الخطاب اللاهوتي الأول ضد أتباع أفنوميوس غريغوريوس النزينزي
الخطاب اللاهوتي الأول ضد أتباع أفنوميوس غريغوريوس النزينزي
1– إلى المتحذلقين في الكلام يتوجه هذا الخطاب. ولكي يكون انطلاقي من الكتاب المقدس: ” هأنذا عليك أيها المتطاول الوقح”[1]، تعليماً، واصغاءً وتفكيراً. وإن هنالك لأناساً يشكون “الحكاك”[2] في سمعهم، وفي لسانهم، وها هم، على ما أرى، يشكونه في أيديهم[3]، بسبب كلامنا، وتستهويهم “الأحاديث الباطلة الفارغة، ومناقضات العلم الكاذب”[4]، “والمماحكات الكلامية”[5] التي لا تغني فتيلاً. فهكذا ينعت بولس كل ما كان في الكلام هذياناً وتطاولاً، هو رائد “الكلمة الناجزة”[6]، تلميذ الصيادين ومعلمهم. هؤلاء الذين يدور عليهم الكلام، ذوو اللسان الزلاق، والحاذق في تصيد أفخم الألفاظ وأجلها، حبّذا لو كانوا في أعمالهم هكذا حاذقين. قليلاً من الوقت وتتقلص سفسطائيتهم، وتتراخى في الخطب بهلوانيتهم السخيفة والمستهجنة، وما جرني إلى مثل هذا القول إلا كون السخف لا يجدر به إلا الاستخفاف.
2 – لقد نسخوا طريق التقوى[7] وحصروا همهم في أمر واحد: “عقد” المسائل المطروحة أو “حلها”[8] شأنهم في ذلك شأن الذين يقدمون على المسارح مشاهد الاقتتال، لا للغلبة وفاقاً لقوانين القتال، بل لخطف أنظار الجهال، ورغبة في التمدح وابتزاز الثناء – فيجب أن تضج كل ساحة عامة بدندنة خطبهم وأن يَثقُل جو كل وليمة بترّهات هذرهم، وأن يصبح كل عيد وكل حداد خاليين من بهجة العيد، حافلين بمرارة الحداد، وأن يكون العزاء في ويل أشد وطأة، في جل يخترق حجب الخدور كلها، وينقلها من مألوف بساطتها إلى القلق والاضطراب، وأن تذوي زهرة الخفر في التهافت على الجدل والحجاج.
وإذ كان الأمر كذلك، والشر لا يكبح جماحه، ولا يطاق نطاحه، وإذ كان سرنا العظيم في خطر الانقلاب إلى تحذق زري، فهلم، وليتحملنا الجواسيس[9]، نحن الذي “توجعنا جدران قلبنا[10] الأبوي، ونشعر بتمزق في المشاعر”، على حد ما قال إرميا الإلهي، لا يقابلوا كلامنا على هذه الأمور بالجفوة والتنكر، وليضبطوا لسانهم بعض الوقت إذا أمكنهم ذلك، ويميلوا إلينا بمسامعهم. وعلى كل حال فلا ضير عليكم في ذلك.
وهكذا فإما أن نكون قد خاطبنا “آذاناً صاغية”[11] وكان كلامنا مثمراً وذا فائدة لكم – لأن الزارع يزرع[12] الكلمة في كل ذهن، والذهن الذي يثمر[13] هو الذهن الجميل والخصيب – وإما أن تخرجوا هازئين مستخفين[14] وممعنين في التطاول والتحامل، حتى يكون لكم من ذلك مآدب على مآدب. فلا تعجبوا لخطاب أفاجئكم به وأجري فيه على غير ما تألفون، أنتم الذين تدعون معرفة كل شيء، وتعليم كل شيء، وذلك في كثير من الجرأة والسخاء، وتجنباً لاستيائكم لا أقول في كثير من الجهل والوقاحة.
3 – ليس لكل إنسان، ويكم، ليس لكل إنسان أن يتفلسف في شأن الله؛ ليس ذلك أمراً زهيد الثمن، ولا هو من شأن الزاحفين في التراب[15]. وأزيد: لا في كل حين، ولا أمام الجميع، ولا في كل شيء، بل عندما يلزم، ولمن يلزم، وبقدر ما يلزم، ليس من شأن جميع الناس، بل من شأن الذين تمرسوا بالتأمل وصعّدوا فيه، وقبل ذلك من شأن الذين طهروا النفس والجسد، أو الذين هم على الأقل في طريق ذلك التطهير. فمس الطاهر في غير طهارة[16] أمر غير مأموم العاقبة، كما هي حال العيون الضعيفة أمام أشعة الشمس. وفي أي وقت؟ عندما نتيح لأنفسنا سانحة الخروج من الحمأة ومن الضياع، وعندما يكون سلطان الحكم فينا غير غارق في التصورات المقلقة والباطلة، وإلا كنا كمن يمزج الخط الجميل بخرابيشه القبيحة، أو عرف الأطياب بالمقاذر. أجل، يجب أن نتيح لأنفسنا السانحة وأن نعرف الله، ونحكم باستقامة اللاهوت “متى بلغنا ميقاتنا”[17].
وأمام من؟ أمام من تعنيهم القضية ويغارون عليها، لا أمام من هي لهم كسائر الأشياء التي يتلهون بها في ثرثرتهم بعد حفلات السباق، والمسرح، والغناء، وبعد متعة البطن وما تحت البطن: هؤلاء يجدون مجال ترفه واسترخاء في معالجة هذه القضية بالمكايدة وحذلقات الجدل. وفيم يكون التفلسف وبأي قدر؟ يكون فيما هو لنا من المدركات، وفيما للمستمعين طاقة وقدرة على إدراكه، وإلا فكما تؤذي الأصوات الشديدة الآذان، والأطعمة القوية الأجسام، أو – إذا أردت – كما ترهق الأحمال الباهظة طاقة رافعيها، أو كما تسيء وابلات الأمطار إلى الأرض، هكذا تكون حال أولئك المستمعين، الذين يرهقهم ويبهظهم ما في الخطب من عوص – إذا صح القول – فينهار ما كان متبقياً لديهم من طاقة.
4 – لا أقول بوجوب الامتناع الدائم عن ذكر الله؛ ولا يهاجمنا مرة أخرى أولئك الذين ديدنهم ودأبهم المهاجمة. فعلينا أن نذكر الله أكثر مما نتنفس، بل علينا – إذا أمكن القول – ألا يكون لنا عمل سوى الذكر. وأنا من مؤيدي القول الذي يدعو إلى أن “يُهَذّ فيه ليلاً ونهاراً”[18] وأن يردد “في العشي والغداة والظهر”[19]، وأن “يبارك الرب في كل حين”[20]، وإذا اقتضى الأمر قلنا مع موسى: “عند النوم، وعند النهوض، وعند المشي في الطريق”[21]، وفي أي عمل آخر يعمل، فبالذكر يُصاغ التطهير.
وهكذا فلست أمانع الذكر الدائم لله، بل الجدل في موضوع الله، ولا أمانع الجدل على أنه كفر، بل على أنه تطفل، ولا التعليم، بل التفريط. الإكثار من أكل العسل يبعث على التقيؤ[22]، وإن كان عسلاً، ولكل أمر أوان[23]، على ما يرى سليمان – وعلى ما أرى أنا أيضاً – والجميل يكون غير جميل عندما يحدث بطريقة غير جمالية؛ تلك حال الزهرة، فهي في الشتاء في غير ميقاتها البتة، وكذلك زينة الرجال على النساء، وزينة النساء على الرجال، أو الهندسة[24] في مأتم، أو الدموع في مأدبة، ونحن نستخف بالوقت الملائم هنا فقط حيث يجب الاهتمام الشديد بما هو ملائم.
5 – لا، لا، أيها الأصدقاء والإخوة – وأدعوكم أيضاً إخوة، وإن كان سلوككم غير السلوك الأخوي – لا نذهبن في مثل هذا التفكير، ولا نكن كالخيول الجموحة الشّموسة[25] ونطوح بفارسنا – العقل – ولا نهملن التقوى التي “تشدنا”[26] شداً خيراً، ولا نَعدونَّ خارج المضمار، ولكن لنلزمن حدودنا في الجدل، ولا نتهاو إلى مصر، لا ننجز إلى أشور[27]، ولا نرنم “ترنيم الرب في أرض غربة”[28]؛ أتكلم في آذان الجميع، سواء كانوا من الغرباء أو من ذوينا، من الأعداء أو من الأصدقاء، من المفكرين أو من المغفلين، الذين يراقبون أمورنا بدقة شديدة، ويتمنون لو تنقلب شعلة مَضَرَّاتِنا لهيباً، فيوقدونها. وينفخ أنفاسهم يرتفعون بها خلسة إلى السماء، ويتجاوزون بها لهيب أتون بابل، الذي كان يلتهم كل ما كان حوله[29]. وإذ لم يجدوا في عقيدتهم القوة راحوا يطلبونها في مثالبنا، ولهذا فهم كالذباب على الجراح ينهالون على مواطن ضعفنا، ويأخذننا بما يجب أن نسميه بؤسنا وخطأنا.
وأما نحن فلا نتجاهلن ذواتنا من بعد، ولا نستهينن بالتحفظ والاحتراز في هذه الأمور، ولئن تعذر وضع حد للعدواة والبغضاء فلنتداع للكلام على الأسرار سرياً[30]، وعلى الأقداس قدسياً، غير ملقين في المسامع الأرضية ما لا يجوز إلقاؤه إليها، ولا نُظهرن عبدة الأوثان وخدمة الأساطير والممارسات المخزية أوفر توقيراً واحترازاً منا، هم الذين يؤثرون أن يتخلوا عن دمهم على أن يتخلوا عن كلمات تلقى إلى من لا قبل لهم بها ولا اطلاع على سرها، ولنعلم أنه كما في الملبس والسلوك، والضحك، والسير أدب اعتدال، كذلك في الكلام والصمت، فإننا نجل الكلمة مع سائر أسماء الله وقواته، وحبنا للجدل يجب أن يكون هو أيضاً مقيداً بنظام.
6 – لماذا يسمع بولادة الله وخلقه، وبخروج الله من العدم، ولماذا يسمع بالانقطاع والانقسام والانفصال من يستقرئ هذه الألفاظ في تنكر؟[31] لماذا نُقيم المتهم حكماً علينا؟ لماذا نجعل السيف في قبضة أعدائنا؟ كيف تراه يستقبل كلامك على هذا القضايا، وبأي نفسية تراه يتقبله، من يقر الزنى والفساد في الأولاد، من يتعبد للأهواء، من لا يقوى على الارتفاع بفكرة فوق الجسد، من اتخذ له أمس وقبل الأمس آلهة عُرفوا بأقبح الإجرام؟ أليس مادياً؟ أليس تحقيرياً؟ أليس استخفافياً؟ أليس ذلك دأبه؟ أن يفقه هذه الأمور هكذا، ويجعل من اللاهوت وسيلة دفاع عن آلهته وأهوائه؟ إذا كنا نسيء إلى أنفسنا بهذه الألفاظ فكيف وبكم من الجهد يمكننا أن نحمل الآخرين على أن يعتنقوا مذهبنا ويكونوا من جماعتنا؟
وإذا كانوا بأنفسهم يختلقون المنكرات فمتى يتورعون عن تناول ما نقدمه لهم؟ هذا ما بعث الحرب فيما بيننا[32]، وهذا عمل المتحاربين لأجل الكلمة حرباً أوسع مما يرتضيه الكلمة[33]، وكأني بهم قد فقدوا العقل وكانوا كالمجانين الذين يبعثون النار في منازلهم، أو يُمزقون أبنائهم، أو يطردون والديهم على أنهم غرباء.
7 – بعد تخلصنا مما هو غريب عن كلامنا، وبعد إلقائنا “الجوقة الكثيرة العدد” في قطيع الخنازير الذي تواثب إلى عمق البحيرة[34]، فلنمض فيما يلي من حديثنا، ولنلق النظر على ذواتنا، ولنصقل اللاهوتي صقلاً جماليّاً كما يُصقل التمثال. لنفكر أولاً في هذا: ما هذا التنافس في النقاش، وهذا الانجراف في الكلام؟ ما هذا الوباء الجديد وما هذا الكَلَبُ المُستحدث؟ لماذا، وقد غللنا الأيدي، لم نحجم عن إصلات الألسنة؟ ألسنا نحمد قرى الغرباء؟ ألا نعجب بالحب الأخوي والحب الزوجي، والبتولية، والحَدب على البؤساء؟ ألا نعجب بالترنم بالمزامير، وإحياء الليل بطوله وقوفاً، وسكب الدموع الغزيرة؟ ألا نقمع جسدنا[35] بالصوم؟ ألا ننطلق إلى الله بالصلاة؟ ألا نخضع الناحية الدنيا فينا للعليا، أعني “التراب”[36] للروح، كمن يحكمون الحكم العادل على هذا الكائن الخليط؟ ألا نجعل الحياة “تدربنا على الموت”؟[37]
ألا نقيم من أنفسنا سلطاناً مسيطراً على الأهواء، ذاكرين الأصالة الكريمة التي لنا من العلاء؟ ألا ندجن الغضب الذي ينتفخ ويتلهب؟ والتشامخ الذي يصرع[38]، الحزن الطائش، المتعة الفظة، والضحك الفاجر، والنظر الجائر، والسمع الجشع، والكلام القذع، والفكر الجامح، وكل ما يقتنصه الشرير فينا ليرمينا به مدخلاً الموت “من كوانا”[39] على حد قول الكتاب، أي من حواسنا؟ إننا بخلاف ذلك نطلق العنان لأهواء الآخرين، كما يسرح الملوك جنودهم بعد الانتصار، ويكفي أن يميلوا برأسهم إلينا لكي يتحاملوا بعد ذلك على الله بجرأة أشد وكفر ألد، ونحن نشتري العمل الطالح بالمكافأة القبيحة، أي الإقامة المطمئنة على الكفر[40].
8 – ومع ذلك فإني أتوجه إليك بسؤال وجيز أيها الجدلي الثرثار: “وأنت أجب”[41] يقول لأيوب من يتكلم في العاصفة وفي السحاب. هل عند الله منازل كثير كما يترامى إلى سمعك[42]، أم منزل واحد؟ لا شك في أنك تقول بالكثيرة لا بالواحد. وهل يجب أن تسْكَن جميعها، أم يُسكن البعض منها ويبقى البعض الآخر خالياً ولا فائدة من إعداده[43]؟ نعم جميعها، إذ ليس من عبث فيما يصدر عن الله. وهذا المنزل كيف تتصوره؟ هل لك في أن تُجيب؟ أليس مقر راحة ومجد معداً هناك للطوباويين، أم تراه شيئاً آخر؟ ليس هو شيئاً آخر. وإذ كان الأمر لا خلاف فيه، فلنبحث فيما يلي: هذا الذي يتيح لنا دخول تلك المنازل، اهو شيءٌ ما – كما أقول أنا – أم هو لا شيء؟ من الثابت أنه شيء ما. فما هو؟ هناك أنواع مختلفة في سياسة الحياة وهنالك خيارات متعددة من شأنها أن تتيح دخول هذا المنزل أو ذاك على حسب قاعدة الإيمان[44].
وهذا ما نسميه “السبل”. فهل يجب سلوك جميع هذه السبل أو سلوك بعضها؟ بل جميعها لو كان ذلك في إمكان الإنسان الواحد، وإلا فأكثرها، وإن تعذر عليه ذلك فبعضها، وإن تعذر ذلك كان من الجدير به ومن عظيم الشأن بالنسبة إليه أن يسلك واحدة سلوكاً كاملاً، على ما يبدو لي وموافقتك على ذلك صوابية ولا مداورة فيها. ولكن ماذا؟ عندما تسمع أن هنالك طريقاً واحدة وأنها ضيقة[45]، فماذا يعني هذا القول في رأيك؟ إنها واحدة بسبب الفضيلة، لأن الفضيلة واحدة وإن تشعبت، وهي ضيقة بسبب ما تسيله من عرق، وبسبب أن الكثيرين يجدونها غير سالكة، وعلى حد ما يراه الكثيرون من الزائغين والآخذين في طريق الفسق. وهذا ما أراه أنا أيضاً.
فإذا كان الأمر كذلك، أيها العزيز، فعلام تبطل كلامنا وتزعم أنه لا يخلو من فقر، وفيم تجانب جميع الطرق الأخرى وتنصب وتتهافت على هذه الطريق الوحيدة، طريق النقاش والمباحثة، كما ترى، وأنا أقول إنها طريق الثرثرة والتدجيل. فليؤنبكم بولس الذي، بعدما عدد المواهب انهال باللوم الشديد في هذا الموضوع قائلاً: “أيكون الجميع رسلاً، والجميع أنبياء؟”[46] وما يلي.
9 – فليكن! لقد ارتفعتَ أنت، وارتفعتَ على المرتفعين، وعلى السحاب، وإن شئت، وأنت تشاهد ما لا يُشاهد، وتسمع “كلمات تفوق الوصف”[47]، وطلعت مع إيليا[48]، وكنت أهلاً لأن يتجلى لك الله مع موسى[49]، واختطفت إلى السماء مع بولس[50]، زه! وأنت تنشئ الآخرين على القداسة في يوم، وتختار اللاهوتيين برفع اليد، وتنفخ فيه العلم نفخاً، وتصطنع زمراً من العلماء الجهال! لماذا تلف الضعفاء بخيوط عناكبك، كما لو كان في الأمر حذقٌ وموطن فخار؟ لماذا تثير مدبرة الدبابير في وجه الإيمان؟ لماذا ترتجل ثورة الجدليين علينا وكأنهم مردة الأسطورة القديمة[51].
لماذا جمعت من بين البشر كل خفيف وخسيس كركام قمامة في وحدة واحدة، وبعدما زدت في تخنيثهم بالممالقة لماذا أنشأت وكراً جديداً للكفر، مستغلاً حماقتهم بحذق ودهاء؟ ألا تزال تنقض هذا القول؟ ولا يهمك أي شيء آخر؟[52] وفيما كان من واجبل أن تضبط لسانك ضبطاَ كاملاً رحت تسترسل فيما تتمخض به من كلام! لديك موضوعات أخرى كثيرة ونبيلة للدراسة والنقاش حول إليها سعارك بطريقة مفيدة.
10 – اطعن لي في صمت فيثاغورس[53]، والفول الاورفيّ[54]، ووقاحة الطريقة الجديدة في الحجاج القائمة على العبارة “لقد قال”[55]. إطعن لي في مُثُل أفلاطون، وفي التناسخ وعودة نفسنا الدورية[56] والتذكر[57]، والحب الذي تستثيره الأجسام الجميلة في النفس والذي يخلو من كل جمال[58]، وإلحاد أبيقورس، والذرّة، واللذة التي لا تليق بالفلسفة[59]، وعناية أرسطو[60]، ودقة حذاقته الفنية، وخطبه الفائية في موضوع النفس، والنزعة البشرية في تعاليمه؛ وتعبس الرواقيين، وجشع الكلبيين وسوقيتهم[61]. اطعن لي في الملآن والفارغ[62]، وفيما بين تخريفاتهم جميع تخرصاتهم في شأن الآلهة أو الذبائح، في شأن الأوثان، والأرواح الخيرة والشريرة، والتكهن، واستحضار الآلهة والأرواح، وقدرة الكواكب.
وإذا وجدت كل ذلك غير لائق بكلامك، وأنه أمر حقير طالما عولج، وإذا تحولت إلى ما يعنيك وطلبت موضوعاً نبيلاً، فإني أدلك هنا أيضاً على طرق واسعة. ناقشني في موضوعات العالم أو العوالم، والمادة، والروح، والطبائع العاقلة سواء كانت صالحة أو شريرة، والقيامة، والدينونة، والجزاء، وآلام المسيح. فالانتصار في هذا المجال لا يكن بلا جدوى، والفشل لا يكتنفه الخطر[63]. وإننا سنلتقي الله الآن جزئياً، ولكننا سنتلقيه بعد قليل على نحو أكمل، في المسيح يسوع نفسه ربنا، الذي له “المجد إلى الدهور”[64] آمين.
[1] إر 50: 13.
[2] 2تيم 4: 3.
[3] في هذا الكلام إشارة إلى عنف الأريوسيين في خصومتهم للكاثوليكيين، و”الأيدي” هنا تعني الكتابة.
[4] 1تيم 6: 20.
[5] 1تيم 6: 4.
[6] روم 9: 28.
[7] اللفظة “طريق” هنا بالمعنى الكتابي، فهي تعني الحياة الأخلاقية والدينية.
[8] دا 5: 12.
[9] يشير بـ “الجواسيس” إلى من كان حاضراً من جماعة أفنوميوس.
[10] إر 4: 19.
[11] سير 25: 12 (9).
[12] متى 13: 3
[13] متى 3: 23.
[14] كان الأريوسيون يهزأون بغريغوريوس لأنه كان فقيراً متغضن الوجه، محدودب الظهر، قد نهكه الصوم، ولأنه كان يأتي من مكان بعيد. هذا ما يخبرنا به هو نفسه في سيرة حياته التي نظمها شعراً.
[15] أي أولئك الذين لم يستطيعوا التخلص من أهوائهم ومن المشاغل الأرضية.
[16] فكرة أفلاطونية مرجعها إلى المبدأ العام القائل بأن الشبيه لا يمكن أن يعرفه إلا شبيهه.
[17] مز 74: 3
[18] مز 1: 2.
[19] مز 54: 18.
[20] مز 33: 2.
[21] تث 6: 7.
[22] أم 25: 27.
[23] جا 3: 2.
[24] وردت اللفظة “هندسة” في معظم المخطوطات.
[25] مز 31: 9.
[26] مز 31: 9.
[27] مصر وآشور: أي بلاد الغربة والابتعاد عن الأرثوذكسية.
[28] مز 136: 4.
[29] دا 3: 22.
[30] أي لا نحاولن أن نفسر الأسرار بأقوال مضللة.
[31] في هذا الكلام شبه خلاصة للآريوسية يظهر فيها الخطيب أن الحوار اللاهوتي على طريقة الهراطقة يسيء إلى المسيحية. ومن المعلوم أن الآريوسية تعد ولادة الكلمة برهاناً على أن الألوهة غير كاملة في الكلمة برهاناً على أن الألوهة غير كاملة في الكلمة. وهو من ثم مخلوق نوعاً ما. من هنا اهتمام الآريوسية، ولا سيما أفنوميوس، بالتميز واللولبة، فالكلمة في نظرهم هو مخلوق الله المباشر، وليس هو من جوهره على طريق التواصل. وبين اللامولود وكلمته انقطاع، وانقسام وانفصال.
[32] الأرثوذكسيون والهراطقة ينتمون إلى المسيح، والحرب القائمة فيما بينهم هي حرب بين الإخوة.
[33] فالكلمة لا يرتضي هذا الجدل غير اللائق في موضوع ولادته.
[34] مر 5: 9-13؛ لو 8: 30-33.
[35] 1كو 9: 27.
[36] تك 2: 7.
[37] كلام مأثور لأفلاطون (فيدون 81 أ).
[38] مز 72.
[39] أر 9: 21 (العبراني: 20).
[40] في هذا كله تنديد بالذين يحسبون أن النقاش اللاهوتي وتعليم العقيدة ممكنان لمن لم يمارسوا حياة التقشف والنسك. فالنسك ضروري للتطهير، والتطهير ضروري للعمل اللاهوتي.
[41] أي 38: 3.
[42] يو 14: 2.
[43] يو 14: 2.
[44] روم 12: 6.
[45] متى 7: 14.
[46] 1كور 12: 29.
[47] 2كور 12: 4. ليس في هذا المقطع معالجة لموضوع المواهب الروحية، بل محاولة لبقة من الخطيب لحمل خصمه على اعتبار أن اللاهوت، بالمعنى الأقنومي، ليس الطريق الوحيدة التي تقود إلى الله.
[48] 2 ملو 4: 11.
[49] خر 2: 3؛ 19: 2؛ 33: 18-23.
[50] 2 كور 12: 2.
[51] إشارة إلى أسطورة قدموس الذي نثر أنياب التنين الذي قتله، فخرج منها محاربون مدججون بالسلاح.
[52] أي شيء غير النقض والمناقضة.
[53] كان فيثاغورس يفرض على تلاميذه الصمت خمس سنوات.
[54] كان فيثاغورس يحرم الفول، ولا تزال العلاقة بين الفيثاغورية والأورفية مجهولة.
[55] كانت هذه العبارة حجة الفصل عند الفيثاغوريين.
[56] كانت الرحلة الدورية تستغرق ألف سنة.
[57] المعرفة عند أفلاطون هي تذكر، وعلى ذلك فلا بد أن تكون النفس قد شاهدت المثل قبل ميلادها.
[58] إشارة إلى “الظرفاء” الذين ورد ذكرهم مراراً في آثار أفلاطون.
[59] كان أبيقورس يجعل الذرات في أساس العالم ويجعل السعادة القصوى في اللذة.
[60] العالم في نظر أرسطو أزلي، والله لا يعني به ولا يؤثر فيه إلا بالجاذبية.
[61] في هذا الكلام إشارة إلى خرج الكلبيين الشهير، ومن المعلوم أن ديوجينس كان يعيش على الصدقة.
[62] اشتعر ديمقريطس بهذه الآراء.
[63] يرى الخطيب أن هذه الأمور التي بوردها لم يوضحها الكتاب المقدس بصراحة، وهي في هذا المعنى يمكنها أن تكون موضوع بحث.
[64] رؤ 1: 6.