كنيسة المسيح نشأتها وإنتشارها وتفاعلها مع العالم الوثني جـ1
كنيسة المسيح نشأتها وإنتشارها وتفاعلها مع العالم الوثني جـ1
كنيسة المسيح نشأتها وإنتشارها وتفاعلها مع العالم الوثني جـ1
كنيسة المسيح نشأتها وإنتشارها وتفاعلها مع العالم الوثني جـ1
1- الكنيسة الأولى
بالرغم من ان السيد المسيح كان قد نبه تلاميذه، بعد اعلان البشارة السماوية، على أنه سيتألم وسيموت وسيقوم من القبر في اليوم الثالث حسب ما جاء في كتب الأنبياء، فان الرسل بقوا مضطربين وخائفين لغاية عيد العنصرة حيث حل عليهم الروح القدس فى العلية الصهيونية، مع العذراء مريم وباقي الذين تبعوا المعلم وعايشوه خلال سنوات ثلاث كان يتنقل فيها مبشراً بملكوت السموات، وابتدأت رسالتهم بكل مجدها لأن روح الله قد أعطاهم القوة وأطلقهم مبشرين باسم المسيح فى العالم أجمع. يومها ابتدأت كنيسة الرب ترى النور، وابتدأ الايمان يترسخ فعلا فى قلوب المؤمنين، وابتدأت الشهادة الحقيقية للمسيح بين الأمم.
فالفترة التاريخية الواقعة بين عيد العنصرة حوالي السنة الثلاثين واحتلال “طيطوس” لأورشليم السنة السبعين تعتبر الفترة الاهم لتأسيس الكنيسة بحيث انها تشكل وحدة متكامله لأن الرسل كانوا يسهرون عليها، وبالوقت نفسه كانت (أعنى الكنيسة) تتوسع فى الوسط اليهودي دون الانطلاق بعد الى الأمم. والوثيقة المهمة التى بين ايدينا عن هذه الفترة هى كناب “أعمال الرسل” الذي يحدثنا عن جماعة اورشليم الاولى وعن اسفار القديس بولس فى آسيا الصغرى واليونان وروما لغاية السنة الستين. أما بالنسبة الى أنتشار الكنيسة فى البلاد العربية وسوريا الشرقية فان المعلومات المتوافرة هي ضئيلة جدا وتستند الى كتابات مشكوك بصحتها. وانه لمن الواضح أن الاناجيل المقدسة ابتدأت توضح خلال تلك الفترة الطويله من السنوات، وكذلك ابتدأت ايضاً تتوضح معالم الايمان المسيحي وتراتيبة السلطة في الكنيسة، ومقومات الحياة المسيحية.
ولكن المشكلة التي أستعصت أولاً، والتي حلت مع الزمن، هي التاليه: ماذا يجب أن يكون موقف رسل المسيح من الشريعة اليهودية المعطاه من الله؟ الجواب في انتشار الكنيسة فى أورشليم وبين الأمم.
أ- كنيسة أورشليم
كلمة “كنيسة” تعنى، في العهد القديم، شعب الله الخارج من مصر بأتجاه أرض الميعاد، وفي العهد الجديد، المؤمنين بالمسيح الى أى شعب أنتموا. وهذه الكنيسة كانت نواتها مجموعة الرجال والنساء الذين عاشوا مع المسيح طوال السنوات الثلاث من حياتة العلنية، كما ذكرنا سابقاً، والذين كانوا شهوداً على الآمه وموته وقيامته وصعوده الى السماء. وبين هؤلاء الاحد عشر رسولاً، الذى أنضم اليهم “ماتيا”، بدلاً عن يوضاص، والذين كانوا يرأسهم القديس بطرس. وقد وعوا مسئوليتهم المثلثة ، التى كلفهم بها المسيح، وهى: الشهادة للقيامه، وأنتشار الايمان بين الناس بتعميدهم وضمهم الى جماعة المؤمنين، والسهر على الجماعة فى شؤنها الروحية والزمنية.
هذه الجماعه، التى سميت بالـ “المسيحيين” فيما بعد، في أنطاكية، كانت نواتها البعض من اليهود الذين آمنوا بان يسوع هو المسيح الذى تنبأ عنه الأنبياء فى العهد القديم. وبذلك أنفصلوا عن باقي اليهود الذين لم يؤمنوا بيسوع، رغم انهم ثابروا على التقيد بالشريعة الموسوية القديمة، متعاطفين مع بعض الجماعات اليهودية الأخرى مثل “الأسينيين” وفئة قليله من الفريسيين. ولكن الوقت لم يطل حتى أبتدا الصدام المميت بينهم وبين كبار الكهنة والصدوقيين أذ أن هؤلاء الكهنة كانوا يغادرون من تأثير الرسل على الشعب، والصدوقيين كانوا ضد أى تجديد على الصعيد الديني.
ولقد ذكر كتاب “أعمال الرسل” ثلاثة اضطهادات قام بها الكهنة والصدوقيون ضد الرسل وجماعة المؤمنين، وبنوع خاص أضطهاد سنة 43 مسيحية الذي ذهب ضحيتة القديس يعقوب، أخ يوحنا الرسول الأنجيلي، وتوقيف القديس بطرس وحبسة. والمسيحيون أنقسموا، بادئ ذى بدء الى فئتين. الفئة الاولى ضمت المسيحيين الذين بقوا متعلقين بالشرسعة الموسوية وتبعوا يعقوب، أحد أقرباء السيد المسيح ودعوا – “فئة العبرانيين”، وكان لهم تأثير كبير فى أورشليم، مدعومين من الفريسيين. ولقد أنضم اليهم أقرباء الرب، وكانوا يختارون أساقفة المدينة من بينهم، الأمر الذى دفع بالمؤرخ “شتوفر” (Stauffer) لتسمية كل اسقف ب (الخليفة) حسب التقليد الشرقي.
ومن خلال هؤلاء المسيحيين، أقرباء الرب، تعرف المسيحيون الأول على حياة المسيح فى طفولتة قبل أن يجمع ذلك الانجيليان متى ولوقا فى أنجيليهما وهكذا بقى هؤلاء المسيحيون متعلقين بالشعب اليهودي حضارياً وسياسياً، لا يفرقهم عن اليهود الآخرين سوى أيمانهم بيسوع المسيح. أما الفئة الثانية فلقد ضمت المسيحيين من الشعوب الأخرى، الذين دعوا بـ “فئة الهلينيين” والذين مثلهم خير تمثيل القديس أسطفانوس الشهيد. هذة الفئه كانت فئة اليهود الذين كانوا يتكلمون اللغة اليونانية، أما من سكان فلسطين أو من الذين كانوا في “الشتات” فالقديس برنابا مثلاً. والذي كان يميز هؤلاء المسيحيين هو أنفصالهم عن الجماعات اليهودية، الأمر الذى جعل اليهود عموماً، وبنوع خاص الفريسيين، يقفون تجاههم موقف عنف حتى أنهم طردوا من فلسطين سنة 37 مسيحيه بعد أستشهاد القديس أسطفانوس.
ولكن طردهم، فى الواقع، كان خيراً للجماعة المسيحية أذ أن المسيحية نفسها أبتدأت تمتد وتنتشر خارج اليهودية والجليل. وبواسطة هؤلاء المسيحيين الهلينيين أنتقل الأنجيل الى أنطاكية حيث التقى اليهودى واليوناني والوري وبشروا بالبشارة الجديدة بين الوثنيين أنفسهم. والخلاف الذي حصل بين القديسين بطرس وبولس سنة 49 مسيحية بخصوص العلاقة مع الوثنيين يبرهن على أن الجماعة الأولى كانت منقسمة الى فئتين، الفئة الأولى هما المسيحيون من اصل يهودي، والفئة الثانية هما المسيحيون من اصل وثني.
ولقد ذكر ذلك القديس بولس فى رسالتة الى أهل غلاطية حيث قال: “ولكن، ولما قدم بطرس الى أنطاكية قاومتة وجهاً لوجه لأنه كان يستحق اللوم: ذلك أنه، قبل أن يقدم قوم من عند يعقوب، كان يؤاكل الوثنيون. فلما قدموا أخذ يتوارى ويتنحى خوفاً من أهل الختان، فجاراه سائل اليهود في ريائه، حتى أن برنابا أنقاد هو أيضاً الى ريائهم. فلما رأت أنهم لايسيرون سير قويمة كما تقضي حقيقة البشارة، قلت لبطرس أمام جميع الأخوة: “أذا كنت أنت اليهودي تعيش عيشة الوثنيين لا عيشة اليهود، فكيف تلزم الوثنيين أن يسيروا سيرة اليهود؟ نحن يهود الولادة ولسنا من الوثنيين الخطاءين، ومع ذلك فنحن نعلم أن الأنسان لا يبرر بالعمل بأحكام الشريعة، بل بالايمان بيسوع المسيح” (رسالة بولس الى أهل غلاطية، 2، 11- 16 )
ب-انتشار الكنيسة فى العالم الوثني
بقيت الكنيسة محصورة ضمن الوسط اليهودي لمدة عشرين سنة، كانت النزاعات فيها بين اليهود المؤمنين بالمسيح من الأمم على أشدها. فمنهم من اراد ان يحافظ على الشريعة الموسوية، كما ذكرنا، ومنهم من أراد انطلاقتها الى الأمم واخراجها من تحت السيطرة اليهودية. غير ان ارتداد القديس بولس، الذى كان فريسياً متعصباً، من يهود “الشتات”، كان له الفضل في انتشارها داخل العالم الوثني. لقد جاء من طرسوس الى اورشليم ليتتلمذ على يد “جملائيل”، أحد علماء الشريعة، وكان متمسكاً بالشريعة الموسوية الى اقصى الحدود، وهذا ما دفعه الى اضطهاد المسيحيين، خصوصاً استشهاد القديس اسطفانوس: “وكان شاول موافقاً على قتل اسطفانوس” (اعمال الرسل، 8،1).
وسنة 38 مسيحية، وهو في طريقة الى دمشق لملاحقة المسيحيين هناك بأمر من رؤساء الكهنة، ظهر له المسيح وقلب حياته رأساً على عقب. فدخل المدينة وتعمد وبقى فيها ثلاث سنوات، متنقلاً بينها وبين مدينة طرسوس، الى أن جاءه صديقة برنابا سنة 41 مسيحية وابتدأ رسالتة معه في آسيا الصغرى.
إن الأسفار الرسولية والتبشيرية التى قام بها القديس بولس تنبئنا عن حقيقة وضع الكنيسة الأولى، لاسيما وإن هذه الاسفار قد أخبرنا عنها القديس لوقا في “أعمال الرسل”، وكذلك القديس بولس نفسه فى رسائله العديدة. ففي سنة 45 مسيحية كانت السفرة الأولى للقديسين بولس وبرنابا الى “بنفيليا” و”إيقونيا” حيث أهديا الى الايمان عدداً كبيراً من اليهود، ومن المهتودين العابدين، ومن الوثنيين (أعمال الرسل، 13، 43، 14، 1، 13، 48) كذلك سنة 50 مسيحية كانت السفرة الثانية التى حملت بولس ولوقا الى آسيا الصغرى والى فيليبي والى أثينا والى قورنثية حيث أسسا جماعات مسيحية فى كل منها. وفي سنة 53 مسيحية قام بسفرة ثالثة حملتة الى أفسس حيث أمضى ثلاث سنوات كتب فيها رسالتة الى الغلاطيين والرسالة الأولى الى القورنثيين، ثم انتقل الى قورنثية في شتاء سنة 57- 58 حيث كتب رسالتة الى الرومانيين.
ولكن أسفار القديس بولس لم تكن مهمة بالنسبة الى انتشار الكنيسة وحسب، بل كانت منعطفاً مهماً بالنسبة الى المسيحية الاولى. فالمسيحية الاولى كانت ملتزمة كلياً بالشريعة اليهودية، وحتى تبشير القديس بولس نفسه كان موجهاً الى اليهود فى بادئ الأمر. ولكن تجربتة الواقعية فى قلب العالم الوثني جعلتة يفكر جدياً بوضع الوثنيين المرتدين الى الأيمان المسيحي. وكان السؤال الاساسي الذي طرحة على نفسه هو التالى: هل من الضرورى إلزام الوثنيين بالمحافظة على الشريعة اليهودية والتقيد بها؟ وخلال اقامتة فى أنطاكية سنة 48 مسيحية توضحت له الصورة النهائية، وانتقل الى أورشليم سنة 49 حيث عقد مجمع بحضور الرسل والمتقدمين في الجماعة تدارس فية المجتمعون طرح بولس وقرروا فى النهاية التقيد بالتعاليم الموحاة الى نوح والتى تفرض الامتناع عن أكل اللحم الفطيس والتقيد بالتطهير.
غير ان هذا القرار دفع بالمسيحيين من أصل يهودي لمعاداة بولس وملاحقتة، وهذا ما نقرأه فى رسالته حيث لاقى معارضة فى غلاطية وأفسس وقورنثية، ليس وحسب على الصعيد الديني، بل أيضاً على الصعيد السياسي. وبالفعل، فان الفترة التاريخية التى تزامنت مع فترة التبشير الاولى بالمسيحية فى فلسطين كانت فترة صراع سياسي بين اليهود والمحتل الروماني. فحزب الثوريين من اليهود (Les Zelotes) الذى كان يدعو الى الكفاح المسلح لتحرير فلسطين تنامت قوته وأيده الكثيرون فى اورشليم واليهودية، وهذا ما دفع بالكثيرين من اليهود فى فلسطين للثورة ما بين سنة 69 و 70 مسيحية الأمر الذي انتهى بسقوط اورشليم نفسها. كذلك يهود “الشتات” كانوا معنيين بالأمر مباشرة وهذا ما دفعهم لمساندة اخوانهم في فلسطين، لكن بولس الذي أوضح للمسيحيين أنهم ليسوا على علاقة اجتماعية باليهود، والأمر لا يعنيهم مباشرة، كان يعتبر كخائن، وهذا ما جعلة الهدف الاساسي لحقد اليهود أنفسهم.
إذن بامكاننا ان نعتبر ان السنوات الواقعة، بين سنة 58 و 70 مسيحية كانت سنوات صراع وأزمة بالنسبة للكنيسة الاولى. ففي سنة 58، عندما عاد بولس من سفرتة الثالثة الى أورشليم، أتهمة اليهود بأنه دنس الهيكل بادخاله مسيحياً غير مختن، ولقد أوقفه الجنود الرومان وأرسلوه الى روما. ثم أخلي أمره وبقى تحت المراقبة من سنة 61 الى سنة 63 مسيحية. ولكن الاضهاد الذي أعلنة “نيرون” ضد المسيحيين، سنة 64 مسيحية، وكان بداية الصراع بين المسيحيين والوثنيين، وكان وراءه اليهود أنفيهم كما المسيحيون المتهودون. فبطرس استشهد، وبولس حبس من جديد الى ان استشهد سنة 67 مسيحية بقطع الرأس. وعند سقوط أورشليم سنة 70 مسيحية ابتدأ العد العكسى الذي جعل المسيحية تنطلق فى ما بعد رغم الاضطهادات التي توالت عبر العصور.
ج- حياة الجماعة المسيحية الاولى
اذن الصراعات التي ظهرت تنبئنا على أن حياة الجماعة المسيحية الاولى فى اورشليم لم تكن حياة مثالية، كما يصورها القديس لوقا، إلا في المرحلة الاولى التى تبعت عيد العنصرة. فالسنوات التى تلت كانت شنوات الصراع اللاهوتي والسياسي، وهذا ما جعل الرسل يطرحون بعمق أسس الايمان ويشددون عليها، وبالتالي ينظمون الكنيسة تنظيماً حقيقياً بقي لغاية اليوم لا غبار عليه. وفي هذه المرحلة بالذات ابتدأت الاناجبل التى تبعت التقليد الشفوي بعد ان عاش المسيحيون تعاليم المسيح فى حياتهم اليومية.
المسيح كان قد أعطى بشارتة شفوياً للبشر وليس في كتب، والتلامذة تلقوا منه التعليم السماوي وتمنطقوا بالقوة التي ثبتهم فيها. وحتى عندما وضعوا تعليم السيد كتابة فان الرسالة كانت هى الأساس لايصال البشارة الى البشر. من هنا، فان تعليم الرسل كان يرتكز على ثلاثة أمور: الشهادة للمسيح من شهود عيان، والشهادة للوحي، والشهادة على آلامه وصلبه وقيامته وصعوده الى السماء، اما بالنسبة الى الحبل به (أعني بالمسيح) من زرع الروح القدس، فان شهادة اقاربه كانت واضحة جداً، وكانوا يشددون عليها لكي لا ينالها غش وتشكيك.
كذلك نرى ان بعض نصوص ظهرت متفرقة من الاناجيل كان قد كتبها البعض من الرسل، ولكن لم تأخذ الطابع النهائي إلا في الاناجيل الأربعة التي وضعت بعدئذ. وهذه العناصر التي بقيت مدة طويلة شفوية كانت تنصب، بنوع خاص، على حياة المسيح للتذكير بما قام به يوم كان بينهم، ولقد كانت سلطة الرسل هي التي تؤكد على كل ذلك. اما بداية كتابة الانجيل فابتدأت مع القديس مرقس الذي نقل تعليم القديس بطرس في روما، والتي يعود تاريخها الي سنة 60 مسيحية. وتبعة انجيل متى الذي كان موجهاً الى اليهود باللغة الارامية.
ثم انجيل القديس لوقا الذي كان موجهاً هو الآخر الى اليونانيين. اما انجيل القديس يوحنا، الذي يعود كتابته الى ما بعد سنة 70 مسيحية، فهو يمثل التقليد الحقيقي الاول، وتعليم الرسل بكل وضوح. وبامكاننا القول إن الفترة التاريخية الواقعة مابين سنة 30 وسنة 70 مسيحية كانت فترة تنظيم الكنيسة. وهذا التنظيم كان منصباً بنوع خاص على تراتبية السلطة. والسيد المسيح نفسه كان قد وضع العناصر الاساسية باختياره الرسل وباعطاء بطرس السلطة الاولى عليهم. وبهذا المعنى فان مجمعية الرسل تعود الى السيد المسيح نفسه.
ولكن المشكلة التى طرحت خلال السنوات ما بين 30 و 70 مسيحية كانت مشكلة انتقال السلطة من الرسل الى خلفائهم. لذلك نرى الرسل أنفسهم يكلفون البعض من المتقدمين مشاركتهم هذه السلطة وبقطع النظر عن وضع القديس بولس الذي أعتبره الرسل وضعاً خاصاً نظراً الى ظهور السيد المسيح له وارتداده على طريق دمشق، الأمر الذي جعلهم يعتبرونه مساوياً لهم فى الرسالة، فان يعقوب اصبح رئيس جماعة أورشليم، خليفة لبطرس، وبرنابا خليفة للقديس بولس. كذلك طيطوس وتيموتاوس كأساقفة ورعاة الكنيسة التي أسسها بولس نفسه. وهكذا فلقد اصبحت الاسقفية والخلافة الحقيقية للرسالة التي قام بها تلامذة المسيح في التعليم، والتقديس، والتوجيه، وشرح كتب الوحي، والرسالة، وخدمة الشعب المسيحي.
والملحوظ ايضاً ان المسيحيين الأول، رغم كونهم حافظوا على التقيد. بالشعائر الدينية اليهودية مثل الصلاة في الهيكل والالتزام بفرائض يوم السبت، فانهم، في الوقت نفسه، كانوا يحتفلون بشعائرهم الدينية الخاصة. فالعماد مثلاً، الذي يعطي نعمة الروح القدس، كان مفروضاً على الجماعة المسيحية الاولى، وذلك كاعلان ومجاهرة بالايمان بالآب والابن والروح القدس.
كذلك رتبة وضع الأيدي بعد العماد وإلباس المعمد الوشاح الأبيض برهاناً على تطهيره وتقديسه. وايضاً مسحه (أعني المعمد) بالزيت المقدس تكريساً له في قلب جماعة المسيح. وكذلك بالنسبة الى الافخارستيا، ففي صباح نهار الأحد، بعد تمضية ليلة كاملة في الصلاة، يجتمع المسيحيون للاحتفال بذبيحة الرب، تذكيراً بيوم قيامتة. اما أعياد اليهود التي كان يشترك فيها المسيحيون مثل عيد الفصح وعيد العنصرة وعيد المظال فلم يقوموا بذلك إلا للتذكير بعودة المسيح الثانية وبما جاء في الانبياء والوحي عنه.
من هنا نرى الكثيرين من المسيحيين، المتأثرين بالشريعة اليهودية والانبياء، كانوا يعيشون بانتظار عودة الرب المباشرة. وهذا ما تذكر به رسائل القديس بولس الى التسالونيكيين. ومنهم من اعتبر ان ملك المسيح على الأرض سيدوم الف سنة، بينما آخرون متأثرون بالتعاليم الغنوصية كانوا يعتبرون أن العماد والتوبة قد حققا القيامة. كذلك البعض من المسيحيين اعتبر ان الالترزام الكامل بالانجيل يفرض الامتناع عن الزواج. من هنا نرى كثيرين من المتصوفين في قلب الجماعة المسيحية في ذلك الزمن. وباختصار فان المرحلة التاريخية مابين سنة 30 و70 مسيحية كانت مرحلة مهمة جداَ، اختمرت فيها بشارة المسيح بعيش المسيحيين لها، وبانطلاقها في العالم أجمع.