Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

برهان الفيزياء: الكون في خطر جـ1 – لي ستروبل

برهان الفيزياء: الكون في خطر جـ1 – لي ستروبل

برهان الفيزياء: الكون في خطر جـ1 – لي ستروبل

برهان الفيزياء: الكون في خطر جـ1 – لي ستروبل

من الصعب مقاومة انطباع ان التركيبة الحالية للكون – التي يتضح أنها حساسة للغاية تجاه تغيرات طفيفة في العدد – كانت مدروسة جيداً… فالتزامن المعجزي الذي يبدو بالنسبة لهذه القيم العددية لا بد أن يظل أعظم دليل للتصميم الكوني.

الفيزيائي بول يديفيز[1]

ألا يكون الأمر غريباً إن كان كون بلا هدف قد خلق بالصدفة بشر منقادين تماماً بالهدف؟

سير جون تمبلتون[2]

 

صار متشككاً روحياً حين تعلم الدارونية وهو طالب. وعمل لفترة وجيزة في صحيفة كبرى في شيكاغو ثم التحق بكلية التخرج في جامعة Ivy League. وفيما تحفز بمسيحية زوجته، بدأ فيما بعد في تحري دليل وجود خالق. وبذهن منفتح للحقائق، انتهى به الأمر بالتخلي عن إلحاده وقبول الله، وأخيراً كتب كتاباً سرد رحلته العقلية إلى الإيمان.

إن بدا أن هذه تشبه قصتي، فليكن[3]، لكنها أيضاً – بمحض الصدفة – قصة باتريك جلين؛ وهو مفاوض سابق في لجنة التحكم في الأسلحة في إدارة الرئيس ريجان، وهو الآن المدير المساعد لمعهد جامعة واشنطن للدارسات السياسية في واشنطن العاصمة.

واجه جلين النظرية التطورية للمرة الأولى عندما كان طالباً في مدرسة الإيبارشية، وأدرك على الفور أنها لا تتماشى مع الكتاب المقدس. وفيما استدعى ذاكرته قال: “وقفت في الفصل، وقلت هذه كله للراهبة المسكينة”.

وفيما كان مقتنعاً بأن العقل هو “الطريق الوحيد إلى الحق”، أصبح جلين ملحداً مزمناً حين تسلم درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد في السبعينات. وقال: “لقد أوضح دارون أنه ليس ضرورياً حتى أن نفترض وجود إله لتفسير أصل الحياة. فالحياة والفصائل البشرية ذاتها كانت نتاج تقنيات عشوائية أساساً تعمل على الأيونات”.

وبعد أن تزوج بزوجة مسيحية، ووجد نفسه في مناقشات متكررة معها في الأمور الروحية، قال جلين أن عقله “أصبح منفتحاً بشكل كاف”، ولهذا كان مستعداً لفحص ما إذا كان هناك أي دليل عقلي لوجود الله. وأعد نفسه تماماً لما سوف يتعلمه:

“أدركت تدريجياً أنه في فترة العشرين عاماً منذ أن آثرت الإلحاد الفلسفي، ظهر أدب نظامي منتشر لم يكتفي بمجرد القضاء على الشك العميق، لكنه فند أيضاً نظرتي الإلحادية من أي منظور عقلاني بطريقة مؤثرة…. واليوم يبدو لي أنه ليس هناك سبب مقنع يمكن أن يتبناه إنسان ذكي لقبول خداع الإلحاد أو اللا أدرية، وارتكاب نفس الأخطاء العقلية التر ارتكبتها أنا”[4].

ما الدليل الذي كان مسؤولاً عن هذا التحول الروحي المذهل؟ كان من بين أكثر الاكتشافات المؤثرة التي قابلها في بحثه هو ما يسمى بـ “المبدأ الإنساني anthropic Principle” وقد صاغ هذه المصطلح – المستخرج من الكلمة اليونانية Anthropos بمعنى إنسان – فيزيائي جامعة كامبردج براندون كارتر الذي قدم بحثاً مثيراً بعنوان “تزامنات العدد الكبير والمبدأ الإنساني في علم الكونيات” في مؤتمر علمي حافل في العام 1973.

يقول هذا المبدأ أساساً – كما تعلم جلين – إن “كل الثوابت التي تبدو أنها كيفية وغير متصلة في الفيزياء بها شيء غريب مشترك – فهذه هي القيم التي تحتاجها تحديداً إذا أردت أن يكون لديك كوناً قادراً على إنتاج حياة”.

في كتابه اللاحق “الله: الدليل”، يصدق جلين بأن التعدي المدهش للكون بمثابة أحد الأسباب الرئيسية لاستنتاجه بأن الكون لا بد وأنه كان عمل مصمم فائق[5].

قال: “منذ خمسة وعشرين عاماً، فإن إنساناً مفكراً يزن الأدلة العلمية البحتة المرتبطة بالموضوع من المحتمل أن يكون في جانب التشكك. ولكن لم تعد هذه هي القضية. فالبيانات المادية اليوم تشير بقوة نحو فرضية الله. وهذا أبسط وأوضح حل للغز الإنساني”[6].

الدليل الكافي The Prima Facie Evidence

ألستر ماكجراث – العلامة اللاهوتي الذي درس فيزياء الأحياء الجزيئية في جامعة أكسفورد، وكتب سلسلة طموحة من ثلاثة مجلدات بعنوان “اللاهوت العلمي Scientific Theology” – لديه ميل لاختراق قلب القضايا المعقدة. وفيما يخص موضوع المبدأ الإنساني، تمكن من تلخيص التحدي الأساسي في سؤالين موجزين وضعهما في صيغة تصريح بريطاني مكتوم: “هل من الصدفة البحتة أن قوانين الطبيعة تفيد بأن الحياة ممكنة؟ ألا يمكن أن يكون هذا مفتاحاً مهماً للطبيعة ومصير الإنسانية؟”[7]

وقد شكل هذان السؤالان خريطة طريقي فيما كنت أسعى نحو إجابات قوية تخص كيف ولماذا تفيد الفيزياء بطريقة مشكوك فيها للغاية بأن الحياة في خطر. أما أنا فقد عرفت بالطبع أن عدداً متزايداً من العلماء والفلاسفة كانوا يتتبعون مفاتيح الحل التي تقودهم إلى استنتاجاتهم الخاصة في العقود الأخيرة، بما فيها “بعض الأبرياء من أي تأثير من وجهة نظر دينية تقليدية” كما عبر الفيزيائي واللاهوتي جون بولكينجهورن[8].

“من السهل جداً أن نفهم لماذا غيّر كثير من العلماء آراءهم في الأعوام الثلاثين الماضية، متفقين على أن الكون لا يمكن تفسيره باعتباره حادثاً كونياً، وهذا ما قاله والتر برادلي الذي شارك في تأليف كتاب “لغز أصل الحياة The Mystery of Life Origin“: “إن دليل وجود مصمم ذكي يفرض نفسه باستمرار كلما ازداد فهمنا لموطننا المُعد بحرص”[9].

على سبيل المثال، فإن المتشكك السابق بول ديفيز – الأستاذ السابق للفيزياء النظرية في جامعة أديلايد – مقتنع الآن بأنه لا بد أن يكون هناك هدف من وراء الكون.

وقال في كتابه “ذهن الله The Mind of God“: “توصلت من خلال عملي العلمي إلى الإيمان بقوة متزايدة بأن الكون الطبيعي موضوع ببراعة مدهشة للغاية حتى إنني لا يمكنني قبوله كحقيقة صماء. وأضاف: “لا يمكنني أن أؤمن بأن وجودنا في هذا الكون مجرد دعابة قدر، أو حادث تاريخ، أو مجرد صورة عرضية في الدراما الكونية العظيمة”[10].

عبر عالم الفيزياء الفلكية اللامع سير فريد هويك[11] عن ذلك هكذا: “لست أؤمن أن أي علماء فحصوا الدليل يمكنهم أن يخيبوا عن التوصل إلى استنتاج أن قوانين الفيزياء النووية قد صممت عمداً فيما يتعلق بالنتائج التي تحدثها داخل النجوم”[12].

دفعت تلك الملحوظة، وأخرى مثلها من هويل، أستاذ الفلك من هارفارد أوين جنجريتش – الفلكي الأعلى مقاماً في مرصد سميثونيان الفيزيائي الفلكي – للتعليق: “اختلف مع فريد هويك في كثير من النقاط، لكننا نتفق في هذا النقطة: فالفهم العام والتفسير المرضي لعالمنا يوحي باليد المصممة لذكاء فائق”[13].

قال جون ليزلي الذي تعلم في جامعة أكسفورد، والذي يصور أمثلة إنسانية كثيرة في كتابه المذهل الذي نُشر في العام 1989 “الأكوان Universes” إنه يؤمن بأنه إن كان كوننا هو الكون الوحيد الموجود – وأنه ليست هناك بيانات علمية تثبت وجود أية أكوان أخرى – يكون التعديل إذاً “دليلاً حقيقياً…. أن الله حقيقي”[14].

وفي كتابهما “القصة الجديدة للعلم The New Story of Science”، لخص روبرت أوغروس، وجورج ستانشيو الالتقاء المذهل لـ “التزامنات” التي تجعل الحياة ممكنة في الكون. وقالوا: “إن كوناً يهدف لإنتاج الإنسان يتضمن عقل يوجهه. ومع أن الإنسان ليس في المركز الطبيعي للكون، إلا أنه يبدو في مركز هدفه”[15].

وبوضع تلك الاستنتاجات جانباً، كنت أبحث عن إجاباتي الشخصية عن الأسئلة الأساسية التي وضعها ماكجراث. لم أكن أريد مجرد استكشاف الدليل العلمي لفعل توازن الكون المشكوك فيه. بل أيضاً رؤية ما إذا كان المبدأ الإنساني يمكنه الصمود أمام تحدي فرضية – طبقاً لبعض المتشككين – يمكن اعتبارها مهجورة.

بينما كنت أقوم بدراسة موضوع التعديل، صادفتني كتابات فيلسوف شهير تدرب في علم الفيزياء، وقام بعمل بحثه الأصلي الخاص في هذا الموضوع. وقد راقت لي سمعته بشكل خاص؛ فقد كان معروفاً بحرصه وتحفظه في حساباته، وعدم استعداده لإصدار الأحكام التي تفوق حدود البيانات. باختصار، ما كنت أبحث عنه.

وبعد بضعة مكالمات، كنت على طائرة متجهة إلى بنسلفانيا، حيث حرم جامعي رائع من مباني من الطوب الأحمر ليست أبعد شمالاً من ساحة قتال جيتسرج للحرب الأهلية.

اللقاء الرابع: روبين كولينز – دكتوراه في الفيزياء

عندما كان روبين كولينز طالباً في الصف السابع، انطلق يطلب كتيبات مجانية كثيرة من وكالة الطاقة الذرية، وهكذا ولد عاشق للفيزياء. وأصل مسيرته للحصول على درجات علمية في الفيزياء والرياضيات في جامعة ولاية واشطن (بمتوسط درجات أقل من الدرجة النهائية بـ 0,07)، ثم دخل برنامج الحصول على الدكتوراه في الفيزياء في جامعة تكساس في أوستن.

أما حبه الآخر فكان الفلسفة؛ ففي الواقع، كانت مادته الثالثة في الكلية. وقد استفاد من هذه الخبرة بينما كان يعمل للحصول على درجة الدكتوراه في مكتب تشاركه مع مجموعة من الطلبة الخريجين تضمنت ملحداً ولا أدرياً. أما كولينز فقد كان مسيحياً منذ عامه الأخير في المدرسة الثانوية.

كان الأربعة يسهرون لوقت متأخر من الليل يتجادلون حول قضايا فلسفية ولاهوتية، والتي وجدها كولينز محفزة جداً لدرجة أنه قرر أن يسعى للحصول على درجة دكتوراه في الفلسفة في جامعة نوتردام. وقد أشرف على رسالته الأسطوري ألفين بلانتينجا؛ الذي ريما يكون أفضل فيلسوف أمريكي في العصور الحديثة.

كان تعليق عابر قاله بلانتينجا في الفصل ذات يوم هو الذي دفع كولينز لأول مرة لموضوع تعديل الكون. وعندما أسرته الفكرة، تعمق في الموضوع، وسرعان ما اكتشف ارتباطاً كاملاً بين خبرته في الفيزياء وفي الفلسفة.

إن تدريبه في الفيزياء لم يؤهله فقط لفهم المعادلات الرياضية المعقدة أحياناً في هذا المجال – ذاك التدريب الذي دفعه أحياناً لتصحيح أخطاء دارسين أكثر شهرة بكل احترام – بل إن خبرته في الفلسفة قد عاونته على صياغة حجج دقيقة من الدليل. والآن، بعد سنوات من البحث والتحليل، صار واحداً من أكثر الأصوات معرفة وإقناعاً في المبدأ الإنساني.

كتب كولينز كتب عدة عن الموضوع، بما فيها “الله والعلم: المجادلة الغائية والعلم الحديث God and Science: Teleological Argument and Modern Science؛ ورشد الإيمان بالله The Rationality of Theism؛ والله يهم: القراءة في فلسفة الدين God Matters: Reading in The Philosophy of Religion؛ والفلسفة والدين: القارئ والدليل Philosophy and Religion: A Reader and Guide؛ والسبب المتضمن للأمل Reason for the Within. وبمنحة مدعمة من مؤسسة Pew، يُنهي حالياً كتاباً بعنوان الكون المنغم جيداً: الله، ضبط، وقوانين الطبيعية The Well-Tempered Universe: God, Fine-Tuning, and the Lows of Nature. وبالإضافة إلى ذلك، تحدث في ندوات ومؤتمرات كثيرة في بيل، وكونكورديا، وبيلور، وستانفورد، وغيرها، بما فيها خطاباً في المؤتمر الأمريكي الروسي كامل العدد في نوتردام في العام 2003، والذي كان حول موضوع الله وعلم الكونيات الطبيعي.

وبعد عمله كزميل بعد حصوله على درجة الدكتوراه في جامعة نورث ويسترن، قضى كولينز العقد الأخير في البحث والكتابة والتدريس في كلية المسيا، التي يعمل بها أستاذاً مساعداً للفلسفة. وهناك قابلته في ظهيرة دافئة ذات يوم سبت.

كان مكتب كولينز مكدساً عن آخره بأكوام وأرفف وصناديق الكتب لدرجة أنه لم يكن هناك مكان لنجلس فيه، ولهذا شغلنا غرفة مؤتمرات قريبة. كان الغرفة تسودها أشعة شمس الظهيرة التي تسللت من خلال نافذة كبيرة، وشكلت برك متراقصة من الضوء على السجاد.

خلع كولينز معطفه الرياضي الأخضر، ووضعه فوق مقعد فيما تهيأنا للبداية. كولينز له شعر متجعد داكن، ولحية، وبنية عدّاء (فهو يعدو تقريباً 90 دقيقة يومياً للتدريب والتأمل). جلسنا مقابل منضدة غير مزخرفة، وكان كولينز يحتسي شرابه المفضل: كوكتيل من شاي نصف أخضر ونصف أسود.

كنت مشتاقاً للبدء. فقد قال كولينز ذات مرة إن الحقائق المتعلقة بشروط الكون المميزة بمصطلح “بكل دقة” يتم تقديرها على نطاق واسع بصفتها “أكثر الحجج الحالية إقناعاً لوجود الله”[16] – وهي جملة وضعت معياراً عالياً. سحبت مذكرتي، وطلبت منه بداية أن يقدم لي فكرة عامة عن ماهية تعديل الكون.

انطباع التصميم

قال كولينز: “عندما يتحدث العلماء عن تعديل الكون، فإنهم يُشيرون بصورة عامة إلى التوازن الاستثنائي للقوانين الأساسية، ومعاير الفيزياء، والشروط المبدئية للكون. وعقولنا لا يمكنها استيعاب دقة البعض منها. وتكون النتيجة كون له الشروط الصحيحة لتدعيم الحياة. فالتزامنات ببساطة مذهلة للغاية لدرجة تجعله لا يمكن أن يكون نتيجة صدفة – وهذا ما قاله بول ديفيز: “إن انطباع التصميم ساحق”[17].

أحب ان أستخدم تشابه هبوط رواد الفضاء على المريخ، وعثورهم على محيط حيوي مغلق يشبه البناء ذات القبة الذي بني في أريزونا منذ بضع سنوات. في لوحة التحكم يجدون أن كل أرقام بينتها مهينة تماماً للحياة. فنسبة الأوكسجين تامة، ودرجة الحرارة 70، والرطوبة 50٪، وهناك نظام لإعادة تزويد الهواء، وأنظمة لإنتاج الغذاء، وتوليد الطاقة، والتخلص من الفضلات. وكل رقم له مدى واسع من الأوضاع الممكنة، ويمكنك أن تفهم ما إذا كان عليك أن تضبط قليلاً واحداً أو أكثر منها، فسوف تفقد البيئة قدرتها على العمل، وسوف تستحيل الحياة. ماذا تستنتج من هذا؟

كانت الإجابة واضحة. فقلت: “إن شخصاً ما اهتم اهتماماً كبيراً في تصميمها وبنائها”.

فأجاب: “هذا صحيح. سوف تستنتج ان هذا المحيط الحيوي لم يكن هناك بالصدفة. فالبراكين لم تثر فقذفت مركبات صحيحة تصادف أنها قد جمعت نفسها في المحيط الحيوي. فهناك كائن ذكي صممه وأعده لتدعيم الكائنات الحية. وهذا تشابه لكوننا”.

“طوال الثلاثين عاماً الماضية، اكتشف العلماء أن كل شيء تقريباً حول البنية الأساسية للكون متزنة في وضع خطر للوجود. إن التزامنات من الروعة بمكان حتى إننا لا يمكن أن ننسب هذا إلى مجرد صدفة، أو ندعي أنه لا يحتاج إلى تفسير. فالأرقام موضوعة بدقة بالغة للقطع باستحالة وجود صدفة عشوائية. وقد ذكر فريد هويل أن شخصاً ما كان يتدخل في الفيزياء”[18].

كان هذا من أروع الاكتشافات العلمية في القرن العشرين. فتساءلت: “من لاحظ ذلك أولاً؟”

“لنرجع إلى أواخر الخمسينات، تحدث هويل عن العملية الدقيقة التي ينتج عنها الكربون والأوكسيجين بنسبة معينة داخل النجوم. فإن كنت تعمل بغير براعة بالحالات الرنينية من الكربون، فلن تحصل على المواد التي تحتاجها لبناء الحياة بالمصادفة، توضح الدراسات الحديثة التي قام بها الفيزيائي هاينز أوبرهامر وزملائه أن مجرد تغير نسبة 1٪ في القوة النووية القوية سوف يكون له أثر من 30 إلى 1000 ضعف على إنتاج الأوكسجين والكربون في النجوم. وطالما أن النجوم تعطي الكربون والأوكسيجين المطلوب للحياة على الكواكب، فإن أبعدت ذلك التوازن، فإن الشروط في الكون ستكون أقل تهيئاً بشكل كبير لوجود الحياة”.

“على أية حال، عودة إلى سؤالك، فإن معظم الأبحاث والكتابات عن التعجيل حدثت منذ أوائل الثمانينيات. فقد كُتبت عنها مئات المقالات والكتب من المنظور التقني والشعبي”.

من الممكن أن تصير الفيزياء معقدة جداً بسرعة مدهشة. ولهذا عندما طلبت كولينز أن يصف لي واحداً من أحب الأمثلة لديه، سُررت لأنه اختار واحداً من أسهلها.

قال: “لنتحدث عن الجاذبية. تخيل مسطرة، أو مؤشر راديو من طراز قديم يعبر الكون. ستتحطم إلى مقادير من بوصة واحدة، وهذا معناه أن ستكون هناك بلايين وبلايين وبلايين من البوصات”.

“إن اللوحة بأكملها تمثل مدى قدرات القوة في الطبيعة، حيث الجاذبية أضعف قوة، والقوة النووية القوية التي تربط البروتونات والنيوترونات معاً في النواة الأقوى، فهي تبلغ عشرة آلاف بليون بليون بليون مرة أقوى من الجاذبية[19]. ومدى الأوضاع الممكنة لقوة الجاذبية يمكن اعتبارها على الأقل كبيراً كالمدى الكلي لقدرات القوة”.

والآن دعنا نتخيل أنك تريد أن تحرك اللوحة من مكانها الحالي. فحتى إن كنت ستحركها بمقدار بوصة واحدة، فإن التأثير على الحياة في الكون سيكون رهيباً”.

“بوصة واحدة تُقارن بالكون كله؟ أي نوع من التأثير سيكون هذا؟”

“إن هذا الضبط البسيط للوحة سيزيد الجاذبية بنسية بليون ضعف”.

“أوه، هذا يبدو كثيراً”.

“في الواقع، ليس كثيراً. فبالنسبة للوحة الراديو كلها – أي المدى الكامل لقدرات القوة في الطبيعة – فإنها صغير بشكل استثنائي، مجرد جزء واحد من عشرة آلاف بليون بليون بليون”.

“واو، هذا سيضعه في منظور. فماذا سيحدث للحياة عندئذ؟”

“ستُسحق الحيوانات في أي مكان والتي يقترب حجمها لحجم الكائنات البشرية. وكما قال عالم الفيزياء الفلكية مارتن ريز: “في عالم من الجاذبية القوية الخيالية، حتى الحشرات ستحتاج إلى أرجل كثيفة لتسندها، ولا يمكن للحيوان أن ينمو أكبر مما هو عليه”[20]. وفي الحقيقة، فإن كوكباً له قوة سحب جاذبية أكثر ألف مرة مما للأرض سيكون قطره 40 قدماً فقط، وهي نسبة غير كافية لدعم نظام حيوي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن النجوم التي تصل أعمارها إلى أكثر من بليون سنة – مقارنة بعمر شمسنا الذي يصل إلى عشرة بلايين سنة – لا يمكنه أن يوجد إن زودت الجاذبية فقط بمقدار ثلاثة آلاف مرة”.

وكما ترى، مقارنة بالمدى الكلي لقدرات القوة في الطبيعة، إن الجاذبية لها مدى ضيق غير مفهوم لوجود الحياة. ومن بين كل الأوضاع الممكنة على اللوحة، من أحد جوانب الكون إلى الآخر، يحدث أنه يقع في الكسر الصحيح المضبوط من بوصة كي يجعل كوننا قادراً على تدعيم الحياة”.

والجاذبية مجرد معيار واحد درسه العلماء. فقد قال خبير إنه يوجد أكثر من ثلاثين معياراً فيزيائياً أو كونياً منفصلاً تتطلب تدريجاً دقيقاً لإنتاج كون داعم للحياة[21].

أما بالنسبة لكولنيز، فهو يحب التركيز على الجاذبية، ومجموعة من الأمثلة الأخرى التي تحراها شخصياً، ويؤمن بأنها كافية في حد ذاتها لتقرير الدفاع عن مصمم. قررت أن أسأل كولينز عن معيار آخر – والذي يُسمى بـ “الثابت الكوني” – وهو ظاهرة محيرة للغاية لدرجة انها ترعب ذهن أحد أكثر العلماء المتشككين.

تسديد الأسهم على ذرة

عبر الفيزيائي ستيفن وينبرج، الحائز على جائزة نوبل، والذي يعترف بإلحاده، عن دهشته إزاء الوضع الذي عليه الثابت الكوني – كثافة طاقة الفراغ – “منضبطة جيداً بصورة ملحوظة في صالحنا”[22]. إن الثابت – الذي هو جزء من معادلة أينشتين للنسبية العامة – كان من الممكن أن تكون له أية قيمة، إيجابية أو سلبية، “ولكن من المبادئ الأولى سيخمن المرء أن هذا الثابت يجب أن يكون كبيراً للغاية”. وهذا ما قاله وينبيرج.

وأضاف أنه من حسن الحظ ليس كذلك.

إن كان الثابت الكوني كبيراً وإيجابياً، فسوف يعمل كقوة كريهة تزداد مع المسافة، وهي قوة ستمنع المادة من أن تتجمع معاً في الكون المبكر، وهذه العملية كانت الخطوة الأولى في تكوني المجرات والنجوم والكواكب والناس. وإن كان الثابت الكوني كبيراً وسلبياً، فسوف يعمل كقوة جاذبة تزداد مع المسافة، وهي قوة ستعكس فوراً وغالباً تمدد الكون وتتسبب في إعادة انهياره.[23]

في كلا الحالتين تفقد الحياة زماناً طويلاً. ولكن لدهشتنا، فإن هذا ليس هو ما حدث.

“في الواقع، كما قال وينبرج، فإن الملاحظات الفلكية تبين أن الثابت الكوني صغير للغاية، بل أصغر بمراحل مما كنا نتصور من المبادئ الأولى”[24].

وعندما سألت كولينز عن ذلك، قال لي إن الوضع الدقيق غير المتوقع، والمضاد للحدس، والمدهش للثابت الكوني “يتم اختباره على نطاق واسع بصفته المشكلة العظمى الوحيدة التي تواجه الفيزياء وعلم الكونيات اليوم”.

“وما مدى دقتها؟”

فقلب كولينز عينيه، وقال: “حسناً، ليست هناك طريقة تمكننا من فهمها حقاً. فالتعديل تم تقديره بصورة محافظة على الأقل بصفته جزء من مائة مليون بليون بليون بليون بليون بليون. أي عشرة متبوعة بـ 53 صفراً. وهذا دقيق للغاية”.

كان كولينز على صواب، فلم أتمكن من تخيل رقم مثل هذا. فسألته: “هل يمكنك أن تقدم لي شرحاً لذلك؟”

كان كولينز على صواب؛ فلم أتمكن من تخيل رقم مثل هذا. فسألته: “هل يمكنك أن تقدم لي شرحاً لذلك؟”

“فكر في الأمر هكذا. لنقل إنك انطلقت إلى الفضاء، وكان عليك أن ترمي سهماً بطريقة عشوائية نحو الأرض. فنسبة أن تصيب عين ثور بنجاح ستكون جزء من ترليون من البوصة في القطر. وهذا يقل حجماً عن ذرة واحدة”.

فجالت بخاطري كلمة مدهش. رائع. وقلت له: “لا شك أن العلماء قد اندهشوا إزاء هذا”.

من وجهة نظري، إن كان الثابت الكوني هو المثال الوحيد للتعديل، وإن لم يكن له تفسير طبيعي، فسوف يكون آنذاك كافياً في حد ذاته أن يقرر التصميم بقوة”.

كان عيلّ أن أوافق. فقد رأيت الأمر هكذا: إن كان الكون في وضع محاكمة بتهمة أنه قد صُمم، وأن الثابت الكوني هو الدليل الوحيد الذي تقيمه جهة الادعاء، سأصرح قائلاً: “مذنب”، على افتراض عدم وجود تفسير طبيعي مستتر. واحصائياً، سيكون هذا دفاعاً أقوى بكثير حتى من دليل الحامض النووي DNA الذي يُستخدم لإثبات الجريمة في محاكمات جنائية كثيرة اليوم.

استطرد كولينز: “الآن، فكر أن تضيف معاً دليل العاملين اللذين ناقشتهما حتى الآن؛ وهما الثابت الكوني، وقوة الجاذبية. فهذا سيكون دفاعاً أقوى بصورة لا يمكن تصورها. فعندما تربط الاثنين معاً، سيكون التعديل بالغ الدقة بمقدار جزء من مئة مليون ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون. وهذا سيكون معادلاً لذرة واحدة في الكون المعروف بأسره!”

ولم يكتفي كولينز بهذا، فأضاف: “هناك أمثلة أخرى للتعديل. فمثلاً، هناك الاختلاف في الكتلة بين النيوترونات والبروتونات. فإن زودت كتلة النيوترون بحوالي جزء واحد من 700 جزء، سوف يتوقف الاندماج في النجوم. ولن يكون هناك مصدر طاقة للحياة”.

“وإذا كانت القوة الكهرومغناطيسية أقوى أو أضعف بدرجة طفيفة، لاستحالت الحياة في الكون. أو فكر في القوة النووية القوية. تخيل إنقاصها بمقدار 50٪؛ وهي نسبة قليلة – جزء من عشرة ألاف بليون بليون بليون بليون، مقارنة بالمدى الكلي لقدرات القوة”.

“ماذا سيحدث لو تعاملت معها بهذه الكمية؟”

“كما ان الشحنات تقاوم، فإن القوة النووية القوية ستكون ضعيفة للغاية عن منع القوة المقاومة بين البوتونات ذات الشحنات الموجبة في النواة الذرية من تفتيت كل الذرات ما عدا الهيدروجين. وبغض النظر عما يمكنهم أن يُظهروه في عرض Star Trek، لا يمكن أن تكون لديك أشكال حياة ذكية مبنية على الهيدروجين. فببساطة ليس لديها تعقيد ثابت بدرجة كافية”.

كنت أعلم أن كولينز يمكنه الاستمرار طويلاً في ذلك الموضوع، ولكني كنت بحاجة إلى طريقة لتصوير تضمينات هذه المفاهيم المجردة بشكل متزايد. قلت له: “عد إلى المحيط الحيوي للمريخ”.

“حسناً، ضع جانباً قضية كيف ظهر المحيط الحيوي في المقام الأول. ولنقل إنه عندما وجدته، كانت هناك 12 لوحة كانت تتحكم في الشروط داخل القبة. وكانت كل لوحة بها مدى ضخم من الأوضاع الممكنة. وعندما رحلت، تركت اللوحات تعمل بطريقة عشوائية، ونتيجة هذا لم تكن هناك حياة ممكنة في المحيط الحيوي”.

“ثم عدت بعد عام. وعندما تنظر إلى اللوحات، ستندهش عندما تجد ان كل واحدة منها تهيأت بحرص للوضع الصحيح، ولهذا فإن الحياة تنتعش في القبة. 12 لوحة، 12 عاملاً مختلفاً – الكل مهيأ للحياة”.

“هل تعرف ماذا ستكون عناوين الصحف الرئيسية في اليوم التالي؟” ستكون هكذا: وجود حياة خارج الأرض. وسوف نتخذ هذا كدليل على أن كائناً ذكياً قد هبط وضبط هذه اللوحات بالدقة المطلوبة للحياة”.

“أقول إن اللوحات للخواص الأساسية للكون قد ضُبطت هكذا في الواقع، فإن الدقة ستكون أعلى قدراً وسيكون هذا أمراً غير متوقع بالمرة بحساب نظرية أن الفرصة العشوائية كانت مسؤولة. ومع ذلك، ليس من غير المتوقع أن يكون هناك مصمماً عظيماً”.

 

[1] Paul Davies, God and the New Physics (New York: Simon and Schuster, 1983), 189.

[2] John Templeton, The Humble Approach: Scientists Discover God (Philadelphia: Templeton Foundation, 1997), 19.

[3] For a description of the dynamics between Christian and non-Christian spouses, based on the experiences that Leslie and I had during the era when she was a Christian and I was an atheist, see Lee and Leslie Strobel, surviving a Spiritual Mismatch in Marriage (Grand Rapids, Mich.: Zondervan, 2002).

[4]  See: Patrick Glynn, “The Making and Unmaking of an Atheist,” in: God: The Evidence (Rocklin, Calif.: Forum, 1997), 1-20.

[5] Ibid., 22.

[6] Ibid., 55,53.

[7] Alister McGrath, Glimpsing the Face of God (Grand Rapids, Mich.: Eerdmans, 2002), 19.

[8] John Poldinghorne, Belief in God in an Age of Science (New Haven: Yale University Press, 1998), 10.

[9] Walter L. Bradley, “The <Just So> Universe,” in William A. Dembski and James M. Kushiner, Signs of Intelligence, 170.

[10] Paul Davies, The Mind of God (New York: Touchston, 1992), 16, 232.

[11] Edward Harrison, Masks of The Universe (New York: Collier, 1985), 263, 252.

[12] Quoted in John Barrow and Frank Tipler, The Anthropic Cosmological Principle (Oxford: Oxford University Press, 1986),22.

[13] Owen Gingerich, “Dare a Scientist Belive in Desing?” in John M. Templetion, editor, Evidence of Purpose (New York: Continuum, 1994), 25.

[14] John Lislie, Universes (New York: Toutledge, 1989), 198.

[15] Robert M. Augros and George N. Stanciu, The New Story of Science, 70.

[16]Robim Collins, “Acientific Argument for the Existence of God: The Fine-Tuning Dwsing Argument,” in Michael J. Murray, editor, Reason for the Hope Within (Grand Rapids, Mich.: Eerdmans, 1999), 48.

[17] Paul Davies, The Cosmic Blueprint: New Discoveries in Nature’s Creative Ability to Order the Universe (New York: Simon asn Schuster, 1988), 203.

[18] Collins (and Gingerich in his earlier quote) was referring to a well-Known Comment by Sir Fred Hoyle: “A common sense interpretation of the facts suggests that a superntellect has monkeyed with the physics, as well as with chemistry and biology, and that there are no blind forces worth speaking about in nature. The numbers one calculates from the facts seem to me so overwhelming as to put this conclusion almost beyond question”. Fred Hoyle, “The Universe: Past and Present Refliction,” Engineering & Science (November 1981).

[19] The relative strength of the four forces in nature-gravity, electromagnetism, the weak force, and the strong nuclear force is typically specified by a widely used dimensionless measure, which can roughly be thought of as the relative strengths of the respective forces between two protons in a nucleus. See: John Barrow and Frank Tipler, The Anthropic Cosmoligical Principle (Oxford: Oxford University Press, 1986), 2995.

[20] Martin Rees, Just Six Numbers: The Forces That Shape the Universe (New York: Basic, 2000), 30.

[21] Stephen C. Meyer, “Evidence for Design in Physics and Biology” in Michael J. Beche, William A. Dembski, and Stephen C. Meyer, editors, Science and Evidence for Design in the Universe (San Francisco: Ignatius, 2000), 60.

[22] Steven Weinberg, “A Designer Universe?” New York Review of Boods (October 21, 1999).

[23] Ibid.

[24] Ibid.

برهان الفيزياء: الكون في خطر جـ1 – لي ستروبل

Exit mobile version