+ نظام الشركة الباخومية:
القديس الأنبا باخوميوس المُلقب بأب الشركة، هو جندي مصري كان في الجيش الروماني، وترك الجندية عام 314 تقريبًا واتجه للصحرا لانه احب حياة الاعتزال.
وفكر انه يجمع رفاق الدرب سويًا ويعيشوا في حياة الشركة، حياة نسكية جماعية، واستخدم باخوميوس خبرته العسكرية في وضع نظام دقيق للعمل داخل الدير. بندين بالفضل لسوزمين المؤرخ الكنسي من القرن السادس عن كل معرفتنا بنظام الأديرة الباخومية في حديثه الطوييل عنها في كتابه (تاريخ الكنيسة 3: 41).
وكان باخوميوس تقريباً معاصراً لأنطونيوس ولكن يبتعد عنه جنوباً في طيبة، أسس باخوميوس جماعة من النساك بجوار النيل في منطقة التبانيسي، حيث شرع عدد كبير في ممارسة الأعمال اليدوية الشاقة تحت نظام حازم، فالطاعة في نظام باخوميوس كانت طاعة عسكرية وتامة. وكان هناك توتر بين فكرة نموذج المتوحد وبين وفكرة الاعتقاد بأن الحياة الرهبانية حياة شركة تحكمها قوانين تستلزم طاعة الرئيس كمبدأ أساسي. في الواقع، كان هناك العديد من النساك ليسوا متوحدين ولا ملتحقين بكينوبيون (حياة الشركة)، بل سائحين من مكان إلى مكان، ولكن كان الناس يعتبروهم غير مسئولين وعناصر مزعجة.
+سبب انتشار الحركة الرهبانية في مصر:
قال يوحنا ذهبي الفم:
“هلموا إلى برية مصر، لتروها أفضل من كل فردوس.
ربوات الطغمات الملائكية في شكلٍ بشريٍ، وشعوب من الشهداء، وجماعات من البتوليين… لقد تهدم طغيان الشيطان، وأشرق ملكوت المسيح ببهائه!
مصر هي أم الشعراء والحكماء والسحرة… حصنت نفسها بالصليب!
لم تفعل هذه الأمور الصالحة (الحياة مع المسيح) في المدن فحسب، بل وفي البراري أكثر من المدن! أينما حللت في هذا البلد تشاهد معسكر المسيح، القطيع الملوكي، ودولة القوات العلوية!
لا نجد هذا بين الرجال فحسب، بل وبين النساء أيضًا. فقد مارسن طلب الحكمة في صورة لا تقل عن الرجال، ليس مثل قضاة اليونانيين وفلاسفتهم الذين يتسلحون بأتراسٍ وركوب الخيل، إنما يخضن معارك أشد ضراوة… السماء بكل خوارس كواكبها ليست في بهاء برية مصر الممتلئة من قلالى النساك ”
(In Matt. hom 8:6).
الطبيعة الجغرافية لمصر أدت إلى نمو المسلك الرهباني ده، فبنلاقي مثلاً العالم المصري الدكتور جمال حمدان، في كتابه: (شخصية مصر، دراسة في عبقرية المكان، ج2، ص 437) بيقول:
لقد خرج كثير من المصريين من الوادي إلى أطراف الصحراء أو إلى عمق هذه الصحراء بحثًا عن عزلة جغرافية يلجأون إليها من الإضطهاد الديني، ويحافظون فيها على عقيدتهم، ولعل طبيعة مصر الجغرافية حيث يتجاور المعمور والصحراء، وحيث تتوافر العزلة الهامشية لكن دون موت تام، مكنت لهذا النمط من الحياة، فالصحراء في مصر قريبة للغاية من الجميع، وعند أطراف أصابع كل من يريد اعتزال العالم، ولهذا نجد الأديرة في مصر اليوم إما على أطراف الوادي القصوى، ترصعه من سيناء حتى مصر القديمة، وإما في زوايا وأركان الصحراء بعيدًا عن طرق الحركة الأساسية ابتداءً من قلعة جنوب سيناء الجبلية الوعرة وأعماق الصحراء الشرقيةالجبلية السحيقةغير بعيد عن البحر الأحمرإلى أطراف الصحراء الغربية ومشارف مريوط.
– فالحياة الرهبانية المصرية أثرت في كل رهبانيات العالم القديم والحديث، ففي الحديث نجد ان الرهبنة البندكتية تأثرت بنمط الحياة الرهبانية في مصر، ده بحسب قول دافيس history of medieval Europe.
– بداية التأثير الرهباني في أوروبا كان على إيد الأسقف السكندري أثناسيوس، لإنه في خلال سبع سنوات من عام 339: 346 كان بيتنقل بين إيطاليا وفرنسا أو المعروفة وقتها ببلاد الغال، اللي من خلالها شاف الرهبان وضع اثناسيوس وزميله أمون، ومسلكهم وحياتهم وزهدهم، وأكيد وقتها اتبعهم نفر ولو قليل من اوروبا..
– وتاني العوامل المؤثرة للمنهج الرهباني المصري على أوروبا هو الكتاب اللي وضعه اثناسيوس عن حياة أنطونيوس العظيم. بيشرح أثناسيوس من خلال الكتاب نشأة انطوني وتوجهه للصحراء ووطرائق حياته وعبادته، واللي بدأها كمتوحد، وان التلاميذ اللي اتجمعوا حواليه وصنعوا قلالي دي كانت هي بداية النقله بين حياة التوحد الكامل، والحياة الديرانية اللي بنشوفها بشكلها الحالي..
– ومن اللافت للنظر المقدمة اللي وضعها اثناسيوس في بداية الكتاب، واللي بيقول فيها انه كتب السيرة دي بناء على طلب الاخوة في الأرجاء الأجنبية. وبيكتب في المقدمة:
نظرًا لأنكم قد طلبتم مني أن أعطيكم وصفًا لطريقة حياة أنطوني المُباركة، ولأنكم تريدون أن تعرفوا كيف بدأ نسكه، وأي إنسان كان، وكيف أنتهت به الحياة، وعن مدى الصدق فيما سمعتموه عن سيرته، لكي يكون نموذجًا يُحتذى، وبه تقتدون، ومن ثم سرنيي جدًا أن أُحقق رغبتكم، وانا اعرف أنكم عندما تسمعون فإنكم، وقد امتلأتم بالرجل إعجابًا، سوف تحاولون الاقتضداء بمسلكه، وسوف ترون في حياته مثالاً كافيًا للزهد والرهبانية.
– في الحقيقة احنا منعرفش اثناسيوس كان يقصد مين تحديدًا بالإخوة في الأرجاء الأجنبية، لكن أغلب الظن إنه بعد انتشار الآريوسية بحماية من قسطنطين على الجانب الشرقي من الامبراطورية، فالغرب لثقافتهم اللاتينية مكانوش فاهمين لاهوت آريوس من الأساس، وكانوا من أكبر الحلفاء لأثناسيوس، مع الدليل اللي بيقولوا هو شخصيًا في المقدمة انه كتب النص على عجل لإن ده وقت ابحار السفن ولازم يخلص السيرة ويبعتها لهم على وجه السرعة لانه هيتحرك من عندهم، وده معناه انه غالبًا الأرجاء الأجنبية دي هي ايطاليا وبلاد الغال.
بيدعم الرأي ده علماء زي فازيليف (Alexander A. Vasiliev, History of the Byzantine Empire) وستانلي (Dean Stanley, Lectures on History of the Eastern church).
إقرأ أيضاً:
نظام الشركة الباخومية وسبب انتشار الرهبنة في مصر – أمجد بشارة