لقاء مع جيليرمو جونزاليز وجاي ويسلي ريتشاردز 1 – لي ستروبل
لقاء مع جيليرمو جونزاليز وجاي ويسلي ريتشاردز 1 - لي ستروبل
لقاء مع جيليرمو جونزاليز وجاي ويسلي ريتشاردز 1 – لي ستروبل
لقاء مع جيليرمو جونزاليز وجاي ويسلي ريتشاردز 1 – لي ستروبل
جاي ويسلي ريتشاردز الطويل الأشقر، الذي يرتدي بليزر قوات بحرية، فيلسوف في جمعية Ivy League التعليمية يتحدث بطلقات متسارعة في حماسة شديدة. أما جيليرمو جونزاليز، الذي كان يرتدي قميصاً قصير الأكمام، وشعره قصير، فلكي موسوعي يتحدث بنغمات محترفة في موضوعات مثل اتجاهات الوفرة الكيميائية بين نجوم توري Chemical Abundance Trends among RV Tauri Stars”.
اشتركا معاً في تأليف كتاب “الكوكب المميز The Privileged Planet”، الذي يقدم أدلة مذهلة تشير لوجود مصمم للأرض – وعلى الأقل لقصد واضح للبشرية.
جونزاليز معروف شعبياً باسم “فتى النجوم”. بعد تخرجه مع مرتبة الشرف بدرجات علمية في الفلك والفيزياء من جامعة أريزونا، حصل فيما بعد على درجة الماجستير والدكتوراه في الفلك من جامعة واشنطن في سياتل. والآن يعمل أستاذاً مساعداً في جامعة ولاية أيوا. ويتمركز بحثه حول النجوم الكتلية المنخفضة والمتوسطة، والنظريات عن تطور النجوم والكواكب.
إنه عالم مؤثر مصقول الثقافة قضى ساعات لا حصر لها في البحث من خلال التليسكوبات في مرصد Cerro Tololo الفلكي الدولي، على ارتفاع 6600 قدم في تشيلي، وفي أربعة مواقع أخرى. وهو خبير في تحليل المعلومات الضوئية والطيفية. وكعضو في الاتحاد الفلكي الدولي، والزمالة العلمية الأمريكية، فإن جونزاليز المتباعد عن الأضواء والجذاب رأى عشرات من مقالاته منشورة في الصحف التقنية، ومصورة على أغلفة مجلات شهيرة مثل Scientific American.
أما ريتشاردز الأكاديمي المبدع الذي يتمتع بشخصية صادقة متباعدة عن الأضواء، فيحمل ثلاث درجات علمية متقدمة في الفلسفة واللاهوت، بما فيها دكتوراه من معهد برنستون اللاهوتي. وقام بتأليف كتاب الإله الجامح The Untamed God، وبتحرير أو المساهمة في كتب مثل الدفاعيات التي لا يمكن الدفاع عنها Unapologetic Apologetics، وعلامات الذكاء Signs of Intelligence، وهل نحن ماكينات روحية؟ Are we Spiritual Machines?، وظهرت مقالاته في مطبوعات تتراوح من Perspectives on Science and Christian Faith إلى Washington إلى Princeton Theological Review. وبصفته نائب رئيس معهد Discovery، يعتبر ريتشارد نجماً ساطعاً في حركة التصميم الذكي المتنامية.
كان كل منا بيده مشروب دافئ، وقد تقابلنا في جناح الضيافة في المطار، حيث جلس ريتشاردز وجونزاليز أمامي على مائدة مؤتمرات جرانيتية تحت أضواء فلورسنت في غرفة بسيطة خالية من الديكور. وفيما كنت مستعداً للانطلاق، سمحت لهم جاهداً أن يستقرا في مكانيهما قبل إثارة سؤالي الأول.
مبدأ كوبرنيكوس
التفت ناحية ريتشاردز، وبدأت قائلاً: “لقد تعلمت في المدرسة أن كوكبنا ليس استثنائياً، وأننا ندور حول نجم نموذجي في جزء متوسط وأرضي من الكون، وأنه ليس هناك أمراً خاصاً أو خارقاً بالنسبة للأرض. أليست هذه وجهة نظر معظم العلماء الآن؟”
فأجابني ريتشاردز: “بلى، وهذا ما يُسمى بمبدأ التوسط Principle of Mediocrity أو مبدأ كوبرنيكوس Copernican Principle. افتح أي كتاب فلك تمهيدي، وسترى ذلك مكرراً مراراً لدرجة افتراض أنه ليس هناك شيئاً متميزاً بخصوص موقفنا، أو موقعنا في الكون، أو السمات الخاصة للأرض، أو النظام الشمسي، أو البشر أنفسهم.
فقاطعته قائلاً: “ولكن أليس هذا مناسباً بعض الشيء؟”
فقال: “نعم بالطبع. فنحن لا يجب أن ندعي أن الأرض، أو نظامنا الشمسي، أو شمسنا فريدة بكل طريقة ممكنة. فلن نكون قادرين أن نمارس العلم إن كان كل مكان في الكون له قانون جاذبية مختلف أو لو كانت الذرات لها كتلة مختلفة. فهذا جيد”.
فسألته: “إذاً من أين تأتي المشكلة؟”
“المشكلة هي أن مبداً كوبرنيكوس قد اتخذ شكلاً ميتافيزيقياً أكبر من حجمه، وهو يقول أساساً بأن حالتنا الميتافيزيقية في نفس عدم أهمية موقعنا الفلكي. وبمعنى آخر، نحن لسنا هنا من أجل غرض معين، ولسنا مميزين بأية طريقة، ولا نشغل مكاناً متميزاً في الكون”.
فقاطعته من جديد: “أليس حقيقة أن اكتشاف كوبرنيكوس – أن الشمس لا تدور حول الأرض، بل أن الأرض هي التي تدور حول الشمس – قد حط تماماً من قدر البشرية؟”
فهز ريتشارد رأسه ضجراً كما لو كان قد سمع هذا التعليق مرات، وقال: “لنعد إلى البداية”. ثم وقف، وخلع معطفه، وألقاه فوق كرسي غير مشغول. وفيما استعاد جلسته، واصل كلامه.
“القصة هي أن القدماء– أرسطو، وبطليموس، ومسيحيو القرون الوسطى – اعتقدوا جميعاً أننا كنا في مركز الكون، أي على عرش الكون، وهو أهم مكان يدور حوله كل شيء. ثم جاء كوبرنيكوس وكبلر وقالا إنه يمكنهما تفسير حركة الكواكب بطريقة أفضل بافتراض أن الشمس هي التي في المركز، وأن الكواكب – بما فيها الأرض – تدور حولها. وبهذا نكون قد ابتعدنا عن المركز، وانتقلنا من موقع امتيازنا”.
“كانت هذه بداية مسيرة طويلة للعلم استمرت في التقليل من قدرنا. وفيما بعد قرر العلماء أن الشمس ليس هي مركز الكون، وأننا لسنا في مركز المجرة، وأن الكون نفسه في النهاية ليس له مركز، لأن العلماء اعتقدوا في القرن التاسع عشر أنه لامتناه وأبدي. وبإمكانك أن ترى كيف أن هذا الاتجاه قد ساعدنا في أن نرى أنفسنا أقل فأقل أهمية، وأننا أقل فأقل في مركز الأشياء”.
“ولهذا جاءت الثورة الكوبرنيكية لتمثل الصراع بين العلم والدين. فالخرافة الدينية أبقت على القول بأن الأرض والجنس البشري هما في مركز الكون، مادياً وميتافيزيقياً، لكن العلم الحديث أثبت بطلان هذا”.
“وتجرد البشر من حسهم الزائف بتفردهم وأهميتهم. وبينما استمرت الجماعة الدينية في اصرارها بوجود شيء ما متفرد، وخاص، وله قصد وهدف يتعلق بوجودنا، يحتفظ العلماء بالقول بأن العالم المادي موجود بأكمله، وأن الصدفة والقانون الطبيعية الموضوعي وحده يمكنه تفسير وجوده”.
كنت أتابع ذلك في اتفاق تام. فتقدير ريتشارد كان متناغماً تماماً مع ما تعلمته بالمدرسة. لكنه حينها أضاف القرار الحاسم.
قال وابتسامة خفيفة تتراقص على جانب فمه: “المشكلة هي أن هذا الوصف التاريخي ببساطة وصف زائف”.
تصحيح الوضع
روعني تأكيد ريتشاردز. فقلت: “زائف؟ ماذا تقصد؟ وكيف؟”
فقال: “اقرأ بطليموس، وجاليليو، وكوبرنيكوس، وكبلر. اقرأ دانتي. ستجد في الكوميديا الإلهية Divine Comedy لدانتي ان سطح الأرض مكان متوسط. وقد كان هذا صحيحاً في علم الكونيات الأرسطي الذي تم صبغه بالرؤية المسيحية في العصور الوسطى. فبالنسبة لأرسطو، كان العالم مصنوعاً من الهواء، والأرض، والنار، الماء. والأرض هي الأثقل، ولهذا من الطبيعي أن تسقط إلى القاع”.
“ولهذا لم تكن الأرض في مركز الكون، لأنها كانت في قاعه. وكان هذا نوع من الحوض الكوني. كانت هي المكان الذي تتحلل فيه الأشياء وتموت. كل شيء فوق القمر كان مصنوع من نوع مختلف من المادة – الخلاصة – والله سكن في الغلاف السماوي خارج الغلاف الجوي للنجوم. والإنسان كان في مكان متوسط”.
ثم قال جونزاليز: “ثم عكس دانتي هذه المستويات بينما تسير في الطريق الآخر نحو الجحيم”.
فاستطرد ريتشاردز قائلاً: “تماماً. كانت هناك تسعة مستويات تصعد إلى الله وتقترب من الكمال، ثم تسعة مستويات تقترب من الفساد المطلق نحو الجحيم. وهكذا، في علم كونيات العصور الوسطى، فإن ما نسميه بمركز الكون هو عرش الشيطان. وهذه نقطة مهمة للغاية. فإن تخيلت أن مركز الكون هو عرش الشيطان، وأن الأرض ذاتها هي الحوض الكوني، عندئذ لن يكون هذا هو الشكل الذي عرفنا من خلاله أن مركز الكون قبل كوبرنيكوس كان هو البقعة المتميزة”.
وأضاف جونزاليز: “بعد ذلك أعادت حركة التنوير سرد القصة بالقول بأن الكنيسة، بسبب غرورها، وضعت البشر في المركز”.
فأومأ ريتشاردز قائلاً: “وهذه هي المفارقة. فحركة التنوير هي التي جعلت الإنسان هو مقياس كل شيء. وعندما تفكر في الأمر بجدية، ستجد أن اللاهوت المسيحي لم يضع الإنسان في المركز على الإطلاق. فنحن لدينا دور مهم جداً لنلعبه في هذه الدراما الكونية، ومن أهميته أن الله قد تجسد. ولكن لم تكن القضية أبداً أن كل شيء قد خُلق خصيصاً من أجلنا”.
منذ عدة قرون، قال أوغسطينوس إن الله لم يخلق العالم “من أجل الإنسان” أو بسبب إلزام ما، بل “لأنه أراد”[1]. في الكوميديا الإلهية يتعلم القارئ أن المعنى الفعلي لكوننا موجودين في المركز كان مجرد تحيز. ففي الواقع نكتشف أن كل شيء قد تم ترتيبه حتى يكون الله في المركز الميتافيزيقي؛ أي في المكان ذي الأهمية القصوى.
“وبدلاً من تشويه صورة الأرض، رأى كوبرنيكوس، وجاليليو، وكبلر أن نظامهم الجديد يرفع من شأنها. فمثلاً، يقرض جاليليو الشعر في كيف أن الأرض، كالكواكب الأخرى، تعكس مجد الشمس، وليس فيما بعد حوضاً كونياً[2]. ولهذا ففي التحول من علم كونيات العصور الوسطى إلى رؤية عصر النهضة، ارتقى هذه المنظور الجديد بالإنسان نوعاً ما”.
وقد توصل باحثون تاريخيون آخرون إلى نفس الاستنتاج. فقال أحدهم: “إن النظام الكوبرنيكي، أبعد من أن يكون قد قلل من شأن الإنسان، إلا أنه حطم رؤية أرسطو عن الأرض كحوض كوني، وإن كان قد فعل شيئاً، فإنه ارتقى بالبشرية. فجعل الأرض كوكباً وجسماً سماوياً، شّرف كوبرنيكوس حقاً من قدرها”[3].
لكن شيئاً لم يُضف لي، فتساءلت: “ألم تضطهد الكنيسة كوبرنيكوس، وجاليليو، وجيوردانو برونو لرؤيتهم بأن الأرض كانت تدور حول الشمس؟”
فقال ريتشاردز: “أولاً، يقول البعض إن كوبرنيكوس قد اضطهد، لكن التاريخ يظهر عكس ذلك. في الحقيقة لقد مات بطريقة طبيعية في نفس العام الذي نُشرت فيه أفكاره. أما عن جاليليو، فلا يمكن تحجيم قضيته إلى صراع بسيط بين الحقيقة العلمية والخرافة الدينية. فقد أصر على أن الكنيسة تُقر بآرائه فوراً بدلاً من السماح لها بنوال القبول تدريجياً، وسخر من البابا. إلخ. نعم، لقد وجه له تعنيف رسمي، لكن الكنيسة واصلت منحه معاشه حتى نهاية حياته”.
في الواقع، قال المؤرخ وليم شي: “كانت إدانة جاليليو نتيجة التفاعل المعقد لظروف سياسية معاكسة، وطموحات سياسية، وكبرياء جريحة”[4]. كما لاحظ الباحث التاريخي فيليب سامبسون أن جاليليو بنفسه كان مقتنعاً بأن “السبب الرئيسي” لمتاعبه هو أنه قد “سخر من قداسة” – البابا أربان الثامن – في رسالة العام 1632[5]. أما بالنسبة لمعاقبته، فقد أوضحها ألفريد نورث وايتهد هكذا: “اجتاز جاليليو احتجازاً إنسانياً وتأنيباً مهذباً قبل أن يرقد في سلام على فراشه”[6].
واستطرد ريتشاردز: “أما حالة برونو فكانت محزنة للغاية. فقد أعدم في روما في العام 1600. وبالتأكيد تعد هذه لطخة في تاريخ الكنيسة. ومرة أخرى، كانت هذه قضية معقدة. فآراؤه الكوبرنيكية كانت عرضية. فقد دافع عن مذهب وحدة الوجود، وأعدم بالفعل لآرائه الهرطقية حول الثالوث، والتجسد، وتعاليم أخرى لا علاقة لها بالكوبرنيكية.
“والآن، إليك الفكرة التي أورد تقديمها: إن كنت تريد تطوير المبدأ الكوبرنيكي، فمن المهم جداً أن تجعله يبدو وكأنه متأصلاً في المسيرة التاريخية للعلم. ولكن عندما تنظر حقاً إلى البيانات، فهي ببساطة غير حقيقة. أما مؤلفو كتب الفلك يواصلون تكرار الأسطورة، كأسطورة الأرض مسطحة بينما كان يعتقد أنها كروية. وهذه فكرة خاطئة أيضاً”.
فأضاف جونزاليز: “كان الدارسون يعرفون في ذلك الوقت أنها كروية. فحتى اليونانيون القدامى عرفوا أنها كروية”.
وقال ريتشاردز: “لقد عرفوا ذلك لمدة ألف عام أو أكثر”.
كنت أعلم أنهم على حق في ذلك. فقد قال ديفيد ليندبيرج – الأستاذ السابق في تاريخ العلوم، والمدير الحالي لمعهد البحث في العلوم الإنسانية في جامعة ويسكونسن – في لقاء حديث:
هناك [خرافة] واضحة؛ وهي أنه قبل كولومبس، اعتقد الأوربيون بالإجماع تقريباً بأن الأرض مسطحة – وهو اعتقاد يُزعم أنه مأخوذ عن عبارات كتابية، ومدعم بكنيسة العصور الوسطى. وهذه الأسطورة يبدو أن لها أصل في القرن الثامن عشر، وقد درسها وبسطها واشنطن ايرفنج، الذي ابتدع دليلاً بصورة فاضحة في تاريخه عن كولومبوس الواقع في أربعة مجلدات…. والحقيقة أنه من المستحيل تقريباً أن تجد شخصاً متعلماً بعد أرسطو يشك في أن الأرض كروية. في العصور الوسطى، كان لا يمكنك التخرج من أي نظام تعليمي، مدرسة كاتدرائية أو جامعة، دون أن تكون لديك فكرة واضحة عن كروية الأرض، وحتى قطرها التقريبي”[7].
والآن، بالإضافة إلى تسفيه أسطورة الأرض المسطحة، كان ريتشاردز وجونزاليز يؤكدان أن المبدأ الكوبرنيكي كان مبنياً على تاريخ خاطئ أيضاً.
استطرد ريتشاردز قائلاً: “ولهذا فإن جيليرمو وأنا بدأنا في مشروع لتوثيق ما إذا كان هناك طرق مهمة تكون فيها الأرض خاصة أو استثنائية. ولعمل هذا كان علينا أن نوضح أن مثل هذه المسيرة التاريخية الطويلة للعلم التي توضح أننا لسنا مهمين لا وجود لها. وكان علينا أن نوضح أن التاريخ مخطئ، وأن ما نفعله يقف في التقليد الجيد للعلم، والذي يقول: “هيا نكتشف ماذا يُشبه العالم بأقصى إمكانياتنا”.
“وماذا وجدتما؟”
فتبادل ريتشاردز وجونزاليز النظرات، وبدأ ريتشاردز: “حسناً، لقد تبع العلماء بشكل عام المبدأ الكوبرنيكي بالقول بأن كوكبنا كوكب عادي، وأن الحياة تتكاثر بلا شك في الكون. وأضاف وهو يومئ لرفيقه باستكمال الحوار: “ومع ذلك، فنحن نعتقد أن الدليل هو عكس ذلك تماماً”.
فواصل جونزاليز: “لقد وجدنا أن موقعنا في الكون، وفي مجرتنا، وفي مجموعتنا الشمسية، وأمور أخرى كحجم ودوران الأرض، وكتلة القمر والشمس، إلخ – أي مدى متكامل من العوامل – تتعاون معاً بطريقة مدهشة كي تجعل من الأرض كوكباً صالحاً للإقامة. والأبعد من هذا هو أننا وجدنا أيضاً أن نفس الشروط التي تسمح بالحياة الذكية على الأرض هو التي تجعلها أيضاً مهيأة لاستطلاع وتحليل الكون”.
وأضاف ريتشاردز: “ونحن لا نعتبر هذا حادثاً. ففي الواقع، نحن نثير تساؤل ما إذا كان الكون قد صمم للاستكشاف أم لا.”
المقادير المكونة للحياة
على هذا الأساس، انطلقت لمناقشة أحد الاتجاهات الرئيسية للعلماء الذين يقبلون المبدأ الكوبرنيكي. قلت: “إنهم يعتقدون أنك إن وجدت مكاناً في أية بقعة في الكون يبقى فيه الماء سائلاً لفترة طويلة من الوقت، فسوف تتطور الحياة، على الأرض. أعتقد أنكما لا تتفقان على ذلك”.
فقال جونزاليز: “كلا؛ لا أوافق. حقيقي أنه كي تكون لديك حياة تحتاج ماء – الذي هو المذيب الكوني – كي تحدث التفاعلات، كما هو الحال مع الكربون الذي هو بمثابة الذرة الأساسية لجزيئات الحياة البنائية الناقلة للحياة. لكنك ستكون بحاجة لأشياء أخرى كثيرة. فالبشر يحتاجون 26 عنصراً أساسياً؛ والبكتريا تحتاج حوالي 16 عنصراً. وأشكال الحياة المتوسطة تقع بين هذين الرقمين. والمشكلة هي أنه ولا حتى أي جسم كوكبي سيكون هو مصدر كل هذه المقادير الكيميائية في الأشكال والكميات الضرورية”.
فقاطعت الحديث لتوضيح أن كُتاب الخيال العلمي تمكنوا من تأمل الحياة خارج كوكب الأرض المبنية بصورة مختلفة تماماً، وعلى سبيل المثال، مخلوقات معتمدة على السيلكون بدلاً من الكربون.
كان جونزاليز يهز رأسه مُبدياً رفضه حتى قبل أن أنهي سؤالي، أصر قائلاً: “هذا لا ينفع. فالكيماء أحد مجالات العلم المفهومة جيداً. ونحن نعلم أنه لا يمكنك الحصول على ذرات معينة، وتلصقها معاً برقم كاف وتعقيد كاف كي تعطيك جزيئات كبيرة كما يفعل الكربون. ولا يمكنك تجنب ذلك. كما لا يمكنك الحصول على أنواع أخرى من السوائل لإذابة أنواع مختلفة من الكيماويات كما يمكنك بالماء. وهناك ست خواص مختلفة لكل من الماء والكربون مناسبة للحياة. ولا شيء آخر يقترب من هذا فالسليكون يفشل عن الوصول إلى الكربون.
“ولسوء الحظ، يرى الناس أنه من السهل خلق الحياة. فهم يعتقدون أن وجود الماء السائل أمر كاف، لأنهم يرون أن الحياة مجرد ظاهرة ثانوية مصاحبة – مجرد قطعة من الطين تنمو على قطعة جامدة من الجرانيت. وفي الواقع، فإن جيولوجيا وبيولوجيا الأرض تتفاعل بقوة معاً. ولا يمكنك أن تتصور الأرض كشيء مستقل عن عمليات الكوكب الجيوفيزيائية والجوية. إنها تتفاعل جميعاً بطريقة وثيقة للغاية. ولهذا فأنت لست بحاجة فقط إلى الكيميائيات اللازمة للحياة، بل أيضاً إلى بيئة كونية معدلة لوجود حياة”.
أثار هذا موضوعاً ذا صلة. فالعلماء كانوا يحلمون بجعل كوكباً كالمريخ يشبه كوكب الأرض، وذلك بتغيير بيئته لخلق كوكب يكون أكثر تلاءماً لاستقرار البشر. تساءلت: “هل سيكون هذا الأمر صعباً للغاية؟”
فقال: “بالطبع؛ فمن المجال المغناطيسي إلى التكتونية (عملية التشويه التي تغير شكل قشرة الأرض محدثة القارات والجبال) إلى دورة ثاني أكسيد الكربون – فإن الحياة المستمرة تتوقف على مجموعة من التفاعلات المعقدة للغاية مع الكوكب”.
وأضاف ريتشاردز: “يعتقد الناس عامة أنهم كما يزرعون بذرة وتنمو يكون من السهل أن تخلق البيئة الصحيحة للحياة، لكن هذا أمر مضلل. ومثال جيد على هذا هو المحيط الحيوي المحكم الذي أنشأه بالبعض في أريزونا منذ عدة سنوات مضت. فقد تصوروا أنه من السهل نسبياً أن تخلق بيئة مستقلة صالحة للحياة، لكن الوقت أعاقهم في محاولة تحقيق ذلك”.
فأشرت قائلاً: “لكن الحياة يمكنها أيضاً أن توجد في ظروف صعبة للغاية. فمثلاً، هناك أشكال من الحياة تعيش في فتحتات ساخنة في أعماق البحر. ولا يبدو أنها تحتاج الأوكسجين أو أي دعم آخر من البيئة المحيطة”.
فقال جونزاليز: “بالعكس؛ فالأشياء الوحيدة الموجودة في هذه الأعماق ولا تحتاج للأوكسجين هي بعض الكائنات المجهرية التي تتنفس الميثان. لكن الكائنات الأكبر التي تحتاج إلى تنظمي أيضها* هي التي تتنفس الأوكسجين. فالأوكسجين يأتي من الحياة التي على السطح والطحالب البحرية. ويختلط الأوكسجين مع المحيط وينتقل إلى المياه العميقة. لهذا فإن هذه الكائنات مرتبطة جداً بالسطح وبالنظام البيئي الكامل للكوكب”.
فيما اندهش بعض الكتاب بموضوع العلاقات البيولوجية، والكيميائية، والفيزيائية المتبادلة المعدلة، ذهبوا لتشبيه مجالنا الحيوي بـ “كائن حي فائق” يعيش حقاً. في الواقع، فإن فرضية Gaia التوحيدية لجميس لافلوك تسعى لتأليه كوكبنا. ومع ذلك، قال جونزاليز وريتشاردز إنه ليس ضرورياً المبالغة إلى هذا الحد.
قال ريتشاردز: “رغم هذه التداخلات المذهلة، ليس هناك ما يدعو أي شخص كي يرى الأرض ذاتها ككائن حي، ولا سيما إلهاً أو إلهة”.
ثم انتقل إلى صورة مألوفة تماماً بالنسبة لمن يرون علامات التصميم في آلية الأرض المعقدة المترابطة. وقال: “هذا يشبه تأليه ساعة بسبب خواصها المدهشة بدلاً من النظر إلى صانع الساعة نفسه”.
عالم 13M المعادي
قبلت فكرة أن أنواعاً فقط من البيئية الكونية يمكنها أن تستضيف الحياة ومن الناحية الأخرى، فالكون بتريليونات النجوم وبأجسام أرضية لا حصر لها تدور حولها. وبالتأكيد فإن الشواذ الرياضية تتحيز لنجوم كثيرة تنتج مواطن شبيهة بالأرض – وهذه نقطة تقف ضد فكرة أن الأرض هي متفردة ومن ثم مصممة.
ولكن بينما ترى عيناي غير المدربة كل نجم كما لو كانت له إمكانية متساوية كي يرأس نظام شمسي حامل لحضارة، سرعان ما تعلمت شيئاً مختلفاً بينما واصلت الأسئلة الخاصة بالشروط الضرورية لازدهار الحياة.
التفت إلى جونزاليز، وقلت: “عندما ننظر إلى بلايين النجوم التي تُشكل مجرة الطريق اللبني، ألا يمكننا أن نفترض منطقياً أن الكواكب التي تزدحم بالحياة تغطي كل المكان؟”
فقال بوضوح: “كلا، ليس هذا هو الافتراض المنطقي المبني على الأدلة. فبالاشتراك مع دون براونلي وبيتر وورد من جامعة واشنطن، طورت مفهوماً اسمه منطقة المجرة المأهولة Galactic Habitable Zone؛ وهي منطقة في المجرة يمكن أن تكون فيها كواكب مأهولة. وهكذا لا يمكنك أن تشكل كوكباً مأهولاً في أي مكان؛ فهناك قدر كبير من معوقات الحياة بينما تنتقل من مكان إلى آخر”.
استرجع ذهني الماضي عندما أرسل دريك وساجان رسالتهما الاشعاعية إلى مجموعة النجوم التي تسمى بالمجموعة الكونية 13M. كانت نظريتهما تقول إنه بإرسال تحيتهما عبر مكان مكدس بالنجوم، ستكون هناك فرصة أكبر لالتقاطها بواسطة حضارة ذكية. وعندما سألت جونزاليز عن رأيه في هذه التجربة، كان رده ينم عن عدم الاهتمام.
قال: “المشكلة هي أنه إن كانت احتمالية وجود حياة على أي نجم هي صفر، ستبقى الاحتمالية بالنسبة لكل النجوم صفراً”.
“صفر؟ هناك أكثر من ربع مليون نجم في هذه المجموعة الكونية. ألا تعتقد أن أياً منها يحوي كواكب بها حياة؟”
فأصر قائلاً: “المجموعة الكونية من أسوء الأماكن في المجرة بأكملها التي نتوقع وجود أية حياة فيها”.
“لماذا؟”
“لسببين. أولاً، إن المجموعات الكونية من بين أقدم الأشياء في مجرتنا. وبسبب قدمها العتيق، فإن نجومها لديها وفرة منخفضة جداً من العناصر الثقيلة – الكربون، والنيتروجين، والأوكسجين، والفوسفور، والكالسيوم، إلخ. وبدلاً من ذلك، فإنها مكونة عن آخرها غالباً من الهيدروجين والهيليوم. وبخلاف ذلك، فإن الأرض مكونة من الحديد، والأوكسجين، والماغنيسيوم، والسيليكون. ثم يأتي الكبريت”.
“وكما ترى، فإن الانفجار العظيم قد أنتج أساساً الهيدروجين والهيليوم. وهما الغازان اللذان صنعت منهما أكثر النجوم المبكرة. أما العناصر الأثقل فقد تركبت – أو طُهوت إن شئت – داخل النجوم. وأخيراً، عندما انفجرت هذه النجوم كسوبرنوفا، قذفت هذه العناصر إلى وسط ما بين النجوم. ثم اندمجت في نجوم أخرى طُهوت بها عناصر ثقيلة كثيرة. ثم قُذفت مراراً، وكانت النجوم تحتوي على كميات متزايدة باستمرار من هذه “المعادن” أو العناصر الأثقل”.
“والآن تحتاج هذه العناصر كي تبني أخيراً كواكب أرضية كالأرض. فلأن النجوم القديمة جداً في المجموعات الكونية قد تكونت مبكراً جداً حتى أنها تتكون خصيصاً من الهيدروجين والهيليوم، لن تكون هناك كواكب أخرى تصاحبها. ربما سيكون هناك غبار، أو حبوب او صخور ضخمة، وهذا كل شيء. لن تجد كواكب في حجم الأرض”.
“والمشكلة الثانية هي أن المجموعات الكونية مكتظة تماماً بالنجوم حتى إنها لا تسمح بوجود مدارات ثابتة حولها. والقوة الجاذبية للنجوم ستخلق مدارات بيضاوية تصل بكوكب افتراضي إلى بوردة وحرارة قصوى، وهذا ما سيخلق موقفاً مانعاً للحياة”.
كان تقريره يشكل معنى، لكنه أثارني للتساؤل لماذا ضيع دريك وساجان – الفلكيان المعروفان – وقتهما في محاولة الاتصال بنجوم 13M؟ فهز جونزاليس رأسه عندما سألته هذه السؤال.
قال: “إنه لأمر مدهش حقاً أن يعتقدا بوجود أية فرصة بوجود حضارة تتلقى رسالتهما في مجموعة كونية. كان يجب أن تكون معرفتهما أفضل! بصراحة، أعتقد أنهما خدعا بثقتهما الكاملة في المبدأ الكوبرنيكي الميتافيزيقي – القائل بأن الحياة كانت موجودة في كل مكان في المجرة – حتى أنهما تغاضيا عن الحقائق”.
[1] Quoted in Hans Blumenberg, The Geneses of the Copernican Revolution, Translated by Robert M. Wallace (Cambridge, Mass: MIT Press, 1987), xv.
[2] Galileo Galilei, Sidereus Nuncius, Quoted in Dennis Danielson, The Book of the Cosmos (Cambridge: Perseus, Helix, 2000), 150.
[3] Philip J. Sampson, Six Modern Myths (Downers Grove, III.: InterVarsity, 2000), 33 (emphases added).
[4] William R. Shea, “Galileo and the Church” in: David C. Lindberg asn Ronald L Numbers, editors, God and Nature (Berkeley: University of California Press, 1986, 132.
[5] Philip J. Sampson, Six Modern Myths, 38, citing Jerome J. Langford, Galileo, Science and the Church (Ann Arbor: University of Michigan Press, 1971), 134.
[6] N. Whiehead, Science and the Modem World Cmbridge: Cambridge University Press, 1946), 2, quoted in Philip J. Sampson, Six Modern Myths, 38.
[7]”Natural Adversaries?” Christian History, 76 (Volume XXI, No, 4), 44.
* الأيض هو العمليات المتصلة ببناء البروتوبلازم؛ ولا سيما الكيميائية في الخلايا الحية.