نظرة علمية بحتة في توثيق إنجيل مرقس – أثيناغوراث
نظرة علمية بحتة في توثيق إنجيل مرقس – أثيناغوراث
(أولاً) شخصية كاتب انجيل مرقس:
وهناك نوعين من الأدلة يمكن النظر اليها إذا أردنا التوصل إلى نتيجة حول صاحب الإنجيل الثاني:
(1) الأدلة الخارجية.
(2) الادله الداخلية.
(1) الادلة الخارجية:
كما هو الحال مع إنجيل متى، لا توجد مخطوطات لنص انجيل مرقس تؤكد ان الكاتب أي شخص آخر غير القديس مرقس . كما هو الحال مع انجيل متى فهذا يعتبر إثبات نسبة الانجيل للقديس مرقس.
شهادات اباء الكنيسة الاوائل:
يقول العالم جوثري ان الشهادة المسيحية المبكرة قوية جدا ومن وقت مبكر بأن القديس مرقس هو كاتب هذا الإنجيل وقد استشهد بذلك بابياس، إيريناوس، وقانون المخطوطة الموراتورية وكليمندس الاسكندري وترتليان ، اوريجانوس، وجيروم. وعلاوة على ذلك، فان هذه الشهادة عامة في ربط هذا الإنجيل مع بطرس.على سبيل المثال، كتب بابياس ما يلي:
بابياس:
“وقال الشيخ (يوحنا): صار مرقس مترجماً لبطرس كلما تذكر (بطرس) كتب (مرقس) بدقة كل ما قاله او فعله الرب وان كان بغير ترتيب. كونه لم يسمع الرب ولا تبعه لكنه جاء لاحقاً حيث قال (الشيخ) مشيراً لبطرس الذي تعلم كلما دعت الحاجة. لكنه لم يكن يعلم وفقاً لترتيب اقوال الرب. لذلك لم يخطئ مرقس عندما كتب ما تذكره. حيث حدد هدفاً واحداً ان لا يترك شيئاً مما سمعه والا يشوه اي من كلمات بطرس”
ما هو جدير بالملاحظة حول هذه الشهادة الخارجية هى أن القديس مرقس كان لاعبا رئيسيا في العهد الجديد. ومن المشكوك فيه، بالتالي، أن اسمه تم اختياره من فراغ. وعلاوة على ذلك، امتناع اباء الكنيسة عن القول أن هذا هو إنجيل بطرس.
(2) الادلة الداخلية:
أ. اتصل يوحنا مرقس بالقديس بطرس في الفترة ليست متأخراً عن منتصف اربعينات القرن الاول الميلادي (قارن اعمال الرسل 12: 12). ان الكنيسة المبكرة قد ترددت على منزل والدته مما يدلل على ان القديس مرقس قد قبل تعاليم بطرس عن يسوع الناصري.
ليس هذا فقط لكن اعمال الرسل المح الى ان بطرس والكنيسة الاولى قد قضت وقتاً في منزل مرقس. لذلك احتمال ان الكنيسة المبكرة اجتمعت هناك من منتصف ثلاثينات القرن الاول الميلادي وما بعد.
ب. بعد انضمام بولس وبرنابا في اول رحلة تبشيرية (اعمال الرسل 13: 4) نجد ان مرقس قد عاد الى اورشليم قبل اتمام الرحلة (اعمال 13: 13). وربما استقر في اورشليم حتى انعثاد مجمع اورشليم الذي بت في وضع مسيحي الامم. ثم ذهب الى انطاكية حيث رافقه برنابا الى قبرص (اعمال الرسل 15: 37-39). مما يعني انه اقتبل المزيد من تعاليم بطرس.
ج. يصمت اعمال الرسل عن علاقة بطرس ومرقس بعد هذه المرحلة الا انه بالطبع هناك احتمال تواصل بينهما حيث انهما كانا على اتصال بمدينة اورشليم وانطاكية.
د. ان بولس ارسل مرقس من روما الى كنيسة كولوسي والى فليمون في الفترة (60-62)م. وبالتالي اذا كان بطرس في روما خلال تلك الفترة فان القديس مرقس بالتأكيد كان علبى اتصال بالقديس بطرس.
هـ. وفي (تيموثاوس الثانية 4: 11) نجد ان القديس بولس ارشد تيموثاوس ليجلب مرقس معه من افسس الى روما حوالي عام 62م. مما يعني فرصة اخرى لتقابل بطرس ومرقس بروما.
و. مرقس مع بطرس مرة اخرى في روما حوالي عام 65م. (بطرس الاولى 5: 13). وهنا نحصل على انطباع مؤكد بان مرقس عاد لروما بناء على طلب بولس واستمر هناك عنما كتب بطرس الرسول رسالته الاولى.
وبالاضافة الى ما سبق فان حقيقة ان بطرس يدعو مرقس “ابني” (بطرس الاولى 5: 13) يوضح الى اي مدى كانت العلاقة بين بطرس ومرقس.
واجمالا نجد ان القديس مرقس كان على علاقة وثيقة بالقديس بطرس استمرت الى ما لا يقل عن عشرة او عشرين سنة قبل ان يكتب مرقس انجيله. كما انه في ذات الوقت كان على علاقة مقربة ومستمرة بالقديس بولس وبرنابا. هذه الرابطة المزدوجة وضعت القديس مرقس في موقف فريد من نوعه من اجل كتابة انجيله للامم وذلك بدافع من ارسالية بولس واستنادا على تعاليم بطرس.
وفي الختام لا يوجد سبب للشك في ان يوحنا مرقس رفيق بطرس وبولس كتب الانجيل الذي يحمل اسم مرقس. الدليل الخارجي من المخطوطات وشهادة اباء الكنيسة الاولين هى بالاجماع والادلة الداخلية تأكد صحة ذلك.
(ثانياً) تاريخ تدوين انجيل مرقس:
ان تحديد تاريخ كتابة انجيل مرقس يرتبط بادلة خارجية واخرى داخلية.
(1) الادلة الخارجية:
* ليست فقط ادلة اباء الكنيسة تدعم شخصية كاتب انجيل مرقس ولكن ايضاً تربط بين مرقس وبطرس. وبابياس هو اول من اشار الى هذا الارتباط ومن المهم ان نلاجظ بعض مميزات بيان بابياس:
- قال بابياس انه تلقى معلوماته من “الشيخ”. الشخص الوحيد الذي دعى “الشيخ” بصيغة المفرد هو القديس يوحنا
- قال بابياس ايضاً ان مرقس سجل كافة تعاليم بطرس بينما كان بطرس لا يزال على قيد الحياة.
* كليمندس الاسكندري يؤكد بيان بابياس بان القديس مرقس هو كاتب انجيله اثناء حياة بطرس لكنه يضيف ان مرقس كتب انجيله للمسيحين في روما. وهذا يوحي بان كليمندس اقتبس بعض معلوماته من بابياس لكنه ايضاً اقتبس من مصادر اخرى. لذلك تعتبر شهادة كليمندس الاسكندري شهادة مستقلة بشأن ما كتب القديس مرقس.
- ايريناوس قال انه بعد موت بطرس وبولس كتب لنا مرقس الرسول تسليم بطرس” . بالرغم من ان غالبية العلماء يعتقدون ان ايريناوس كان صحيحاً بخصوص انجيل مرقس كونه كتب بعد موت بطرس وبولس الا انهم يرفضون شهادته بخصوص انجيل متى كونه كتب اثناء حياة بطرس وبولس.
ويمكن تلخص الدليل الخارجي المبكر على النحو التالي:
- هناك شهادة عامة بان مرقس حصل على مادته للإنجيل من بطرس.
- هناك أدلة متضاربة حول زمن جمع هذا الإنجيل، سواء قبل أو بعد وفاة بطرس.
وهنا يقول دانيال والاس بانه يمكن تلخيص الادلة الخارجية بان مرقس كتب انجيله بينما كان بطرس لا يزال حياً وقبل كتابة انجيل متى اعتماداً على المشكلة الازائية .
(2) الدليل الداخلي:
هناك عدة مسارات للنظر بشان تأريخ تدوين انجيل مرقس. في بعض النواحي خارج انجيل مرقس ولكن من خلال العهد الجديد (راجع انجيل متى والمشكلة الازائية).
- i. حلنا للمشكلة الازائية يكمن في ان انجيل مرقس يجب ان يؤرخ قبل انجيل متى ولوقا. وذلك لان متى ولوقا اعتمدا على انجيل مرقس في كتابة انجيليهما.
- ii. يعتقد غالبية الباحثين باولوية انجيل مرقس وانه كتب مع بداية التمرد اليهودي. لذلك فاذا تم تأريخ انجيل متى ولوقا قبل عام 66م. فان انجيل مرقس لابد ان يسبقهم ببعض الوقت. وكما يقول جوثري (Guthrie) فان مفتاح اللغز في عبارة “رجسة الخراب” (مرقس 13: 14) حيث يصف الحدث بشيء من الغموض حتى انه من المعقول ان نقول بان النبوة قيلت قبل الاحداث الفعلية .
iii. واخيرا كما يقول العالم “لان” (Lane) فان انجيل مرقس لابد له من سبب فعال مثل اضطهاد نيرون كما يرى هو وغالبية العلماء.
وخلاصة القول فان انجيل مرقس يجب ان يؤرخ بمنتصف خمسينات القرن الاول وقبل انجيل لوقا والذي يؤرخ بدوره ليس متأخراً عن عام 62م.
(ثالثاً) مكان ووجهة تدوين انجيل مرقس:
وهناك أدلة قوية على أن القديس مرقس كتب انجيله للمسيحيين غير اليهود (الامم) الذين يعيشون في روما . في جميع الاحتمالات، فان القديس مرقس قد عاش هناك. ليس فقط الدليل الخارجي قوي ولكن الادله الداخلية أيضا كما في التالي:
(1) القديس مرقس يفسر العادات اليهودية (راجع مرقس 7: 3-4).
(2) القديس مرقس يترجم التعبيرات الآرامية إلى اليونانية (راجع مرقس 3: 17, 5: 41, 10: 46).
(3) القديس مرقس يترجم التعبيرات اليونانية الى اللاتينية على سبيل المثال:
(مرقس 12: 42) يشير إلى اثنين من النقود النحاسية “فلسي الارملة” (lepta) وهي عملة منتشرة في فلسطين ويساويان “ربع” وهي عملة لاتينية = (quadrans) لم تكن متداولة في الشرق !!.
ايضاً (مرقس 15: 16) “القصر” وهو دار الولاية (πραιτώριον) وهى مصطلح لاتيني = (praetorium).