خطية يهوذا مع ثامار
يقول الكثيرون من الكتاب المسلمون لأنهم ينقلون من بعضهم دون عمل دراسات خاصة بهم. يقولون إنه جاء بسفر التكوين (38: 12-17) “ولما طال الزمان وماتت ابنة شوع امرأة يهوذا فأخبرت ثامار وقيل لها هوذا حموك صاعداً إلى تمنة ليجز غنمه فخلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت وجلست في مدخل عنايم التي على طريق تمنه لأنها رأت أن شيلة قد كبر وهي لم تعطى له زوجة!! فنظرها يهوذا وحسبها زانية لأنها غطت وجهها فمال إليها على الطريق وقال لها: هاتي أدخل عليك لأنه لم يعلم أنها كنته”.
كيف يزني يهوذا مع ثامار كنته؟
إن ثامار كانت متزوجة من ابن يهوذا “عير” الذي مات وكانت العادة أن تتزوج من أخيه لتنجب منه نسلاً يحي به ذكرى أخيه “فقال يهوذا لأونان أدخل على امرأة أخيك وتزوج بها وأقم نسلاً لأخيك”، ولكنه لم يرد أن يقيم نسل لأخيه ومات وخاف يهوذا على ابنه التالي شيلة لئلا يموت”.
فقال يهوذا لثامار كنته اقعدي في بيت أبيك حتى يكبر شيلة ابني لأنه قال لعله يموت هو أيضاً كأخويه فمضت ثامار وقعدت في بيت أبيها”. وهنا لجأت ثامار لحيلة وهي أنها انتهزت فرصة ذهاب يهوذا ليجز غنمه، فوقفت في طريقه وتظاهرت أنها زانية فمال إليها وأخذت خاتمه رهناً، ولما علم فيما بعد أنها حامل وظن أنها زنت طلب أن تحرق فكشفت له أنها حامل منه وأنها فعلت ذلك لأنه لم يوفي بوعده معها.
نلاحظ في البداية أنه هذا الحدث قبل وجود الشريعة، ومن الواضح هنا أن تصرفها كان طبيعي ومتفق مع عادات وسلوك عصرها لذا قبل يهوذا وأهلها ذلك كأمر طبيعي. لكن ما يعنينا هنا هو أن يهوذا والذي ارتكب الزنا بالفعل لم يكن يعلم أنها زوجة ابنه بل ظن أنها مجرد زانية على الطريق وأنها هي فعلت ذلك بحسب سلوكيات وعادات بيئتها وعصرها ولكن ذلك لا يعفي يهوذا من خطية الزنا، ولكنه لم يقصد زنا المحارم، بل مجرد الزنا مع زانية.
يهوذا لم يكن نبياً ولكن ابن نبي، ونكرر أن خطية الزنا لا تساوي شيء بجانب الكفر، لأنه ليس بعد الكفر إثم أو ذنب.
وهنا أيضاً لا نرى أمراً إلهياً لثامار بأن ترتكب خطيئة الخداع والتنكر والإيهام والإيقاع بهذا الرجل الذي ظنها زانية تزني مع الغرباء مقابل المال…
كما لا نرى أمراً إلهياً ليهوذا بأن يمارس الخطيئة مع زانية محترفة مقابل المال…
لا يوجد أمراً إلهياً ليفعل ما يفعله…
قبل هذا وذاك لم نجد أمراً إلهياً ليهوذا بأن يستخدم سلطانه كرجل ثري واسع النفوذ إذا فرض كلمته على أحد أطاع صاغراً بأن يجبر ارملة ابنه البكر “عير” ثامار على ألا تتزوج من أحد بعد موت زوجها. “أونان” الذي أيضاً لم يرغب في الزواج منها، وتزوجها قهراً.
ولما مات ابنه الثاني أونان لم نجد أمراً إلهياً في الكتاب المقدس يجعله يستخدم نفوذه لاحتجاز تلك المرأة بدون زواج حتى يكبر ابنه الثالث شيلة. ولم نجد أمراً إلهياً يجعله ينسى أن يزوج ابنه الثالث شيلة لتلك الأرملة التي احتجزها ومنعها من الزواج حتى يتزوجها شيلة… كل هذه الخطايا ارتكبها أصحابها بالمخالفة لوصايا الرب وتبعاً لهوى نفوسهم الخاطئة مع ملاحظة أن يهوذا لم يكن متزوجاً عندما ارتكب تلك الخطية بل أرمل، وملاحظة أنه لم يعرف أن الزانية المحترفة المتنكرة الساكنة في الخلاء المتربصة بمروره بهذا الخلاء ليجز غنمه هي ذاتها ثامار كنته.
ونجد يهوذا يعترف بفداحة خطيته وهو المخدوع الذي تعرض للخديعة والإيقاع من تلك الماكرة وقال معتذراً “فتحققها يهوذا وقال هي أبر مني!! لأني لم أعطها لشيلة ابني. فليم يعد يعرفها أيضاً” (تك 38: 26).
القمص مرقص عزيز خليل.