برهان الكيمياء الحيوية – تعقيد الآلات الجزيئية 3 – لي ستروبل
برهان الكيمياء الحيوية – تعقيد الآلات الجزيئية 3 – لي ستروبل
إقرأ أيضًا:
-
برهان الكيمياء الحيوية – تعقيد الآلات الجزيئية 1 – لي ستروبل
-
برهان الكيمياء الحيوية – تعقيد الآلات الجزيئية 2 – لي ستروبل
تجلط الدم المندفع
كانت هناك فترة استراحة بعد المناقشة لأن عقلي انشغل في التفكير في التعقيد المدهش الخاص بالأهداب والزائدة التي تشبه السوط ونظام نقل الجزيئات. وبينما كنت استعد للمرحلة الثانية من أسئلتي، لاحظ بيه وجود ضماده على أحد أصابعي تغطي جرحاً حدث لي وأنا أحاول التقاط قطة زجاج مكسورة في اليوم السابق.
وعلق بيه على الضمادة التي على أصبعي بالقول: “إن التعقيد الشديد الذي تحدثنا عنه له علاقة بالجرح الذي في اصبعك. فهذا النظام هو الذي أنقذ حياتك”.
سألته: “ماذا تعني؟”
قال: “تجلط الدم. لو لم يتجلط دمك في المكان الصحيح وبالكمية والزمن الصحيح لكنت نزفت حتى الموت. واتضح لنا أن نظام تجلد الدم يتضمن تنظيماً دقيقاً له عشرة خطوات والتي تستخدم حوالي عشرون مكوناً جزيئياً مختلفاً. وبدون هذا النظام المتكامل ككل، فلن يعمل بكفاءة”.
وفجأة شعرت بصعوبة الموضوع فقلت له: “أخبرني بتفصيل أكثر”.
قال: “إن الخدعة الحقيقية للدم المتجلط ليس هي الجلطة نفسها – إنها مجرد نقطة تسد جريان الدم – ولكن تنظيم هذا النظام”.
“إذا حدثت جلطة في المكان الخاطئ – المخ أو الرئة – فسيموت الإنسان. وإذا عملت جلطة لمدة عشرين دقيقة بعد تدفق كل الدم من جسمك، سوف تموت. وإذا لم تُحجز الجلطة الجرح نفسه، فقد تتجمد كل الدورة الدموية وتموت. وإذا عملت جلطة لا تغطي كل الجرح، فسوف تموت. ولكي توجد نظاماً كاملاً ومتوازناً من تجلط الدم، فإن مجموعة مكونات البروتين يجب أن تتدخل فوراً. إن هذا يُبطل التدخل التدريجي الذي ينادي به داروين ويتوافق مع الافتراضية التي تقول بوجود مصمم ذكي”.
بالتأكيد، فكرت في نفسي، لابد من وجود طريقة أخرى. فقلت له: “اقترح بعض العلماء أن عملية تسمى “نسخة جينية طبق الأصل” يمكن أن توضح سبب خلق مكونات جديدة للنظام الحيوي المعقد. فلماذا لا يُتبع نفس النظام مع تجلط الدم؟”
إن النسخة الجينية طبق الأصل يمكن أن تحدث أثناء عملية اقتسام الخلية عندما يُنسخ الحامض النووي DNA من الخلية الأصلية لاستخدامها في الخلية الجديدة. ومن وقت لآخر، قد تنحرف العملية وقطعة من الحامض النووي – ربما احدى الجينات – قد تنسخ مرتين. وهذا يخلق جيناً إضافياً. وبينما يعمل الجين الأصلي الدور المعين له سابقاً، فقد ينحرف الجين الإضافي ويخلق وظيفة جديدة. وقد وضع بعض العلماء هذا الأمر في نظرية وقالوا إنه بهذه الكيفية تخلق مكونات جديدة لأنظمة لا يمكن اختزلها.
أجاب بيه قائلاً: “إن نسخ الجينات يحدث بالتأكيد. ولكن ما لا يدركه نسخ الجينات هو أنه عندما تحصل على نسخة من الجينات فلن يكون هناك بروتين جديد بخواص جديدة. ولكن سيكون نفس البروتين الأصلي. وهذه مشكلة”.
سألته: “هل يمكنك توضيح ذلك؟”
نظر إلى مصيدة الفئران التي كانت لا تزال موجودة على مكتبه وقال: “دعنا نعود مرة أخرى لمثل المصيدة. افترض أن لديك مصيدة تتكون من مكون واحد فقط. بطرفي زنبرك معدني مشدودين حتى إذا جاء الفأر تمسكه المصيدة. وتخيل إنك أردت أن تصنع مصيدة أكثر كفاءة وتتكون من مكونين بها قاعدة خشبية وزنبرك”.
“وطبقاً لفكرة نسخ الجينات، فسوف تعمل نسخة من الزنبرك الأول. والآن لديك زنبركين – فيما عدا الزنبرك الثاني يصبح قاعدة خشبية. هل تدرك عدم الترابط؟ ولا يمكنك القول بأن الزنبرك اتخذ شكلاً معيناً في القاعدة الخشبية بدون العمل أكثر من القول “إن نسخ الجينات هو الذي فعل هذا” والمشكلة هي أن الذين يؤمنون بنظرية داروين لا يعطون تفاصيل عن كيفية حدوث ذلك في العالم الحقيقي”.
وعندما حاول أحد العلماء أن يفهم سيناريو التدرج لكيفية تطور تجلط الدم، لم يستطع تجنب التعميم والقول بأن مكوناً “ظهر” فجأة أو “ولد” أو “انبثق” أو “انطلق”[1]. وما الذي تسبب في كل هذا؟ لا يوجد تفسير معقول يوضح سبب حدوث هذه الخطوات. وهذه التفاصيل تقضي على مثل هذه السيناريوهات.
“وهناك الكثير من المشاكل الأخرى. كيف تطور تجلط الدم بمرور الزمن، خطوة فخطوة، بينما في ذات الوقت ليس لدى الحيوان طريقة مؤثرة لإيقاف النزيف حتى الموت عندما يحدث له جرج، عندما يكون لديك جزء واحد فقط من نظام معين، فلا يعمل هذا النظام، وبذلك لا تعمل بقية المكونات – ويعمل الاصطفاء الطبيعي فقط إذا كان هناك شيء نافع في التو واللحظة وليس في المستقبل”.
“وبالإضافة إلى ذلك، فإن التفسيرات التي يحاول أن يقدمها بعض الناس هي مجرد كلمات. وفي العلم يجب أن تكون لدينا تجارب لنثبت حقيقة أي شيء. ولم يدر أي أحد تجارب ليوضح كيفية تطور تجلط الدم. ولم يتمكن أحد من أن يشرح كيف يمكن لنسخ الجينات أن يطور وظيفة جديدة حيث تبدأ عمل طريقاً معقداً لا يمكن اختزاله”.
الإبقاء على اختبار الحامض
ورغم كل هذا فهناك طريقة علمية لنعرف من خلال معلومات التجارب ما إذا كانت فكرة بيه عن التعقيد الذي لا يمكن اختزاله هي حاجز منيع للدارونية. وكنت في لهفة شديدة لرؤية ما إذا استطاعت أفكار بيه أن تصمد أمام التحدي الهائل لميلر، أستاذ علم الأحياء ومؤمن غيور بنظرية التطور[2].
قال ميلر: إن اختبار الحامض الحقيقي هو باستخدام أدوات الجزيئات الجينية لإزالة نظام متعدد جزئياً لكي يحل محله. وإذا استطاعت عمليات التطور الطبيعية أن تحل محل هذا النظام عندئذ سوف تبطل نظرية بيه.
وبعد وصف تحدي ميلر سألت بيه: “هل توافق على أن هذا الاختبار سيكون اختباراً عادلاً وواضحاً؟”
قال بيه بدون تردد: “نعم أوافق. هذا اختبار رائع”.
ثم قلت: “إن ميلر وصف تجربة قام بها العالم باري هول، من جامعة روتشيستر ليوضح كيف تم هذه بكل وضوح في المعمل. وقال ميلر: “ليس هناك أدنى شك بخصوصه، فإن تطور أنظمة الكيمياء الحيوية يمكن تفسيره بكلمات التطور. إن بيه مخطئ”[3].
قلت لـ بيه: “أخبرني، هل أثبت هول من خلال تجربته أن نظريتك خاطئة؟”
أجاب بيه: “كلا. وفي الحقيقة كان هول متواضعاً للغاية فيما قاله عما أظهرته تجربته. إنه لم يهزم أو يُبطل النظام المعقد ثم يبين كيف يستطيع التطور أن يحل محله. وبدلاً من ذلك، فقد أبطلت أنا مكوناً واحداً من نظام به خمسة أو ستة مكونات. وعند إحلال مكون واحد في نظام معقد فهذا أمراً سهل كثيراً من بناء آخر من لا شيء”.
“ومثلاً، افترض أن أحداً قال لك بأن العمليات الطبيعية يمكنها أن تنتج جهاز تليفزيون. فسوف تقول: “هذا أمر مشوق. لماذا لا تريني إياه؟” وعندئذ سوف ينتزع فيشة كهرباء ألف جهاز. وأخيراً، تأتي رياح قوية وتضع فيشة الكهرباء لأحد الأجهزة ويعمل التلفزيون. عندئذ سيقول هذا الشخص، ها أنت ترى؟ قلت لك أن العمليات الطبيعية بإمكانها ان تنتج تلفزيوناً يعمل. ولكن ليس هذا هو ما حدث تماماً. إنه لم ينتج نظاماً معقداً جديداً، قد حدث خلل ووضح أن ذلك ممكن أن يصلح بعمليات عشوائية”.
“هذا يشبه إلى حد ما، ما حدث في تجربة هول مع بكتريا E. coli فهناك نظام معقد به عدد من أجزاء مختلفة، وقد أبطل واحد منها، وبعد فترة وضح أن العمليات العشوائية قامت بإصلاح وتثبيت هذا الجزء. إنها صيحة بعيدة عن إنتاج نظام جديد تماماً من لا شيء”.
“ولكن هناك شيء ذي أهمية. لقد أوضح هول بأنه، تدخل لكي يحافظ على استمرار النظام بينما التطور كان يحاول أن يجد ما يحل محل الجزء الغائب. وبكلمات أخرى، فقط أضاف مادة كيميائية إلى المزيج والتي أعطته وقتاً لكي يلحق بالتغيرات الفجائية التي أصلحت الخلل. وما كانت لهذه النتيجة أن تحدث في الطبيعة بدون تدخله الذكي في التجربة”.
“وسأعطيك تشبيهاً آخر. افترض أنك أخبرتني بأنه في إمكانك أن تعمل كرسي بثلاثة أرجل من خلال عمليات عشوائية. ستأخذ الكرسي الصغير ذي الثلاثة أرجل وتكسر واحدة منها. ثم تمسك به حتى لا يسقط. وأخيراً، هبت الرياح وأسقطت فرع الشجرة، وبمحض الصدفة سقط الفرع عند رجل الكرسي المفقودة. لقد تدخلت أنت لتحفظ الكرسي من السقوط كما أنك جعلت من الممكن للفرع أن يوجد في المكان الصحيح”.
“ولنرجع إلى تجربة هول. وبدون الدخول في تفاصيل فنية، والتي ذكرتها في إجابات رسمية[4]، في الطبيعة لا يمكنك أن تحصل على التغيير الاحيائي الذي حصل عليه هو في المعمل. كان يجب أن تحصل تلقائياً على تغير ثان – والأمر الغريب في هذا سوف يُمنع. وقد قال هول بوضوح أنه تدخل حتى يحصل على نتائج ما كان يمكن أن تحدث في العالم الطبيعي. وهو هنا يضع مكاناً للذكاء في النظام”.
“وعندما تحلل كل تجربة، فالنتيجة هي تماماً ما تتوقعه من التعقيد الذي لا يمكن اختزاله مع الحاجة إلى التدخل الذكي. ومن غير قصد، فقد أظهر حدود نظرية داروين والحاجة إلى التصميم”.
الدوامات والأعاصير الدوارة
سألت بيه: “ماذا عن البدائل الأخرى للتدرجية الدارونية؟ ماذا عن التنظيم الذاتي؟ لربما هناك نوع من خاصية التنظيم الذاتي في الكيمياء الحيوية والتي تشجع أجزاء الآلات الجزيئية للتجميع الذاتي”.
قال بيه: “تماماً مثلما يوضح الاصطفاء الطبيعي بعض الأشياء، فإن التنظيم الذاتي أيضاً يوضح بعض الأشياء. ويظهر التناقض عندما تستخدم في تفسير الأشياء الضخمة أو كل شيء”.
“صحيح عندما تنزع السدادة من البانيو في حمامك، فالماء يُحدث نوعاً من الدوامة. وهذا ما نسميه بالتنظيم الذاتي: فالمياه تتحرك بطريقة منظمة في حين أنها لم تكن تفعل ذلك من قبل. والأعاصير تنظم نفسها. وإذا مزجت مواد كيميائية معاً بطريقة معينة سوف تحصل على نظام يعمل كساعة الحائط. إنه سيتحول إلى اللون الأزرق، وبعد خمس ثوان سيكون بلا لون ثم يتذبذب للخلف والأمام. ومن هذا يتضح أنه يوجد شيء يسمى بالتنظيم الذاتي”.
“والسؤال هو، هل هذا يفسر ظواهر طبيعية أكثر تعقيداً؟ هل يمكن أن يفسر الشفرة الجينية؟ إن العلماء يحاولون حل لغز أصل الحياة كانوا يكتشفون خواص التنظيم الذاتي لفترات. ورغم ذلك فهم اليوم أكثر ارتباكاً فيما يختص بأصل الحياة أكثر مما كانوا منذ خمسين عاماً. فلم يتوصلوا إلى أي تفسير عن كيف أن التنظيم الذاتي يمكن أن يوضح شيئاً في درجة صعوبة وتعقيد الكائن الحي الأولي”.
“والآن، هناك مبدأ واحد فقط نعرفه يمكنه ان يدرك الأنظمة المتداخلة المعقدة، إنه الذكاء. وقد اقترحوا موضوع الاصطفاء الطبيعي، ولكن ليس هناك دليل يساند هذا الادعاء. وبعض الناس لديهم آمال كبيرة لخواص وامتيازات التنظيم الذاتي أو نظرية التعقيد، ولكن ليس هناك دليل يمكنه أن يوضح شيئاً في درجة تعقيد الخلية. والقوة الوحيدة المعروفة والقادرة أن تعمل آلات التعقيد الذي لا يمكن اختزاله هي التصميم الذكي”.
“ولهذا فالعلماء كانوا في حالة من الفضول ليتجاهلوا شيئاً هم يعرفون أنه قادر على توضيح ما يرونه في علم الأحياء لصالح التفسيرات غير المثبتة إطلاقاً. لماذا يتجاهلون التصميم الذكي وهو يساوي ويتمشى مع المعلومات؟ نعم، علينا أن نتحلى بالذهن المفتوح في العلم، ولكن لا يجب أن نتجاهل أكثر التفسيرات وضوحاً لكل الأدلة التي لدينا اليوم”.
قلت له: “بعض العلماء يرفضون ذلك لسبب واحد لأنهم يدعوا أن التصميم الذكي لا يمكن أن يدحض أو يُكذب”. وكنت أشير هنا إلى الاعتقاد السائد بين الكثير من الفلاسفة والعلماء والذي يقول بأن النظرية لا يمكن أن تكون علمية ما لم توجد طرق قوية لكي نثبت أنها زائفة من خلال التجارب أو وسائل أخرى[5].
أجاب بيه: “هذا أمر سخيف”.
وصممت على كلامي وقلت: “ولكنني سمعته أكثر من مرة. فقد قالت الأكاديمية القومية للعلوم: “إن التصميم الذكي ليس علماً لأنه لا يخضع للاختبارات العلمية”[6].
قال: “نعم، انا أعرف ذلك، ولكن ما يثير السخرية هو أن التصميم الذكي يسمى بطريقة روتينية أنه لا يُدحض من قبل نفس الذين يحاولون أن يثبتوا أنه زائف. ومثلما قلت أنت بأن ميلر اقترح اختباراً لكي يدحض الادعاء بأن الذكاء أمر ضروري لإنتاج نظام معقد لا يمكن اختزاله. ولهذا فأنا لا أفهم المشكلة. والنقطة القوية في التصميم الذكي هي أنه يمكن أن يدحض، تماماً مثلما يحدث لأي نظرية علمية جيدة. وبصراحة أقول إنه يمكن أن يُدحض أكثر من نظرية داروين”.
قلت له: “هل تصدق ذلك؟”
أجاب: “نعم، وسأعطيك مثلاً. إنني أدعي وجود عملية ذكية بإمكانها إنتاج الزائدة البكتيرية. ولأبطال هذا الادعاء فكل ما عليك أن تفعله هو أن تجد عملية غير ذكية بإمكانها أن تنتج هذا النظام. ومن الناحية الأخرى، يدعي الداروينيون أن بعض العمليات غير الذكية بإمكانها إنتاج الزائدة الشبيهة بالسوط. ولكي نُبطل هذا الادعاء عليك أن تبين ان النظام ما كان يمكن أن يُخلق بأي عدد غير محدود من العمليات غير الذكية. وهذا مستحيل أن يحدث. فأي ادعاء منهم يمكن أن يُدحض؟ إنني أقول بأنه الادعاء بالتصميم الذكي”.
وليس هذا هو الاعتراض الوحيد الذي كان يفكر فيه بيه. وبينما كان المؤمنون بنظرية داروين غالباً ما يتهمون المؤيدين لنظرية التصميم الذكي بأنهم يلوّنوا علمهم بصبغة معتقداتهم الدينية، أبلغ بيه مرة أحد مراسلي صحيفة: “من واقع خبرتي أقول إن أولئك الذين يعارضون نظرية التصميم الذكي بقوة فإنهم يفعلون ذلك لأسباب دينية”[7].
سألته: “ماذا تقصد بذلك؟”
قال: “يبدو أن أولئك الذين ينشطون عندما يتحدثون عن نظرية داروين في التطور هو أولئك المهتمون بالجوانب الفلسفية واللاهوتية للنظرية وليس بالعلم نفسه”.
“إن العلماء يقترحون افتراضات طوال الوقت. وليس مساومات. ولكنني إذا قلت “إنني لا أعتقد أن الاصطفاء الطبيعي هو القوة المحركة لتطور الحياة، فإن ذلك سيكون تصميماً ذكياً” فإن الناس لا يوافقون فقط بل سيقفز الكثيرون منهم وتحمر وجوههم. وعندما تتحدث إليهم عنه فإنك لا تثيرهم لأنهم لا يوافقون مع العلم، وسبب ذلك لأنهم يروا المعنى العلمي الذي يتضمنه التصميم الذكي، ولا يحبون أن يعرفوا إلى أين يقودهم”.
وأضاف بيه: “إنني أعتقد أن هذا أمر مقبول. وهذه قضايا هامة ويمكن للناس أن تقبلها عاطفياُ. ولكننا لا يجب أن نستعمل ما نريد أن يكون حقاً لكي نرفض المناقشات أو نحاول تجنبها.
سهم التقدم
إن مفهوم بيه عن التعقيد الشديد لها جوانب إيجابية وسلبية. أولاً، لقد أخذ كلام داروين حرفياً ووضح كيف أن هذه الأنظمة البيولوجية المتداخلة ما كان يمكن أن تُخلق من خلال التعديلات العديدة والمتتابعة والطفيفة التي تتطلبها نظريته. وكانت النتيجة ضربة قوية لنظرية داروين.
ثانياً، أشار بيه إلى وجود بديل لا يفسر بدرجة كافية كيف أن الآلات البيولوجية المعقدة يمكن أن تُخلق. ومرة أخرى، مثلما حدث في لقاءاتي السابقة مع الخبراء في الكونيات وعلم الطبيعة والفلك، فإن كل الأدلة تتعاون معاً وتشير إلى خالق فوق كل هذا الوجود المادي.
ويمكن تلخيص ما توصلت إليه في كلمة واحدة “التصميم”. قال بيه هذا ونحن نأتي إلى نهاية لقائنا: “إنني أقول أن هذا مبني على العلم. وأعتقد أن الأنظمة المعقدة هي أقوى دليل على وجود تصميم مقصود وله هدف قام به مصمم ذكي. ولا تنجح أية نظرية أخرى ولا حتى نظرية داروين”.
“وبناء على الأدلة التجريبية فإنني أوافق مع جوزيف كاردينال رازينجير أن المشروعات العظيمة للمخلوقات الحية هي ليست نتاج الصدفة والخطأ… إنها تشير إلى الخالق وتظهر لنا ذكاء في الخلق، وهي الآن أكثر إضاءة وقوة عن ذي قبل “[8].
قلت له: “إن كتابك قد استُبعد لسنوات عديدة. كيف ثبت وتحمل حتى الآن؟”
قال: “أنا مسرور بما آلت إليه الأمور. لقد جذب انتباه أولئك الذين حاربوه ولم يوفقوا في ذلك. فالأنظمة البيولوجية المعقدة يجب أن تفسر بوسائل طبيعية. وكلما تقدم العلم، سوف نجد المزيد من التعقيد في عالم الخلايا. وهذا هو سهم التقدم”.
“إنني أسمع فعلاً بين الحين والآخر شكاوى تقول بأن العلم يحتاج بأن يزعم أن كل شيء يعمل بقانون الطبيعة وأن نظرية “التصميم الذكي” سوف تتوقف وإنني لا أرى أي منطق في هذا. فبالنسبة لي، إن غرض العلم هو كيف جاءت الأشياء إلى هنا وكيف تعلم. ويجب على العلم أن يبحث عن الحقيقة، وليس فقط مجرد البحث عن تفسيرات مادية. إن علماء التاريخ العظام – مثلاً نيوتن وأينشتين – لم يعتقدوا على الإطلاق أن وظيفة العلم هي أن يأتي ببعض التفسيرات الذاتية للطبيعة. وهذا ابتكار حديث وليس جيداً، وخاصة في ضوء الاكتشافات التي حدثت في السنوات الخمسين الأخيرة والتي أشارت إلى الاتجاه المعاكس”.
وتحدثنا معاً فترة ثم تصافحنا وافترقنا. وبينما أنا أتمشى في الصالة وأنظر من خلال الزجاج وأرى المعامل المختلفة حيث يعمل العلماء بكل اجتهاد فكرت فيما قاله عالم الميكربيولوجي جميس شابيرو من جامعة شيكاغو بعد مراجعته لكتاب بيه قال: “ليس هناك وصفاً تفصيلياً لداروين عن أي نظام الخلايا، وكل ما هناك هو مجرد مجموعة من التأملات”[9].
قد لا يكون شابيرو منقاداً لما توصل إليه بيه، ولكنني شخصياً ليس لدي استعداد لأستند على بعض التأملات التي تدل على مجرد الرغبة. وعندما حاولت أن أجمع ما حصلت عليه من مقابلاتي مع وليم لين كريج وروبن كولينز وجيليرمو جونزاليز، وجي ريتشارد، وألان مايكل بيه، توصلت إلى تصور يعارض الأيقونات (المعتقدات الثابتة) التي قادتين مرة إلى الإلحاد. وقال ألان سانداج وهو من أكثر العلماء احتراماً في عصرنا:
إن العالم معقد للغاية في كل أجزائه وعلاقاته المتشابكة حتى أنه لا يمكننا أن نرجع خلقه إلى الصدفة فقط. وأنت مقتنع بأن وجود الحياة بكل نظامها في كل كائناتها الحية مرتبة معاً ترتيباً حسناً. وكل جزء في كائن حي يعتمد على الأجزاء الأخرى لكي يعمل. كيف يعرف ذلك كل جزء؟ وكلما عرفنا أكثر عن الكيمياء الحيوية كلما ازداد عدم تصديقنا ما لم يوجد نوع ما من مبدأ التنظيم وهو بالنسبة للمؤمنين هو المهندس وللعلماء سر يجب أن يجدوا له حلاً…. وبعض الأحيان في المستقبل غير المحدود للمختزلين الماديين[10].
وهذا السر سوف يأخذني إلى أعماق المجال الميكروسكوبي للخلية. وبينما كنت أقود سيارتي على الطريق الأسفلتي تذكرت ستيفن مير، فيلسوف العلم الذي أجريت معه مقابلة سابقاً عن العلاقة بين العلم والإيمان، إنه كتب بتوسع عن الحامض النووي DNA. وبدا لي أن الوقت مناسب لحديث جديد عن: إلى أين يشير سهم الجينات؟”
[1] See: Michael J. Behe, Darwin’s Black Box , 90-97.
[2] Keneth R. Miller, Finding Darwin’s God (New York: Cliff Street, 1999), 145.
[3] Ibid., 147.
[4] See: Michael J. Behe, “A True Acid Test: Response to Ken Miller,” available at: www.arn.org/docs/behe/mb_trueacidtesl.htm (accessed July 3, 2003).
[5] Not all philosophers and Scientists agree with the falsification test. “The role of falsification in science is not clear,” said philosopher!. P. More- land. “Nevertheless, falsification is certainly relevant to science. Whether it constitutes a necessary or sufficient condition for cience, However, is quitej another matter.” See: J. P. Moreland, Christianity and the Nature of Science, 32-35.
[6] National Academy, of Sciences, Science and Creaiionism: A View from the National Academy Press, 1999), 25.
[7] Pamela R. Winnick, interview with Michael Behe, The Pittsburgh Post – Gazette (February 8, 2001).
[8] J. Ratzinger, in the Beginning: A Catholic Understanding of the Story of Creation and the Fall (Grand Rapids, Mich: Eerdmans, 1986), 56.
[9] J. A. Shapiro, “in the Details…. What?” National Review (September 16, 1996).
[10]Allan Sandage, “A Seientist Reflects on Religious Belief, ” Truth: An Interdisciplinary Jounal of Christian Thought, Volume 1 (1985). Available at www.clm.org/truth/ltruthl5.html (Accessed July 31, 2000).