجانى لكل مقال نشرته الجريدة منذ عام 1851، و هو كنز تاريخى يُقدم توضيحات لأحداث جرت فى الماضى.
غالبية المؤرخين اليوم لا يستطيعون الوصول الى العدد الأصلى من الجريدة الموجودة فى المظروف الأصفر على الورق الصحفى الجاف. لكن بدلاً من ذلك، فيستطيعون الوصول الى نُسخة إلكترونية من الحدث، و هى النُسخة التى من السهل تغييرها عن طريق شخص يُريد إعادة كتابة أحداث التاريخ. كمثال، فالتحقيقات التى كانت تُسبب حرجاً و التى لا تنتهى لصحيفة نيو يورك تايمز كانت، دائماً ما كانت تأخذها من مُنافستها صحيفة واشنطن بوست، أثناء التحقيقات الغزيرة التى دارت فى السبعينات. ماذا اذا قام أحدهم فى صحيفة نيو يورك تايمز بالتدخل فى نصوص التحقيقات من المقالات الغزيرة ليجعلها تبدو و كأن نيو يورك تايمز هى التى إنتصرت على واشنطن بوست؟
حينما يصل أى باحث الى هذه المقالات التى تم التلاعب بها، كيف يُمكنه ان يُحدد ما هى الأجزاء الأصلية فى القصة، و ما الذى قد تمت إضافته لاحقاً؟ هناك عدة إرشادات: فالإضافات المتأخرة سوف تخدم صحيفة نيور يورك تايمز. إسلوب الصياغة سيكون مختلف عن بقية القصة. و بدلاً من أن تكون هذه الإضافات ملائمة للسرد القصصى فى المقال، فستكون بالتأكيد غير مناسبة لمكان وضعها. و الأكثر أهمية من كل ذلك، يستطيع الباحثين زيارة المكتبات فى المدينة و يتأكدوا من نُسخ الميكرو فيلم لمقالات نيو ورك تايمز. نُسخ الميكرو فيلم هذه تسبق النُسخ المزيفة، و بالمقارنة سوف يتم كشف التغييرات التى تمت فى النُسخة الإلكترونية.
هذا تشبيه تقريبى للطريقة التى يُحاول بها العلماء إعادة تكوين النص الأصلى للعهد الجديد. أقدم النُسخ البردية إندثرت فى الرمال. و حتى طبع أول عهد جديد يونانى فى بدايات القرن السادس عشر، كان النُساخ يقومون بعمل مخطوطات منسوخة باليد من العهد الجديد. ورود الأخطاء أمر حتمى فى هذه العملية البشرية المُطلقة، إذن، فكيف نتحقق من أن النص الذى بين أيدينا الآن لم يتغير على نحو هام؟
العلماء المتدربين فى “النقد النصى” يستخدمون طُرق علمية تحليلية متنوعة ليتثبتوا من صياغة النص الأصلى. إنهم يبحثون بدقة فى المخطوطات، فى بحث مُضنى عن القراءات الشاذة.
يقومون بعمل مُقارنة حريصة للمخطوطات القديمة ذات تواريخ مختلفة و أماكن متنوعة، لمعرفة أين يتفقون و أين يختلفون. لقد كانت هذه العملية عبارة عن مساعى أمينة سرية، حتى قام أحد نُقاد النص العالميين، بارت د. ايرمان، بكتابة أول كتاب حول هذا الموضوع بإسلوب عامى، سوء إقتباس يسوع، الذى كاد ينفجر على قمة قائمة الكتب الأفضل مبيعاً فى عام 2006. كان هذا الكتاب لشهور هو الكتاب الدينى الأول فى أميركا.
لكن عنوان الكتاب، فعلاً، تسمية خائطة. لا يُوجد فى صفحاته الـ 242 أى شىء تقريباً حول سوء إقتباس كلمات يسوع. لكن رسالة الكتاب هى أن القراء لا يستطيعون الثقة فى نص كتابهم المقدس، و الصورة العامة المعروفة ليسوع المُستقاة من العهد الجديد، من المُحتمل انها لم تعد بعد صورة موثوق بها.
“لا نمتلك الأصول!”
لقد دق كتاب ايرمان أجراس الإنذار لدى العامة. إيرمان، رئيس قسم الدراسات الدينية بجامعة شمال كارولينا فى تشابيل هيل، سجل بأن عدد القراءات، أو الإختلافات بين المخطوطات المتنوعة المكتوبة بخط اليد، يصل الى 200000 و ربما الى 400000، و أن عدد القراءات الموجودة فى المخطوطات أكبر من عدد كلمات العهد الجديد!
يتسائل إيرمان:”كيف يُمكن ان يُساعدنا القول بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله المعصومة، اذا كنا فى الحقيقة لا نمتلك الكلمات التى أوحى بها الله معصومةً، بل فقط الكلمات التى نسخها النُساخ، بعض الأوقات بشكل صحيح، و بعض الأوقات (كثير من الأوقات!) بشكل غير صحيح؟”. ثم صرّح:”نحن لا نمتلك الأصول! لدينا فقط نُسخ غير معصومة عن الخطأ، و الغالبية العظمى من هذه المخطوطات يفصله قرون عن الأصول، و مختلفين فيما بينهم، بآلاف الطرق”.
و مما يُسبب إشكالاً أكبر، تصريح ايرمان بأن بعض النُساخ تلاعبوا عبر القرون مع النص بتعمد، لأسباب لاهوتية و أسباب أخرى. فقد قال:”فى بعض الحالات، معنى النص فى خطر، و يعتمد على كيفية حل الفرد للمشكلة النصية”. فكمثال:
“هل كان يسوع رجلاً غاضباً؟ هل كان مهتاج تماماً فى مواجهة الموت؟ هل أخبر تلاميذه أنهم يستطيعون شرب السم ولا يضرهم؟ هل أفلت زانية من أيدى ممسكيها دون اى شىء سوى تحذير مُعتدل؟ هل عقيدة الثالوث عُلِم عنها فى العهد الجديد بوضوح؟ هل دُعى يسوع حقاً “الإله الوحيد” فى العهد الجديد؟ هل يبين العهد الجديد بأن حتى ابن الله نفسه لا يعرف متى ستكون النهاية؟ الأسئلة كثيرة…”
الكثير من القراء صُعقِوا حينما إنصرف ايرمان عن تأييد أصالة واحد من أكثر المقاطع شعبية و حباً فى الكتاب المقدس. قصة حنو يسوع غافراً لمرأة زانية. بل و الأكثر، خاتمة إنجيل مرقس، و التى تُسجل ظهورات يسوع بعد القيامة، و أكثر مقطع وضوحاً فى الكتاب المقدس فى وصف الثالوث، كل هؤلاء إضافات متأخرة، لا تنتمى للعهد الجديد حقاً.
ايرمان ليس العالم الوحيد الذى يُشكك فى أمانة إنتقال العهد الجديد. لقد كتب أعضاء سيمينار يسوع:”حتى النُساخ الحريصين، إرتكبوا بعض الأخطاء، كما يعلم كل مُحقق. إذن، فلن نكون قادرين على الزعم بأى معرفة دقيقة أكيدة حول ماذا كان النص الأصلى لأى نص كتابى. و قال المُلحد ريتشارد س. كاريير:”الكثير من هذه القراءات المتضاربة لا يُمكن تفسيرها كأخطاء نسخية مُجردة، بل إنها تسير تبعاً لأيدولوجية بالطبيعة”.
مع ذلك، فقد كان كتاب ايرمان – المُحفز للقراءة، البارع، و الذى يبدو مُوثوق به جداً – الذى أشعل السجال حقاً. أحد اسباب نجاح كتاب ايرمان الواسع، هو الطريقة التى يسرد بها ايرمان بشكل جذاب، كيف أن الأخطاء فى نص العهد الجديد كانت هى التى دفعته الى رحلة شخصية من المسيحية الى اللاأدرية.
لقد وُصف أنه حصل على:”إختبار الميلاد الثانى”، عن طريق مجموعة طلابية مسيحية فى المدرسة الثانوية، ثم تخرجه من معهد مودى الكتابى (“نوع من المعسكرات المسيحية”) ثم من كلية ويتون الإنجيلية التى يتغنى بها بيلى جراهام. ثم وصل الى مرحلة حاسمة حينما كان يدرس فى معهد برينسيتون اللاهوتى الأكثر ليبرالية، حينما كتب بحثاً يُقدم فيه بعض الحلول لشرح تناقض ظاهرى فى إنجيل مرقس. يقول ايرمان:”كان علىّ ان اقوم ببعض المناورات التفسيرية لشرح المشكلة”، لكنه إعتقد أن استاذه الذى كان “عالم مسيحى جيد” سوف يُقدر عمله. لكن بدلاً من ذلك، كتب الاستاذ ببساطة على البحث:”ربما يكون مرقس قد اخطأ”.
يقول ايرمان عن هذا التعليق، أنه:”دخل مباشرةً إليه”. ثم إستنتج: حسناً، نعم، ربما إرتكب مرقس خطأ، ثم “زالت كل الحواجز”. و قال، ربما هناك اخطاء أخرى ايضاً فى الكتاب المقدس. نتج هذا فى “تغير زلزالى” دفعه الى الإستنتاج بأن الكتاب المقدس:”كان كتاباً بشرياً من البداية للنهاية”. و اليوم، يصف نفسه بأنه “لاأدرى سعيد”، و حينما تأتى نهاية حياته، “سينقطع عن الوجود، مثل البعوضة التى دهستها أمس”.
الموضوعات التى يتناولها الكتاب أصبحت تحدياً لإيمان الآخرين. هذا نص أحد الرسائل التى تلقيتها:
“من فضلك ساعدنى. لقد قرأت لتوى كتاب بارت ايرمان: سوء إقتباس يسوع. لقد نشأت فى الكنيسة و انا الآن عمرى 26 عاماً. هذا الكتاب دمر إيمانى. انا لا أريد ان ابقى فى الظلام؛ أريد أن اعرف ما الذى يحدث فى الكتاب المقدس و ما الذى يجب أن اؤمن به، حتى لو كان ذلك ضد ما آمنت به منذ ان كنت ولد صغير. هل إيرمان على صواب؟”
هذا السؤال هو الذى دفعنى لأستقل طائرة الى دالاس، باحثاً عن ناقد نصى آخر شهير، ترخيصاته العلمية تُنافس التى لإيرمان. لقد كان الخطر هو سواء كان العهد الجديد يُمكن الوثوق به فى تزويدنا بصورة موثوقة حول يسوع الحقيقى.
الحوار الثانى: دانيال ب. والاس، دكتوراه الفلسفة فى اللغة اليونانية
قصص هروب مُخيف من الموت، صدف عجيبة، تقلبات غريبة من القدر، أحداث شاذة، سواء كان قديماً او حديثاً، فكل المُحققين يضغط عليهم المُنقحين للكتابة عن قصة قصيرة عن نوع ما من المواقف الطريفة التى تنتمى الى سلسلة ريبلى “صدق أو لا تُصدق”. لقد رأيت الكثير منها على مدى السنين. يقرأهم الناس و أعينهم متسعة، ثم حينما ينتهون يقولون لأنفسهم:”آه، هذا غريب فعلاً”. هذا هو نوع المقالات التى تتناقل عبر الإنترنت.
دانيال ب. والاس يُمكن أن يكون أحد هذه القصص. أمره غريب جداً: والاس الذى لم يكن يعرف اللغة اليونانية، علم نفسه اليونانية ليصبح أحد أهم خبراء العالم فى اللغة اليونانية، و قد قام بهذا عن طريق دراسته لبعض الكتب المدرسية التى كتبها هو بنفسه!
حسناً، هذا يحتاج الى شرح. لكن لنعطى خلفية عنه اولاً: والاس هو أستاذ دراسات العهد الجديد بمعهد دالاس اللاهوتى، و أحد أعلى السلطات فى العالم فى النقد النصى. عنوان رسالته للدكتوراه يُبين إلى أى مدى يُمكن التخصص فى يونانية العهد الجديد: آداة التعريف مع عدة أسماء مرتبطة بـ “و” Kai فى العهد الجديد: دلالات الألفاظ و أهميتها. والاس قام بأعمال ما بعد الدكتوراه فى تيندال هاوس بجامعة كامبريدج، و كذلك جامعة توبينجين، و معهد البحث النصى للعهد الجديد، و كلاهما فى ألمانيا.
و حالياً، هو المدير التنفيذى لمعهد الجديد للنقد النصى، مركز دراسة مخطوطات العهد الجديد الذى يهدف الى حفظ مخطوطات العهد الجديد رقمياً، حتى يتمكن العلماء و غيرهم من فحصهم عن طريق برامج الإنترنت. بين عامى 2002 و 2006، قام المركز بتصوير أكثر من 35 ألف صورة رقمية عالية الجودة لمخطوطات العهد الجديد اليونانى، و منهم نصوص عديدة مُكتشفة مُؤخراً.
لقد سافر والاس الى دول العالم حتى يستطيع أن يدرس بنفسه المخطوطات القديمة، فزار الفاتيكان، جامعة كامبريدج، جبل سيناء، إسطانبول، فلورينسا، برلين، دريسدين، مونستر، كولونيا، بطمس، اورشاليم (القدس)، و أماكن أخرى.
كان هو المُنقح الأعلى للترجمة الإنجليزية الحديثة للكتاب المقدس (NET)، التى يُوجد بها حواشى توضيحية أكثر من أى نُسخة أخرى للكتاب المقدس تم نشرها، و هو عضو فى جمعية دراسات العهد الجديد (الجمعية العالمية لدراسات العهد الجديد). ظهرت مقالاته فى مجلات: دراسات العهد الجديد، العهد الجديد، كتابيات، مجلة ويستمينستر اللاهوتية، منتدى البحث الكتابى. بالإضافة الى ذلك، فقد ساهم بأربعين مقالاً لقاموس نيلسون الكتابى التوضيحى، و أكثر من 150 مقال فى الدراسات الكتابية نُشِرت فى موقع مؤسسة الدراسات الكتابية.
و من ضمن كتب عديدة ساهم فى تأليفها، كتابه ذو المستوى الشعبى إعادة إكتشاف يسوع، حيث ينتقد كتاب إيرمان سوء إقتباس يسوع. لكن والاس مشهور أكثر بين طلاب المعاهد اللاهوتية بسبب كتابه المدرسى: النحو اليونانى فيما بعد الأساسيات، الذى تستخدمه ثلثى مدارس الدولة التى تُدرس اليونانية، بما فيهم كلية يال اللاهوتية، معهد برينسيتون اللاهوتى، و جامعة كامبريدج.
لقد كان ذلك بعد أن أنهى والاس كتابه المدرسى حينما تعرض لنوبة شلل بسبب إلتهاب فيروسى فى أنسجة المخ، جعله طريح كرسى مُتحرك لأكثر من عام و أضعف ذاكرته. فى بعض الأوقات كان يجد صعوبة فى تذكر إسم زوجته. و بالتالى، فقد معرفته باليونانية تماماً، و هو الأمر الذى دفعه أن يستخدم كتابه و كتب أخرى ليُعلم نفسه مرة أخرى هذه اللغة القديمة الصعبة. و هذه هى بقية القصة، كما يُحب أن يقول مُعلق الإذاعة بول هارفى.
فى عالم نُقاد النص، فإسم والاس هو أحد الأسماء القليلة التى يمكن وضعها بجوار إيرمان. هذا ما جعلنى أدق على منزله بدالاس فى مساء يوم جمعة، و الذى كان مُصادفاً فيه عشاء بيتزا فى بيت والاس. جلسنا حول طاولة المطبح نستمتع بالعشاء و مناقشة لطيفة، و بعد ذلك دخلنا الى مكتبه، و هو عبارة عن مكتبة مُكونة من حجرتين تتسع الى ستة آلاف كتاب.
والاس، ذو الشعر المُجعد الرمادى الغامق و لحية صغيرة رمادية، لم يقدر على مقاومة رغبته فى أن يرينى فخر ممتلكاته. أحضر مجلداً ضخماً سميكاً بحرص من على رف الكتب، ثم فتحه ببطأ على مكتبه. لقد كانت واحدة من بين 450 نُسخة منُتجة حديثاً للمخطوطة الفاتيكانية، و هى مخطوطة تعود الى أقل من 250 عام بعدما كُتِب العهد الجديد. البعض يقول بأن هذه المخطوطة كانت من ضمن المخطوطات الخمسين الذى أمر بتحضيرهم الإمبراطور قسطنطين بعد مجمع نيقية.
والاس قلّب الصفحات بلطف ليُرينى أعمدة من الخط اليونانى المكتوب بحروف بوصية (أو كبيرة)، و هو يخطف لمحة على رد فعلى، ليرى إذا كنت قد أبديت تقديراً مناسباً لجمال المخطوطة، تاريخها، و أهميتها. الحقيقة لقد كنت ممتلىء بالرهبة. كانت هذه النُسخة (الصناعية) مُفصلة، مصنوعة بدقة فى الفاتيكان، حتى أنها تبين ثقوب الصفحات فى نفس الأماكن التى تخرمت فى المخطوطة الفعلية.
ثم ذهبنا الى مقعدين متقابلين من الجلد لتبدأ محادثتنا. كان والاس، الذى يرتدى تى شيرت أخضر غامق و بنطال جينز أزرق و جوارب بيضاء و نظارة ذهبية تتدلى على أنفه، حيوى و فى كامل تركيبه رغم ان الوقت كان قد بدأ فى التأخر. لقد كان والاس عبارة عن مزيج مُبهر: كان راكباً للامواج سابقاً فى كاليفورنيا، حيث كان فى وقت من الأوقات يطوف المياه المتموجة فى الشواطىء، و الآن يقضى ساعات لا تُحصى فى الأديرة العتيقة و المكتبات المُتَربة فى أوروبا و الشرق الأوسط، يصور بمجهود مُضنى المخطوطات القديمة، ليحفظهم للعلماء.
كانت خطتى هى توجيه مناقشتنا نحو هل بإستطاعتنا حقاً الوثوق فى أوصاف يسوع الموجودة فى النصوص التى توارثناها عبر القرون، لكن هذا كان يعنى حتماً أن ايرمان سيكون فى الصورة.
الإمكانية، الإحتمالية، اليقين
قلت:”عالم مُحافظ قال أن ايرمان: لديه فأس كبيرة يحفر بها، و الحقيقة أنه يحفر بها جيداً بميوعة واقعية تجعلها أكثر خداعاً. لكن ألا ينطق هذا على كلا الفريقين؟ العلماء الذين يحتجون لموثوقية العهد الجديد ايضاً لديهم نزعات”.
أجاب والاس و هو يسند ظهره إلى كرسيه:”لا يُمكنك أن تفسر النص دون نزعات معينة، لكن يجب علينا أن نتحدى نزعاتنا على قدر الإمكان”.
” الطريقة التى تفعل بها هذا هو أن تنظر الى الآراء التى يتشارك بها أكثر من مجموعة من الناس. الحقيقة هى أن العلماء عبر المجال اللاهوتى بأكمله يقولون، أن مخطوطات عهدنا الجديد تعود الى الأصول فى كل الأساسيات، ليس فى كل الجزئيات، و لكن فى كل الأساسيات. ايرمان هو واحد من قلة صغيرة جداً من نُقاد النص يقول ما يقوله. بصراحة، لا أعتقد أنه قد تحدى نزعاته، بل أعتقد أنه غذاها”.
فلاحظت قائلاً:”على أحد المستويات، يبدو أن ايرمان، و بكل تجريد، قام بإخبار المستمعين العامة بكل الموضوعات التى تصارع معها نُقاد النص لقرون”.
فقال والاس:”هذا صحيح. لقد رفع الستار عن العمل العلمى، و هذا الإيحاء أرعب المسيحيين، الذين لم يكونوا مُستعدين لفهم هذه الموضوعات بكاملها. و على مستوى آخر، فهو يحاول أن يخلق شك أقوى حول ما الذى قاله النص الأصلى مُستخدما التلميحات أكثر من المادة. فينتهى القراء من الكتاب و معهم شكوك أكثر حول ما الذى يقوله الكتاب المقدس، أكثر مما قد يكون لدى أى ناقد نصى اليوم. أعتقد أن ايرمان قد غالى فى قضيته. عالم العهد الجديد المُحترم جداً جوردون فى، قال عنه:”للأسف، ايرمان غالباً ما يُحول الإمكانية المُجردة لإحتمالية، و الإحتمالية الى يقين، فى الوقت الذى يوجد أسباب أخرى تطبيقية مساوية للفساد (النصى) الموجود”.
ثم نظرت فى مذكراتى و قلت:”كيف يُمكنك ان تُجيب روبيرت فانك الذى كتب معه مشاركيه من سيمينار يسوع: لماذا اذا كان الله تحمل هذا العبء ان يُدون نصاً معصوماً للأجيال القادمة، لم يوفر الروح حفظ النُسخ الأصلية للأناجيل؟”.
فذُهِل والاس و قال:”بالنظر إلى ما فعلته كنيسة العصور الوسطى من عبادة كل انواع الذخائر المقدسة، فأنه أمر جيد أن الله لم يفعل هذا!”.
“هناك قطع من صليب يسوع عُثر عليها كافية لبناء ملعب روز باول. كم سيكون التشوش لدينا لو أن بعض من الناس زعموا بأن لديهم نصاً أصلياً لسفر ما؟ أو اذا كان لدينا الأصول فعلاً، فما الذى كان سيحدث؟ أعتقد أن هذه المخطوطات سوف تُقدس و لن تُفحص. سوف تُعبد و لن تُدرس”.
ثم إنتصب للأمام ليؤكد، و أضاف والاس:”الله لا يريد أى شخص – او أى شىء – يُعبد سواه هو. و هذا يتضمن كلمته ايضاً. بصراحة، فسؤال فانك يبدو لى كأحمق بل و حتى جاهل. من يكون هو ليقول كيف يجب ان يتصرف الله؟ و مرة أخرى، فرأيه يفترض أننا لا نستطيع إعادة تكوين النص الأصلى. بشكل رئيسى، العلماء لا يحتاجون الى التخمين حول صياغة النص الأصلى. لدينا صياغة النص الأصلى فى مكان ما فى المخطوطات. عملياً، نستطيع أن نقول بأن النص الأصلى يُمكن أن نجده فى النص المنشور للعهود الجديدة اليونانية، او فى حواشيهم”.
فأشرت الى ان مارك د. روبيرتس، الذى يحمل درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد فى دراسة الأديان، قال بأنه حتى لو قام الله بحفظ النُسخ الأصلية للعهد الجديد، فسيقول المُتشككين:”حسناً، هذا عظيم. لكن حتى هذا لا يُثبت بأن ما بهم مُوحى به إلهياً. الكتاب المقدس هو كتاب بشرى، سواء كان لديك المخطوطات الأصلية أم لا”.
فقال والاس:”أعتقد أن نقطة روبيرتس صحيحة. حتى لو كان لدينا الأصول، فالمُتشككين المنغمسين فلسفياً فى مواقفهم سوف يُحاولون إقصاءهم بعيداً عن الحوار. الكثير من المُتشككين يظهرون فقط أنهم ليبراليين: فى الحقيقة هم أحد أشكال الأصولية. قال مارتن هينجل بأن الفرق الوحيد بين الأصولى و الليبرالى الراديكالى هو مواقفهم المُسبقة. لكن منهجياتهم واحدة: يبدأون من حيث يريدون أن ينتهوا إلى ثم ينظرون الى كل الأدلة المتوفرة بإنتخابية بحسب اهوائهم، بدلاً من تقبل ما الذى يكشفه الدليل فعلاً”.
الوحى، العصمة عن الخطأ التاريخى، العصمة عن الخطأ التعليمى
أردت أن أحصل على بعض التعريفات المُباشرة فى البداية. فقلت:”الكتاب المقدس بقول بأن الكتاب المقدس هو تنفس الله. ما الذى يعتقده المسيحيين بالضبط حول عملية خلق الله للعهد الجديد؟”.
فرد والاس:”لم نُعطى الكثير من البيانات حول عملية الوحى، لكننا نعرف أن الكتاب المقدس لم يُملى من قِبل الله. أنظر الى العهد القديم: أشعياء لديه كمية مفردات ضخمة و غالباً ما يُعتبر شكسبير الأنبياء العبرانيين، بينا عاموس هو فلاح بسيط لديه مفردات متواضعة أكثر. و مع ذلك، فالكتابين مُوحى بهما. من الواضح إذن، أن الوحى لم يكن إملاء حرفى. لم يكن الله يبحث عن كتبة الإختزال، بل عن أناس قديسيين ليكتبوا كتابه”.
فسألته:”فكيف كان الوحى إذن؟”.
“لدينا بعض الإرشادات من إقتباس متى للعهد القديم قائلاً: هذا قاله الرب عن طريق النبى. ‘قاله الرب’ تعنى أن الله هو العامل الجوهرى فى النبوة. ‘عن طريق النبى’ تعنى عامل متداخل يستخدم شخصيته ايضاً. و هذا يعنى ان هذا النبى لم يكن يأخذ إملاء من الله، بل أن الله كان يتدخل عن طريق الرؤى، الأحلام، و هكذا، ثم يضعه النبى فى كلماته الخاصة. إذن فعملية الوحى لم تلغى الشخصية الإنسانية،و رغم هذا، فالنتيجة هى بالضبط التى أرادها الله”.
أردت أن احصل على مُلخص، فقلت:”أكمل هذه الجملة: حينما يقول المسيحيين أن الكتاب المقدس مُوحى به، فهم يعنوا بذلك….”
“…بأنه كلمة الله و كلمات الإنسان. سبيرى شافير لويس وضعها جيداً قائلاً: دون إقصاء شخصيات المؤلفين، فكتبوا بما شعروا به، و بقدراتهم الأدبية، و بإهتمامتهم. و فى النهاية، يقول الله: هذا هو بالضبط ما أردت أن اكتبه”.
“الأمر الملحوظ، بأن كاتبى العهد الجديد نفسهم لم يعرفوا بأنهم يكتبون كتاب مقدس، فمن الواضح إذن أن عمل الله كان يجرى خلف الستار. فى النهاية، أنا اعتقد أن هذه معجزة أعظم من أن يأتينا الكتاب المقدس نازلاً من السماء على ألواح ذهبية، لأن كتب الكتاب المقدس هى إنتاج مُجمع إهتم به الرجال كأنهم عملهم هم، بينما جوهرياً – و غالباً ما يتم لاحقاً جداً – يدركون بأنه كان هناك مؤلف آخر وراء الستار. لقد كان فى أحد آخر كتب العهد الجديد، أن بطرس إستخدم لفظ “كتاب مقدس” فى الإشارة الى رسائل بولس”.
توقف والاس للحظة، يُفكر ما اذا كان سيُضيف ملحوظة أخرى، فقال:”للأسف، بعض الإنجيليين لديهم ما أسماه أحد العلماء: نظرة دوسيتية للكتاب المقدس”.
فقلت:”مهلاً، عليك أن تُعرف هذا”.
“هذا يعنى أنهم يعتبرون الكتاب المقدس إلهياً فقط و ليس إنتاج بشرى ايضاً. الكثير من طلاب المعاهد اللاهوتية يبدأون بهذه الطريقة. فى أحد المرات، نظرت لطالب بينما كان يُترجم من اليونانية فى دفتر العمل و قلت:”لابد أن هذا من إنجيل مرقس، لأن النحو سىء جداً”. فوجىء الطالب، فقلت له:”حسناً، نعم، مرقس واحد من اسوء كُتاب اليونانية فى العهد الجديد”. لكن هذا لا يؤثر على الوحى، لأننا نتعامل مع ما هو المُنتج، و ليس كيف تم تداوله. اذا كان مارك توين يستطيع أن يقول ain’t (لا) و يتم إعتبارها كتابة جميلة، فيمكنك إعتبار مرقس كذلك”.
فقلت:”الآن، أكمل هذه الجملة: حينما يقول المسيحيين أن الكتاب المقدس معصوم عن الخطأ التاريخى، فهم يعنوا بذلك…”
“يعنوا بذلك عدة اشياء. للبعض، فإنهم يقتربون لها بإعتبارها العصا السحرية، حينما يتم معاملة الكتاب المقدس مثل كتاب علمى حديث او كتاب تاريخى، فهو يكون كامل فى ذلك الإتجاه. بعض المسيحيين يقولون، كمثال، بأن كلمات يسوع وُضعت باللون الأحمر لأنها هى ما قاله هو بالضبط”.
“حسناً، اذا قارنت حادثة ما موجودة فى أكثر من إنجيل، فحينما تقارن بينهما سوف تلاحظ إختلافات فى الصياغة. و هذا شىء جميل مادمنا لا نفكر فى أنها إقتباسات قد تم وضعها بالحرف، مثل مُسجل الكاسيت. بل إنهم لم يكن لديهم علامات تنصيص فى اليونانية. فى الكتابة التاريخية القديمة، كانوا مهتمين بإستلام المضمون بشكل صحيح عما قِيل. أما النظرة الأخرى للعصمة، على الجانب الآخر من المجتمع اللاهوتى، فهو القول بأن الكتاب المقدس حقيقى فيما يلمسه، فلا يُمكننا ان نعامله ككتابى علمى او وثيقة تاريخية من القرن الواحد و العشرين”.
فسألت:”ما هى عصمة التعليم؟”
“تعريفى لعصمة التعليم هو أن الكتاب المقدس حقيقى فيما يُعلمه. و تعريفى للعصمة عن الخطأ التاريخى هو ان الكتاب المقدس حقيقى فيما يلمسه. إذن فالعصمة عن الخطأ فى التعليم هى عقيدة تأسيسية أكثر، لأنها تقول أن كلام الكتاب المقدس فيما يخص الإيمان و الممارسة حقيقى. العصمة عن الخطأ التاريخى مبنية على هذه العقيدة، و هى تقول بأن الكتاب المقدس حقيقى ايضاً حينما يتعامل مع الموضوعات التاريخية، لكننا يجب أن ننظر له فى ضوء الممارسات التاريخية للقرن الأول.
“إذا كان علينا ان نبنى هرماً من لاهوت الكتاب المقدس، فالأساس يجب أن يكون: أنا اؤمن ان الله قام بأعمال عظيمة فى التاريخ، و الكتاب المقدس قام بتسجيل بعضاً منهم. و على قمة هذا الهرم: أن الكتاب المقدس يخبرنى الحقيقة فى خطابه عن الإيمان و الممارسات. ثم يليه: الكتاب المقدس حقيقى فيما يلمسه”.
“للأسف، فالبعض عكس الهرم و حاول أن يجعله يقف على رأسه. إذن، حينما ننظر لشخص مثل ايرمان، فنرى أنه حينما حاول أستاذ فى المعهد أن يخلع عنه الإعتقاد فى العصمة، فقد إنهدم الهرم بأكمله. و إنتهى ايرمان الى رفضه لكل شىء. المشكلة تكمن فى أنه كان يضع أولوياته فى الأماكن الخاطئة”.
فقت:”لقد كان يبدو و كأن ايرمان يقول: أوجد لى خطأ واحد، و سوف أقذف الكتاب المقدس بأكمله. هذا ما يُمكن ان تسمعه فى الكليات المسيحية الحافظة جداً”.
فهتف والاس:”كارثة حقيقية، هذه الطريقة الصادمة الحمقاء فى فهم الموضوع! لقد قمت بذلك بعمل الكتاب المقدس أقنوم رابع فى الثالوث، كأنه يجب عبادته. لقد قابلت مسيحيين يقولون لى بأن يسوع دُعى الكلمة، و الكتاب المقدس دُعى الكلمة، إذن فأنا أعبد الكتاب المقدس. هذا أمر مُرعب”.
الغطاء الوقائى
لقد عرفت من سرد ايرمان عن نفسه، كيف أن إيجاد تناقض ظاهرى واحد فى العهد الجديد، جعله يبدأ رحلته نحو اللاأدرية، فتعجبت لما يُمكن أن يكون حدث لوالاس فى موقف مشابه. سألته:”ماذا إذا خطأ واضح لا يقبل الجدل فى الكتاب المقدس؟ كيف ستتصرف؟”.
فكر لدقيقة، ثم رد قائلاً:”سوف أقول، حسناً، أعتقد أنه علىّ ضبط بعض الإعدادات حول ما أعتقد فيه على قمة الهرم. لكنه لن يؤثر فى رؤيتى الأساسية للمسيح. انا لا ابدأ بالقول: اذا كان الكتاب المقدس به اخطاء قليلة، فسأقوم بقذفه كله. هذا ليس موقف منطقى تماماً. نحن لا نفعل المثل مع ليفى، تاسيتوس، سيوتونيوس، أو كتابات أى مؤرخ آخر قديم. كمثال، هل يجب أن يكون مؤرخ القرن الأول اليهودى يوسيفوس معصوم قبل أن نؤكد أنه كتب أى شىء صحيح؟”.
“اذا فعلنا هذا مع الكتاب المقدس، فكأننا نضعه على قاعدة ثم ندعو الناس لأن يضربوا هذه القاعدة. ما يجب أن نقوم به مع الكتاب المقدس، هو أن نقول بأنه شاهد عظيم لشخص يسوع المسيح و أعمال الله فى التاريخ. الآن، هل هو أكثر من مجرد هذا؟ نعم، أعتقد ذلك. لكن سواء هو أكثر من ذلك أو لا، فإن خلاصى فى آمان فى المسيح”.
سألته:”إذن، ليس من الضرورى لأى شخص أن يؤمن بالعصمة عن الخطأ التاريخى ليكون مسيحياً؟”.
فبدأ فى الإجابة قائلاً:”شخصياً، اؤمن بالعصمة عن الخطأ التاريخى. لكنى لن أعتبر العصمة عن الخطأ التاريخى عقيدة أولية أو عقيدة أساسية كى أنقذ إيمانى. أنها ما أسميه عقيدة “الغطاء الوقائى”. صورة لها دوائر متراكزة، و فى جوهرها العقائد الأساسية فى المسيح و الخلاص. بعدهم بقليل بعض العقائد الأخرى، إلى أن نصل فى النهاية الى العصمة عن الخطأ التاريخى، بعد كل شىء. لأن هدف العصمة عن الخطأ التاريخى هو حماية هذه العقائد الداخلية. لكن اذا كانت العصمة عن الخطأ التاريخى غير حقيقية، فهل هذا يعنى أن العصمة عن الخطأ فى التعليم غير حقيقية ايضاً؟ لا. لأنه أمر غير مُلزم القول بأننى لا أستطيع أن أثق فى الكتاب المقدس فى تفاصيل التاريخ، لذا فأنا لا أستطيع الثقة به فى أمور الإيمان و الممارسات”.
“السؤال الذى اسأله الآن: ما الذى يجب أن يؤمن به الشخص ليخلص؟ هل تستطيع أن تخلص اذا كنت لا تؤمن أن يسوع قام من الموت أو انه ليس الله المُتجسد؟ لا أعتقد ان الكتاب المقدس يمنحك هذا الإمتياز. هل تستطيع أن تخلص اذا إعتقدت بأن الشياطين المذكورة فى الأناجيل غير حقيقية؟ لا أعتقد أنك فى موقف جيد لتقول هذا، لكنى لا أعتقد أن هذا سيؤثر فى خلاصك بشكل مُباشر. هل تستطيع أن تخلص اذا كنت لا تؤمن بالعصمة عن الخطأ التاريخى؟ نعم.”
“ضع فى عقلك دائماً أن المسيحيين الأوائل لم يكن لديهم اصلاً عهد جديد. كل ما كان لديهم هو العهد القديم و كرازة شهود العيان للقيامة. و المسيحيين عبر تاريخ الكنيسة لم يكونوا دائماً مؤمنين بالعصمة عن الخطأ التاريخى”. لقد أصبح هذا الموضوع رئيسياً مع قدوم الإصلاح، و خاصةً فى مناظرات القرن العشرين بين الحداثة و الأصولية. لذا من الممكن أن تكون مسيحى دون أن تؤمن بالعصمة عن الخطأ التاريخى أو حتى العصمة عن الخطأ فى التعليم”.
اومأت برأسى و هو يتكلم لأشير له أنى أتابعه، ثم قلت:”بهذه الدائرة المتراكزة، فأى خطأ مفترض فى العهد الجديد لا يجب أن يكون مُميت لإيمان أى شخص؟”
فأجاب بلا تردد:”تماماً، من الممكن ان يؤثر فى العصمة عن الخطأ التاريخى، و التى هى عبارة عن عقيدة غطاء خارجى، لكن التعرية لن تؤثر فى المسيح، جوهر العقيدة”.
و لأنى أردت توضيح أكثر، سألت:”هل أنت تقول أن عقائد العصمة عن الخطأ التاريخى و العصمة عن الخطأ التعليمى ليستا هامين؟”.
فقال:”لا، انا لا أقول هذا. أنا أقول فقط أنهما ليستا هامتين للخلاص. لكنهما هامتين، كمثال، للصحة الروحية و النمو الروحى”.
“كيف هذا؟”.
“اذا شككت فى سلطة الكتاب المقدس كمرشد لإيمانك و ممارساتك، فهذا سوف يؤثر حتماً فى رحلتك الروحية. قد تبدأ الشك فى بعض المقاطع الواضحة فى معناها، لكنهم يدينوك جداً، فترفضهم. سوف تبدأ ان تنقى و تختار من الكتاب المقدس ما الذى تريد ان تؤمن به و تريد أن تنفذه. و لهذا فإن العصمة عن الخطأ التعليمى و العصمة عن الخطأ التاريخى هامين لصحة الكنيسة، لكنهما غير ضروريين لحياة الكنيسة”.
قلت له:”من الواضح أن لك رؤية عالية للكتاب المقدس، لماذا؟”.
فقال كأنه يُبين حقيقة:”لأن يسوع كان له رؤية عالية”.
فسألت:”كيف لك أن تعرف هذا؟”.
فقال:”أحد القواعد التى يستخدمها العلماء لتقرير الأصالة، تُسمى “الإختلاف”. اذا قال يسوع شىء أو فعل شىء مُختلف عن يهود عصره او ما قبلهم، فهو يُعتبر أصلياً”. و هو كان دائماً يُعنِف الفريسيين بإستمرار لإضافتهم تقاليد بجانب الكتاب المقدس، ولا يعاملوا الكتاب المقدس كالسلطة الجوهرية و النهائية. حينما يقول أن الكتاب المقدس لا يُمكن أن يُنقض، فهو يُصرح بذلك عن حقيقة و موثوقية الكتاب المقدس”.
ثم أكمل:”الكتب المقدسة المسيحية هى الوحيدة فى العالم التى تُقدم نفسها للتحقيق التاريخى. إذا كان الله قد جاء فى صورة رجل فى الزمان، المكان، و التاريخ، إذن فهو يدعونا لأن نفحص البرهان التاريخى لحياة يسوع، معجزات يسوع، نبوات يسوع، موت يسوع، و قيامة يسوع”.
“الأناجيل لا تقول: يسوع قام بمعجزة فى مكان ما، أنا لا أستطيع تذكر إذا كان هناك شهود عيان، لا أستطيع تذكر متى و أين حدثت، و انا لست واثقاً ما اذا كانت معجزة شفاء أم شىء آخر، و كل ما أعرفه هو أن يسوع عظيم! كلا، الأناجيل تعطينا أسماء، أماكن مُحددة، و تُحدد المعجزات التى حدثت بالضبط، و تذكر شهود العيان. حينما يقول بولس أنه رأى خمسمائة شخص رأى المسيح قائم و أن غالبيتهم مازالوا أحياء، فهو يعنى أن هذا أمر قابل للتحقق. حينما قام يسوع من الموت، دُحرج حجر القبر، ليس لكى يخرج يسوع، لكن ليستطيع التلاميذ أن يقولوا: الجسد ليس ها هنا.
“هذا التحقيق التاريخى غير حقيقى لأى ديانات أخرى. كمثال، فأنت لا تستطيع أن تتحقق من تعاليم بوذا بهذه الطريقة، لأنهم لا يرتبطون بالتاريخ. الكتاب المقدس يدعى أكثر من هذا. الكتاب المقدس يقول أنه إيمان، و أن هذا الإيمان فى العالم الواقعى. الكتاب المقدس يتم التحقيق فيه بقسوة لأن الكتاب المقدس يدعى أنه وثيقة تاريخية. يجب علينا ان نسأل الكتاب المقدس أشد الأسئلة، لأن ليس هذا ما يدعونا المسيح أن نقوم به فحسب، بل هذا ما يتطلبه منا ايضاً”.
جوهر الأناجيل
لقد عرّض والاس نص العهد الجديد للفحص لعقود، فسألته:”هل أضعف بحثك العلمى إيمانك بأن الكتاب المقدس جدير بالثقة؟”.
فقال:”لا، ابداً. لكنه جعلنى أنظر له بشكل مُختلف. كمثال، كنت أعتقد حينما بدأت الدراسة بأننى حينما أرى كلمات يسوع فى الكتاب المقدس، فإنها يجب أن تكون كما نطقها بالضبط. لكن مؤرخى هذا العصر كانوا يُحاولون الوصول بدقة الى جوهر ما قِيل”.
“كمثال، فقراءة كلمات يسوع فى الأناجيل لن تأخذ منك أكثر من ساعتين لتقرأها كلها. حسناً، هذا ليس وقتاً طويلاً لتوجيه الخطابات. قراءة العظة على الجبل لن تأخذ منك أكثر من خمسة عشر دقيقة، لكن بينما كان يسوع يُلقى عظاته، كان دائماً ما يجوع الناس فى النهاية. أنا لا أظن أن يسوع كان يُعطى عظات لمدة خمسة عشر دقيقة فقط للمسيحيين. إذن فالأناجيل تحتوى على مُلخص لما قاله فقط. و اذا كان هذا مُلخص، فربما إستخدم متى بعض من كلماته الخاصة ليوجزها. هذا لا يُزعجنى، فهو مازال جدير بالثقة”.
فسألته:”هل تعتقد أن هذه الفكرة عن العصمة عن الخطأ التاريخى قد تم تصعيدها من مكانتها الحقيقية بسبب أهميتها المتأصلة؟”.
فقال والاس:”بعض الأحيان. البعض جعلها هى أختبار مسيحية الشخص. فى عام 1976 إحتج اللاهوتى كارل ف. هـ. هنرى ضد هذا السلوك. لقد حفز الإنجيليين الشباب أن يُدركوا بأنه بينما العصمة عن الخطأ التاريخى مهمة، فإنها لا تقع فى نفس مستوى اليقين مع حقائق أخرى حاسمة، و الإيمان بالعصمة لا يُجب أن يُستخدم كأنه عذر لعدم الخوض بجدية فى التحقيق التاريخى. مازال المسيحيين فى بعض الأوقات يضعون عقبات فى الطريق أمام شخص ما، قائلين أنه لا يستطيع أن يُصِبح مسيحى حتى يؤمن بالعصمة عن الخطأ التاريخى”.
توقف والاس، ثم سألنى:”هل يُمكن أن أخبرك قصة عن هذه الأمور؟”.
قلت:”نعم من فضلك”.
فقال:”منذ بعض السنوات قابلت بنت مسلمة كانت مهتمة بالمسيحية. جاءت إلى و معها ستة ورقات مكتوبة بخط اليد مما يُفترض أنه تناقضات بين الأناجيل. علمها المسلمين بأنها اذا وجدت خطأ واحد فى الأناجيل، فإنها لا تستطيع أن تؤمن بأى شىء آخر. قال إلى: عليك أن تجيب على كل نقطة من هذه الصفحات قبل أن اؤمن بأى شىء عن المسيحية. فأجبتها قائلاً:”ألا تعتقدين بأن هذه القائمة تُثبت بأن المؤلفين لم يتآمروا معاً و لم يتواطئوا معاً حينما كتبوا أناجيلهم؟” فقالت: أنا لم أفكر ابداً بهذه الطريقة”.
“فقلت: كل ما تحتاجين إليه هو أن تنظرى الى الأماكن التى لا تختلف فيها الأناجيل نهائياً. فماذا ستجدى؟ ستجدى رسالة جوهرية ثورية: أعترف التلاميذ بأن يسوع هو المسيح، و أنه قام بصنع المعجزات و شفى الناس، و غفر الخطايا، و تنبأ بموته و قيامته، و مات على صليب رومانى، و قام من الموت بجسده”.
“و الآن، ماذا ستفعلى مع يسوع؟ حتى لو كُتاب الإنجيل لديهم إختلافات فى سردهم – سواء كانت هذه الإختلافات تستحق أن نُسميها تناقضات فهذا سنؤجله لوقت لاحق – فإن هذا يُضيف إلى موثوقيتهم ببيان أنهم لم يتشاوروا معاً فى أحد الأماكن ليطبخوا هذه الطبخة. أليس إتفاقهم معاً على إعتقاد مركزى جوهرى يعنى أنهم توصلوا الى الأساسيات بشكل صحيح، و بدقة، لأنهم كانوا يوثقون نفس الأحداث؟”.
فسألت:”ما الذى حدث لها؟”.
أصبحت مسيحية بعد إسبوعين، و هى الآن طالبة فى معهد دالاس. إن نقطتى الرئيسية هى أن العصمة عن الخطأ التاريخى مهمة، لكن الإنجيل أكبر من مُجرد عصمة”.
بدا تحليل والاس منطقى إلىّ. فى الحقيقة، لقد تذكرت الطريقة التى كنت أنظر بها الى الكتاب المقدس، حينما تركت المسيحية الأول مرة. فأخبرت والاس قائلاً:”حينما كنت ملحداً، نحيت موضوع العصمة جانباً، و عاملت العهد الجديد كأنه مجموعة وثائق قديمة مُجردة، و هو كذلك فعلاً. و بهذه الطريق إستطعت أن أُقيمهم كما أستطيع أن أُقيم أى وثائق قديمة أخرى، و بالتأكيد، فجيب توقع وجود بعض الإختلافات فى كل هذه التسجيلات. هل هذه طريقة منطقية فى تقييم العهد الجديد؟”
و بينما كان والاس يستمع إلى، كان مُسنداً ظهره الى الخلف واضعاً ذراعاته على صدره عبر بعضهما، و أجاب:”أعتقد أنها منطقية تماماً. كما قال عالم بريطانى: يجب أن نعامل الكتاب المقدس مثل أى كتاب، لنبين أنه ليس مثل أى كتاب. هذا أفضل بكثير من الموقف المعاكس الذى أصبح تعويذة إنجيلية: أنزعوا الكتاب المقدس من بين الأيادى، نحن لا نريد أن يجد الناس اى أخطاء فيه، لأننا مؤمنين بالعصمة”.
ثم عدت بوالاس مرة أخرى الى التناقض الظاهرى فى مرقس 2 : 26، الذى أضعف إيمان ايرمان بشكل أساسى. فى هذا المقطع، يظهر يسوع يُعلم بأن يوم السبت قد وُضع للناس، و ليس العكس. ثم يذكر حادثة من العهد القديم حيث كان الملك داود و جنوده جائعين أكلوا من التقدمة فى الهيكل، رغم أن هذا كان محفوظاً للكهنة ليأكلوا. يقول مرقس بأن هذا حدث حينما كان آبياثار هو رئيس الكهنة، لكن 1 صمويل 21 : 1 – 6 يوضح بأنه كان والد آبياثار، أخيمالك، الذى كان رئيس الكهنة فى ذلك الوقت”.
فقلت له:”أنا فضولى لأعرف: هل نظرت فى هذا المقطع؟”.
فقال:”لقد كتبت بحثاً للجميعة الإنجيلية اللاهوتية، أوضحت فيها خمسة تفاسير ممكنة فى التعامل مع هذا المقطع”.
فسألت:”هل إستنتجت أن واحداً من هذه التفاسير هو أفضلهم؟”.
فرد قائلاً:”انا لم أضع إستنتاج، فى النهاية”.
ثم قال بقناعة تامة:”لكن قلت مهما كان الذى ستفعله مع هذا النص، لا تقذف المسيح إذا كنت ستشك فى العصمة عن الخطأ التاريخى. و أنا أعتقد أن هذا عدل. شخصياً، فأنا اؤمن بالعصمة، لكنى لن أموت لأجل العصمة. بل سأموت لأجل المسيح. إن قلبى هناك، لأن خلاصى هناك”.
“لم يكن الكتاب المقدس هو الذى عُلِق على الصليب؛ بل يسوع”.
لعبة التليفون و لعبة سنوبى
بعض الناس قد ربطوا بين النقد النصى و لعبة الأطفال، التليفون، حيث يُوجد رسالة تنتقل لفرد آخر عن طريق الهمس فى أذن ذلك الشخص. و من ثمة، هذا الشخص يهمس بها فى أذن الشخص التالى، و هكذا لمجموعة من الناس. ثم فى النهاية يقول آخر فرد الرسالة بصوت عالى، و حتماً ستكون تشوهت جداً مع الوقت الذى تنتقل فيه. هذا يتضمن أنه بسبب تشابه النقد النصى لهذه اللعبة، فلا يُمكن للناس أن يثقوا فيما يقوله العهد الجديد اليوم. بإختصار، لا يُمكن أن يكون لدينا أى ثقة بأن نص العهد الجديد اليوم يُمثل الأصل.
لكن والاس قال بأن هذا التشبيه ساقط لعدة أسباب رئيسية.
قال:”اولاً، بدلاً من وجود تيار واحد للإنتقال، لدينا عدة تيارات. و الآن إفترض أنك تستطيع إستجواب الشخص الأخير فى ثلاثة خطوط. كل منهم يُكرر الرسالة التى سمعها فى خط كل منهم، و هذه الرسالة تعود جوهرياً إلى مصدر واحد. بالتأكيد سيكون هناك إختلافات فى الرسالة الناتجة، لكن سيكون هناك ايضاً تشابهات. و بعمل تحديدى بسيط، تستطيع أن تحدد الكثير من الرسالة الأصلية، عن طريق مُقارنة الثلاث تسجيلات المختلفة لها. و بالتأكيد، سيكون لديك شك كثير حول ما اذا كنت توصلت لها بشكل صحيح.
ثم أكمل:”إختلاف آخر مع لعبة التليفون، هو بدلاً من التعامل مع تقليد شفوى، فالنقد النصى يتعامل مع تقليد مكتوب. الآن، اذا قام كل شخص فى الخط بكتابة ما سمعه من الشخص الذى يتقدمه، فإن فرص التلاعب بالرسالة ستكون محدودة، و سيكون لديك لعبة مملة جداً!” و قال هذا مُبتسماً.
“إختلاف ثالث هو أن الناقد النصى – الشخص الذى يُحاول إعادة تكوين ماذا كانت الرسالة الأصلية – لا يُوجد ما يجبره أن يعتمد على الشخص الأخير فى السلسلة. يستطيع الناقد النصى إستجواب زملاء آخرين أقرب الى المصدر الأصلى”.
ثم إختتم كلامه قائلاً:”بوضع كل هذا معاً، الفحص المُزدوج بين تيارات الإنتقال المختلفة، فحص نُسخ الأجيال القديمة – و غالباً قديمة للغاية – و التسجيلات المكتوبة بدلاً من التقليد الشفوى، كل هذا يجعل النقد النصى مُدقق جداً أكثر من لعبة التليفون”.
لكن على العكس، فهناك لعبة توضح بالفعل تأثير النقد النصى. والاس بنفسه قاد ندوات تُسمى “الإنجيل بحسب سنوبى” على مدى ثلاثين عاماً، فى الجامعات و أماكن تعليمية أخرى. كان هدفه هو أن يُبين بطريقة عملية كيف يمكن أن ينجح النقد النصى فى إعادة تكوين النص المفقود”.
قال والاس:”فى هذه اللعبة، يقوم عدد من الناس بتمثيل دور النُساخ، و ينسخون نص قديم مساء يوم الجمعة. و يكون هناك ست أجيال من النُسخ. كل النُساخ يقومون بعمل أخطاء، عمدية و غير عمدية. حقيقةً، فإن النُسخ الناتجة تكون بالفعل أكثر فساداً على نحو هام من النُسخ المخطوطة للعهد الجديد”.
فسألته:”كيف فاسدة؟”.
فأجب:”لوثيقة مُكونة من خمسين كلمة، يستطيعون إنتاج المئات من القراءات النصية. ثم فى صباح اليوم التالى، بقية الزملاء فى الندوة يبدأون فى العمل كنقاد نصيين، بينما من قاموا بدور النُساخ يكونوا متفرجين صامتين. لكنهم لا يكون معهم كل المخطوطات ليعملوا منها. النُسخ الأقدم تكون دُمِرت أو فُقِدت. و هناك فجوات كثيرة فى سلسلة الإنتقال. لكن النُقاد النصيين يقولموا بأفضل ما لديهم فى المواد التى معهم”.
“و بعد ساعتين من العمل، فإنهم ينتهون الى ما يعتقدون أنه هو النص الأصلى. هناك شكوك فى كل مرحلة. لكن حتى مع هذه الشكوك، الفكرة الجوهرية لم تتغير. بعض الأوقات الشكوك تكون حول “ايضاً” too فى مقابل “ايضاً” also، او “سوف” shall فى مقابل “سوف” will. و بعد ذلك، أقوم بعرض النص الأصلى على المجموعة ثم نقارن النصين معاً، سطر سطر، و كلمة كلمة”.
فسألته:”إلى مدى ينجح هؤلاء النُقاد النصيين الهواة؟”.
“لقد قمت بعمل هذه الندوة أكثر من خمسين مرة فى الكنائس، الكليات اللاهوتية، و المعاهد اللاهوتية، و فى ولا مرة فقدنا إمكانية إعادة تكوين النص الأصلى بأكثر من ثلاثة كلمات. فى الحقيقة، لقد خرجنا بثلاث كلمات لمرة واحدة فقط. غالباً ما كانت تخرج المجموعة بالنص الأصلى بالضبط بشكل صحيح. و الرسالة الرئيسية للأصول تبقى دائماً سليمة. فى بعض الأحيان ينخرط الناس فى تصفيق حاد عفوى فى النهاية!”.
فسألت:”إذن، ما هو الدرس؟”.
“هذه هى: إذا كان ناس لا يعرفون شىء عن النقد النصى يستطيعون إعادة تكوين نص تم إفساده بشكل رهيب، إذن أفليس من المُرجح بأن اولئك المُدربين فى النقد النصى يستطيعون عمل نفس الأمر مع العهد الجديد؟”.
إحراج من الغِنى
كما تبين ندوة والاس، فالحصول على عدد كبير من النُسخ يُمكن أن يُساعد حتى الهواة لتحديد الصياغة المفقودة للنص الأصلى. لكن العلماء الذين يُحاولون إعادة تكوين نص العهد الجديد، لديهم آلاف المخطوطات ليعملوا بها. كلما كان لدينا نُسخ أكثر، كلما كان سهل علينا تحديد مُحتوى النص الأصلى. و فى ضوء مركزية هذه المخطوطات فى النقد النصى، طلبت من والاس أن يكلمنى عن كمية و جودة وثائق العهد الجديد.
فأوضح قائلاً:”ببساطة، لدينا شواهد لنص العهد الجديد أكثر من أى عمل أدبى يونانى أو لاتينى قديم. أنه حقاً إحراج من الغِنى!”.
فسألت:”كم عدد النُسخ الموجودة بالضبط؟”.
“لدينا أكثر من 5700 نُسخة يونانية للعهد الجديد. حينما بدأت دراستى الأكاديمية كان هناك 4800 فقط، لكن الكثير و الكثير يتم إكتشافه. و هناك ايضاً 10000 نُسخة أخرى باللاتينية. ثم هناك ترجمات أخرى فى لغات أخرى: قبطية، سيريانية، أرمينية، جيورجية…إلخ. و هذه الترجمات تم تقديرها ما بين 10000 الى 15000. إذن فنحن لدينا ما بين 25000 إلى 30000 نُسخة مكتوبة بخط اليد للعهد الجديد”.
فسألت:”لكن أليس الكثير منهم عبارة عن شظايا فقط؟”.
فقال والاس:”الغالبية العظمى من هذه المخطوطات كامل بالنسبة للهدف الذى قصده النُساخ. كمثال، بعض المخطوطات قُصِد بها أن تحتوى الأناجيل فقط، بينما مخطوطات أخرى قُصٍد بها أن تحتوى على رسائل بولس. ستين مخطوطة يونانية فقط تحتوى على العهد الجديد كامل، لكن هذا لا يعنى أن غالبية المخطوطات متشظية. غالبيتهم كامل بالنسبة للهدف الذى قُصِد منهم”.
ثم تسائل:”الآن، ماذا إذا تم تدمير كل هذه المخطوطات، هل سنبقى دون أى شاهد؟”. و دون أن ينتظر لسماع إجابة، قال:”نهائياً. آباء الكنيسة القُدامى إقتبسوا من العهد الجديد لدرجة أنه من الممكن إعادة تكوين العهد الجديد بالكامل من كتاباتهم وحدهم. إجمالاً، فهناك أكثر من مليون إقتباس من العهد الجديد فى كتاباتهم. أقدمهم يعود الى القرن الأول، و يستمرون حتى القرن الثالث عشر، لذلك فهم قيمين للغاية لتحديد صياغة نص العهد الجديد”.
ثم سألت والاس عن تواريخ المخطوطات، فقال:”حوالى عشرة بالمئة من هذه المخطوطات تأتى من الألفية الأولى. و فى خلال القرون الثلاثة الأولى، فلدينا خمسين مخطوطة باليونانية فقط. لكن ما نلاحظه، بأن الإضافات للنص عبر أربعة عشر قرن من النسخ نسبتها إثنين بالمئة فقط من المجموع. بكلمات أخرى، العهد الجديد نما مع الوقت، و لكن أقل من إثنين بالمئة للألفية، لذا فالإرتكاز إلى نموه هو إرتكاز فاشل!”.
“كمية و جودة مخطوطات العهد الجديد لا يُضاهيها شىء فى العالم اليونانى – الرومانى القديم. متوسط نُسخ عمل أى مؤلف يونانى، أقل من عشرين نُسخة لأعماله مازالوا موجودين، و يأتون من بعد ما بين خمسمائة عام إلى ألف عام لاحقاً. أى أنك اذا قمت بترتيب هذه النُسخ فوق بعضها، فلن يتعدى طولها أربعة أقدام. لكن اذا رتبت نُسخ العهد الجديد فسوف يصل طولها إلى ميل كامل للأعلى، و مرة أخرى، هذا لا يتضمن إقتباسات آباء الكنيسة”.
ثم أضاف:”حتى المؤرخين العظام الذين يعطوننا الكثير من فهمنا للتاريخ الرومانى القديم، غير كاملين. ليفى كمثال، كتب 142 كتاب عن تاريخ روما، و لكن 35 كتاب منهم فقط هم الموجودين. حينما تقارن بين العهد الجديد للمؤلف الثانى الأكثر نسخاً، فالإختلافات تبدو حقاً صاعقة. الإلياذة و الأوديسة لهوميروس مجتمعين معاً، لهم أقل من 2400 نُسخة، رغم أن كتابات هوميروس تسبق العهد الجديد ثمانمائة سنة! و فى النهاية، فالنقد النصى لكل الأدب القديم تقريباً يعتمد على تخمينات خلاقة، أو تخمينات تخيلية، لإعادة تكوين النص الأصلى. ليس هذا هو حال العهد الجديد”.
عامل نقدى آخر للمخطوطات، و هو ما هو مدى قِدمها. أنه أمر واضح، بأن اولئك الأقرب للأصل لهم القيمة الأكبر. حينما سألت والاس عن تواريخ مخطوطات العهد الجديد، إبتسم و بدأ فى سرد القصة.
فقال:”فى عام 1844، بدأ ف. س. باؤر، أب الليبرالية اللاهوتية الحديثة، الإحتجاج بأن إنجيل يوحنا كان حقاً عبارة عن تركيب مُصطنع من مسيحية بطرس و بولس، و أنه يجب تأريخه الى ما بعد عام 160 م. إذا كان هذا حقيقى، فإن الموثوقية التاريخية لهذا الإنجيل سيكون مشكوك بها جداً. كان أفضل تخمين لباؤر هو عام 170 م، رغم أن هذا قد إعتمد بشكل رئيسى على خلفيات مُسبقة فلسفية. حسناً، كما قال أحدهم: مقدار قليل من البرهان، أفضل من رطل من الإفتراض”.
“فى عام 1934، كان هناك عالم فى البرديات يُدعى كولين هـ. روبيتس يُنقِب فى سرداب مكتبة جون رايلاندز فى جامعة مانشيستر بإنجلترا. و عثر على بردية متشظية ليست أكبر من راحة يدى. فقرأ أحد جانبيها، يا إلهى، لقد كان هذا من يوحنا 18 : 31 – 33. ثم عكسها للناحية الأخرى، و كانت يوحنا 18 : 37 – 38”.
“الآن، عليك أن تفهم بأن العثور على شظية من العهد الجديد اليونانى على ورق البردى هو أمر نادر جداً. لقد عثرنا على 75000 بردية، و 117 فقط منهم للعهد الجديد اليونانى. لهذا كان هذا الإكتشاف مهم جداً. بعد ذلك قام هذا العالم بإرسال هذه الشظية لثلاثة علماء رئيسيين فى علم البرديات فى أوروبا. فكتب له كل واحد منهم قائلاً: هذه المخطوطة لا يُمكن تأريخها لما بعد عام 150 م، و هى قديمة جداً حتى عام 100 م، و أنا أفضل التاريخ الأقدم. و خبير رابع، و هو أدولف ديسمان، قال أنها يجب تأريخها الى تسعينات القرن الأول. إذن، فهذه قطعة صغيرة من بردية ألقت طِنَيِن من الدراسة الألمانية الليبرالية الى النيران! فمقدار قليل من البرهان، أفضل من رطل من الإفتراض”.
فسألته:”هل هذه هى الشظية الوحيدة التى ترجع للقرن الثانى؟”.
“ليس أنها ليست البردية الوحيدة فقط، بل إن فى الخمس سنوات الأخيرة فقط، هناك ثلاثة أو اربعة آخرين أُكتشفوا من القرن الثانى، فى متحف فى أكسفورد. لقد تم الكشف عنهم فى اوكسيرينشس، مصر، فى عام 1906، و ظلوا هناك على حالهم فى مصر لما يقرب من قرن من الزمان. لم يكن لديهم علماء كثيرين فى علم البرديات ليستطيعوا دراسة كل القصاصات! حتى اليوم، لدينا ما بين عشر الى خمسة عشر بردية من القرن الثانى. هذه البرديات تعود الى مائة عام فقط بعد إكتمال العهد الجديد. أنه أمر مذهل أن يكون لدينا بيانات كهذه.
” و حتى لو كانوا عبارة عن شظايا، فهم ليسوا دائماً صغار. لدينا كمثال البردية 66، و التى ترجع الى وسط أو أواخر القرن الثانى و تحتوى على شبه إنجيل يوحنا كاملاً. البردية 46، و التى ترجع الى عام 200 م، تحتوى على سبعة رسائل لبولس و الرسالة الى العبرانيين ايضاً. البردية 75، و التى ترجع الى أواخر القرن الثانى أو اوائل القرن الثالث، تحتوى على شبه إنجيل يوحنا و إنجيل لوقا كاملين. البردية 45 ايضاً قديمة، و بها أجزاء كبيرة من الأربعة أناجيل. إذن، فنحن لدينا ثروة كبيرة من الدليل. أقدم المخطوطات كانت على ورق البردى، و كل البرديات حينما نجمعها معاً تحتوى على نصف العهد الجديد تقريباً”.
فقلت مُلخصاً كلامه:”إذن فنحن لدينا فجوة صغيرة فعلياً، بين أقدم البرديات الموجودة و وثائق العهد الجديد الأصلية”.
فقال:”نعم. لا يُوجد مجال للمقارنة مع بقية الأعمال. بالنسبة لأعمال مؤرخين آخرين عظام، فهناك على الأقل فجوة من ثلاثمائة عام قبل أن تصلنا أى شظية متشظية تماماً، و فى بعض الأوقات عليك أن تنتظر لألفية أخرى قبل أن ترى أى شىء آخر”.
فحص القراءات
من بين تصريحات ايرمان التى كشف عنها و قد أرعبت القراء، هو أنه هناك قراءات ما بين 200000 و 400000 قراءة بين مخطوطات العهد الجديد. فى الحقيقة، لدينا قراءات أكثر من الـ 138162 كلمة الموجودة فى العهد الجديد المنشور. حسناً، هذا ليس جديداً للنقاد النصيين، لكنها كانت تصريحات صادمة للعوام. الآن، هل هذه القراءات المختلفة هامة فعلاً؟ و هل يمكنهم ان يضعوا رسالة الأناجيل و وصفهم لشخص يسوع فى خطر؟
سألت والاس:”كلمنى عن هذه القراءات، كيف يتم إحصائهم، و كيف جاءوا الى الوجود؟”.
فشرح والاس:”اذا كان هناك نص فى مخطوطة او عند أحد آباء الكنيسة و به كلمة مختلفة فى مكان واحد، فهذا يُحتسب قراءة نصية. اذا كان لديك ألف مخطوطة تقرأ “الرب” فى يوحنا 4 : 1، و بقية المخطوطات تقرأ “يسوع”، فهذا يُحتسب على انه قراءة واحدة فقط. و اذا كان هناك مخطوطة من القرن الرابع عشر بها خطأ فى تهجئة كلمة ما، فهذا ايضاً يُحتسب قراءة”.
فسألت:”ما هى أكثر القراءات المعروفة؟”.
فقال:”أكثر القراءات تكراراً هى الإختلافات فى التهجئة، رغم ان الخطأ فى التهجئة فى اللغة اليونانية لا يصنع اى إختلاف فى معنى الكلمة”.
“كمثال، أكثر قراءة نصية معروفة تتعلق بما يُسمى “النيو المتحرك”. الحرف اليونانى نيو – او ‘ن’ – يُستخدم فى نهاية الكلمة حينما تكون الكلمة التالية تبدأ بحرف متحرك. و هذا يشبه فى الإنجليزية حينما نستخدم آداة تعريف: تفاحة an apple أو كتاب a book. المعنى هو هو. و سواء يظهر حرف نيو فى هذه الكلمات او لا، فهذا لا يحمل أى تأثير نهائياً على المعنى. و رغم هذا، فكلهم يُحتسبون كقراءات نصية.
“مثال آخر، و هو حينما ترى إسم يوحنا، فإنه إما يُستهجى بحرف نيو واحد او إثنين. و يتم تسجيلهما كقراءات نصية، و لكن فى كل مرة يتم ترجمته للإنجيليزية، فسوث يُترجم ‘يوحنا’ فى كل مرة. لا يوجد أى فرق ابداً. الفكرة هى أنه لم يُستهجى “مريم”! ما بين 70 الى 80 فى المئة من كل القراءات النصية هى إختلافات فى التهجئة لا يُمكن حتى ترجمتها للإنجليزية ولا يُوجد لديهم أى تأثير على المعنى نهائياً”.
فقمت بعمل عملية حسابية بسرعة: فبوضع التقدير الأعلى للقراءات بأنه 400000 قراءة فى العهد الجديد، فهذا يعنى ما بين 280000 الى 320000 من هذه القراءات هو إختلافات فى التهجئة غير هامة تماماً. فقلت لوالاس:”أكمل من فضلك”.
فقال:”لدينا بعد ذلك أخطاء لا معنى لها، حينما يكون الناسخ غافل و يقوم بعمل خطأ واضح لكل ذى عقل. كمثال، ففى مخطوطة محفوظة فى المعهد السميثانى، كتب أحد النُساخ حرف “و” فى الوقت الذى يريد فيه أن يكتب كلمة “الرب”. الكلمات تبدو متشابهة الى حد ما فى اليونانية: Kai مقابل Kurios. من الواضح جداً ان حرف الواو لا يُناسب سياق النص. إذن ففى هذه الحالات، من السهل إعادة تكوين الكلمة الصحيحة”.
“هناك ايضاً قراءات تتضمن المترادفات. هل يقرأ نص يوحنا 4 : 3 “حينما عرف يسوع” أم “حينما عرف الرب”؟ لسنا متأكدين بالضبط أيهما هو الأصل، لكن أى من الكلمتين حقيقى. و الكثير من القراءات تتضمن أحد المُمارسات اليونانية بإستخدام أداة التعريف مع إسم علم، و هى الغير اقبلة للترجمة فى الإنجليزية. كمثال، فمخطوطة ما يُمكن ان تُشير الى “المريم” أو “اليوسف”، و لكن الناسخ قد يكون قام ببساطة بكتابتهما “مريم” أو “يسوف”. و مرة أخرى، لا يوجد أى تثير على المعنى، رغم أن كل هذا يُحتسب قراءات”.
“فوق كل هذا، فلدينا قراءات أخرى لا يُمكن ترجمتها للإنجليزية. فاللغة اليونانية هى لغة ملتوية، و هذا يعنى أن ترتيب الكلمات فى اليونانية ليس مهماً مثلما فى الإنجليزية. كمثال، فهناك ستة عشر طريقة مختلفة باليونانية لنقول:”يسوع يُحِب بولس”، و ستتم ترجمتهم للإنجليزية بنفس الطريقة. و رغم هذا، فإن الإختلاف فى ترتيب الكلمات يُحتسب قراءة نصية، حتى لو أن معنى النص لا يؤثر”.
توقف والاس للحظة ليُقدّر الموقف ثم أوضح:”إذا كان لدينا تقريباً ما بين 200000 الى 400000 قراءة فى المخطوطات اليونانية، فإنه أمر صادم بالنسبة لى، لأنه عدد قليل جداً! ما هو العدد المُلائم إذن؟ عشرات الملايين! و سبب من أسباب كثرة القراءات هو كثرة المخطوطات. و نحن سعداء لأننا نمتلك مخطوطات كثيرة جداً، فإنها تساعدنا على نحو ممتاز فى العودة الى الأصول”.
فسألت:”كم عدد القراءات النصية التى تصنع إختلاف حقيقى؟”.
“فقط واحد بالمئة من القراءات لها معنى، أى انها تؤثر على المعنى النص الى حد ما، و تطبيقية، أى ان لها فرصة مقبولة أن تكون من النص الأصلى”.
فقلت:”حسناً، هذا مازال رقم كبير”.
فقال:”و لكن غالبيتهم ليسوا هامين جداً إطلاقاً”.
“أعطنى مثال”
فرد:”حسناً. سوف أشرح إثنين من أهم الموضوعات المشروحة. واحد منهم يتضمن نص رومية 5 : 1. هل قال بولس “لنا سلام” أو “ليكن لنا سلام”؟ الإختلاف يقع فى حرف واحد فقط فى اليونانية. العلماء مختلفين حول هذا الموضوع، و لكن الفكرة الرئيسية هى أنه ولا قراءة منهما تُناقِض تعاليم الكتاب المقدس”.
“مثال آخر شهير فى 1 يوحنا 1 : 4. يقول النص إما “ذلك نكتب هذه الأمور حتى يكتمل فرحنا”، أو “لذلك نكتب هذه الأمور حتى يكتمل فرحكم”. هناك شهادات قديمة لكلا القراءتين. إذن، فنعم المعنى قد تأثر، و لكن لا يوجد إعتقاد تأسيسى فى خطر. فى كلا القراءتين، فالمعنى الواضح للنص هو أن هذه الكتابة تمت ليكون هناك فرح”.
لقد كان امراً مذهلاً لى بأن إثنين من الموضوعات النصية الشهيرة جداً، تافهين جداً فيما يتضمنونه.
تغييرات مُتعمدة
هناك أسباب كثيرة لنشأة الأخطاء النصية، و الكثير منهم نشأوا نتيجة غفلة النُساخ. لكن ايرمان يضع هالة حول لبنُساخ الذين غيروا النص بتعمد بينما كانوا يُنتجون النص لأجيال قادمة من المخطوطات. فقلت لوالاس:”هذا يجعل الناس عصبيين جداً”.
فرد والاس:”حسناً، هو مصيب تماماً فى هذا. بعض الأحيان النُساح غيروا النص بتعمد”.
فسألت:”ما هو أكثر الأسباب المعروفة؟”.
“أنهم أرادوا جعل النص واضحاً. كمثال، فإن الكنيسة عبر القرون بدأت فى إستخدام بعض المقاطع من الكتاب المقدس للقراءة اليومية. هذه القراءات تُسمى “القراءات الكنسية” (القطمارس). حوالى 2200 من مخطوطاتنا اليونانية، ينتمون لمخطوطات القراءات الكنسية، حيث تم توظيف بعض المقاطع للقراءة الإسبوعية أو اليومية طوال السنة من الكتاب المقدس”.
“هذا هو ما حدث: فى إنجيل مرقس، هناك تسعة و ثمانين نص حيث لا يُذكر إسم يسوع نهائياً. بل تُستخدم الضمائر، مع الضمير “هو”، فى الإشارة الى يسوع. حسناً، حينما تقوم بإقتطاع مقطع للقراءة الكنسية اليومية، فلا يُمكنك ان تبدأ بـ:”حينما كان ذاهباً الى مكان ما…”. فالقارىء لن يعرف الى من تُشير. لذا كان من المنطقى أن يقوم الناسخ بتغيير الضمير “هو” الى الإسم “يسوع”، ليكون النص أكثر وضوحاً و تحديداً فى كتب القراءات الكنسية. و يستمر إحتسابهم كقراءات نصية فى كل مرة يحدث هذا”.
“و هذا مثال آخر: أحد مخطوطات كتب القراءات الكنسية تقرأ “حينما كان يسوع يعلم تلاميذه”. لكن النص أصلاً لم يكن يقرأ “يسوع” أو “تلاميذه”، لكن واضح من سياق النص أنهم كانوا المَعنيين. لذا كان النُساخ كانوا يقومون ببساطة بجعل الأمور أوضح فى كتب القراءات الكنسية. ولا معنى يُمكن أن يتغير، و لكن يستمر إحتسابهم كقراءات”.
“الآن، أنا لا أريد أن اعطى الإنطباع بأن النُساخ لم يغيروا النص ابداً لأسباب لاهوتية. بل لقد قاموا بهذا، و دائماً ما كان الهدف من هذه التغييرات هو جعل العهد الجديد يبدو أكثر أرثوذكسيةً. ربما تكون أكثر مجموعة معروفة من هذه التغييرات، هى التوفيقات بين الأناجيل. كلما إبتعدنا أكثر عن زمن النص الأصلى، كلما كان يقوم النُساخ بتوفيق الأناجيل، ليتخلصوا من التناقضات الظاهرية فى النص. لكن هذه التوفيقات من السهل جداً تحديدها”.
فقاطعته قائلاً:”يقول ايرمان:”أنه من الخطأ…القول – كما يفعل الناس أحياناً – بأن التغييرات فى نصنا لا تحمل أى دلالة عما تعنيه النصوص أو عن الإستنتاج اللاهوتى الذى يستقيه الفرد منهم…بل العكس هو الصحيح”. أخبرنى بالضبط، كم عقيدة مسيحية فى خطر بسبب القراءات النصية فى العهد الجديد؟”.
فقال والاس:”ايرمان وضع أقصى ما يُمكنه فى سوء اقتباس يسوع. لكن الشىء المُلاحظ هو أنك تقرأ الكتاب بأكمله، ثم تقول: أين قد قام فعلاً بإثبات أى شىء؟ ايرمان لم يُثبت بأن هناك أى عقيدة فى خطر. دعنى أكرر الطرح الرئيسى الذى أُحتِج به منذ عام 1707: ولا عقيدة رئيسية أو أساسية يمكن أن تتبدل بالقراءات النصية التى تحتمل أن تكون من النص الأصلى. و الدليل على هذا الإحتجاج لم يتغير حتى يومنا هذا”.
“فما هو أقرب شىء إذن؟”.
“مرقس 9 : 29 قد يؤثر على التطبيق المُستقيم، و هو التطبيق الصحيح، لكنه ليس الأرثوذكسية، و هى الإعتقاد الصحيح. و هنا يقول يسوع بأنك لا تستطيع أن تُخِرج الشياطين إلا بالصلاة، و بعض المخطوطات تُضيف “و بالصوم”. إذن، فإذا كان “و بالصوم” جزء مما قاله يسوع فعلاً، فهذه قراءة تؤثر على التطبيق المُستقيم، فهل من الضرورى الصوم لإخراج الشياطين؟ و لكن لنأخذ موقف جاد الآن، هل يعتمد خلاصى على قراءة كهذه؟ غالبية المسيحيين لم يسمعوا اصلاً عن هذا النص نهائياً، ولا هم سيقومون بإخراج الشياطين”.
موضوع آخر يتعلق بإستقامة التطبيق هو 1 كورنثوس 14 : 34 – 35، حيث يقول النص بأن النساء يجب أن يصمتوا فى الكتاب المقدس. ايرمان و عالم آخر ذكرته سابقاً، و هو جوردون فى، إحتجوا بأن هذه النصوص ليس أصلية، لأن المخطوطات تضع هذا المقطع إما بعد العدد 33 أو العدد 40. و هذا جعل بعض العلماء يقولون أنه ربما لم يكن هذا المقطع فى النص الأصلى نهائياً”.
“غالبية علماء العهد الجديد يقولون، نعم هذا كان فى النص الأصلى، و لكنها ربما تكون ملاحظة هامشية أضافها بولس قبل أن تخرج مخطوطته للنشر، و النُساخ لم يكونوا واثقين أين يضعونها. يجب أن اؤكد الآن بأن جميع المخطوطات تحتوى على هذا المقطع فى مكان من الإثنين. و لكن دعونا نفترض أنه غير أصلى. فإن دور المرأة فى الكنيسة لم يكن يوماً ما نقطة عقيدية مهمة للخلاص. انا لا أحول أن أُهمش من دور المرأة فى الكنيسة بالتأكيد. لكن فكرتى ببساطة أن هذا المقطع لا يُغير أى عقيدة أساسية”.
“واحدة أخرى فى 1 كورنثوس 9 : 20، حيث يقول بولس:”للذين هم تحت الناموس، أصبحت كواحد تحت الناموس”، ثم يليه:”رغم أننى لست تحت الناموس”، و هو النص المحذوف من بعض المخطوطات المتأخرة. إذن فهل يدعى بولس بأنه ليس تحت الناموس، أم أنه لا يدعى بهذا؟”.
“حينما تفكر فى الأمر، فإنه فعلاً لا يهم. إذا كان فعلاً يدعى بأنه ليس تحت الناموس، فنحن بالفعل لدينا دليل واضح بأن المسيحيين ليسوا تحت ناموس العهد القديم نهائياً. لكن اذا كان لا يدعى بهذا هنا، فإن هذا لا يعنى بالضرورة أننا تحت الناموس. أنه أمر مُبالغ فيه الإدعاء بأن هذا المقطع يؤثر على العقيدة”.
فسألته:”ما هو أكثر الأمثلة تشويقاً يمكن أن تعطينى؟”.
فقال والاس:”خذ هذا المثال الفاتن. كل فرد يعرف رقم الوحش، صحيح؟” قال هذا و هو يُشير إلىّ لأجيب.
ترددت، لكن غامرت و قلت:”666″.
“حسناً، هذا ما يقوله نص رؤيا 13 : 18. لكن مخطوطة من القرن الخامس تقول بأن الرقم هو 616. حسناً، هذه ليست صفقة رابحة، فهى مخطوطة واحدة فقط. و لكن منذ خمسة سنوات، إكتشفوا فى أكسفورد أقدم مخطوطة للإصحاح 13 من سفر الرؤيا. و هى مخطوطة ترجع للقرن الثالث، و تقرأ الرقم 616”.
فسألته:”هل انت متأكد؟”.
“لقد كنت فى أكسفورد، و فحصت المخطوطة بنفسى تحت الميكروسكوب لأتأكد بنفسى. إنها تقرأ 616 بلا شك. لكن الآن، لا يوجد أى بيان عقيدى للكنيسة أو كلية كتابية بأن رقم الوحش يجب أن يكون 666، و لكنها مشكلة نصية مشوقة، أليس كذلك؟”.
إنها مشوقة بالفعل، ثم قلت:”لنعود الى نقطتك الأصلية إذن…”.
“هذه هى نقطتى الأصلية: لا يوجد أى عقائد رئيسية تتأثر بأى قراءات تطبيقية”.
محبوبة، لكن غير أصلية
إنها أحد أكثر القصص المحبوبة فى الكتاب المقدس: امرأة أُمسكت فى زنا و أُحضِرت ليسوع. إنه فخ بالفعل، فالفريسيين يعرفون أنها يجب أن تُرجم حتى الموت بحسب ناموس موسى، و أرادوا أن يختبروا يسوع.
إنحنى يسوع الى الأرض، و بدأ فى كتابة شىء ما بإصبعه فى التراب. هذه الكلمات التى كتبها و لم تُسجل فتحت الباب لكل أنواع التخمين عبر القرون. و أخيراً، يُنسب الى يسوع هذه الكلمات التى دائماً ما تُقتبس:”إذا كان أحد منكم بلا خطية، ليكون أول من يرجمها بحجر”. و بعدما تم تأنبيهم، إنصرف الفريسيين واحد وراء الآخر كل مرة، و الأكبر سناً كان اولاً. و بمجرد ما إنصرفوا، قال يسوع للزانية:”يا امرأة، أين هم؟ هل أدانك أحد؟” فردت:”لا أحد يا سيد”. فقال يسوع:”إذن، فولا أنا أدينك. إذهبى الآن، و أتركى حياة الخطية”.
المشكلة الوحيدة فى هذه القصة هى أن العلماء أدركوا منذ أكثر من قرن بأنها ليست أصلية. لكنها كانت أخبار مزعجو لقراء كتاب ايرمان. لقد أخذ الكثير من الناس هذه الأخبار على محمل شخصى جداً و بدأوا يتسائلون ماذا ايضاً فى الكتاب المقدس لا يُمكن الثقة به؟
فقال والاس حينما سألته عن قصة الزانية:”بصراحة، فهذه واحدة من أحزن القصص. حينما تقرأ هذا المقطع تقول لنفسك:”يا إلهى، كادت أنفاسى أن تنقطع! أنا مندهش من محبة و نعمة و رحمة يسوع، و كيف أمكنه أن يتصدى للفريسيين. ثم نقول:”أن أريد هذه القصة فى الكتاب المقدس”. و هذا ما قاله النُساخ بالضبط. لقد قرأوا هذه القصة فى مصدر مستقل، و إنتهى بهم الوضع بوضعها فى أكثر من ستة أماكن مختلفة فى إنجيلى يوحنا و لوقا. كأن النُساخ كانوا يقولون: أنا أريد هذه القصة فى كتابى المقدس، لذلك سوف أضعها هنا أو هنا أو هنا”.
فسألته:”إذن فهذه قصة تم تناقلها عبر الزمان؟”.
من الواضح أنه كان هناك قصتين مختلفتين منتشرتان حول امرأة أُمسكت بخطيئة معينة و يسوع كان رحيماً معها. بل من المرجح جداً، أنه كان هناك الكثير من تفاصيل القصة حقيقى تاريخياً، لكنها لم تُدخل فى نص الكتاب المقدس”.
“هل كان امرأة أُمسِكت فى زنا؟”.
“لا أعرف”.
“هل هؤلاء الفريسيين إنصرفوا واحداً بعد الآخر من كبيرهم الى صغيرهم؟”.
“من المؤكد أن هذه التفاصيل قد أُضيفت لاحقاً لتجعل القصة أكثر إثارة”.
“هل كتب يسوع شيئاً ما على الأرض؟”.
فرد قائلاً:”نعم بكل تأكيد قد فعل، لعدة أسباب. فرضيتى كالتالى: هذه الأعداد الإثنى عشر تقترب أكثر من إسلوب لوقا و مفرداته عن يوحنا. و بالفعل هناك مجموعة من المخطوطات تضع القصة فى لوقا بدلاً من يوحنا. كيف كان شكل القصة حينما إطلع عليها لوقا، و لماذا لم يضعها فى إنجيله؟ لا أملك إجابات لهذه الأسئلة”.
فقلت:”لكن من الواضح أن القصة الموجودة فى الكتاب المقدس ليست أصلية”.
فقال:”يجب أن نفرق بين شيئين. أنها أصلية أدبياً. بكلمات أخرى: هل يوحنا كتب القصة بالفعل؟ إجابتى هى لا دون شك. لكن هل هى أصلية تاريخياً؟ هل حدثت فعلاً؟ إجابتى هى نعم بكفاءة عالية. ربما هناك شىء ما حدث مع يسوع ظهر فيه رحيماً لخاطئة ما، لكن القصة كانت فى الأصل بشكل مُختصر”.
فسألت:”لماذا تستمر الكتب المقدسة فى إحتوائها؟ ألا يُربك هذا القراء؟”.
فقال:”لقد تبع الإنجيليين تقليد من الجُبن بإستمرارهم فى إدخال هذه القصة، لأنهم إعتقدوا بأن قراء الكتاب المقدس سوف يستغربوا إذا لم يجدوها. اقرأ أى ترجمة للكتاب المقدس، و سوف تجد ملاحظة هامشية تقول بأن القصة غير موجودة فى أقدم المخطوطات. و لكن الناس غالباً لا يقرأون هذه الملاحظات. حينما يقول ايرمان فى المناخ العام بأن القصة غير أصلية، يعتقد الناس بأنهم قد خُدِعوا”.
فقمت بحسب نُسختى من الكتاب المقدس بحسب الترجمة الدولية الحديثة و قلبت فى صفحات إنجيل يوحنا. كان هناك أقواس فى أول و آخر القصة لتصف حال القصة، و كذلك كان هناك مُلاحظة فى وسط الصفحة، تقول:”المخطوطات الأقدم و الأكثر موثوقية و شواهد أخرى قديمة لا تحتوى على يوحنا 7 : 53 – 8 : 11″. و لكن إستعجبت؛ فكم من الناس يفهمون حقاً دلالات هذه الملاحظة؟
فسألت:”هل يقوم ناشرين الكتاب المقدس بتضليل الناس بوضع القصة؟”.
فرد والاس:”سأكون متحفظ من قول كهذا، لكن بإمكانهم أن يدونوا قولاً أفضل: هذه القصة غير موجودة فى المخطوطات الأقدم، و بالإضافة الى ذلك فمُنقحى هذه الترجمة لا يعتقدون بأن هذه الكلمات أصلية. و إلا فأنت بذلك تترك الناس لخيبة الأمل إذا ما وجدوا هذه المعلومات فى مكان آخر. هذا يُشبه عقلية الفرخ الصغير الذى يقول: يا إلهى، لم أكن أعرف ابداً بأن هذه الأعداد الإثنى عشر أصلية؛ و ماذا ايضاً لم تخبرنى إياه؟ و لكن الحقيقة هى أن الناشرين قد أخبروهم بهذا، و هو موقف إستثنائى. هناك مقطع واحد فقط قريب من هذا فى حجمه”.
و قد كان هذا هو الموضوع التالى الذى أردت أن افتحه.
ثعابين و ألسنة
فى نوفمبر من عام 2006، ماتت سيدة عمرها ثمانية و أربعين عاماً، بعد أربعة ساعات من قرص ثعبان لها أثناء خدمة يوم الأحد بكنيسة كنتاكى. كانت هى الضحية السابعة فى كنتاكى منذ عام 1980. فى الحقيقة، لقد شعرت إدارة الولاية بوجوب تمرير قانون يجعل من التعامل مع الزواحف كجزء من الخدمات الدينية، جنحة.
لقد قال كل الصحفيين الذين سجلوا موت المرأة بأنه بحسب إنجيل مرقس، فإن المؤمنين بيسوع يستطيع التعامل مع الثعابين دون ان تؤذيهم. لكن احداً منهم لم يُلاحظ بأن هذا العدد – و فى الحقيقة، كل الأعداد الإثنى عشر الأخيرة – لم تكن جزء من الإنجيل الأصلى و لكن أُضيفت فى وقت لاحق، و لا تُعتبر أصلية.
هذا يعنى بأن إنجيل مرقس ينتهى بثلاث نساء يكتشفن القبر الفارغ ليسوع، و يتم إخبارهم بواسطة “رجل شاب يلبس رداء أبيض” بأن يسوع قد قام من الموت. ثم ينتهى الإنجيل بقوله:”و لم يخبروا شىء لأحد، لأنهم كانوا خائفين”. الأعداد الإثنى عشر الأخيرة تصف ثلاثة ظهورات ليسوع بعد القيامة، و يقولون بأن المسيحيين يستطيعون الإمساك بالثعابين دون أن تجرحهم، و بالمثل طرد الشياطين، و التكلم بألسنة جديدة، و شفاء المرضى.
سألت:”منذ متى و العلماء يعرفون بأن الخاتمة الأطول لمرقس لم تكن جزء من الأصل؟”.
فقال:”حسناً، المخطوطة الفاتيكانية لا تحتوى عليها، و نحن نعرف عن هذه المخطوطة منذ القرن الخامس عشر. و فى عام 1859 ذهب الناقد النصى قسطنطين فون تشيندورف الى جبل سيناء و أكتشف المخطوطات السينائية. هاتين المخطوطتين هما أقدم شاهدين لهذا المقطع، و كلاهما لا تحتوى على الإثنى عشر عدداً. بين هاتين المخطوطتين إختلافات كثيرة، حتى أنهم يعودون الى مصدر مُشترك فى القِدم السحيق للقرن الثانى”.
فسألت:”من أين تعتقد بأن هذه الخاتمة قد جاءت؟”.
“هناك رؤيتين رئيسيتين، و لكن كلاهما تتفق على أن هذه الأعداد ليست أصلية. هناك مجموعة تقول بأن مرقس كتب خاتمة لإنجيله لكنها قد فُقِدت”
إستطعت ان المح شكه فى هذه النظرية من نبرة صوته، فسألت:”أنت لا تعتقد بهذه النظرية؟”.
“هذه النظرية تفترض بأن مرقس قد كتب إنجيله فى كتاب Codex بدلاً من اللفائف Scroll. يُمكن أن تُفقد صفحة بسهولة من كتاب، لأن طريقة ربط الصفحات ببعض تكون على هيئة الكتاب، و لكن الخاتمة بالتأكيد ستكون فى آمان من الضياع اذا كُتِبت على لفة. لكن الشكل الكتابى Codex لم يُخترع قبل أربعين عاماً تقريباً بعد ما كُتِب إنجيل مرقس.
“أعتقد أن هناك رؤية أفضل و هى أن مرقس كان يكتب عن أكثر شخص تفرداً، و أراد شكل متفرد لخاتمة إنجيله، حيث جعلها نهاية مفتوحة. أنه يقول للقراء: فماذا ستفعلوا إذن مع يسوع؟”.
“إقصاء هذه الأعداد الإثنى عشر ليس له اى تأثير على عقيدة القيامة؟”.
“ولا حتى فى أدق الأحوال. مازال هناك قيامة فى انجيل مرقس. لقد تُنبِىء بها و أكدها الملائكة، و القبر فارغ. لكن يمكنك تخيل ماذا سيقول ناسخ قديم: يا إلهى، لا يُوجد ظهورات القيامة هنا، و الإنجيل ينتهى بالنساء الخائفات. أعتقد أن ناسخ ما فى القرن الثانى إستقاها من أعمال الرسل بشكل رئيسى – حيث نجد أن بولس قرصه ثعبان و نجد ناس يتكلمون بألسنة – و قد أراد أن يحوم حول انجيل مرقس، ليضع له خاتمة جديدة”.
“لماذا مازالت موجودة فى الكتاب المقدس؟”.
“بمجرد ما دخلت الى الكتاب المقدس، فإنه حقيقى من الصعب إزاحتها. كل الكتب المقدسة بها ملاحظات توضح أن الخاتمة الأطول ليست موجودة فى أقدم المخطوطات. بعض الترجمات تضع هذه الأعداد بخط أصغر، او بين أقواس. من بين الأعداد المشكوك بها فى الكتاب المقدس، فهذا المقطع و قصة المرأة الزانية هما أطول المقاطع، و مرة أخرى، فهذه ليست أخبار جديدة”.
لكن هناك مقطع هام ثالث. قال ايرمان أن:”النص الوحيد فى الكتاب المقدس بأكمله الذى يبرز الثالوث بوضوح” هو نص 1 يوحنا 5 : 7 – 8فى نُسخة الملك جيمس، و يقول:”لأن هناك ثلاثة يشهدون فى السماء، الآب، الكلمة، و الروح القدس: و هؤلاء الثلاثة هم واحد”.
سألت والاس:”ألا تتفق فى أن هذا النص غير أصلى”.
“تماماً”.
“من أين أتت؟”.
“هذا النص جاء فعلاً من تأمل من القرن الثامن. ثم تم إضافته للنص اللاتينى و لم تتم ترجمته لليونانية قبل عام 1520 م. حتى اليوم، فقد وجدنا اربعة مخطوطات تثبت هذا النص من القرن السادس عشر او السابع عشر، بالإضافة الى أربعة مخطوطات أخرى تضعه كتعليق هامشى بأيادى متأخرة. من الواضح أنه غير أصلى”.
فقلت:”أرسلت لى سيدة مُلاحظة حديثاً تقول فيها: لقد أحضرت لك نصاً عظيماً لتدعيم الثالوث. و بالمناسبة، ستجده فقط فى نسخة الملك جيمس. ألقى نظرة عليها، أنه موجود! إذن فمازال بعض الناس يعتقدون أنه أصيل”.
فتنهد والاس قائلاً:”يجب علينا أن نقوم بعمل أفضل لتدريب الكنيسة. حقيقة أننا خُرِسنا تجاه الكنيسة لمدة طويلة جداً هى جريمة، و الآن الناس يُصابوا بالذعر حينما يسمعون عن هذه الأمور. بل إنك تكاد لا تجد هذا النص حتى فى أى ترجمات أخرى، ماعدا فى الحواشى”.
فلاحظت:”يقول الملحد فراند زيندلر بأن حذف هذه العبارة الغير أصلية: يترك المسيحيين بدون أى دليل كتابى على الثالوث”.
فرد والاس بحزم:”أنا لن أكون متساهل مع هذا التعليق: أنه ليس سوى تعليق غبى، ولا أؤمن به. مجمع القسطنطينية فى عام 381 م و مجمع خلقيدونية فى عام 451 م، نشأوا ببيانات واضحة صريحة تؤكد الثالوث، فواضح إذن أنهم لم يكونوا بحاجة الى هذا المقطع المتأخر الغير أصلى. الكتاب المقدس يحتوى بوضوح على أربع حقائق: الآب هو الله، يسوع هو الله، الروح القدس هو الله، و أن هناك إله واحد. و هذا هو الثالوث”. هكذا أوضح والاس.
يسوع غاضب؟
هل هناك طرق تجعل من فهمنا ليسوع يتغير على نحو هام بسبب القراءات النصية؟ يضع ايرمان فى سوء اقتباس يسوع أمثلة قليلة، و هى التى قررت أن اختبرها مع والاس. كمثال، ايرمان يُجادل بأن نص مرقس 1 : 41، يقول خطأ بأن يسوع “تحرك بحنو” حينما شفى أبرص، بل إن النص الأصلى كما قال ايرمان قال بأن يسوع أصبح غاضباً. سألت والاس عن هذا الموضوع، و قد فُوجئت برده.
قال والاس:”أعتقد أن ايرمان مُصِيب حول النص”.
فسألت:”حقاً؟ هذا فاجئنى”.
“حسناً، لقد كنت أتصارع مع هذه المشكلة فى السنوات القليلة الماضية، و أنا أعتقد أنه من المحتمل أن النص الأصلى كان يقول عن يسوع أنه غضب”.
فقلت:”يبدو ان ايرمان يريد أن يحتج ضمنياً الى أنه لو كان يسوع قد غضب، فلا يُمكن أن يكون الله، لأن الله محبة، رغم أنه لم يقل ذلك صراحةً”.
أطلق هذا السؤال إجابة قوية من والاس، فقال:”توقف لحظة. لقد كان هناك مجموعتين فقط فى العالم القديمة، الرواقيين و الفريسيين، الذين شعروا بأن الغضب شىء خاطىء. كل شخص آخر شعر أن النقمة المُستقيمة يجب أن يكون لها مكان فى الحياة، و يسوع كان واحداً منهم”.
“هل تعتقد أن هذا التغيير فى مرقس 1 : 41 سوف يغير صورتنا عن يسوع؟”.
فقال:”سوف تغير فقط كيف نفسر هذا النص الواحد. لكن هذا لا يعنى بأننا حصلنا على يسوع مختلف مفاجأةً”.
“و لما لا؟”.
“مؤخراً فى الإنجيل، يقول نص مرقس 3 : 5 بأن يسوع أجاب بغضب بسبب أنه كان حزين على قلوب القادة الدينيين القاسية الذى كانوا يبحثون عن عذر ليتهموه. و فى مرقس 10 : 13 – 16، كان ساخطاً على تلاميذه لأنهم كانوا يمنعون الناس من إحضار الأطفال ليتباركوا به. هل عبر يسوع عن عضبه و سخطه فى بعض الأوقات؟ نعم، و نحن نعرف ذلك بالفعل، و لكن هذا كان مناسباً بالتأكيد”.
فسألت:”و لكن لماذا سيغضب حينما يشفى الأبرص؟”.
“يُمكننا أن نفترض عدة أسباب. ايرمان ينصرف عن بعض الإحتماليات بسرعة، فكمثال قد يكون يسوع غاضباً بسبب وضع العالم الملىء بالأمراض، أو أنه يحب المريض لكنه يكره المرض. لكن النص غامض، فلا يُمكننا أن نعرف حقاً. و لكن ما نعرفه هو أن ايرمان فشل فى إثبات إدعاؤه بأن يسوع يغضب حينما يُشكك أحد فى سلطته، قدرته، أو رغبته فى الشفاء. النص لا يدعم هذه الإحتمالية إلا لو قمت بلوى النص”.
إنتقلت الى إدعاء آخر لإيرمان. يُترجم نص عبرانيين 2 : 9 كـ:”الذى بنعمة الله، سيتذوق الموت لأجل كل واحد”. و لكن يذكر ايرمان بأن العبارة يجب ان تُقرأ:”بعيداً عن الله”، بدلاً من “بنعمة الله”.
فقلت:”بحسب ايرمان فإن هذه القراءة تُؤثر على تفسير سفر كامل. هل توافق؟”.
فأجاب والاس:”مرة أخرى، أعتقد ان ايرمان يُغالى فى قضيته بشكل هام. فأولاً، أنا أعتقد أن قراءة “بنعمة الله” هى الصحيحة تقريباً، رغم أننى سأفترض أن ايرمان قد يكون مُصيب بأن “بعيداً عن الله” هى القراءة الأصلية”.
“و لكن إليك أجندته الحقيقية: يربط ايرمان بين هذا النص و نص عبرانيين 5 : 7، و الذى يقول بأن يسوع صلى:”بصراخ شديد و دموع”. لذا فإيرمان يقول بأن يسوع مات على الصليب “بعيداً عن الله” بطريقة صارخة، مرعبة، و مُخيفة، لذا فما يُمكن أن نتضمنه من ذلك أنه لا يُمكن ان يكون الله المتجسد، لأن الله لن يرتعب بهذه الطريقة”.
“و أنت تختلف معه؟”.
“بالتأكيد أختلف معه. عبرانيين 5 : 7 لا يُحدد أن يسوع كان يصرخ الى الله لأجل موته. بل أنه يقول أن يسوع قدم صلاوات “بصراخ شديد و دموع…فى أيام حياة يسوع على الأرض”. فى الحقيقة، فالعدد السابق يقول أن يسوع كان:”كاهن للأبد، على رتبة ملكى صادق”. ماذا يفعل الكهنة إذن؟ يُصلون عن رعيتهم! إذن فإيرمان يربط ثلاث نقاط معاً، ربط غير منطقى”.
ثم أضاف والاس نقطة أخيرة ليضمن قضيته:”حتى لو قال النص الأصلى بأن يسوع مات “بعيداً عن الله”، فهذا لا يُغير اى شىء لاهوتياً. فكيف يختلف هذا النص عن قول يسوع على الصليب: إلهى، إلهى، لماذا تركتنى؟ أنه يعنى نفس المعنى. إذن فمرة أخرى، نحن لا نُعطى صورة جديدة ليسوع”.
“هذا مجرد عته!”
لقد وضع والاس موضوع سواء نستطيع الثقة فى نص العهد الجديد أم لا فى توازن. فبينما لا يستطيع العلماء أن يسجلوا كل كلمة بثقة مُطلقة، فلم يكن هناك أى شك حول أساسيات العهد الجديد. و بالنسبة ليسوع، فلا يُوجد شىء سوف يضع منظور جديد لحياته، شخصيته، معجزاته، أو قيامته.
لمحت ساعتى و لاحظت أن الوقت يتأخر. كان لدىّ موضوع آخر أردت أن افتحه، لكنى لم أميل ان اسأل والاس عليه. لم يكن هذا نقد من عالم محترم، لكنه إدعاء قام به ثلاثة مؤلفين، لم يثق فى كتابهم المؤرخين بكل الطرق. لكنى متأكد بأن هذا شهرة هذا الكتاب العامة – و الذى بِيع منه ملايين النُسخ – كانت جديرة بالطرح.
فقلت:”دعنى اسألك عن أحد التصريحات الموجودة فى الكتاب الأفضل مبيعاً: الدم المقدس، الكأس المقدس”.
فلف والاس عينيه، و لكنى بدأت فى السؤال:”يزعم المؤلفين بأنه فى عام 303، دمّر الإمبراطور الوثنى دقلديانوس كل الكتابات المسيحية التى يمكن أن يجدها. و لهذا السبب لا يوجد أى مخطوطات تعود لما قبل القرن الرابع. و لاحقاً، أصدر الإمبراطور قسطنطين نُسخ جديدة لهذه الوثائق، سمحت: لحراس الأرثوذكسية أن يُراجعوا، يُنقحوا، و يُعيدوا كتابة هذه المواد كما يحلو لهم، و قد كان فى هذا الوقت أن تمت غالبية التغييرات الحاسمة فى العهد الجديد، و نُسِب الى يسوع المكانة الفريدة التى إحتلها منذ ذلك الوقت”.
نظر والاس ساخطاً، و صرخ قائلاً:”يا لهذه الكآبة! هذا مجرد عته! هل يعرف هؤلاء المؤلفين أى شىء عن التاريخ اصلاً؟ دقلديانوس لم يُدمر كل المخطوطات المسيحية. لقد دمر العديد منهم، و لكن غالبيتهم فى الشرق و الجنوب فقط. و عن الزعم بأننا لا نمتلك أى مخطوطة تعود لما قبل القرن الرابع، فلدينا أكثر من أربع دوزينات باليونانية فقط يرجعون لما قبل القرن الرابع. و هذه المخطوطات تحتوى على نصوص كثيرة تُؤكد لاهوت يسوع، مثل يوحنا 1 : 1، يوحنا 1 : 18، يوحنا 20 : 28، عبرانيين 1 : 8، 2 بطرس 1 : 1. إذن فهو إدعاء لا معنى له القول بأن لاهوت المسيح لم يُكن له وجود حتى القرن الرابع، حينما يكون لدينا البرهان بالفعل من مخطوطات أقدم”.
“بالإضافة الى ذلك، فلدينا الكثير و الكثير من الإقتباسات فى كتابات آباء الكنيسة ترجع لما قبل القرن الرابع. أغناطيوس فى عام 110 يُدعو يسوع “إلهنا”، ثم يقول بعد ذلك:”دم الله” مُشيراً الى يسوع. من أين أتى بهذه الفكرة اذا لم تكن قد وُجِدت إلا بعده بمائتى عام؟ و يُمكنك أن تسير من أغناطيوس لبقية الكُتّاب الآبائيين. أنا أقصد بهذا، أنك لا تستطيع أن تقول بهذا الزعم، و تكون مؤرخ معقول بأى شكل من الأشكال. لا يوجد مؤرخ سيفكر بهذا الغباء”.
قلت:”و لكن يبدو أن الملايين من الناس يصدقونهم. فماذا يعنى لك هذا كعالم؟”.
فرد:”إنه شىء مزعج حينما يأتى الأمر الى الإيمان المسيحى، و نجد الناس لا يريدون حقاً – أو لا يعرفون كيف – يفحصون الدليل. لم يعتاد المسيحيين أن يقودهم رعاتهم فى الخوص فى البحث التاريخى. دائماً ما أقول بأنى لا أعتقد أن عمر الكنيسة الإنجيلية باقى فيه خمسين عاماً حتى تتوب”.
“بأى طريقة؟”.
“اولاً، يجب أن نكف عن تهميش دور الكتاب المقدس. لا يُمكننا أن نعامل الكتاب المقدس بإيدى مرتجفة. يجب علينا أن نتصارع مع الموضوعات، لأن إيماننا يعتمد عليها. و ثانياً، يجب أن نكف على معاملة يسوع كأنه مجرد رفيق. يسوع هو الرب و سيد الكون، و علينا أن نفهم ذلك و نرد على الآخرين من هذا المُنطلق”.
“بعد سنوات من دراسة هذه الموضوعات بتعمق، ما الذى فاجآك حول المخطوطات التى قمت بتحليلها؟”
فأجاب:”أكثر ما لفت نظرى، هو الملل من النظر فى مخطوطة وراء مخطوطة وراء مخطوطة لا يتغير نصها. نعم هناك إختلافات، لكنها ثانوية. حينما أقوم بتدريس النقد النصى كل عام، يقضى طلابى ثلث وقت دراستهم ينسخون المخطوطات، و دائماً ما يندهشون من مدى ضحالة إنحراف المخطوطات”.
“حسناً، أنا لا أريد أعطى إنطباع زائف بأنهم لا ينحرفون عن الصواب ابداً. و لكن الغالبية العظمى من هذه الإختلافات تتضمن أخطاء التهجئة و النيو المتحرك. لا يُمكنك أن ترى خط باللون الأزرق فى أى مخطوط يقول فيه الناس:”آه، سوف أقوم بوضع بعض الجمل العجيبة هنا”. إذن فالأساس المُعول عليه بالنسبة إلى، هو كيف أن نُسخ المخطوطات قد إنتقلت بإنتظام عبر القرون”.
“هل تعتقد أن الله قد حفظ لنا بدقة ما هو كافى لنا لنعرفه و نعرف حقيقته؟”
“نعم تماماً. هل لدينا كل الأساسيات؟ نعم. هل لدينا كل التفاصيل؟ لا. و هذه هى مهمة الناقد النصى: أن يحاول الوصول الى الأصول. انا سوف أقضى بقية حياتى أدرس المخطوطات، أنسخهم، أصورهم، و أنشرهم. و مع ذلك لن نصل الى النص الأصلى فى كل مكان على الإطلاق. و لكنى أتمنى أنه مع نهاية حياتى نكون أقرب و لو بجزء بسيط من النص الأصلى، و هذا الهدف جدير بذلك”.
أب الدكتوراه
حوارى مع والاس زودنى بتأكيد قوى بأن ثقتى فى نص العهد الجديد مضمونة بوفرة. ولا شىء إدعاه ايرمان يمكنه أن يُغير الصورة الكتابية ليسوع الحقيقى بأى طريقة لها معنى.
قال الخبير الكتابى نورمان جايزلر، مؤلف أكثر من خمسين كتاباً تشرح و تدافع عن المسيحية:”حينما نضع مقارنة بين القراءات النصية للعهد الجديد و قراءات كتب أخرى موجودة من العالم القديم، فإن النتائج صاعقة. الدليل على سلامة العهد الجديد يتعدى الشك”.
بينا كنت أبتعد عن بيت والاس، إستعدت فى مخيلتى حوار منذ عدة سنوات مع عالم، معروف عالمياً بأنه أعظم ناقد نصى فى عصره. فى الحقيقة، لقد كان بروس م. ميتزجر مُعلم ايرمان فى برينسيتون. حتى أن ايرمان يُهدى سوء إقتباس يسوع له، و يدعوه “أب الدكتوراه” و يقول عنه:”علمنى هذا المجال، و إستمر يُلهمنى فى عملى”.
حينما تحاورت مع ميتزجر، كان عمره آنذاك ثلاثة و ثمانين عاماً. لقد توفى ميتزجر فى عام 2007، بعد حوارنا بعشرة سنوات. ما كان يبدو ساحراً بالنسبة لى كيف أن ملاحظاته فى حوارنا، قد عكست ما كان يخبرنى به والاس الآن بعد سنوات. كمثال، فأتذكر أنى سألت ميتزجر:”إذن، فالقراءات (بين المخطوطات) حينما تحدث، تكون ثانوية و ليست جوهرية؟”.
فرد ميتزجر:”نعم، نعم، هذا صحيح”. و أضاف:”أكثر القراءات أهميةً، لا تُسِقط عقيدة الكنيسة”.
و أتذكر ايضاً أنى سألته حول كيف أثرت عقود الدراسة المُكثفة فى نص العهد الجديد فى إيمانه الشخصى. فأجاب و هو سعيد بمناقشة هذا الموضوع:”آه، لقد أزاد إيمانى أن أرى الحزم الذى إنتقلت به هذه المواد لنا، بنُسخ مُضاعفة، بعضها قديم جداً”.
و بدأت بالقول:”إذن، فالبحث العلمى لم يُضعف إيمانك….”، فقاطعنى قبل أن انهى جملتى مُؤكداً:”على العكس. لقد بناه. لقد سألت أسئلة طوال حياتى، نقبت فى النص، و درسته تماماً، و اليوم أعرف بيقين أن ثقتى فى يسوع وُضعت فى محلها”.
ثم توقف بينما تسمرت عيناه فى وجهى، ثم أضاف مؤكداً:”وُضِعت فى محلها تماماً”.