الصلاة الربانية كمثال لصلاة الانسان المسيحي – ترجمة توماس نبيل
الصلاة الربانية كمثال لصلاة الانسان المسيحي – ترجمة توماس نبيل
الكاتب nt wright
“كما أمر مخلصنا المسيح وعلّمنا فنحن نقول بشجاعة في الصلاة الربانية أبانا” فهو (أي المسيح) يعمل على صياغة صلاة طقسية قديمة، مؤكداً لنا على صلاة (أبانا الذي) كأمر واستخدامها كسلاح جريء. فعلي مستوي واحد هي ملائمة لنا بشكل كامل، وعلى مستوي آخر عدم فهمها يجعلنا نفشل في الوصول إلى أكثر شيء رائع بخصوص الصلاة الربانية-وايضاًن في إدراك الميزة الأكثر تميزاً بصدق في الصلاة المسيحية والتي تشير اليها هذه الصلاة. أن الصلاة الربانية ليست أمر بقدر ما هي دعوة، دعوة لمشاركة يسوع نفسه.
بالنظر إلى المفهوم المسيحي للثالوث، فان الصلاة الربانية دعوة للمشاركة في الحياة الإلهية نفسها. فهي أحد الطرق الهامة إلى السر المركزي للخلاص والوجود المسيحي: فالشخص المسيحي المؤمن والمعتمد 1-مندمج في الحياة الداخلية للثالوث و2-لديه النية (القصد) ليس فقط ان يؤمن ولكن ان يختبر ايضا.
إن الصلاة الربانية مع التناول، تشكل الايمان الطقسي الذي تؤمن به الكنيسة الشرقية الارثوذكسية والقوطية الغربية- فكلاً منهم يتطور في طريقه الخاص لكي يصل إلى الهيكل المركزي للاهوت اليهودي. فالله الذي تعبده الكنيسة ليس دكتاتوراً بعيداً ولا ببساطة نتاج فكر انساني. فهذا الاله موجود دائماً مع العالم وفي نفس الوقت بعيد عنه. إنه موجود ليفرح مع الناس ويحزن معهم، ليعطيهم بركاته الغنية وينقذهم من المرض، هذا لأنه متسلط على السماوات والأرض، البحر والبر، وكل قوات هذا العالم، وحتى متسلط على قلوب البشر. الصلاة الربانية هي دعوة لمعرفة هذا الاله والمشاركة في حياته العميقة.
هذا كله خاص جداً، لان الصلاة الربانية هي “المخرج الحقيقي” هي صلاة شعب الله. فهذه الصلاة وُضعت اساسا في سياق أخروي (سياق له علاقة بالملكوت)، فكل فقرة من هذه الصلاة هي إعلان يسوع على أن ملكوت الله بدأ يدخل قصة إسرائيل والعالم، فهذه الصلاة توضح العالم الجديد الذي وعد به الله طويلاً، وتدعو الناس للمشاركة فيه.
لو ان هذا السياق تم إهمالها وتم اعتباره موضوع تاريخي فقط (لان البعض سيقترح أن حضور الملكوت لم يأت في التوقيت المناسب) ستفقد الصلاة فعاليتها الخاصة وتصبح مجرد توسل أو دعاء عام للأشياء لكي تتحسن، وباعتراف الجميع ستظل لمجد الله فقط. من اجل ان يتم الصلاة بها (أي بالصلاة الربانية) بشيء به موثوقية كاملة، من الضروري أن ندرك الصلاة من جديد من رؤية أخروية ومن رسالة يسوع نفسه، الذي أعلن الخروج الحقيقي، العودة الحقيقية من المنفي، وكل هذا مفهوم ضمنياً بواسطة تعبيرات (ابانا الذي) المختصرة والواسعة النطاق. (عن هذه الموضوعات انظر يسوع ونصر الله 1996).
من اجل ذلك الغرض، أبدأ هذا المقال ببضعة انعكاسات على أصل الصلاة الربانية مع كهنوت وإعلان مملكة يسوع، هذا سوف يؤدي إلى شرح شامل عن الطريقة التي تفتح بها الصلاة الربانية قلب الخطة الإلهية ليسوع وتدعو أولئك الذين يصلون ليصبحوا جزءاً من هذه الخطة، وهذا سيؤدي بعد ذلك إلى بضعة انعكاسات على شكل ومحتوي الصلاة الطقسية المسيحية والصلاة الشخصية، وفي النهاية يؤدي إلى بعض ملاحظات ختامية تنقلنا من “أبانا” الخاصة بكهنوت يسوع إلى صرخة الآبا التي تحدث عنها بولس في غلاطية 4 و رومية 8.
الصلاة الربانية وصلاة يسوع الخاصة
الاشارات إلى ممارسة يسوع للصلاة الشخصية منتشرة خلال الاناجيل وتعكس معرفة تلاميذه الاولين عن أن هذا النوع من الصلاة الشخصية-ليس ببساطة مجرد دعاء أو توسل ولكن جدال مع الله على المشاكل الحقيقية والاسئلة- شكّل البنية التحتية لحياة يسوع وعمله العام. إن الصلاة التي أعطاها يسوع لأتباعه تجسّد صلاة يسوع ومملكة كهنوته المتسعة في كل فقرة منها.
أبانا
كان يسوع بشكل منتظم ينادي الله على انه “الآب “بالرغم ان الكلمة الآرامية آبا تُوجد فقط في الاناجيل في حكاية جثسيماني في مرقس 14: 36، إلا ان هناك اتفاق عام أن 1-يسوع بالفعل استخدم هذه الكلمة في الصلاة و 2-أن مفهوم أبوة الله-علي الرغم بالطبع أنه معروف في اليهودية-اتخذ موقعاً مركزياً في تصرف يسوع تجاه الله بطريقة مميزة.
لذا عندما نري الصلاة التي اعطاها لتلاميذه تبدأ بالآب في (لوقا 11: 2) أو أبانا (متي 6: 9) (الديداخي 8: 2-3 يبدأ ايضاً بأبانا) يجب ان نفهم ان يسوع يريد منهم أن يشتركوا مع يسوع في حياته الروحية المتميزة فالله بالنسبة ليسوع صديقه الحميم وأحد أقارب العائلة. فكرة أبوة الله، ووجود هذا المبدأ الصلاة لم يكن بدعة من اليهودية ولكن مركزية هذا التعليم وتوكيد يسوع عليه يمثل انطلاقة جديدة.
ليتقدس اسمك
إن تقديس اسم الله كما في الفقرة “ليتقدس اسمك”(لو 11: 2، مت6: 9) ليس موضوعاً رئيسياً في الاناجيل. فهو يوجد على سبيل المثال في هتاف مريم عندما قالت “واسمه قدوس”(لو 1: 49) ونجده في صلاة يسوع “أيها الآب مجد اسمك” واستجابة الآب “مجدت، وأمجد ايضاً” (يو 12: 28)، فتقديس اسم الله يظهر على انه تأكيد طبيعي وتقليد يهودي على قداسة الله وعظمته. ولكنه متناغم بشكل كامل مع طبيعة العمل الذي قام به يسوع.
ليأت ملكوتك
إن قدوم ملكوت الله، كما تم التعبير عنه “ليأت ملكوتك” في (مت 6: 10، لو 11: 2) موضوع رئيسي خلال تقليد الانجيل بأكمله. وعلى الرغم من أن هذا الموضوع كان احياناً مثيراً للجدل الا انه لا شك ان 1-يسوع جعل من الملكوت موضوعاً رئيسياً لكرازته و 2-أن يسوع كان يقصد بهذا أن المملكة التي انتظرها الشعب طويلاً او ان حُكم الله والذي تضمن خلاص إسرائيل، القضاء على الشر وعودة يهوه إلى صهيون كان اخيراً يحدث الآن. (انظر يسوع ونصر الله فصل 6-10).
إن اعلان قدوم الملكوت كان أحد العلامات المميزة لكرازة يسوع، كما كان على الأرجح علامة مميزة في مخطوطة معلم الصلاح قبل قرن او أكثر (أحد مخطوطات البحر الميت) (انظر كتاب المسيا الأول والذي هو كتاب تشجيعي حتى لو ان حجته بعيدة كثيراً) وايضاً علامة مميزة من القائد “سيمون بين كوسيبا” بعدها بمائة عام. فأينما كان يوجد نبي الله المختار كان يوجد الملكوت بالفعل. ولكن كان مازال هناك فداء يتم انجازه. إن الحاضر والمستقبل لم يلغ أحدهما الآخر كما في بعض التفسيرات الدراسية غير المفهومة. ولا أن الحاضر يعني خبرة دينية خاصة والمستقبل يعني أحد السيناريوهات المخيفة من نوع حروب النجم.
حضور الملكوت كان يعني أن المسيح كان يعمل على ممارسة ملكه وإنقاذ حكم الله كما أظهرت الاحداث. اما مستقبل الملكوت، فكان الوقت عندما يعم العدل والسلام ارجاء الأرض كلها، فهو الوقت الذي إذ نظر منه الفرد إلى الوراء يري أن العمل بدأ بالفعل بحضور وعمل المسيح (انظر يسوع ونصر الله الفصل 10).
أن نصلي “ليأت ملكوتك” في دعوة يسوع، كان يعني أن يدعم كل فرد منا حركة الملكوت ونسعى إلى قوة الله في إنجاز عمل الله النهائي. لقد عنيت إضافة صلاة الشخص إلى خطة يسوع الالهية. لقد حملت معني الفرح بحضور الله وحقيقة أن الملكوت يقترب، والنظر بشوق وحماس إلى تحقيقه. من مركزية تعليم الملكوت في كرازة يسوع وأهمية الصلاة في حياته الشخصية، يجب أن نستنتج أن صلاة الملكوت هذه نمت مباشرة من صلاة يسوع المنتظمة وكانت صدى تكرراً لها.
لتكن مشيئتك
أن ينجز الفرد مشيئة الله كما في التوسل “لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض”(مت 6: 9)- سواء كان الفرد يري “لتكن مشيئتك” كتتابع للفقرة “ليأت ملكوتك”(مت 6: 10، لو 11: 2) أو يراها كفقرة مستقلة-متوافقة مع عمل يسوع وكرازته. هذا نجده في انجيل يوحنا وايضاً في الاناجيل الازائية (متي-مرقس-لوقا)، لكنه على الأقل لا يوجد في نسخة انجيل لوقا عن كيف ستتحقق مشيئة الله.
خبزنا كفافنا، أعطنا اليوم
الصلاة من اجل الخبز اليومي كما في “أعطينا اليوم” أو “يوماً بيوم” (مت 6: 11، لو 11: 3)، نجدها خلال فترة كهنوت يسوع. كلا من الانجيليين (متي ولوقا) الذين كتبا لنا الصلاة الربانية كتبا لنا ايضاً القصص الساحرة، حيث قصة صوم يسوع ورفضه أن يحول الحجارة إلى خبز تحتل مكانة بارزة (مت 4: 2-4، لو 4: 2-3). قصص اشباع الجموع في البرية تضمنت إطعام حرفي ومعجزة برهنت قوة الله من خلال يسوع، لتوفير احتياجات الناس (مر 6: 32-44، 8: 1-10) صلوات الشكر التي صلاها يسوع في هذه المناسبات (مر 6: 41، 8: 6، ايضاً لو 24: 30) تُترجم بواسطة الصلاة الربانية إلى ثقة في بركة الله المنتظمة.
واحدة من أكثر الأشياء التي ميزت كهنوت يسوع والتي أدركتها خلال مناقشة لي مع منشق (على سبيل المثال د.س أليسون، يسوع الناصرة) هي اشتراكه في وجبات الأعياد الخاصة حيث ان يسوع احتفل بالملكوت مع جميع القادمين. ليس عليك أن تسير طوال الطريق مع تلاميذ يسوع، والذين وصفوا يسوع على أنه “منبع للخيرات”، حتى تدرك أن مشاركة الطعام -حرفياً ورمزياً- كانت ميزة حياة يسوع.
تسلسل الوجبات في قصة يسوع بالطبع يصل أقصاه في العشاء الأخير. ففي العشاء الأخير-كما في الصلاة الربانية-يسوع اعطي للخبز معني خاص، والذي تكرر خلال حياة يسوع حتى صلبه وقيامته. أن نصلي من أجل الخبز (سواء كان اليوم كما في متي أو يوماً بيوم كما في لوقا) يعني أن يوائم كل فرد منا حياته مع واحدة من أكثر الرموز مركزية وعملية في كرازة يسوع بالملكوت. الخبز يتبع الملكوت ويرمز له في كلاً من الصلاة الربانية وحياة يسوع العملية.
واغفر لنا ذنوبنا
الصلاة من اجل الغفران “واغفر لنا ذنبونا كما نغفر نحن ايضاً للمذنبين الينا”(مت 6: 12) “وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا لأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا نَغْفِرُ لِكُلِّ مَنْ يُذْنِبُ إِلَيْنَا” (لو 11: 4) إحدى الطلبات من الصلاة التي علّمها يسوع لتلاميذه والتي افترضوا ان يسوع لم يحتاج إليها. فقصة عماد يسوع والتي فيها اعترض يوحنا المعمدان على تعميد يسوع (مت 3: 14-15) والإيمان أن يسوع معصوم شخصياً من الخطأ (يو 7: 18، 8: 46، 2كو 5: 21، عب 4: 15، 1 بط 2: 22) حمل فرقاً كبيراً بخصوص هذه الطلبة بين يسوع واتباعه. هم احتاجوا أن يتوبوا ويسعوا إلى غفران الله ولكن هو (يسوع) لم يحتاج.
وعلى الرغم من ذلك، هذا يثبت ان القصد من الصلاة الربانية كان ربط اتباع يسوع بخطة كهنوته. الغفران، والذي يقدمه يسوع مجاناً وبدون استعانة بنظام الهيكل، كان علامة مميزة اخري لكرازة يسوع لدرجة انه كان احياناً السبب في حدوث مواقف محرجة (مثل مر 2: 5-12) وأكثر من هذا، يسوع اعتبر منح الغفران مجاناً بمثابة جزء مركزي لافتتاحه العهد الجديد، ورأى أن الغفران للآخرين أمر ضروري لعضوية الملكوت (انظر يسوع ونصر الله 268-74) من اجل ذلك، الطلبة من اجل الغفران على الرغم من انها لا تخص حياة يسوع الروحية، لكنها تنتمي إلى الصورة الكاملة لكرازة يسوع، حيث إن كهنوت يسوع وكرازته انطلقا من روايات الانجيل.
ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير
عند الصلاة عن الخلاص من التجربة والشرير في مت 6: 13 نحن نتذكر يسوع مجدداً. حيث روايات تجربة إبليس ليسوع في (متي 4: 1-11) و (لوقا 4: 1-13) في متناول اليد. وايضاً مشهد جثسيماني ومجموعة المحاكمات من قبل قيافا وبيلاطس وهم يقدمون أنفسهم كالحاكم العالي.
حياة يسوع العملية بأكملها تميزت بالتجارب من نوع أو آخر-بما رآه هو والانجيليين كمعركة دائرة مع قوي الشر، سواء كان اليهود المتعصبين في المجامع اليهودية او النفوس الغاضبة والتي تتحداه في ساحات الاسواق. حقيقة أن يسوع لم يتجنب هذه التجارب بل اضطر إلى مواجهتها، تقدم دليل لمعني هذه الفقرة المثيرة للجدل والذي سنبحث عنه لاحقاً.
لذا عندما نصلي هذه الطلبة، نجد واحدة من أوضح الايحاءات في الصلاة الربانية: “دعني أكون كسيدي” يقول يسوع في (لوقا 22: 28) “أَنْتُمُ الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعِي فِي تَجَارِبِي” لذا عندما اعطي يسوع تلاميذه هذه الصلاة كان يدعوهم لمشاركته في تجاربه واختبار نفس الضيقة الروحية التي أصابته.
هذه الدراسة المختصرة كافية لإثبات ان الصلاة الربانية عبارة عن مجموعة من طلبات مناسبة اختارها يسوع من الثقافة الطقسية للهيكل اليهودي. شكل الصلاة ومحتواها يذكرنا بحياة يسوع العملية في كل نقطة. وبما ان حياة يسوع زُرعت وانعكست بقوة على صلاته، نستنتج أن الصلاة الربانية دعوة لمشاركة حياة الصلاة الخاصة بيسوع، ومعها نشترك في برنامجه وعمله ونمط حياته وروحانياته.
الصلاة الربانية تجعل أتباع يسوع كمجموعة متميزة ليس فقط لان يسوع أعطاها إياهم، ولكن لأنها تتضمن علامة كرازته. وهي تعطي هذه العلامة لاتباعه بشكل ملائم، مما يجعلهم زملاء عمل وعمال مرافقون ليسوع في الصلاة لأجل الملكوت.
بالطبع لو فكر أحدهم في يسوع على انه ببساطة معلم عظيم، عندها ستكون دعوة اتباعه لمشاركة نمط وأسلوب صلاته وضع جماعي مألوف. لكن لو قبلنا الايمان المسيحي المبكر بيسوع بقيمته الكبيرة سنجد ان ما تم قوله عن الصلاة الربانية يعني انه بالصلاة الربانية نحن نقابل بداية الخلاص بالثالوث حيث: الابن يدعو اتباعه لمشاركة علاقته وصداقته بالآب.
المرجع
THE LORD’S PRAYER AS A PARADIGM OF CHRISTIAN PRAYER N. T. WRIGHT.