Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

تحدي الإيمان 2 – لي ستروبل

تحدي الإيمان 2 – لي ستروبل

تحدي الإيمان 2 – لي ستروبل

تحدي الإيمان 2 – لي ستروبل

إقرأ الجزء الأول: تحدي الإيمان 1 – لي ستروبل

قوة صورة

كان تمبلتون منهمكاً فيما كان يقوله آنذاك. ففي بعض الأحيان كنت أرى دلائل إصابته بالزهايمر، مثلما كان عاجزاً أن يستدعي التتابع الدقيق للأحداث، أو عندما كان يُكرر كلامه. لكنه تكلم غالبية حديثه بفصاحة وحماس، مستخدماً مفردات مؤثرة. كان صوته القوي الثري يرتفع وينخفض من أجل التأكيد. كانت له نغمة أرستقراطية بدت أنها نغمة مسرحية في بعض الأحيان.

في البداية سألته: “هل كان هناك شيء معين دفعك لفقد إيمانك بالله؟”

ففكر لمدة قصيرة وقال أخيراً: “صورة في مجلة لايف Life.”

فقلت: “حقاً؟ صورة؟ كيف كان ذلك؟”

فضيق عيناه قليلاً ثم اتجه ببصره نحو الجانب، كما لو كان يستطلع الصورة من جديد، ويستعيد إحياء تلك اللحظة، وقال شارحاً: “لقد كان صورة امرأة سوداء في إفريقيا الشمالية. كانوا يعانون من مجاعة مدمرة. وكانت تحمل طفلها الميت بين ذراعيها، وتنظر للأعلى إلى السماء في أيأس تعبير.”

نظرت للصورة وفكرت قائلاً: “هل من الممكن أن أؤمن أن هناك خالقاً محباً مهتماً بينما كل ما تحتاجه هذه المرأة هو المطر؟”

وبينما أكد على كلمة “المطر” لمع حاجباه الرماديان، ورفع ذراعيه نحو السماء كما لو كان يلتمس استجابة. فالتمس قائلاً فيما أصبح أكثر نشاطاً، وكان قد ترك نحو حافة مقعده: “كيف يمكن لإله محب أن يفعل هذا لتلك المرأة؟ من يجري المطر؟ لا أنا، ولا أنت. بل هو – أو هذا ما كنت أعتقده. لكنني حينما رأيت هذه الصورة، عرفت على الفور أنه من غير الممكن أن يحدث هذا طالما أن هناك إلهاً محباً. لم تكن هناك طريقة. مَن سوى عدو يمكنه أن يفني طفلاً ويقتل أمه بالعذاب – بينما كل المطلوب هو المطر؟”

توقف تمبلتون تاركاً السؤال يتردد في الهواء طويلاً، ثم استوى في جلسته من جديد، وقال: “كانت هذه هي اللحظة الحاسمة. وحينها بدأت أفكر بعمق في قضية أن العالم هو خليقة الله. بدأت أفكر في الأوبئة التي تحصد أجزاءً من كوكب الأرض، وتقتل كل أنواع البشر – العاديين،

والنبلاء، والأدنياء. وقد بدا لي من الواضح جداً أنه من غير الممكن لإنسان ذكي أن يؤمن ان هناك إلهاً يحب.”

لقد تطرق تمبلتون لموضوع ظل يؤرقني شخصياً عدة سنوات. ففي عملي محرراً صحفياً، لم أر صوراً للمعاناة الشديدة فحسب، بل كنت أيضاً أعاين بأم عيني أدنى مستويات المعيشة حيث المأساة والمعاناة: المناطق العشوائية في الولايات المتحدة، وضواحي الهند المهمشة، وسجن كوك كاونتي، والسجون الرئيسية، وعنابر مصحات الحالات الميؤوس منها، وكل أنواع المشاهد المفجعة. ولأكثر من مرة تردد ذهني في محاولة قبول فكرة وجود إله محب مع وجود الفساد وانفطار القلب والعذاب أمام عيني.

لكن تمبلتون لم يختم حديثه. وقال: ذهب ذهني آنذاك إلى المفهوم الأشمل للجحيم. “ي إلهي – وقد امتلأ صوته بالدهشة – لا أحتمل ان تمد يد إنسان للنار لدقيقة واحدة، ولا حتى للحظة! فكيف يمكن لإله محب، بمجرد أنك لا تطيعه ولا تفعل ما يريده، أن يعذبك إلى الأبد – دون أن يسمح لك أن تموت، بل أن تستمر في هذا الألم إلى الأبد؟ فحتى المجرم لا يفعل هذا!”

فسألته: “إذاً، هذه هي الشكوك الأولى التي واجهتك؟”

فأجابني: “قبل هذا، كانت لدي الكثير والكثير من الأسئلة. لقد وعظت للمئات وللآلاف من الناس بالرسالة المعكوسة، ثم اكتشفت بعدها لدهشتي أنني لم أعد أؤمن بها. فلكي أؤمن بها فهذا معناه أن أنكر العقل الذي وهب لي. لقد أصبح من الواضح تماماً أنني كنت على خطأ، لذلك قررت أن أترك الخدمة. وهكذا صرت لا أدرياً.

فقلت: “عرف ماذا تقصد بذلك، فهناك كثيرون قدموا تفسيرات مختلفة لهذا المصطلح.”

فأجابني: “الملحد يقول لا إله. المسيحي واليهودي يقولان إن هناك إلهاً. أما اللا أدري فيقول: “لا يمكنني أن أعرف.” إنه لا يقول: “لا أعرف”، بل يقول: “لا أستطيع أن أعرف.” لم يسبق لي أبداً أن قلت بوضوح إنه لا يوجد إله. أنا لا أعرف كل شيء؛ فأنا لست تجسيد الحكمة. لكم من غير الممكن بالنسبة لي أن أؤمن بالله.”

ترددت في طرح السؤال التالي، فبدأت بلهجة ملطفة قائلاً: “فيما يتقدم بك العمر. وتواجه مرضاً قاتلاً دائماً، فهل أنت….” فاعترضني قائلاً: “أقلق بكوني قد أكون مخطئاً؟”

“لا، لا أقلق.” قالها وهو مبتسماً.

“ولم لا؟”

“لأنني قضيت العمر كله أفكر في ذلك. ولو كانت هذه خاتمة بسيطة لاختلف الأمر. لكن من المستحيل بالنسبة لي – من المستحيل – أن أؤمن أن أي شيء أو شخص أو كيان يمكن أن يوصف كونه إلهاً محباً يسمح بما يحدث في عالمنا كل يوم.”

فسألته: “هل تود أن تؤمن؟”

فتعجب قائلاً: “بالطبع! لو استطعت لآمنت. أنا في الثالثة والثمانين من عمري ومصاب بالزهايمر. بالله عليك إني أحتضر! لكني قضيت حياتي أفكر في ذلك، ولن أغير موقفي الآن. افتراضياً، لو جاءني واحد قائلاً لي: “أنظر، أيها العجوز، إن سبب مرضك هو عقاب الله لرفضك أن تستمر في الطريق الذي سرت فيه – فهل سيُمثل هذا أي اختلاف بالنسبة لي؟” ورد على نفسه بوضوح مصرحاً: “لا. لا. لا. يمكن أن يكون في عالمنا إله محب.”

وأغمضت عيناه مع عينيَّ. “لا يمكن.”

خداع الإيمان

مرر تمبلتون أصابعه من خلال شعره. كان يتحدث بنغمات حادة، ويمكنني أن أقول إنه كان قد بدأ في الإرهاق. أردت أن أكون حساساً تجاه ظروفه، لكن كانت لديّ أسئلة قليلة أردت طرحها، فواصلت الحوار بعد استئذانه.

“بينما نتكلم الآن، يكون بيللي جراهام في منتصف سلسلة اجتماعات في أنديانا. ماذا تقول للناس الذين خطوا خطوات نحو الإيمان المسيحي؟”

فاتسعت عينا تمبلتون، وأجابني قائلاً: أنا لا أتدخل في حياتهم على الإطلاق. فلو كان إنسان لديه الإيمان، وكان هذا الإيمان يجعله إنساناً أفضل، فأنا أؤيد ذلك تماماً – رغم إني أعتقد أنهم حمقى. بما إنني كنت مسيحياً، أعرف مدى أهمية ذلك لحياة الناس، وكيف أن ذلك يبدل قراراتهم، ويساعدهم على التعامل مع المشكلات الصعبة. بالنسبة لمعظم الناس، الإيمان بركة لا توصف. ولكن هل ذلك لأن هناك إله؟ لا، ليس كذلك.”

لم يحمل صوت تمبلتون أي وهن، ومع ذلك كانت إيحاءات كلماته متعالية تماماً. هل هذا هو الإيمان كله – أن تخدع نفسك كي تصير إنساناً أفضل؟ أن تقنع نفسك أن هناك إلهاً حتى يكون لديك ما يدفعك للتنازل عن أخلاقياتك خطوة أو خطوتين؟ تصديق قصة خيالية قبل النوم بهدوء في المساء؟ لا، عفواً، هكذا قلت لنفسي. إن كان هذا هو الإيمان، فأنا لا أهتم به.

فتساءلت: “ماذا عن بيللي جراهام نفسه؟ لقد قلت في كتابك إنك تشعر بالأسف من أجله”.

فأصر قائلاً: “آوه، لا، لا – على خلاف كتاباته – فمن أنا حتى أشعر بالأسف حول ما يؤمن به إنسان آخر؟ يمكنني أن أعتذر عن ذلك نيابة عنه – لو جاز لي ذلك – لأنه أغلق عقله على الحقيقة. ولكن هي أتمنى أن يكون مريضاً؟ لا على الإطلاق!”

تطلع تمبلتون كثيراً لمادة قهوة زجاجية قريبة كانت فوقها السيرة الذاتية لبيللي جراهام.

فأوضح بإعجاب: “إن بيللي جراهام كالذهب الخالص؛ فلا غش فيه أو رياء. إنه إنسان من الطراز الأول، وهو مسيحي راسخ الإيمان، وإنسان صالح بحق كما يقولون. فهو يؤمن بإخلاص دون شك. وهو أخلاقي ومخلص كما يمكن لأي شخص أن يكون.”

“وماذا عن يسوع؟” أردت أن أعرف رأي تمبلتون عن أساس المسيحية. فسألته: “هل تؤمن أن يسوع قد عاش؟”

فأتاني الرد السريع: “بلا شك.”

“هل تعتقد بأنه الله؟”

فهز رأسه قائلاً: “لقد كانت هذه هي آخر فكرة يمكن أن تطرأ على ذهنه.”

“وتعليمه، هل أعجبت بما علمه؟”

“حسناً، لم يكن واعظاً جيداً جداً، فما قاله كان ساذجاً جداً، ولم يفكر فيه ولم يرهق نفسه بإثارة أخطر سؤال مطروح.”

“وهو…؟”

“هل هناك إله؟ وكيف يمكن لأي إنسان أن يؤمن بإله يفعل، أو يسمح، بما يدور في العالم؟”

“كيف تُقّيم إذاً يسوع هذا؟” بدا أن هذا السؤال المنطقي التالي، لكني لم أكن مستعداً للإجابة التي تلقيتها.

جاذبية يسوع

هدأت حركات تمبلتون. وبدأ الأمر كما لو كان قد شعر فجأة بالاسترخاء والراحة بالحديث عن صديق عزيز قديم. وقد أخذ صوته – الذي كان حاداً مصمماً – نغمة هادئة متأملة. وقد هدأ احتراسه، وتكلم في تواتر بطيء، يختار كلماته بحرص فيما يتحدث عن يسوع.

بدأ تمبلتون كلامه: “كان يسوع أعظم إنسان عاش على الإطلاق. كان عبقرية أخلاقية. وكان حسه الأخلاقي فريداً. وفي الواقع كان أحكم إنسان قابلته في حياتي أو في قراءاتي. كان تكريسه كلياً، وهو ما أدى إلى موته – في الغالب لضرر العالم. ماذا يمكن للمرء أن يقول عنه إلا إن ذلك كان نوعاً من العظمة؟”

فاندهشت قائلاً: “تبدو وكأنك مهتم به حقاً.”

فأجابني: “حسناً، نعم، فهو أهم شيء في حياتي.” وتمتم باحثاً عن الكلمة المناسبة قائلاً: “أنا… أنا… أنا… أعرف أن هذا قد يبدو غريباً، ولكن عليّ أن أقول…. أنا معجب به!”

لم أدر كيف أجيبه، فقلت: “تقول هذا بنوع من الحميمية.”

فقال: “حسناً، نعم. فكل شيء حسن أعرفه، وكل شيء جليل أعرفه، ولك شيء نقي أعرفه، قد تعلمته من يسوع. نعم …. نعم! وبقوة! أنظر فقط إلى يسوع. لقد وبخ الشعب، وكان غاضباً. الناس لا تفكر فيه هكذا، فهم لا يقرأون الكتاب المقدس. لقد كن لديه غضب مقدس. اهتم بالمسحوقين وبالمظلومين. ولا جدال أنه كان لديه المستوى الأخلاقي الأعظم، والازدواجية الأقل، والتعاطف الأعظم من أي إنسان في التاريخ. كانت هناك الكثير من الشخصيات الرائعة – لكن يسوع هو يسوع.”

“وهكذا سيفعل العالم حسناً كي يتمثلوا به؟”

“يا إلهي، نعم! لقد حاولت – وما زلت أحاول بكل جدية – أن أتصرف كما آمنت أنه ستصرف بالمثل. وهذا ليس معناه أنه يمكنني قراءة أفكاره، لأن أحد أروع الأمور عنه هو أنه كان غالباً ما يفعل عكس ما تتوقع.”

وفجأة قطع تمبلتون كلامه. كانت هناك وقفة قصيرة، فغالباً ما شعر أنه غير متأكد من الاستمرار.

قال ببطء: “آه… ولكن… لا، إنه الأكثر…. ” توقف تمبلتون، ثم بدأ من جديد مصرحاً: “من وجهة نظري، يسوع هو أهم إنسان وجد على الإطلاق.”

حينما نطق تمبلتون هذه الكلمات، لم أكن أتوقع أبداً أن أسمعها منه. فقد قال بينما كان صوته قد بدأ في الخفوت: “ولو جاز لي التعبير، فأنا …. أفتقده!”

وبهذه الكلمات غمرت الدموع عينيه، وحول رأسه ونظر للأسفل، رافعاً يده اليسرى كي تحجب وجهه عني. وكان كتفاه يتحركان فيما كان يبكي.

ماذا كان يجري؟ هل كانت هذه لمحة صريحة داخل نفسه؟ لقد شعرت نحو بالتعاطف، وأردت أن أعزيه. وفي نفس الوقت، فإن روح الصحفي التي بداخلي أرادت أن تكتشف جذور رد الفعل هذا. لماذا افتقده؟ وكيف أفتقده؟

فسألته بصوت رقيق: “كيف؟”

فجاهد تمبلتون كي يُعبر عن نفسه. وأؤكد أنه لم يكن ليفقد السيطرة على نفسه أما شخص غريب. تنهد بعمق ومسح دمعة من دموعه. وبعد لحظات حرجة قليلة، أشار بيده لي بالانصراف. وأخيراً أصر بهدوء، بل بصلابة، قائلاً: “كفي هذا.”

مد يده للأمام لالتقاط قهوته، وأخذ رشفة ماسكاً الكوب بقوة بين يديه كما لو كان يلتمس منه الدفء كان من الواضح أنه أراد ان يدعي أن هذا النظرة الصريحة داخل نفسه لم تحدث أبداً.

لكني لم أستطع أن أتجاهل ذلك، ولك أتجاهل اعراضاته المركزة القلبية حول الله.

في الواقع، كان هذه الاعتراضات تحتاج إجابة. له، ولي أنا أيضاً.

إلى طريق الإجابات

“1,6 مليار [مسيحي] من الممكن أن يكونوا على خطأ…. ودليلي ببساطة…. هو أن الناس العقلانيين يجب أن يهجروا هذه المعتقدات.”

مايكل مارتن، ملحد[1]

“اليوم يبدو لي أنه ليس هناك سبب مقنع يمكن أن يتبناه إنسان ذكي لقبول خداع الإلحاد أو اللا أدرية وارتكاب نفس الأخطاء العقلية التي ارتكبتها أنا. أتمنى…. لو عرفت آنذاك ما أعرفه الآن.”

باتريك جلين، ملحد صار مسيحياً[2]

بعد فترة وجيزة من اللقاء مع تشارلز تمبلتون، بدأت مع زوجتي ليزلي في العودة إلى شيكاغو، وقد أمضينا غالبية المسافة في مناقشة حيوية عن مواجهتي الغامضة مع المبشر السابق.

بصراحة كنت في حاجة لبعض الوقت لمعالجة هذا الاختبار. لقد كان لقاء غير عادي، إذ إنه يتضمن التحول الرهيب من الرفض المطلق لله إلى رغبة حميمية لإعادة التواصل مع يسوع الذي اعتاد على عبادته. أشارت ليزلي لإحدى نقاط مناقشتنا قائلة:

“يبدو أنك تحب تمبلتون حقاً”.

فقلت لها: “بالطبع أحبه”.

الحق أن قلبي قد انجذب إليه.

إنه يتعطش للإيمان، وقد تنازل كثيراً. وكإنسان يواجه الموت، فهو لديه كل الدوافع التي يريدها كي يؤمن بالله. هناك جاذبية لا يمكن إنكارها تجاه يسوع تنبع بوضوح من أعماقه، لكن في نفس الوقت هناك أيضاً تلك الحواجز العقلية الهائلة التي تقف بشدة في طريقه.

كما هو الحال مع تمبلون، كنت على الدوام إنساناً يتصارع مع الأسئلة. ففي دوري السابق، إذ عملت محرراً للشؤون القانونية في صحيفة شيكاغو تريبيون، كنت معروفاً بإثارة ما أسميته باعتراضات “نعم، ولكن Yes, but obkections”. نعم يمكنني أن أفهم أن الدليل في تجربة ما كان يشير لرأي معين، ولكن ماذا عن هذا التضارب، أو ذاك النقص، أو تلك الوصلة الضعيفة؟ نعم، يمكن أن يكون المدعي قد قدم دفاعاً مقنعاً عن جريمة موكله، لكن ماذا عن ادعائه بوجوده في مكان آخر أثناء الجريمة، أو عدم توافر البصمات؟

وقد كان نفس الشيء حقيقي بالنسبة لتحرياتي الشخصية عن يسوع. فقد انطلقت كملحد، مقتنعاً تماماً أن الله لم يخلق البشر، بل أن البشر هم الذين خلقوا الله بمجهود يائس لشرح المجهور ومعالجة خوفهم الشديد من الموت. لقد وصف كتابي السابق “القضية …. المسيح” اختباري الذي أخذ ما يقرب من عامين للدليل التاريخي الذي أشار لي بالحكم أن الله موجود حقاً، وأن يسوع هو ابنه الوحيد بالفعل. (لمخلص هذه الاكتشافات أرجو أن تنظر إلى الملحق بهذا الكتاب).

ولكن هذا لم يكن كافياً في حد ذاته لتسوية الأمر تماماً بالنسبة لي. فقد كانت تلك الاعتراضات المؤرقة لا تزال موجودة. نعم، يمكنني أن أفهم كيف أن الدليل التاريخي لقيامة يسوع يمكنه أن يدعم حكماً أنه إله، ولكن ماذا عن التتابع المتصاعد للمشكلات؟ لقد أطلقت على هذه الألغاز لقب “الثمانية العنيدة The Big Eight.”

هذه بعض الأسئلة المثارة حول الله بشكل عام. في الواقع كان هذه بعض الموضوعات التي ناقشها تشارلز تمبلتون في لقائي معه وفي كتابه. وكما كانت مع تمبلتون، فقد وقفت هذه العقبات بصلابة بين وبين الإيمان أيضاً.

قهر الاعتراضات

بينما استطعت أن أروي الكثير من الاعتراضات التي أثارها تمبلتون، إلا إنني في نفس الوقت لم أكن ساذجاً لقبول كل منها على محمل الجدية. كان من الواضح أن بعض عقباته في طريق الإيمان يجب ألا تكون معوقات على الإطلاق.

فمثلاً كان تمبلتون مخطئاً بوضوح بخصوص يسوع وهو يعتبره مجرد إنسان. فحتى لو عدنا للمعلومات المبكرة والأكثر أصالة عنه – تلك البيانات التي لا يمكن أن تكون قد تبدلت بالتطور الأسطوري – فسوف نجد أن يسوع قد عبر عن نفسه دون شك بتعبيرات مسيانية، إلهية، سامية.[3]

في الواقع توجد هنا مفارقة، فالوثائق التاريخية نفسها التي اعتمد عليها تمبلتون للحصول على معلوماته عن حياة يسوع الأخلاقية المثيرة هي في الواقع نفس السجلات الدقيقة التي تؤكد ألوهيته على الدوام. ولذلك لو كان تمبلتون مستعداً لقبول دقتها بخصوص شخصية يسوع، فعليه أن يعتبرها جديرة بالثقة أيضاً حينما يؤكد أن يسوع نادى أنه إلهاً هم أيد هذا التأكيد بقيامته من الأموات.

بالإضافة إلى ذلك، فإن قيامة يسوع لا يمكن اعتبارها أسطورة كما ادعى تمبلتون. فالرسول بولس حافظ على قانون إيمان الكنيسة الأولى الذي وضع على تقارير شهود العيان عن قيامة يسوع من الأموات، تلك التي أرجع كثير من الدارسين تاريخها إلى ما بعد موت يسوع بحوالي 24 -26 أسبوعاً.[4]

وهذا الأمر سريع جداً بالنسبة لعلم الأساطير حتى يكون قد زيف السجلات. الحق هو أن لا إنسان كان قادراً أن يبين مثالاً واحداً عبر التاريخ لأسطورة تنمو بهذه السرعة وتمحو صميم الحق التاريخي.[5]

بينما وثقت بانتظام في كتاب “القضية …. المسيح”، فإن برهان شهود العيان، والبرهان المؤيد، والبرهان النفسي، وبرهان “بصمة الأصابع”، أو البرهان النبوي، والبيانات التاريخية الأخرى تشير بقوة لاستنتاج أن يسوع هو ابن الله الوحيد حقاً.

نعم، ولكن…

ماذا عن تلك الموضوعات المريبة التي تمنع من قبول الإيمان الذي يرغبه باعترافه الشخصي كثيراً؟ لقد انتابتني. وقد كانت هي نفس الموضوعات التي أربكتني ذات مرة – وبينما كنت أقود السيارة مع ليزلي بين ولايتين تجاه البيت، بدأت بعضها تنتابني من جديد.

على نفس الطريق

هدأت أنا وليزلي لبعض الوقت. نظرت خارج النافذة إلى المروج المتموجة من الريف الكندي. وأخيراً قالت ليزلي: “يبدو أن لقاءك قد انتهى على نحو مفاجئ. ماذا قال تمبلتون قبل أن تغادره؟”

فقلت لها: “في الواقع كان دافئاً جداً. حتى أنه أخذني في جولة عبر شقته. وكان يبدو كما لو لم يرد أن أغادره، ولكل بغض النظر عن محاولاتي، لم أستطع أن أقنعه بالاستمرار في مناقشة مشاعره عن يسوع.”

فكرت للحظات قبل الاستمرار. لقد قال شيئاً آخر أدهشني. فبينما كنت مستعداً لمغادرته، نظر إليّ بمنتهى اللطف، وصافح يدي وقال بإخلاص عظيم: “لقد كنا على نفس الطريق”.

فأومأت ليزلي قائلة: “لقد كنتما كذلك. فكلاكما كاتب، وكلاكما كان متشككاً.” ثم أضافت مبتسمة: “وكلاكما عنيد لدرجة أنكما لا تقبلان الإيمان حتى تتأكدا من أنه ليس مليئاً بالثقوب.”

لقد كانت على حق. فقلت لا: “ولكن بدا أن عقله مغلقاً جداً. فلقد أصر أنه لا يمكن أن يكون هناك إله محب. ومع ذلك في نفس الوقت، بدا أن قلبه منفتح جداً. بطريقة ما أعتقد أنه يريد يسوع بنفس الأسلوب الذي يريده به الناس الذين كانوا في انديانابوليس. إنه فقط لا يمكنه أن يملكه. وعلى الأقل لا يعتقد ذلك. وليس باعتراضاته.”

قضيت الليلة مع ليزلي في أحد فنادق ميتشجان، وفي النهاية وصلنا قبيل ظهيرة اليوم التالي. سحبت حقيبتنا إلى السلم وألقيتها على الفراش، فقامت ليزلي بفتحها، وبدأت في إخراج الملابس منها.

وأشارت قائلة: “على الأقل وصلنا البيت في وقت قصير.”

فقلت: “حسناً، ليس تماماً.”

لم أستطع ان أنسى أسئلة تمبلتون، فقد تردد صداها بعمق شديد مع أسئلتي الخاصة. ولذلك قررت أن أبداً من جديد، وأتوسع في رحلتي الروحية في اتجاه مختلف عما سلكته حينما كتبت كتاب “القضية…. المسيح” الذي كان تحرياً عن الدليل التاريخي عن حياة، وموت، وقيامة يسوع المسيح.

أردت أن أقرر من جديد ما إذا كانت هناك استجابات مُرضية للنفس حينما تواجه المسيحية بأصعب وأقسى أسئلة الحياة التي تبعث شكوكاً مؤرقة في قلوبنا وعقولنا. هل يمكن للإيمان أن يواجه العقل حقاً؟ أم أن الفحص العقلي الصارم سيطارد الله؟

عزمت أن أتتبع أشهر وأمهر المدافعين عن المسيحية. ولم يكن هدفي هو أن أتخذ مدخلاً ساخراً أو منافساً كي أضايقهم بأسئلة محيرة، أو كي أرى ما إذا كنت سأدفعهم لوضعهم في موقف محرج. لم تكن هذه هي لعبتي.

لقد كنت مهتماً بأمانة بتحديد ما إذا كانت لديهم إجابات عقلية عن الأسئلة “الثمانية العنيدة The Big Eight”، أردت أن أمنحهم فرصة مواتية لوضيح فكرهم ودليلهم بالتفصيل حتى يمكنني في النهاية تقييم ما إذا كانت نظرياتهم تفي بالمعنى أم لا. على العموم، أردت أن أكتشف ما إذا كان الله يقول الحق حين قال “وتطلبونني فتجدونني إذ تطلبونني بكل قلبكم.” (إر 29: 13).

رفعت سماعة الهاتف. آن أوان تخطيط طريق البحث عن الإجابات.

لم يكن تمبلتون يتوقع أقل من ذلك.

[1] Michael Martin, The Case Against Christianity (Philadelphia: Temple University Press, 1991), 3, 5.

[2] Patrick Glynn, God: The Evidence (Rocklin, Calif.: Forum, 1997), 20.

[3] See: Lee Strobel, The Case for Christ (Grand Rapids, Mich.: Zondervan, 1998), 131 – 143; Ben Witherington 111, The Christology of Jesus (Minneapo-lis, Minn.: For tress Press, 1990); and William Lane Craig, Reasonable Faith (Wheaton, 111.: Crossway, 1994), 233-54.

[4] See: 1Corintians 15: 3-8.

[5] See: Lee Strobel, The Case for Christ, 35, 208-11, 229-33, 264-65.

تحدي الإيمان 2 – لي ستروبل

Exit mobile version