هل العهد الجديد موثوق به؟
داريل ل. بوك
نبدأ بنعمة المسيح فى ترجمة سلسلة من الأجوبة على أسئلة كثيرة تتردد فى أذهان المؤمنين المسيحيين فى كل مكان، و غير المسيحيين أيضاً، قام بها لفيف من العلماء و الأساتذة الجامعيين فى الكليات و المعاهد اللاهوتية. نُشِرت هذه المقالات القصيرة فى كتاب:
The Apologetics Study Bible, General Editor Ted Cabal, Holman Bible Publishers, Nashville; USA 2007
هل العهد الجديد موثوق به؟
داريل ل. بوك
أستاذ دراسات العهد الجديد بمعهد دالاس اللاهوتى
مثل أى كتاب قديم، فللعهد الجديد إحساس عجيب. فالعهد الجديد يُوثِق أحداث غير عادية و عادات عجيبة. و بطبيعة الحال، فإن هذا يُثير التساؤل: هل نستطيع أن نثق فيما يُخبره لنا هذا الكتاب؟ هذه الحقائق الستة التالية تُؤكد أننا نستطيع الثقة فى العهد الجديد.
اولاً: لقد تم تحديد كتب العهد الجديد خلال عملية تمحيص حريصة.
إمتدت هذه العملية من القرن الأول حتى القرن الرابع. كانت الأسباب المُحفِزة لذلك هى: إستخدام الكتب المقدسة فى العبادة، ظهور تعاليم مُزيفة (و هو ما تطلب تحديد الكتب الأصلية)، و الإضطهاد (و هو الذى دعا إلى حرق الكتب المقدسة، الأمر الذى تتطلب معرفة ما هى هذه الكتب المقدسة!). لذلك فالكتب التى ضُمَت إلى العهد الجديد، كانت هى الكتب التى تُقدِم الدليل على إحتوائها السلطة الإلهية. هل كُتِب الكتاب بواسطة أحد الرسل؟ هل كان الكتاب مُتفِق مع بقية الكتب المقدسة الأصلية؟ هل كان يتم قبوله و إستخدامه بشكل واسع؟ كانت هذه هى الأسئلة التى تُقدم لتحديد موثوقية و سلطة كتب العهد الجديد.
ثانياً: بُنِى العهد الجديد على مصادر موثوقة، أُستُخدِمت بحرص و نُقِلت بأمانة.
الكتاب المقدس مثل بقية الكتب، و هو ايضاً مُختلف عنهم. لقد شرح لوقا أنه إستخدم بعض المصادر (لو 1 : 1 – 4). و يسوع علَّم بأن الروح سوف يُساعد الرسل فى تذكر ما الذى علمهم إياه يسوع (يو 14 : 25 – 26). لذلك فالإحتجاج بأن الكتاب المقدس مُوحى به، لا يعنى الإنصراف عن العناصر البشرية التى أنتجت هذا الكتاب. فما هى، إذن، المصادر و كيف تم التعامل معها؟ النصوص التى تُحيط بيسوع تؤكد على دور شهود العيان بإعتبارهم جزر التقليد (أنظر لو 1 : 2). فالمُرافقة الرسولية للكتاب، تؤكد موثوقية الحدث. و المسافة بين الحدث و تسجيله ليست كبيرة، فهى أقل من مدة حياة إنسان، بل مسافة قصيرة من الزمن بالنسبة للمعايير القديمة. فكمثال، المؤرخين الرومانيين ليفى و ديونسيوس، من القرن الأول، كانوا يبعدون بقرون عن كثير من الأحداث التى أرخوها. بينما إعتمدت اليهودية على القدرة على تمرير الأمور بحرص، من جيل إلى آخر، مُعددين الأحداث بحرص. لكن هذا لا يستثنى بعض الإختلاف فى السرد، كما هو واضح بمقارنة أحداث الإنجيل، أو الأحداث المتوازية فى أسفار صموئيل الأول و الثانى، الملوك الأول و الثانى، و أخبار الأيام الأول و الثانى. اليهودية، و المسيحية التى خرجت منها، كانتا ثقافة الذاكرة. فقط حفظ الناس صلاوات ليتورجية طويلة، و الكثير الذى غالباً ما كان يجب أن يكون على ورق و ليس فى الذاكرة. فأى شخص يقرأ لطفله من كتاب ما للأطفال، مراراً و تكراراً، يعرف أن عقل الطفل يستطيع إمتصاص كميات كبيرة جداً من الكلمات، و يستطيع الإحتفاظ بها. أخيراً، فالنص الكتابى الذى نمتلكه اليوم، يعكس النص كما قد تم إنتاجه فى الأصل. فللعهد الجديد دليل مخطوطى أفضل من أى وثيقة قديمة أخرى. بينما يتوفر للأعمال الكلاسيكية، مثل تلك التى لأفلاطون، هيرودوت، و أرسطو، من مخطوطة واحدة لعشرين، فللعهد الجديد ما يقرب من 5400 مخطوطة يونانية، نستطيع مقارنتهم لتحديد النص الأصلى، دون أن نذكر أكثر من 8000 مخطوطة لاتينية قديمة.
ثالثاً: تحديد الموثوقية يعنى فهم تعقيد التاريخ.
الإختلافات فى الأحداث لا تعنى بالضرورة تناقض، ولا يعنى التتالى رفض التاريخ. فالأحداث يُمكن رؤيتها من عدة زوايا و وجهات نظر دون مُصادرة التاريخية. لهذا فإن الإختلافات بين الأناجيل الأربعة؛ تُغنى تقديرنا ليسوع، عن طريق توفيرهم لنا أربعة وجهات نظر حوله، و يمكننا أن نقول بأنهم: أربعة أبعاد ليسوع. بل ولا حتى الإنعكاس يعنى رفض التاريخ. فى بعض الأوقات، تتضح أهمية الحدث التاريخى، مثل مباراة لكرة القدم، فقط حينما نرى أحداث متتالية. فالتاريخ يتضمن: ما حدث، و النتائج. إذن فالموثوقية هى ببساطة، تأكيد أن الحدث المُحدد هو صورة دقيقة لما حدث و هو شرح صادق له، و ليس انه الطريقة الوحيدة فقط التى نُظِر بها الى الحدث محل الدراسة.
رابعاً: الموثوقية لا تتطلب الشمولية بل المعرفة المعتدلة للموضوع.
المصادر إنتخابية، حتى و هى مصادر دقيقة. يُوضح الكتاب المقدس هذه النقطة فى يوحنا 21 : 25:” واشياء أخرى كثيرة، صنعها يسوع، إن كُتِبَت واحدة واحدة، فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة”. فحينما يدعو الناس الكتاب المقدس بأنه جدير بالثقة، فهم بذلك يحتجون بأن شهادته لا تُناقِض ما حدث فعلاً، و هو كافى ليُعطينا فهم ذو معنى كامل لله و أعماله لنا (2 تى 3 : 16 – 17). فالحديث الدقيق ليس هو الحديث الشامل.
خامساً: يُعلمنا علم الآثار أن نحترم محتويات الكتاب المقدس.
نادراً ما يُمِكن لعلم الآثار أن يُثبِت بأن أحداث ما قد حدثت فعلاً. أقصى ما يستطيع أن يُبينه هذا العلم، هو أن تفاصيل حدث ما، و بعض من هذه التفاصيل قد يكون عَرضى، يُناسب زمن و ثقافة النص. كذلك يُرينا علم الآثار، كيف يجب أن نكون حذرين فى الإشارة الى أخطاء ما فى الكتاب المقدس، فقط لأن الكتاب المقدس وحده هو الذى يُوثق أمر ما. كمثال، كان هناك مناظرات حول وصف ورد فى يوحنا 5 : 2، عن بِركة لها خمسة أروقة فى أورشاليم، تُسمى بيت حسدا أو بيت حسيدا. على العكس من توثيقها الواسع فى التقليد القديم، فالكثير شكك فى وجودها حقاً. و قد شددَّت التهجة المُختلفة لمكان البركة بين المخطوطات، هذه النزعة عند الكثيرين لرفض إدعاء الكتاب المقدس بوجودها. و لكن فى عام 1871 كان هناك مهندس معمارى فرنسى يُدعى س. موس، يقوم بإعادة تكوين كنيسة قديمة، و وجد هناك حوض يبعد عنها بثلاثين متر. ثم جاءت عمليات إستكشافية أخرى فى الأعوام 1957 – 1962، لتوضح أن هذا الحوض كان يتكون من بِركتين كبيرتين بما يتسع لحجم كبير من المياه و الناس. و اليوم، فلا أحد تقريباً يُشكك فى وجود بِركة يوحنا هذه.
سادساً: إدعاء الكتاب المقدس بوجود المعجزات هو إدعاء مناسب حينما يهتم الفرد بالإجابة على إدعاءات القيامة.
أحداث الأناجيل قد تم تدوينها فى حياة العديد من الشهود الذين إدعوا معرفتهم بتلك الأحداث. ربما يكون أعظم دليل على القيامة، هو التحول و رد الفعل من جانب الذين إختبروها. لقد صرَّح التلاميذ، بعقل مُنفتِح، كيف أنهم لم يتلقوا تدريباً أساسياً، و لفترة طويلة كانوا مصدومين فى عدم كفائتهم فى إجابتهم ليسوع. لكنهم أصبحوا قادة شُجعان. لقد وقفوا صامدين فى مواجهة تهديدات الموت و الرفض من قِبل القادة اليهود الذين قاوموهم. هذا لا يعنى فرد واحد أو إثنين، بل حشد كبير من القادة الذين تركوا آثارهم فى التاريخ، و بالأكثر المُضطِهد الرئيسى الأول للكنيسة سابقاً، بولس. بولس و بطرس، و معهم آخرين مثل يعقوب أخ الرب، ماتوا من أجل إيمانهم بقيامة يسوع.